الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاضطراب في ديوان -سيدة الأرض- اسماعيل حج محمد

رائد الحواري

2018 / 1 / 2
الادب والفن


كتابة الشعر يصاحبها شيء من التوتر، أو إثار تأتي من الداخل أو الخارج، ودائما هناك تأثرات مخزنة في العقل الباطن تنفتح دون أن يشعر بها الشاعر/الكاتب وتؤثر سلبا أو إيجابا عليه وعلى وما يكتبه من قصائد، حاولت تتبع الخطوط البيضاء في ديوان "لسيدة الأرض" فوجدتها مختلطة مع السواد، وعندما حاولت البحث عن السواد المطلق وجدته أيضا مختلط ومتشابك مع البياض، الحالة الأولى جاءت في القصائد الحب والغزل، والحالة الثانية جاءت في القصائد الوطنية والقومية، وليت الأمر تعلق بالمضمون فقط، بل وجدناه في الألفاظ واللغة أيضا، وبما أن الشاعر التزم بالقافية، فكان العديد من نهاية الأبيات تؤكد حالة الاختلاط والاضطراب والتوتر، وقد بدا لنا شاعر وكأنه يعاني من كل ما سبق، ولهذا وجدنا هناك اضطراب وتداخل وصراع في قصائد الديوان.
ولكي نوضح ما جاء في الديوان سنأخذ قصيدة "عيناك في قصيدة" والتي من المفترض أن تكون خاصة وكاملة للحبية:
"عيناك في القصيدة
والثغر ورد والشفاه أغان
وجه كذاك البدر يسطع في المدى
أما الخدود فزهرة الرمان
سبحان من وهب القلوب بحبها
إذ خصها بالذكر كل بيان
يا حلوة القسمات هذي أحرفي
مجبولة بالفل والريحان
وبها القوافي أحرف تشدو بلحن ضلوعها الحاني
غنيت اسمك ألف ألف قصيدة وعزف لحنك أجمل الأوطان" ص25، و29، إذا ما توقفنا عند هذه الابيات سنجد انسجام بين اللفظ والمعاني، اللغة والمضمون، فلا نجد أي لفظ/كلمة شاذة أو توحي بالقسوة أو الشدة، وهذا الانسجام ناتج عن تماهي الشاعر مع الحبية أو لاـ ثن انسجامه مع ما يفكر فيه، وانعكاس ذلك على اللغة والألفاظ والأفكار التي يحملها والتي قدمها في شعره.
لكن بعد هذه الابيات نجد بداية الاضطراب بدأ من هذا البيت مباشرة:
"ومددت كفي في هواك لتقرئي
كف النجوم بصخرة الفنجان" ص226، مضمون جميل بالتأكيد، لكن لفظ "صرخة" يعطي مدلول الشدة والقسوة والألم وعدم سوية الحالة النفسية، فهناك ألم، وبعدها تأخذ القصيدة في الابتعاد شيئا فشيئا عن البياض:
"ولتزرعي قلبي بزهرات الندى
بدفتر الكثبان والصوان
ما زلت أنتظر الإشارة بالرضا
وأذوب شوقا في هوى الأجفان
من يوم لقيانا وحبك غايتي
يا كبرياء الحسن والأحزان
يا فجر نور من ظلام دامس
تسقي النخيل شقائق النعمان" ص26، فلفظ "الصوان، الأحزان، ظلام دامس" كلها تشير إلى معاني سوداء وقاسية، وكأن هناك حالة من السواد يعاني منها الشاعر تلازمه بحيث تكون حاضرة حتى في حالة التجلي والتماهي مع المخلص/الحبية، وإذا ما توقفنا عند مضامين الابيات سنجد هناك حالة من الألم مثل:
"ما زلت أنتظر الإشارة بالرضا
وأذوب شوقا في هوى الأجفان" فحالة الانتظار هنا مؤلمة، والذواب أيضا يحمل/يعطي صورة الألم، من هنا نقول أن "اسماعيل حج محمد" يحمل في داخله، في العقل الباطن شيء من الألم والمآسي لا يستطع أن يتخلص منها حتى وهو في ذروة الفرح.
تقد الشاعر بالقافية جعله أسير لكلمات بعينها، مما أضعف جمالية القصيدة، من هنا نشير إلى ضرورة أن يكون الشاعر ذاته، أن يكتب ما يمليه عليه القصيدة، لا أن يكتب ما يتوافق والقليد الشعري، وعندما يمارس هذا يمارس هذا الدور فأنه يتخلى عن شاعرته لصالح (شكل القصيدة) في القصيدة السابقة نجد لفظ "الأوطان، الصوان، الأحزان، وكلها تعطي مدلول غير أبيض، ولكي نعطي دليلا على أن التزام الشاعر بالقافة جعله أسير كلمات بعينها، نأخذ قصيدة ثانية كانت قافيتها حرف النون:
"للقارئين من الكتاب أزاهرا
ليضيء نور الزيت بالقرآن
والقاطفين من النجوم سنابلا
والقابضين الماء في الألحان
والمعلنين كأنهم كقلاعها
هذي جبال شقائق النعمان
والعاصرين من النبيذ قصائدا
تسقي اليباس بمدمع الشريان
والمشعلين من العظام مشعلا
والرافعين الرأس بالأكفان
والغارسين النجم ملء عيونهم
والزارعين الصحراء بالأحزان
والهاجرين النوم في ليل الدجى
والفجر يرجف رجفة الأجفان
والشامخين الأرض مثل نخيلها
والصانعين من الدموع أغان
والراسمين الزهر لون قلوبهم
الساجدين لثورة البركان
والقاطعين النهر رسم حدودهم
الرافعين الشمس بالقرآن
والحافرين الأرض من أعماقهم
والجرح ينبض ساطع الألوان
والصاعدين الغيم علو جباههم
والراكعين بحضرة الرحمن
...
ولهم أعاجيب البطولة تنحني
متمردين على لظى النيران
ورأيتهم في الأغنيات نشيدها
وقرأتهم في زهرة الرمان" ص27-29.
نجد هناك كلمات استخدمها الشاعر في كلتا القصيدتين، مثل "النعمان، الأحزان، الأجفان، الرمان" وإذا ما توقفنا عند هذه الكلمات سنجدها أضعفت القصيدة وحدة من فضاءها اللغوي، وإذا ما أخذنا المضمون الذي تحمله الأبيات نجد أيضا هناك خلل لا يتوافق وطبيعة الفكرة التي من المفترض أن تحملها، مثل :
"والعاصرين من النبيذ قصائدا
تسقي اليباس بمدمع الشريان
والمشعلين من العظام مشعلا
والرافعين الرأس بالأكفان" فلفظ "الشريان" قاسي ويعطي مدلول طبي أكثر منه ادبين وكان يمكن أن يستبدل بلفظ آخر يكون أجمل، ونجد لفظ العظام والأكفان" الذي يعطي لا يخدم الفكرة لا من قريب أو من بعيد، ويعطي مدلول غير أدبي وأسود في ذات الوقت،

وليت الأمر توقف عند هذا فنجد هناك بيت يتناقض تماما وما تحمله القصيدة من أفكار:
" والغارسين النجم ملء عيونهم
والزارعين الصحراء بالأحزان" فكيف جمع الشاعر بين النجوم في السماء والأحزان في الصحراء، ألا تكون كلمة ـ على سبيل المثل ـ "الألوان" افضل وأقرب لتكملة المعنى؟
كل هذا الاضطراب يشير إلى أن هناك مجموعة الانفعالات السوداء والبيضاء متداخلة عند الشاعر بحيث تنعكس على ما يقدمه لنا من قصائد.
هناك بعض الصورة الرائعة التي جاءت في الديوان كما هو الحال في هذه الصورة التي جاءت في قصيدة "تقول القدس وهي تشتعل":
" صليب يحمل الآلام
بحب وهو يبتها" ص46.
وهناك فكرة التعدد والتنوع التي تميز المجتمع الفلسطيني من خلال استحضار هذا الرمز:
"وسيعصر الزيتون من أعماقه
نورا يضيء كنائسا ومساجدا" ص63.
وهناك تأثرات لشعراء ولقصائد على الشاعر جاءت في اكثر من موضع
كما هو الحال في هذا المقطع:
"وقد ناحت حمائمها
وخيط الغار من كبر" ص13، فكلنا يذكر هذا البيت "لأبو فراس الحمداني":
" قول وقد ناحت بقربي حمامة ..... أيا جارتا هل تشعرين بحالي"
ونجد هذا المقطع أيضا من قصيدة "لا.. لا تقصوا الأجنحة":
"والفجر آت نوره
رغم الليالي الحالكات" ص21 الذي يلتقي مع هذ البيت لهارون هاشم رشيد:
" رغم الليالي العابثات بنا والجوع والتشريد والمحن"
وهناك تأثيرات دينية تتعلق بالقرآن الكريم أو بالعهد الجديد، كما هو الحال في هذا المقطع من قصيدة "وانت المزن بل أنقى":
"وأنت صليب أوجاعي
من الترانيم إنجيل
.. وتعلو النخل بسمتها
يهز الجذع جبريل" ص9، كل هذا يشير إلى تنوع وتعدد الثقافي عند الشاعر وتمكنه من استخدام ما يتوافق والمضمون الشعري.
الديوان الطبعة الأولى 2018، بدون اسم دار نشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع