الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(9)

حكمت حمزة

2018 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يرض أبي أن يحتفل بعيد ميلادي، وسجلت أول نقطة سوداء في عامي الرابع عشر قبل أن يبدأ حتى. لم ينفعني كم القسوة والتشدد اللذين تلقيتهما في حياتي، إذ يفترض بي أن أصبح صنما أو حجارة، لا أهتم لهذه الأشياء، أو بالأحرى أن تكون مشاعري قد ماتت، إلا أن بصيص الطفولة الذي يعيش بداخلي، أبى إلا أن يعمل بدل المشاعر، فزاد الحزن ضعفا، و خارت قواي ضعفا.
بقيت مستلقيا بجسدي على السجادة، لا أدري كم من الوقت مضى وأنا على هذه الحالة، كل ما أذكره هو أن بذرة الشقاق بيني وبين الدين بدأت تنمو وتترعرع داخلي، ولست أدري إن كان عقلي يشكل بيئة خصبة لهذه الأفكار، أم أن الوضع الذي عشته كان سببا في استصلاح نفسي لتتقبل هذا النوع من المزروعات.
كان الانتقام من والدي هو الذي يشغل فكري، ولكني لم أدر كيف السبيل إلى ذلك، ولكن بما أنه امتنع عن الاحتفال بعيد ميلادي بسبب الدين، قررت أن أنتقم منه ومن الدين دفعة واحدة، وخطر ببالي يومها بأن أخادع أبي، وألا أصلي كنوع من رد الاعتبار لذاتي، باستثناء خيوط الخوف التي تتسلل داخلي، إلا أني كنت مفعما بطلب الثأر مما حدث، وهذا ما افتتحت به عامي الرابع عشر، سميته انتقاما في ذلك الوقت، أما اليوم فأسميه بداية النجاة من براثن الدين والإله، صحيح أنها كانت رمية من غير رامٍ، لكنه أفضل هدف أصبته عشوائيا في حياتي، و بداية الضربة القاضية التي كانت نتيجتها فوزي بتلك المباراة الدامية بين عقلي والدين.
كالمعتاد، أيقظني أبي لصلاة الفجر، فاستيقظت، وتظاهرت بأني توضأت، وعدت إلى غرفتي، جثوت على ركبتي وانتظرت، حتى سمعت صوت اغلاق باب المنزل، لأتأكد من أن أبي قد خرج إلى المسجد، بعدها قفزت مسرعا نحو سريري قبل أن أفقد كل الدفء من جسدي...كانت مشاعري مختلطة بين نشوة الانتصار والخوف، لكني في هذه المرة كنت أقوى من مشاعر الخوف، إذ لم يحتاج الأمر أكثر من عشر دقائق كي أستغرق في النوم مجددا.
تكرر ذاك الفعل بشكل شبه يومي، كلما غابت رقابة الأهل عني تركت الصلاة، و الشيء الذي كان ملحوظا بالنسبة لي آنذاك، هو غياب الخوف من العقاب الإلهي شيئا فشيئا، كأن الأمر بدا طبيعيا وروتينيا، ووصل بي الكسل إلى المماطلة في أداء الصلاة حتى أثناء وجود الأهل، فأقوم متثاقلا متململا وكل من حولي بدأ يحس بهذا الشيء، وهنا بدأت التلميحات والتعنيف بسبب التراخي عن واجبي الإلهي، يتخللها بضع حفلات من العنف والضرب، دون أن يغير ذلك ما يدور برأسي، فم أعد أصلي في المسجد باستثناء صلاة الجمعة، وعناد المراهقين يتملكني شيئا فشيئا، رافق ذلك ازدياد عدد الأصدقاء، وكثرة الاجتماعات معهم.
وكما هو معتاد في جلسات المراهقين البعيدة عن الرقابة، غنية بالكثير من اللهو والعبث، والأحاديث التي تعتبر سرية بالنسبة للمجتمع، وأهمها الثقافة الجنسية، إذ أن الاجتماعات تلك، كانت المصدر الوحيد للمعلومات الجنسية، خصوصا وأن معظمنا بدأ يلاحظ تغيرات في جسمه ووجهه من علامات البلوغ التي ترافق الجميع، وكل منا يهرف بما لا يعرف، ويدعي الخبرة في هذا المجال، والكثير من الأمور الأخرى.
ما لفت نظري في الجلسات تلك، هو أحد الأصدقاء الذي ما انفك يشتم ويسب الله والأنبياء والدين والمقدسات، كان ذلك شيئا جديدا كليا بالنسبة لي، ورغم ابتعادي عن الدين في الفترة الأخيرة، إلا أن سب الله والأنبياء أو ما يسمى في بلدنا (الكفر)، كان شيئا لم أتخيل يوما أني سأفعله أو أتلفظ به، ودائما ما كنت أتشاجر معه لفظيا نتيجة لكلماته تلك، بنفس الوقت كنت أستغرب كيف لله أن يترك أحدا مثل هذا يسبه ويشتمه ويهينه، دون عقاب أو حساب، فعلى مستواي الشخصي لم أكن أحتمل أن يسبني أحد، وكانت تثور ثائرتي إن تلفظ أحد علي أو على أهلي بسوء، أما الله ، و رغم كل ما يقوله هذا المراهق عنه، كان كما يقال أنه قال في قرآنه (صم بكم عمي)، وكأن السباب يوجه لأحد آخر وليس له، وهذا الموضوع بالذات كان أكبر فجوة تناقض مررت بها آنذاك.
في أحد المرات عدت إلى المنزل، وجلست أفكر في وضع المراهق، كيف يستطيع سب الله، وكيف يعيش سعيدا مسرورا دون أن ينغص الله حياته ولا بأي شكل من الأشكال؟ تذكرت آية من القرآن (ويمدهم في طغيانهم يعمهون)، وتذكرت إحدى الجلسات الدينية التي حضرتها، التي كان يتحدث فيها الشيخ عن أن الله يحاسب بعض المسيئين والكفار في الدنيا، ويترك القسم الآخر إلى يوم القيامة كي يعذبهم عذابا شديدا ويقتص منهم.
رغم ذلك يفترض ألا يدع الله أحدا يتطاول عليه هكذا، فكل تلك الإساءات الموجهة إليه يمررها دون أن يحرك ساكنا...لعدة أيام شغلني هذا الموضوع، ولم أجد له تفسيرا منطقيا يشفي غليل فضولي المتعطش دوما للحقيقة.
جدير بالذكر أن ابتعادي عن الصلاة والدين نوعا ما، كان مترافقا بتعمقي وقراءتي للكتب والأدبيات الاسلامية، وللأمانة فإن والدي رغم كونه ملتزما دينيا، إلا أنه كان منفتحا من الناحية الطائفية، فلم يكن يكره الطوائف الأخرى، وكان لنا العديد من الأصدقاء من الطائفة العلوية والشيعية، ومسيحيون أيضا، بالإضافة لذلك فقد كان يمتلك مكتبة خاصة به، فيها الكثير من الكتب التي تتحدث عن الطوائف الأخرى، تلك المكتبة كانت الشيء الوحيد الذي يمكنني التصرف به كما أشاء، فقد أراد أن يورثني ولعه بالقراءة والثقافة خصوصا الدينية منها. شكلت تلك المكتبة بالنسبة لي النافذة التي تمرر لي النور في مراهقتي، فكلما ضاقت بي الدنيا توجهت إليها ونهلت منها ما أشاء حتى أشبع.
إحدى المرات وقع بيدي سلسلة كتب بعنوان (الفقه على المذاهب الأربعة) لعبد الرحمن الحريري (حسب ما أذكر)، وبدأت أقرأ فيها، وأتبحر فيها، وكانت مفاجأة بالنسبة لي، كم الاختلافات والفوارق الموجودة بين المذاهب الأربعة، رغم أنها جميعا تدور في فلك الاسلام السني، إلا أن هناك فوارق لم يستطع عقلي أن يتقبلها أبدا، ولم أجد لها مبررا أبدا.
من أهم الأشياء التي أذكرها هو دعاء الاستفتاح الذي تبدأ به الصلاة، فكل مذهب يقول بدعاء مختلف، وهنا عدت إلى الوقوع في الدوامات. حينها لجأت إلى أستاذ التربية الاسلامية في المدرسة، في نهاية أحد الحصص سألته:
- أستاذ أحمد لو سمحت، عندي سؤال.
- اسأل يا حكمت تفضل.
- كنت أقرأ في أحد كتب الفقه الاسلامي، و في إحدى الفقرات وجدت اختلافا في دعاء الاستفتاح بين المذاهب، ولقد وقعت في حيرة من أمري، فلم أدري أيهم الأصح.
- يا حكمت، أنتم في العائلة ما هو مذهبكم الذين تتبعونه؟
خيم الصمت علي ولم أستطع إجابته عن سؤاله هذا، لم يخطر ببالي أبدا أن العائلة تتبع مذهبا معينا، و حتى أبي لم يذكر لي مرة شيئا عن هذا، رغم حضوري لآلاف المجالس والدروس الدينية، إلا أن أحدا لم يتطرق لهذا الحديث أمامي...أدركت أن صمتي طال فعاجلت الأستاذ بالقول:
- في الحقيقة يا أستاذ لا أعلم مذهب العائلة، لم يخبرني أبي شيئا عن هذا الموضوع.
- حسنا بإمكانك أن تسأل والدك عن هذا الموضوع، وبعدها نتحدث.
خرج الأستاذ من الصف، و غيوم الاستغراب لا زالت تحلق فوق رأسي، هل يعقل أن نكون من أتباع المذهب الحنفي؟ لأننا نقول في بداية الصلاة (سبحانك اللهم وبحمدك...الخ)، وبقي هذا التساؤل يدور في رأسي إلى أن عدت إلى المنزل.
انتظرت أبي بفارغ الصبر حتى عاد، وعندما بدل ملابسه وارتاح قليلا ذهبت إليه وسألته:
- أبي، قل لي نحن نتبع أي مذهب في الاسلام.
تفاجأ أبي نوعا ما من سؤالي فقال:
- ولماذا تسأل عن هذا الموضوع، ما الذي خطر ببالك؟
- لا شيء، كنت أقرأ في كتب الفقه، فوجدت أن دعاء الاستفتاح مختلف بين مذهب وآخر، وعندما سألت أستاذ التربية الاسلامية عن هذا الموضوع، سألني عن المذهب الذي نتبعه في العائلة، فلم أعرف وجئت أسألك عنه.
- يا بني، نحن نتبع المذهب الحنفي.
- إذا لماذا هناك اختلاف بين المذاهب في هذا الموضوع، وهل يعتبر أحد المذاهب أكثر صحة من الآخر؟
- لا يا بني، المذاهب كلها تنقل هذه الأمور والأفعال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن الرسول صلى وقرأ أدعية الاستفتاح كلها، في كل مرة كان يقرأ دعاء ما.
- ولماذا كل مذهب أخذ دعاء معينا، بما أن كل تلك الأدعية منقولة عن النبي، يفترض بهم ألا يتقيدوا بشيء معين، فكل ذلك من الدين.
أحس أبي بأن سيل الأسئلة المعتاد مني قد بدأ، فتجهم وجهه قليلا وقال:
- كل إمام من الأئمة الأربعة له وجهة نظر متعينة في هذا الموضوع.
- وما دخل وجهة نظر الإمام بهذا الأمر، طالما أن الرسول لم يخصص شيئا معينا، فمن الخطأ أن يميل الأئمة إلى دعاء دون آخر، أو أن يقولوا بدعاء دون غيره.
- وهل تظن أنك تفهم أكثر من الأئمة، توقف عن هذا الكلام فالأئمة أعلم منا جميعا بهذه الأمور، ولا تناقش هذه الأشياء مرة أخرى.
لم يعجبني كلام ابي، فانصرفت والأسئلة لا زالت تضرب مخي من كل حدب وصوب، هذا الخلاف لا معنى له، لا بد أن هناك شيئا ما في الموضوع.
طبعا هذه الأمور التي يعدها البعض أمورا عادية، هي في الحقيقة مفتاح لدخول عالم البحث عن حقيقة الدين من جديد، ربما يهمل الناس مثل هذه التفاصيل لعدة أسباب، وأهمها أنها جاءت عن طريق الأئمة وليس عن طريق محمد، إلا أن هذه الفكرة فقط كفيلة بتوضيح حجم العبث الذي حدث للدين عبر الزمن، لدرجة أن ما قاله الأئمة يعتبر اليوم من أصول الدين، نتيجة لجهل الناس بدينهم، وتحوله إلى روتين يؤديه المسلم بشكل تلقائي دون التفكير بأصوله وصحته، وإن كان دعاء الاستفتاح بداية الفروقات، فإن هناك الكثير من الأمور التي تجعل من ذوي العقول يشككون بكل ما أتى في دينهم، وسيصل مد الشك يوما ما إلى القرآن الذي يصعب الاقتناع بعدم تحريفه على مدى خمس عشرة قرن تقريبا، و جملة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) لا تكفل للبشرية بقاء الكتاب كما هو على مدار كل تلك الفترة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رمتني بدآئها وانسلت!
فهد لعنزي ــ السعودية ( 2018 / 1 / 3 - 07:15 )
الاخ الكريم محمد الاسكندراني (Facebook). ان اختزالك الرد بـ (موضوع ضعيف) لا معتى له ولا يفيد احد ووجوده وعدمه سيان وكان الواجب عليك ان تفند ما جاء في المقال تفنيدا عقلانيا استنادا على حقآئق انت تؤمن بها لتفيد القآرئ للمقارنة بين الرايين. اما القاء الكلام بدون اي نتيجة لا فائدة فيه. لو قلت انا (موضوع قوي) وكفى فهل سيفيدك بشيئ؟؟. كلا!.اخي الكريم يجب الرد على قدر محتوى المقال ولك وللكاتب الشكر.


2 - السيد فهد العنزي
حكمت حمزة ( 2018 / 1 / 3 - 15:09 )
مشكور من القلب على قيامك بالرد، ولكن ربما لم يلحظ صديقنا محمد الاسكندراني أن الموضوع هو مذكرات إنسان لاديني في بداية حياته، وليس نقدا دينيا أو موضوعا إلحاديا، هو عبارة عن سرد لأحداث واقعية جرت في الماضي ولا يراد بها تبيان بطلان دين أو صحة معتقد...مع خالص المحبة والتحية

اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن