الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج النسق(9)

ماجد الشمري

2018 / 1 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وكخلاصة مكثفة لما طرحه ماركس عن العمل المغترب،وما اراد ان يقوله بهذا الشأن:ان اغتراب العمل الاجتماعي ليس بحالة قدرية ثابتة لاتحول او تزول،وانها مصير انساني نوعي حتمي وقار يدمغ الوضع البشري ابدا.بل افترض ماركس العكس،اي انه كنتيجة محصلة لظروف تاريخية واجتماعية واقتصادية جائرة لسيادة الملكية الخاصة والعمل المأجور،وسيضمحل الاغتراب ويزول حتما،وبكل اشكاله عندما تتغير تلك الشروط جذريا بحلول مجتمع واقتصاد جديدان قائمان على المشاعية في الانتاج والتوزيع.وبالقضاء نهائيا على الملكية الخاصة والعمل المستلب اللذان يقهران الانسان العامل ويغربانه.هذه المهمة يقع عبء تحقيقها على الممارسة السياسية العملية(البراكسيس)الثورية للطبقة العاملة بتنظيم نفسها حزبا سياسيا يقود النضال والثورة لتحرير المجتمع من الاستغلال والاغتراب معا.ف"اغتراب العمل"هو نتيجة لنظم الملكية الخاصة ابتداء من الرق حتى النظام الرأسمالي القائم حاليا.فما ينتجه العمل بيديه وعقله يتحول بمفارقة عجيبة الى ضده ويسيطر عليه.لذلك فكل ماينتجه ويبتكره الانسان العامل يزيد من عبوديته واستغلاله واغترابه،وبالتالي لانسلاخه عما ينتج،بدلا من تحقيق ذاته وانسانيته بحرية من خلال العمل،وتملك مايخلقه هو واقرانه من عاملين.
افالاغتراب بكل اشكاله وتجلياته-ووفق ماركس-هو تحصبل حاصل لعجز الانسان امام جبروت الملكية الخاصة والمجتمع الطبقي.وبالاضافة للاغتراب الديني الفيورباخي الذي تأثر به ماركس كثيرا،هناك جذرا اخر لاطروحته عن الانسان المواطن في علاقته بالدولة استقاه من هيجل وعمقه بفكره المتوهج،وراكمه من خلال تأمله في تلك الحوادث التي وقعت في الموزيل وكتب عنها في الجريدة الرينانية في اقليم الراين عام1842-1843من سرقة اخشاب وقلع اشجار من قبل العمال الزراعيين المعدمين(الكرامين)،والتي وقفت الحكومة فيها الى جانب الملاكين ضدهم.فقد ادرك ماركس بعدها وبوعيه الفذ:ان الدولة ليست حيادية ولاتمثل مصالح جميع فئات المجتمع،بقدر ما كانت تمثل وتدافع عن مصالح طبقة واحدة من المجتمع هي طبقة النبلاء والملاكين الكبار السائدة والتي تشكل القاعدة الاجتماعية للنظام الحاكم.لذا رأى ان تنازل الافراد عن حقوقهم الفردية:الطبيعية والسياسية لدولة مثل هذه الدولة الظالمة والمتواطئة والمنحازة لطبقتها المسيطرة هو نوع من الاغتراب وانعدام الوعي،لانه يعني تنازل المواطنين الفقراء عن حقوقهم لنظم سياسية قاهرة تقمعهم وتستعبدهم وتغربهم.ومن هذه المنطلقات الفلسفية والسياسية والفكرية والوقائع اليومية ترسخت لدى ماركس فكرة"العمل المغترب"وبنى عليها اطروحته التي حررها بمؤلفات فترة الشباب في:"المخطوطات الاقتصادية والفلسفية"وبكثافة في"الايديولوجيا الالمانية"واقل من ذلك في"العائلة المقدسة".والتي توارت لاحقا-فكرة الاغتراب--ليحل محلها مفهوم(البراكسيس)العملي.فقد ولى زمن التأمل وحلت ساعة النشاط الفعلي الجاد والممارسة السياسية المنظمة كنقلة ناضجة ومتطورة لاستشراف آفاق الثورة داخل الحركات العمالية العفوية النقابية،والسعي لتحقيقها..
وقبل ان نغادر محطة ماركس التي وقفنا عندهاطويلا-لكونها اهم محطة-الى محطتنا الاخيرة-محطة فرويد-.نعيد سؤالنا السابق والدائم،بصيغة مختلفة.وسؤالنا المشاكس والنقدي والافتراضي عن عالم مستقبلي بعيد،وافتراضي ايضا مع طوباويته،وكأمكان ممكن بين ممكنات اخرى واردة.ليس في ذهننا القدرة ولا الخيال على التنبوء المطابق لها.-فهل حقا سيتلاشى الاغتراب كليا في مجتمع"لكل حسب حاجته"مجتمع"اللادولة"،محتمع الوفرة والرفاه،واطلاق لطاقات الافراد في الانتاج والابداع،فيعمل الانسان ويأكل ويشرب ويتناسل دون استغلال وقهر واغتراب وكل اشكال القمع والاضطهاد،ويستمتع بحريته وحياته وكرامته كأنسان حر دون اكراه او كبت؟!.هنا ايضا كما في اغتراب فيورباخ الديني نشك ايضا بتحقيق ذلك والخلاص الكلي من الاغتراب-بغض النظر عن التطورات الهائلة في التكنولوجيا الدقيقة والطفرات والثورات في الانتاج والاتمتة والربوتية وعناصر الدهشة والابتكار المستقبلي،والاتصالات الخارقة للزمان والمكان بقفزات فلكية تركت ورائها اشباح الماضي القديم لرأسمالية القرن التاسع عشر الكلاسيكية البدائية التي عاش في ظلها ماركس واستلهمها في كتاباته-فلن يزول الاغتراب في مجتمع كهذا ان لم يتخذ اشكالا اخرى!.لانه حتى في مجتمع شيوعي متكامل يقبع في جوف المستقبل النائي كأمكان ممكن واحتمال خيالي حلمي وارد.الا ان الاغتراب سيكون كامنا هناك في اغوار النفس،وطيات العقل ماتحت القشرة المتحضرة،بل وحتى في ذات الشيوعي الطليعي كمثال نموذجي،ناهيك عن طبيعة البشر العاديين الموروثة
والمكتسبة.نعم قد نكون سعداء تلك السعادة الضحلة البلهاء مع تلبية حاجاتنا وتحقيق رغباتنا الحيوية ودغدغة مشاعرنا بشتى العواطف،وخضوعنا الكامل لحكم الغرائز البدائية كميكانيكية بايولوجية بليدة خالية من العقل والمعنى!.-وهذا على افتراض التحقق الواقعي الفعلي للشيوعية دون انحراف او نكسات او كوابيس التجارب الفجة للبيروقراطيات الكابحة والكاتمة للانفاس،وصعود التسلط الحزبوي المتربع على هامات الشغيلة،حيث تتدحرج صخرة سيزيف نحو اسفل الجبل كل مرة من جديد!-.فأغترابات اخرى لم ينتبه لها ماركس ولم تكن في باله بأستثناء الاغتراب الاجتماعي.اغترابات متنوعة وموجودة هنا والان،وستبقى في ظل اي نمط جديد للانتاج وادارة المجتمع،في عقل وخيال ووجدان الانسان-انسان الكهف الغرائزي الغريب-الذي لن يجد ذاته حتى في المجتمع المشاعي الفردوسي القادم!.فمدنيته الطارئة التي تكمن خلفها البنية التحتية المعتمة من لاعقلانيته ولاوعيه ووحشته واغترابه،وادراكه المرير لوجوده العابر والمؤقت،و انفصاله عن عالمه الطبيعي الذي غادره توا مع بداية تاريخ تمدنه وانتاجه لوسائل عيشه وحاجاته،عالم ماقبل انسانية الانسان،عالم الكائنات التي لاتعرف الاغتراب.الاغتراب الذي هو لعنة كينونية لنوعنا المتطور،عندما بدأ الانسان ارتقاءه منذ ان هبط من اشجاره ليمشي على قدمين منتصبا يرطن بكلماته الاولى.من هنا بدأت قصة الاغتراب.فأغترابنا كذوات بشرية ليس طارئا او دخيلا،او مجرد وضع عابر سنتخطاه بسهولة حالما ننبذ الالهة ونغير عالمنا المختل الفوضوي الى عالم متناغم ومنسجم ومتساوي بين افراد نوعه- فيما اذا ماتحولت الطوبى والحلم الى واقع معاش!-.كلا..فالامر ليس على هذه الوتيرة والشكل،ولابهذه البساطة الخيالية.فالاغتراب ليس سبب او نتيجة،فلاعلاقة له بالظروف واوضاع الانسان الاجتماعية.انه جزء من الشرخ القديم،الانسلاخ بين ماكنا عليه وما اصبحناه كبشر.فكائن آخر يعيش بداخلنا هو مغترب دوما،يتعايش تارة ويتصارع تارة اخرى مع نده،قرينه،"انا"نا القابلة للتغيير.ذلك الانا الاجتماعي القطيعي المقلد والمؤتلف مع وسطه الجماعي،والمستجيب والمتكيف مع المتغيرات والمستجدات.اما ذلك الاخر:العبوس،العدائي،الرافض،اللحوح،الساخر ،المنزعج،العدمي،فلن يتصالح مع توأمه النقيض.فهو لايجد معنى ولاهدف ولاقيمة ولاجدوى لكل مايشكل معنى وهدف وقيمة وجدوى لدى الانا الاخرى القطيعية الاجتماعية.فالاغتراب لايوجد خارجنا،انه في داخلنا،في ذاتنا،في اساطيرنا وخرافاتنا،في ادياننا وطقوسنا،في طيات وعينا ولاوعينا،في نسيج مخيالنا واحلامنا وكوابيسنا.انه في اغوارنا السحيقة المظلمة لعقلنا ولذاكرتنا وذكرياتنا الشخصية والجمعية،وقتنا وتاريخنا،انه في"انا"نا المنقسم بين ذات واعية اجتماعية بسيطة مروضة ومقولبة في نشأتها وتطورها،وبين الانا الاخرى:الغريبة المتوحشة المتمردة الغرائزية التي تأبى الخضوع،وتزاحمنا في وجودنا،تقلقنا وتفصلنا وتلحمنا مع طبيعتنا البايولوجية والسايكولوجية والوجودية القديمة المنسجمة مع عالمها البدائي الذي انطوى ولازال عالقا بترسباته وادرانه الكثيفة بتلافيف ادمغتنا تحت قشرة الحضارة والمدنية الرقيقة الزلقة!.فحتى ذكريات حياة احدنا الواحد والتي هي لااكثر من عقود وفي نهايتها العدم! هي اغتراب الحاضر عن الماضي القريب في ارتحال مستمر وعودة ونكوص الى فترة الصبا والمراهقة والشباب التي طواها الزمن في الواقع ولكننا نعيشها في خيالنا النوستاليجي المزدهر في الذاكرة فيتداخل الومن الكرنولوجي بالزمن النفسي والزمن التاريخي والبايولوجي والكوني بحزمة من ازمنة وامكنة تعبر عقولنا كموجات صاخبة مبلبلة تقتات اغترابها كرجع بعيد متشابك!..
.........................................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر