الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيف

أسعد العزوني

2018 / 1 / 3
الادب والفن




قصة :أسعد العزوني
كبر أحمد وترعرع وأصبح يدرك حقائق الأمور وخوافيها حيث كان مستواه العقلي يفوق عمره الزمني أضعاف أضعاف "هكذا يقول علماء النفس" كان مميزاً عن غيره من الأطفال، سواء أطفال أسرته أو حارته. كانوا يشيرون إليه بالبيان هذا أحمد الشاطر، هذا أحمد الفارس.
وكثيراً ما كانت أمه تحدث الجيران عنه. ولدي أحمد سيصبح فارساً تتمناه كل بنات البلدة وخاصة بنت المختار. إنني متأكده أنها حين تراه ستقبل به عريساً لها إن هو طلبها. ومن يدري فعلها تطلبه هي زوجاً لها. وستكون نهاية المطاف مع أبيها المتغطرس.
نعم يا أم أحمد لقد كبر وأصبح فارساً وصدق ظنك في بنت المختار كذلك ولكنه رفضها لقد قال: لن أتزوج من الأغنياء أريد زوجة من الفقراء مثلي وأريدها أن تعرف معنى احترام الناس وحبهم لا التكبر عليهم. وتعدى ذلك بل أراد أن يغير وضع عائلته كلها وأخذ يحث أعمامه على المطالبة بحقهم الضائع – نعم – لماذا لم تطالبوا بحقنا؟
- اخرس يا ولد، أنت ولد صغير بعدك.
- ألم أكبر بعد؟
- كلا – سوف تبقى طفلاً.
- ماذا يعني أعمامي بذلك يا أمي. هل خلقوا هم رجالاً بشوارب أم جاءوا إلى الدنيا مثلي وكبروا إلى أن اصبحوا رجالاً؟
- نعم يا ولدي – قالتها أمه والدمعة تغسل خديها – لقد ولدوا مثلك ولكنهم خلقوا أذلاء يا ولدي لم يعرفوا من الرجولة إلا ما تريده المرأة في الليل.
فقط إنهم ضعفاء. ضعفاء يا ولدي. قاتلهم الله. لقد فرطوا في حقوقنا وأرضنا للغير – وكذلك أبوك يا ولدي مثلهم وإنه ضعيف لا يحسن إلا الدعاء. كالنساء تماماً.
"اللهم اقض عليهم – وشتت شملهم – ورمل نساءهم – ويتم أطفالهم، اللهم إن امست عليهم فلا تصبح. وإن أصبحت فلا تمسي. اللهم خرب بيوتهم. وابعث عليهم الجراد..".
يا ولدي هكذا يدعوا أباك في الليل وعند صلاة الفجر وكذلك أعمامك.
ولكن يا ولدي أملي فيك أن ترجع حقوقنا وأرضنا. لقد اشتهيت البرتقال يا ولدي. واشتهيت زيت الزيتون والجلوس تحت الدالية وشجرات التين عند القيلولة. أصبحت أحن إلى المنجل وأغاني الحصاد.
- سأكون عند حسن ظنك يا أمي سوف أفعل كل شيء من أجل ذلك، ولكني أخاف أعمامي إنهم يكرهونني يا أماه وكذلك أبي إنه مثلهم، لقد سمعتهم الليلة الماضية يقولون دون علم منهم أني أسمعهم. "هذا قرد مش ولد – إنه غضيب يريد ان يورطنا. وبعدين معاه. شو بدنا نسوي فيه؟" وقد قال لهم أبي "مش معقول خايفين من ابني – لا – تخافوا ابني سيمشي على طريقة أبيه وإذا عاند سأريكم ماذا سأفعل به" سأقلته!! سأقتله إن هو خالف أوامري." وعندها ضحك الجميع وقالوا بصوت واحد "أولاد آخر زمن".
بكت أمه كثيراً لأنها قرأت مصيره على جبينه. وفي عينيه. وعلى لسانه، ولما لا وهي التي تبصر بالرمل وتقرأ بالفنجان.
– ولكن هل أقول له ذلك؟ لا لا لن أخبره بشيء لن أثبط عزيمته إنني أمه وهو ابني.
- اركب فرسك يا احمد وليحرسك الله وافتح عينيك جيداً فأنت فارس قوي ويغار منك الجميع. لن يغلبك أحد يا ابني – لن يستطيع أحد أن يقتلك.
وما أن ركب أحمد فرسه المحجلة الأصيلة حتى اخذ يجول فيها بالشوارع جيئة وذهاباً حتى لم يبق شباك إلا وقد وقفت عليه صبية حسناء تنظر إلى هذا الفارس الذي جاء في زمن شح فيه وجود الفرسان.
- من هو ذلك الفارس – صاحت واحدة.
- إنه أحمد.
- ومن أين جاء؟
- من بطن أمه – قالتها إحداهن وهي تضحك.
ذهل أحمد لانه لم ير مصدر الصوت .. ارتجف بعض الشيء..
سحب سيفه الذي ورثه عن أبيه.. واستعد للمبارزة – لا يا أحمد .. إن هذا السيف لن يفيدك.. بل ربما سيضرك ويجلب عليك الويلات – إرمه يا أحمد فأنا لست عدوك .. أنا الذي سأنقذك – أنا أحد أقاربك..
وما أن سمع أحمد كلمة أقاربك – حتى شعر بأن الفرج نزل عليه من السماء.. أهلاً بأقاربي ولقد جئت أبحث عنكم.. ولم يكمل حتى قاطعه الصوت – لقد جئناك نحن.. وفجأة تمثل له الصوت برجل في مقتبل العمر.
- إجلس يا ولدي.. وتعال نتحدث عن أمورك ولكن بالله عليك إرم هذا السيف فأنا أملك أحسن منه واقوى..
دارت الدنيا برأس أحمد.. إرم هذا السيف.. فأنا أملك أحسن منه وأقوى.. ولكن لماذا ضاع حقي إذاً؟.. أين كانت سيوفكم؟.. لا لن أرميه وليطردني من أرضه.. قال لنفسه:
- عمي – لن أرمي سيفي.. لن اتنازل عنه حتى لو ملكت كل سيوف الأرض.. إن يدي قد تعودت عليه.
- إرمه أحمد.. لقد عوضك الله بسيوفنا التي تلمع في الشمس كالمرايا.. قال له الرجل.
ولكن أحمد كان صاحب كلمة ... لم يتخاذل... لن أرميه يا عمي قلت لك.. قالها مصراً.
- تململ الرجل.. أشعل عود حطب ووضعه بجانبه.. وصار يتمتم بكلمات لم يفهمهما أحمد.. وأخيراً اعتدل في جلسته وأخذ يضحك معه ويمازحه..
- لا تخف يا أحمد ابق سيفك معك.. ولكني أحبذ أنك لو لم تحمله هنا.. إخفيه في إحد الأمكنة ويا حبذا لو أنك تخفيه عندي فأنا عمك..
- شكراً لك يا عمي.. إنني لم آت إلى هنا لأخبئ السيف وأرجع بدونه.. لقد جئت لأشحذه وأحمل معي سيوفاً تسانده قال أحمد.
- آه.. بسيطة يا أحمد.. ألم أقل لك بأن سيوفنا كثيرة.. خذها يا أحمد.. ولكن ليبقى سيفك عندي للذكرى.. يا ولدي رد عليه الرجل.
- عمي.. أمعقول ما تقوله؟ تعطيني سيوفاً كثيرة وتأخذ سيفي؟ لماذا؟ هل هذا لغز علي ان أحله.. رد عليه أحمد.
- آه.. قالها الرجل.. ما أذكى هذا الولد إنه صعب.. كيف سأخدعه.. لن اسمح له بمغادرة هذا المكان ومعه هذا السيف الذي سينزل على رقابنا جميعاً في يوم من الأيام.. وما أقرب ذلك اليوم.. لن يهدأ أحمد.. وسيخلق لنا ألف أحمد.. قالها الرجل لنفسه.
فكر الرجل أن يقتله.. ولكن هل يفيدنا قتله.. ألف أحمد سيأتون بسيوفهم الحديدية.. وماذا نعمل نحن بسيوفنا الخشبية.. إنها ورطة ورب الكعبة.. سأفكر أن أخدعه ولكن كيف..؟
- تعال يا عمي.. إجلس بجانبي – لقد اشتقت إليك .. كنت أفكر كيف تعيشون خاصة وأن هذا الشتاء كان قارساً قاتل الله الفقر يا ولدي – لم أكن أملك ثمن الحرير لأجلبه لكم.. ولا ثمن الموز والتفاح.. آه قاتل الله الفقر.. قال الرجل.
- حرير.. موز.. تفاح.. ما هذه الألغاز.. قالها أحمد في سره.. عمي يريد ان يلبسنا الحرير.. تباً لك من عم إننا نبحث الآن عن الخيش.. ثم موز وتفاح، هل نحن مقبلون على مهرجانات عالمية.. لقد فرقنا زيت الكوكاز.. آه... إنك منهم أيها العم الدجال.. لقد صدقت يا أمي حين قلت: إنها تعرفكم على حقيقتكم ولكن لأرى.. سأعريكم!
- شكراً لك يا عمي على ذلكِ.. لقد جئت إليك لا لطلب الحرير ولا لأكل الموز والتفاح.. لقد جئت للسيوف.. وللسيوف فقط.. نحن بحاجة إلى سيوف.. فأيدينا صارت تقلقنا أكثر من بطوننا قال أحمد.
- ضحك الرجل وقال..
- أنا مستعد وسأبعث لبقية أعمامك ليأتوك من كل فج وصوب – لكن ....سيفك يزعجني ,....ويزعجهم كذلك.. وكما قلت لك إخفيه هنا.. وإذهب إليهم. فسترجع بسيوف كثيرة مشحوذة.
مل أحمد من هذا الكلام الذي أصبح كالسيف يوخز قلبه.. وصمم أن يطرحه الرجل بالخفية – وقال:
- عمي – قلت لك لن أتنازل عن هذا السيف – وكلمتي واحدة وإذا أردت أن تساعدني فافعل.. وإن أردت أن تطردني فافعل.. فأنا سأتدبر أمري...
- لا يا ولدي – قالها لرجل وقد بدت عليه علامات الحرج ابق عندي.. ابق والسيف سنتحدث عنه فيما بعد فعلى ما يبدو أنك مجهد من المسافة الطويلة... سأتدبر أمر هذا السيف فيما بعد....
- لا ... لن يكون ذلك قالها أحمد وغادر ذلك المكان وهو يردد كلمات أمه "أقاربك كثيرون وإن أكرمتهم.....".
- ارجع يا ولدي ارجع فالطريق بعيدة ...أنا عمك سأذهب معك في الصباح.. الذئاب هنا كثيرة والوحوش كاسرة.. ارجع.. صرخ الرجل على أحمد ولكن أحمد صمم على أن لا يسمع كلام ذلك الرجل الذي كان يهدف إلى سرقة السيف منه بأية طريقة...
مشى أحمد في الليل يقطع الفيافي والقفار يمر بجانب الوحوش الذي تمثلت له تماثيلاً منحوتة في الصخر – فلا وحش تعرض له ولا أذاه حتى الضبع الغدار تخلى عن عادته القذرة وعن رائحته العفنة إكراماً لأحمد المغدور وكذلك الأسد ملك الحيوانات غدا أرنباً للمظلوم – الله .. يا خالق هذه الكائنات .. احمني منها واحمني من ذلك الرجل – قالها أحمد.
وأثناء ذلك جاءه صوت من بعيد
- امض يا أحمد فأبواب السماء مفتوحة.. وسوف لن تؤذيك هذه الحيوانات الكاسرة بل ستكون لك مؤنساً لا موحشاً ولكن حذار من السيف ان تضيعه امض أيها الفارس.. سيفك لا تفرط به.. استأنس أحمد لهذه الكلمات.. وخاف في نفس الوقت ولكن خوفه تبدد... وحين لم يجد أحدأ تمثل له إنسان وأدرك أن العناية الإلهية تحفظه.
استمر احمد في المسير.. والتفكير من أين سيمر عن الثاني.. وما هي إلا ساعات حتى بزغ الفجر وبرزت الشمس بلهبها ولهيبها.. الذي كواه ودوخه ولم يعد قادراً على المتابعة فجلس تحت أول شجرة نخيل صادفته.. ليأخذ نفسه وفطن أن حلة زواده فيهاأرغفة الطابون المدهونة بالزيت والزعتر وفتحها..
- كل يا ولدي ....كل.. عافاك الله وأعانك على هذا المشوار جاءه الصوت من بعيد.. كان يشبه إلى حد بعيد الصوت الأول "..وارتجف كالمرة الأولى ونحى الزوادة جانباً واستل سيفه....
- لا ياولدي .. لست غريباً – ولست جنياً أنا عمك لا تخف لقد جئت لمساعدتك تناول طعامك يا ولدي وسنتحدث بعد ذلك. وتمثل له رجلاً يحمل خنجراً على بطنه وسيفاً على جنبه..
فرح أحمد وقال في سره – جاء الفرج فعمي هذا أفضل من عمي الأول.. إنه يحمل الخناجر والسيوف.. لقد قصرت المسافة عليّ.
جلس الرجل في وقار زائد وأدب جم..، وأحمد يلتهم الطعام التهاماً ويلهث في نفس الوقت من التعب والحر وفي لحظات أنهى وجبته ونظر إلى عمه المدجج بالخناجر والسيوف والنظرات التي تنم عن خبث ابن الصحراء ولؤمه.
- حمداً لله على سلامتك يا بني ....لقد خفت عليك من الوحوش فأرضنا هنا موحشة ... وتوقف الرجل قليلاً وقال:
- هل أديت صلاة الفجر يا بني؟
انتفض أحمد.. صلاة الصبح.. ماذا يعني عمي بذلك ولكنه وبحكم تربية أمه له فطن لهذا اللغز وقال نعم يا عمي لقد اديتها والحمد لله.
ضحك الرجل ومسح بيديه على ذقنه وقال : الحمد لله ...
وأخذ يشرح له فوائد الصلاة.. وكيفية التيمم بالرمل حين لا يوجد ماء..
ضجر أحمد من ذلك .. وقال في سره : لم آتي إليك لتعلمني الصلاة – فأنا صاحب طريقة في ذلك – بل جئتك لتعطيني بعض السيوف..
انتبه عمه إليه .. ماذا تقول يا ولدي .. أريد ان أسمع
- لا شيء يا عمي إني أستغفر الله فقط..
- بارك الله فيك يا ولدي ... ابن رجل صالح أدخلك الله الجنة.. ثم استطرد ولكن قل يا ولدي كيف وصلت إلى هنا وقطعت هذه الفيافي والبراري الموحشة؟
- رفع أحمد رأسه وقال:
- لقد وصلت إليكم بعد عناء طويل، ومشقة قاتلة وقد مررت على عمي ولم يكرمني... وانتفض عمه قائلاً :قاتله الله ألم يكرمك.؟ والله لأكيلن له الصاع صاعين ...سأمسح به الأرض. أين عاداتنا وتقاليدنا ؟ألم يحضنا الله على إكرام المساكين والضيوف.؟ ألم يعلمنا رسولنا كيف نعامل الفقارى ؟ لا والله لن يكون ذلك.. سوف لن أتغاضى عنه.
- لا يا عمي، أنا لست مسكيناً ولا فقيراً ولا ضيفاً عليكم – أنا من لحمكم ودمكم.. لم آت إليكم أطلب مالاً أو طعاماً.. لقد جئت إليكم أطلب السيوف.. نعم يا عماه إني لأراك تحمل السيف والخنجر.. وصمت يرقب عمه "الكريم" المضياف.
- آه... ماذا يعني هذا الصبي؟ قالها الرجل في سره.
إنه يريد السيوف.. إن عمه معه حق في طرده سوف أطرده أنا كذلك كيف وهذا السيف الحديد معه وأنا سيفي وخنجري كلاهما من خشب.
- ماذا تقول يا عمي ؟ أسمعني ... قالها أحمد
- لا شيء يا بني – إني أتحسر على عمك الذي لم يحسن وفادتك وأكمل.. قل يا ولدي لماذا جئت إلى هنا؟
- لقد أخبرتك يا عماه – اني جئت إلى هنا لجمع السيوف لأرجع بها حقي الذي ضاع.. ولم يكمل حيث قاطعه.
- أتريد السيوف..؟ ولماذا السيوف يا ولدي.؟. ثم كيف سندافع عن أنفسنا بغير سيوفنا ؟ ألا ترى أننا نعيش في هذه الصحاري الموحشة.؟ لا يا ولدي إن السيوف لن تفيدك.. سنتولى نحن إرجاع حقك.. ولكن بغير سيوف.... أمكث هنا معنا فنحن أولى بك من هذه الوحوش ثم أنت من لحمنا ودمنا كما قلت.. ولكن..
- ولكن ماذا يا عمي – قلها بالله عليك إنني تعب جداً وقلق فأمي تنتظرني .. قال أحمد.
- آه.. قلت ولكن.. سوف لن تستريح وسيفك هذا معك ... أعطني إياه وأنا أعطيك سيفاً آخر... رجع أحمد بذاكرته إلى عمه الأول وقال لنفسه – السيف هذا اللغز ماذا يريدون منه"؟.
- عماه – ما الذي يضايقكم في هذا السيف؟ ألا تحمل أنت سيفاً مثله ؟ قالها أحمد.
- لا يا ولدي هذا السيف الذي معك يختلف عن سيوفنا إنه مسحور يا ولدي ... وسيوفنا عادية .. إن هذه السيوف التي نحملها لا تقتل إلا الوحوش.. بل حتى لا تقوى على ذلك بل نخنقها... وصمت.
- إني أشك في ذلك – قالها أحمد وعلا صوته وقال:
- ولكن يا عمي أنا لم أشهر سيفي هذا بوجه الوحوش التي صادفتني ...لم تؤذني تلك الوحوش الذي تتكلم عنها .
- قاتلك الله يا أخي لماذا سمحت له بالمجيء إلى هنا ؟؟؟سيخرب بيتي .. ماذا سيقول أولادي لو رأوا مثل هذا السيف ؟ سوف يطلبون مثله ...كارثة ... كارثة حلت علي من السماء .. إننا أنذال لا نقو على قتل حشرة.. لماذا سمحت له بالمجيء إلى هنا ؟همهم.... وأخذ يهيل الرمل الملتهب على رأسه..
- عمي – ماذا بك؟ ماذا بك؟ لماذا هذا الرمل على رأسك وهذه الدموع.. لا يا ولدي إنني أتذكر فرسي التي ماتت بالأمس لقد قتلها الضبع.
- وسيفك هذا الذي تحمله و خنجرك ؟لماذا تحملهما إذاً ؟ قالها أحمد.
- أريد سيفك يا أحمد أريد سيفك يا ولدي..
"لا يا أحمد لا تفرط به ... جاءه صوت من بعيد... إنه صوت أمه".
- لا يا أماه... أحمد ليس صغيراً.. إنه ابنك قبل أن يكون ابنهم.. وقال لعمه:
- لا يا عمي سوف لن أفرط بسيفي إن يدي تعودت عليه، لن تستطيع الضرب إلا به.. وصمت ثم قال مناجياً أمه في نفسه "اطمئني يا أماه لن يخيب أحمد ظنك.. لن أفرط بالسيف.."
أطرق الرجل الصحراوي رأسه.. ما العمل؟ كيف سأحصل على السيف منه؟ سأقتله.. سأقتله وأخفي جثته في الرمل لتأكلها الوحوش غداً.. آه.. القتل لن يفيد سيعرفه أولادي.. سيعرفون أنني أنا الذي قتلته لا لا يا رجل.. ثم كيف سأقتله؟ ما أغباني.. ما أغباني.. الصحراء لم تعلمني إلا الغباء.. قال لنفسه ورفع رأسه بعد ذلك وقال لأحمد:
- اسمع يا أحمد.. لي عندك رجاء.. وصمت وأخذ يحدث نفسه.. "الغدر.. سأغدر به..." وأستدرك.
- ستذهب الليلة لتفتش لي عن الضبع الذي قتل فرسي الليلة الماضية .. عظيم.. عظيم فكرة مدهشة.
- ضحك أحمد كثيراً من كلام عمه وقال:
- أي ضبع يا عمي ؟فصحرائكم مليئة بالضباع...
- صحيح يا ولدي – قالها الرجل – ولكن هناك علامات تميزه..
إنه ضخم الجثة وعليه بعض بقع الدم على الجانب الأيمن من جسمه.. إنه ضبع مميز يا ولدي، اقتله واحضر لي فروه أنام عليه انتقاماً منه لفرسي الأصيلة.. وصمت.
- تباً لك من عم تعس.. أأذهب لأبحث عن ضبع في هذه الصحراء الشاسعة – آه – لقد صدقت يا أماه إنك تعرفينهم أكثر مني. رفع رأسه إلى عمه قائلاً:
- أيها العم الشهم.. أنا من لحمك ودمك وأراك سترميني لقمة صائغة للوحوش الكاسرة... عمي الأول أراد أن يأخذ سيفي وأبقى حياً وأنت تريدني ميتاً وتأخذ سيفي.. لقد صدقت أمي إنها نبتة في هذا الزمان النادر من الصالحين.. سأرحل لن يرى وجهي ثانية إلا في الأحلام والكوابيس، الناس تخطئ مرة وأنتم أخطأتم مرتين حتى الآن..!! سأرحل.... بارك الله فيك وفي سيفك وفي خنجرك.. قم يا عمي فصلاة الظهر قد حانت.. أدها لوحدك، وانتفض عمه لسماعه بصلاة الظهر.. وقال:
- وأنت يا ولدي .. ألا تريد أن تصلي معي جماعة فاجرها عند الله كبير؟
- لن يكون ذلك.. فأنا اصلي لله بطريقتي الخاصة بسيفي هذا فقط لأن الله لا يقبل إلا صلاة السيوف.. وانصرف أحمد دون أن يسمع كلام عمه وصراخه عليه للصلاة جماعة.. قاتلكم الله من أناس أنذال وأثاب الله الأرض التي تحرقكم بلظاها.
وأنثنى عمه على الأرض يتمتم..
مشى أحمد وكلام أمه يطن في أذنيه – امض يا أحمد ... أقاربك كثيرون وأنا أعرفهم ولكنه صمم أن يكتشفهم بنفسه واحداً واحداً.
ولكن المهم أن لا يفرط في هذا السيف الذي يختلف عن سيوف أقاربه.. إنه لغز وهو يحب الألغاز.. ومن هنا جاء تصميمه لعلّ وعسى أن يخرج منهم رجل صالح يعينه على التخلص مما هو فيه.
كانت المسافة التي مشاها هذه المرة بعيدة ايضاً في الصحراء حيث بدى عليه التعب والإرهاق واستقبله عمه وكأنه على موعد معه بالهتاف والترحاب دهش أحمد لهذا العم وتذكر هناف أهل المدينة الذين استقبلوا الرسول عليه السلام.
- أهلاً بابننا العزيز.. جئت شرفت أرضنا، مرنا بما تريد وستجدنا في خدمتك. تفضل.
- أهلاً عمي العزيز.. إنني في حقيقة الأمر مندهش من هذا اللقاء.. هل كنت على علم .. هل أخبروك.
- لا والله يا ولدنا لم يخبرنا أحد هل مررت على أقاربك أم جئتنا نحن أولاً.
- جئت على اثنين منهم...
- صحيح ما تقول؟؟
- نعم
- ولماذا جئت – إليهم أولاً؟ ألا تعرف أننا نحن الذين نحكم ونرسم في هذه الديار؟
- أعرف يا عمي ولكن ما العمل لقد دار بخلدي أن تكونوا جميعاً معي.. ولكن..
- ولكن ماذا يا أحمد؟؟
- طردوني يا عمي..
- طردوك .. ويل لهم ..ليلهم لن يطول سألقنهم درساً لن ينسوه.. قاتلهم الله يا ولدي، كيف فعلوا ذلك؟
- ألا يخافون الله والتاريخ.. أنهم لا يفهمون اطمئن يا ولدي.. اطمئن فنحن لها والله ولو عظمت وبحق السموات سنحقق لك ما تريد وسوف لن ننسى ما فعله بك أعمامك قبل أن تأتينا – ولكن يا.. بربك أخبرنا ماذا جرى لك؟
- سرد أحمد على عمه الثالث القصة من أولها حتى آخرها وعيناه تدمعان ويده على سيفه خشية ان تتكرر الحادثة وكيف أن عمه الأول طلب منه أن يأخذ السيف وعمه الثاني بعد أن فشل في أخذ السيف طلب منه أن يبحث له عن الضبع الذي قتل فرسه وأنه كان يعلمه طريقة الوضوء والتيمم إن فقد الماء وعن فوائد صلاة الجماعة..
- وماذا كان ردك يا أحمد؟
- وماذا تتوقع مني يا عمي؟
- أريد أن أسمع منك.
- لقد رفضت أن أعطيهم السيف.
- عظيم يا ولدي.. عظيم ما فعلت إن مستقبلك لن يكون في أيديهم.. إن اياديهم نجسة وسيفك طاهر.
فرح أحمد بهذا القول وتوقع خيراً من عمه الثالث حيث أراد أن يعبر له عن فرحته بما سمع.
- هل أفهم يا عمي أنك لست مثلهم؟ وأنك سوف تعطيني سيوفاً فوق سيفي ولن تأخذه مني؟
دارت الأرض بعمه الذي لم يعرف لسؤال أحمد جواباً وأخذ يفكر...
- السيف.. السيف.. إنه يريد أن يحتفظ بسيفه ويريد أن نعطيه سيوفاً.. آه من هذا الولد؟
- كان على أعمامه أن يقتلوه.. لا يكفي ما فعلوه به عندما طردوه شر طرده، كان عليهم أن يقتلوه واستمر في الهذيان إلى أن قاطعه أحمد.
- عماه .. أراك تحدث نفسك.. ماذا عساك تريد أن تقول؟
- لا شيء يا ولدي إنني أفكر بالخطيئة التي فعلها معك أعمامك.
نعم إنها خطيئة كبرى يعاقب عليها الله والتاريخ.. واستطرد في الكلام وكأنه يخطب على منبر.
- صحيح إنها خطيئة لا تغتفر ولكن ما العمل الآن يا ولدي..
- العمل يا عمي هو أن أحتفظ بسيفي معي وتُعطيني من سيوفك بعضها.
- يا ولدي اسمعني جيداً. أن يبقى سيفك معك فسوف لن يفيدك. ولكن عليك أن تصغي لما أقول فعلنا نصل إلى نتيجة..
- تفضل يا عمي.. وقل ما تريد فسأسمع لك ولكن شرط أن لا تحدثني عن فوائد صلاة الجماعة والسواك.
- ضحك عمه ملئ شدقيه.. وفكر أنه استطاع أن يأسر أحمد وقال:
- يا ولد إننا هنا نمتلك من السيوف الكثير الكثير ولا شك أن سيفك أثقل من سيوفنا وما أطلبه منك هو أن تضع سيفك مع سيوفنا ونأخذ لك سيفاً آخر خفيفاً على يديك لأننا نريد أن توحد السيوف لا أن نجعل بينها سيفاً شاذاً..
قفز أحمد من مكانه كأن عقرباً ضخماً قد لسعه وتخيل أعمامه السابقين وكيف أنهم جميعهم يريدون السيف ولا شيء غيره.. ولم يطرح عليه أحد إعطاءه اي شيء بلا مقابل.. فكر قليلاً.. استرجع كلام أمه.. السيف.. السيف يا احمد لا تفرط به.. وأخذ يحدث نفسه.
- ماذا يكون هذا السيف ؟ هل هو مسحور حقاً ؟ هل هو لغز؟ لماذا كلهم يريدونه؟ وماذا يعني أنهم سيعطوني بدلاً منه سيفاً من سيوفهم؟ماذا يضر لو بقي سيفي معي؟ لا .. لن أفرط بك أيها السيف – ووضع يده عليه.
انتبه عمه لحركاته .. وصاح به:
- يا أحمد لا تركب رأسك.. سيفك هذا ثقيل... إن سيوفنا أفضل منه وأخف.
ولكن أحمد الذي حضرت كلمات أمه إليه قال: يا عمي، والله لو أعطيتموني كل سيوف الأرض بدلاً من سيفي هذا فلن افرط فيه، إنه معنى حياتي وإذا أردتم أن تزودونني بالسيوف فأهلاً ومرحبا بكم وإلا فشكراً. هذا ما يستطيع أن يقوله ابن لأقاربه الذين تركوه في مهب الريح بعد أن ساعدوا على ضياع حقه!!
خجل عمه في بادئ الأمر من هذا الكلام وأخذ يفكر في مناورة جديدة لكي يأخذ السيف من أحمد..
- اسمع يا أحمد إننا هنا مستعدون للتضحية من أجلك يا ولدنا الغالي.. وسوف لن ندخر جهداً ولكن اسمح لي أن أقول لك أن هذا السيف مصنوع على الطريقة المحلية، وكل سيوفنا نشتريها من الخارج، ولهذا أريد أن تعطينا السيف كي نعمل على أن نصنع منه آلاف السيوف هنا.. وظن وكأنه وجدها.. أيعجبك هذا الكلام يا ولدي؟ ولكن – هل انطلت الحيلة على أحمد؟ كلا، فلم يمر عليه ذلك الكلام مرور الكرام حيث قال:
- عماه .. كل الطرق تؤدي إلى الخوابي.. السيف لن أفرط فيه ولو أعطيتموني كل أموال الدنيا أتسمعني؟
- يا ولدي لا نريد أن نأخذ منك السيف إلا أننا نريد أن نصنع على غراره بأيدينا.
- لا يا عمي، هذه مشكلتكم أنتم وليست مشكلتي أما سيفي فلن أعطيه لأحد ومن اراد منكم مساعدتي فليفعل.. وإلا...
وسقط هذا الكلام على عمه وكأنه صخر حطه السيل من عل..
- هنا مربط الفرس.. هذا الولد يريدنا ويريد سيوفنا.. يا له من أزعر.. تباً لهم.. لماذا تركوه حياً حتى الآن..
وبدون كلام انسحب أحمد من حضرة عمه الثالث الذي يمثل اللص ولكن بوجه آخر.
حاول عمه اللحاق به ولكن أحمد صمم أن يغادر هذه المرة إلى عمه البعيد والبعيد جداً..
سار بدون رفيق هذه المرة أيضاً إلا صورة أعمامه الثلاثة ومآربهم الموحدة السيف – السيف لا غير السيف يريدونه.
لم يسألوه عن أمه وعن أحواله – لا بل السيف هو المقصود...
واحد يريد أن يخبئه.. والثاني يريد أن يبدله بسيف خشبي والثالث يريد أن يصنع على غراره.
- آه منكم كم أنتم جبناء، قاتلكم الله إنّى تؤفكون.. ولعنتكم السماء أينما تحلون.
- احذر يا أحمد وسيفك لا تفرط به – أقاربك كثيرون وأنا أعرفهم جيداً – كلام أمه يتردد صداه في الأفق.
- لا يا أماه – ليس احمد الذي يفعل هذا .. إنني سوف لن أفرط به فهو عزيز علي.. اكثر من اي شيء إنه سيبقى يا اماه اطمئني.. سأعود إليك قريباً وسيفي معي.. تابع المسير في الصحراء ويده على سيفه.. لا تخافي يا أماه لا تخافي السيف لن يأخذه أحد...
وبينما هو كذلك.. جاءه صوت من بعيد يقول:
- يا أحمد ..إنهم يطاردونك .. إنهم يطاردونك ...السيف .. السيف... لا تفرط به .. أمك تدعو لك، اختصر الطريق يا أحمد.. لا تتابع السير فأنت ذاهب إلى عراف ملعون.. ساحر ملعون.. يا أحمد لا تكمل المسير.. أمك تعرفهم جيداً.. سيفك الوحيد الذي يصلح..
- لا يا أيها الصوت.. سأتابع المسير..وقطع الفيافي والبرار.. ووصل..وكان منهكاً هذه المرة حيث كان التعب قد أخذ منه كل مأخذ.. ولكن أين سيذهب التعب مع التصميم والأصوات الغيبية مع الإرادة؟؟
وصل أحمد إلى عمه الساحر الذي استقبله بضحكة صفراوية وبترحيب كاذب:
- آه أيها الشقي.. ما أتعسك جئت برجليك إلى هنا سوف لن أرحمك.. أنا الذي سأتدبر أمرك.. وإن نجحت من الإفلات من أعمامك فسوف لن تفلت مني هذه المرة.. وسيفك هذا سأقتلك به وأريح الدنيا من شرك.
قال ذلك في نفسه وهو يشير إلى أحمد بالجلوس.
- اجلس يا ولدي، أنت متعب فالمسافة بعيدة ولكن قلي يا أحمد كيف وصلت إلى هنا؟
- وصلت بعون الله يا عمي إن الله دائماً يقف مع المظلومين وأنا كما تعرف مظلوم.
- مظلوم يا ولدي، انت قرد هذه الدنيا وسوف لن يقدر عليك إلا أنا فهنا سيكون مقتلك بسيفك، قالها في سره وهو يضحك أيضاً ثم قال بصوت مسموع:
- لا تخف – فأنت هنا في أمان وسيجهز لك ما تريد ولكن بعد أن نكون قد تدارسنا الموقف معاً ووصلنا إلى نتيجة. ولكن قلي بالله عليك كيف أحوال أخوتي هناك وهل مررت عليهم؟
- تبسم أحمد قليلاً وقال:
- إنهم بخير يا عماه ... وصمت.
- أكمل يا أحمد ماذا تريد أن تقول؟
- إني أحس أن في الأمر شيئاً. هل مررت عليهم؟
- نعم يا عماه وليتني ما فعلت..
- لماذا؟
- لأنهم لصوص.. لصوص يا عماه.. الكل يريد أخذ سيفي ولكن بعروض مختلفة..
- ولماذا لم تعطهم سيفك وتريحهم وترتاح؟؟
تجهم أحمد وبدا وكأنه يحضر نفسه للانقضاض على عمه الساحر الذي تدارك الموقف وقال:
- إنني أقصد أن تعطيهم إياه بعض الوقت ثم تسترده منهم.
- لا .. قالها أحمد بغضب.
- لا كانوا يريدون مصادرته.. وإعطائي بدلاً منه سيوف خشبية.
- هذا أمر بسيط المهم سيف بسيف – وعلى العموم إننا هنا سنتدبر الأمر وسوف لن نختلف معك أو تختلف معنا فنحن هنا لها يا ولدي.
تعشم خيراً هذه المرة ولكن صوت أمه لم يفارقه حيث تجسد له: امض يا أحمد وحيداً... سيفك....حذار من أن تسلم لهم.. إني أعرفهم جيداً.
- لن يكون ذلك يا أماه – قالها أحمد دون أن يسمعه عمه.. لن يكون ذلك ما دمت حياً.. تباً لهم من أعمام.
أدرك عمه بحدسه الكهنوتي ما يقوله وأراد أن يهدئ من روعه حين قال:
- اسمع يا ولدي: عندي خطة لك وهي أن أدبر أمورك دون تعب منك لقد كان أعداؤك عندنا قبل مدة واتفقنا معهم على كل شيء وسندبر لقاءاً بينهم وبين أخينا الكبير كي يذهب إليهم ويكلمهم باسمنا وباسمك إن أردت. وإذا وافقت على ذلك فسندبر لك لقاءاً معهم وسيفك هذا ليبق معك إن أردت ولكن أرجو أن لا تظهره على أحد.
جن جنون أحمد وفقد عقله وصرخ في وجه عمه قائلاً:
- لن يكون ذلك.. لن يكون ذلك. سيبقى سيفي معي مشرعاً في وجه كل من ظلمني وسوف لن أقبل أن يذهب عمي إلى هناك ليكلمهم بشأني ثم ليعلم الجميع اني أكره هذا العم الذي قتل عمي السابق وحل محله هناك... لن يكون ذلك..لن يكون ذلك.
أدرك الساحر الورطة التي أحدثها وأراد أن يهدئ من روع أحمد لعل وعسى أن يوافق على خطته.
- اسمع يا ولدي – إننا هنا "ما نحبوش الحرب.. انحبو السلام" وسنتدبر الأمر وسيتم كل شيء – "ألم أقل لك يا أحمد لا تذهب إليهم – إني أعرفهم جيداً إنهم ليسوا من البشر في شيء".
جاءه صوت أمه،،
"اهرب يا أحمد تحت جنح الظلام ولا تجعله يحس بك إنه ساحر ملعون" استطرد صوت أمه يطارده..
- لن يكون ذلك يا أماه.. لن يكون ذلك فأنا ابنك البار – لن أقع في هذا الفخ وسأقاوم.
انتظر أحمد حلول الليل وحزم أمره مع نفسه وصمم على الهرب قبل أن يتمكن عمه الساحر منه، وما أن حل الظلام وخيم السكون حتى انسحب أحمد ويده على سيفه يتحسسه، وهذه المرة لم يسمع صراخ عمه لأنه لم يشعر به..
رجع أحمد من حيث أتى وتوجه إلى عمه الأخير الذي تصور أنه سيكون المنقذ الوحيد له. وبعد عناء طويل وتعب منهك وصل مكانه المقصود ليجد عمه في انتظاره وقد زين الشوارع والطرقات وكأنه يستعد لحفلة زفاف او مهرجان شعر حيث كان الاستقبال مشابهاً لاستقبال عمه الذي ذهب إليه قبل أن يذهب إلى عمه الساحر.
- أهلاً يا أحمد لقد شرفتنا يا ولدي، البيت بيتك، ونحن في خدمتك.. لا تخجل اطلب ما تريد "مور يا سيدنا"!
وهنا أراد أحمد أن يكون صريحاً مع عمه هذا ويبين له الحقيقة حيث قال وبتحد واضح.
- اسمع يا عمي لا أريد أهلاً كذابين ولا سهلاً مليئاً بالأشواك اريد طلباً واحداً، السيوف السيوف.
- تفضل، اطلب ما تريد كلنا تحت أمرك ولكن ما الذي دعاك إلى مواجهتي بهذه الحدية؟؟
- اسمع يا عمي – لقد ذهبت إلى أعمامي واحداً واحداً إلا عمي "حسنين أبو زبيبة" الذي قتل أخاه وحل محله.. وكلهم واجهوني بنفس الطريقة، فالأول أراد أن يشحذ على ظهري بعد أن يأخذ سيفي، والثاني أراد أن يعطيني سيفه الخشبي وكذلك أراد أن يعلمني فوائد السواك وأجر صلاة الجماعة والثالث أراد بعد أن فشل في أخذ سيفي أن يقنعني بأنهم سيصنعون مثله على أيديهم بعد أن يأخذوه مني – والاخير أراد أن أواجه خصمي في بيتي الذي أخذه مني لنتصالح – وقد بعث لعمي "حسنين أبو ازبيبة" أن يذهب عندهم ويصالحهم باسمي إنني أكرههم جميعاً – جميعاً وسوف لن أغفر لهم صنيعهم الذي فعلوه معي.. ألست ابنهم.. ألست من لحمهم ودمهم ثم ماذا يعني أن يحاول عمي "أبو نخيلة" أن يأخذ سيفي بحجة أنه سيصنع مثله محلياً – هراء هذا الكلام .. هراء.. وكذلك عمي الساحر لماذا يريد ان يعقد معهم صفقة باسمي ألا يكفيه أنه فعلها وسهل الطريق لعمي المجنون "حسنين أبو زبيبة" ولم يكمل حديثه حيث قاطعه عمه "أبو نعجة" قائلاً:
- كفى يا ولدي .. كفى.. لقد تقطع قلبي. إن أعمامك هؤلاء ليسوا في شيء وهذا عمل لن أنساه لهم، ومن ناحيتي فسوف أبعث لهم بأنني لست موافقاً على أعمالهم ثم إنني أعتبرك ليس ابن اخي بل ابني.. أتفهم يا أحمد.
أريدك أن تتأكد من ذلك إنك ابني بل وأكثر.. فأنا لست مثل أعمامك الذين ردوك – وضحك ضحكة خفيفة يرقب ردّ أحمد.
تململ أحمد عند سماعه مثل هذا الكلام وقال متحمساً..
- ما دام الأمر هكذا أتسمح لي بالبقاء هنا ريثما أتدبر أمري وانطلق.
- ضحك عمه وقال:
- بلى، بلى، يا أحمد إنك مثل أولادي ابق ما تشاء وغادر متى تشاء.
- شكراً يا عمي، ثم أريد أن أخبرك بشيء.
- قل – قل إني أسمعك.
- لقد تعرفت أثناء تنقلاتي في الطريق على أناس ليسوا من المنطقة وشرحت لهم قضيتي ووعدوني بالمساعدة وعلى فكرة إنهم أفضل من أعمامي، لقد وعدوني بالسيوف والبطانيات والأغذية إني أحس فيهم الصدق وألمسه.
- وما أن سمع عمه هذا الكلام حتى فغر فاه لما قاله أحمد بالنسبة للأغراب الذين تعرف عليهم أحمد ووعدوه بالسيوف والبطانيات وقال:
- لا يا أحمد كيف يساعدك الأغراب ونحن موجودون على قيد الحياة – قالها وهو يتمنى لو أن كل خيرات العالم جاءت لأحمد كي يكون له فيها نصيب بل وسيكون له كل النصيب.
- لقد وعدوني يا عم وسوف يبعثون.
- على كل حال.. ليس في الأمر خلاف ودعنا نبحث في وضعك بالذات.
- تفضل يا عمي، أتمنى أن أسمع منك شيئاً غير ما سمعته من أعمامي ومد يده على سيفه وراح يتذكر عبارة امه التي يثق بها كل الثقة "امض يا أحمد فأعمامك كثيرون ولكن لا فائدة منهم إني أعرفهم جيداً".
- اسمع يا أحمد.. أنا لست كغيري.. لن أطلب منك سيفك، لا بل إني أصر أن يبقى معك ولكن احرص في استعماله، وهنا قاطعه أحمد.
- ماذا تعني كلمة احرص في استعماله.
- اسمع يا أحمد، إننا هنا وحتى هذه اللحظة لم نستعد بعد ولا أريدك أن تجرنا إلى شيء لا نريده.
فهم أحمد اللعبة الجديدة ولكنه أراد أن يكون عقلانياً لعدة اعتبارات هو يفهمها.
- أما تستعدوا بعد وعمري قارب الثلاثين؟ قاتلكم الله جميعاً وتباً لكم – إنني أعرفكم مثل أمي ولكني أكابر لقد ضربتموني كلكم وسوف لن أغفر لكم فعلتكم.
مضت الأيام وأحمد يستعد ليومه الموعود والمساعدات تنهال عليه من الأغراب الذين التقى بهم في الطريق وعمه يلهف منه البطانيات والأغذية ويحجز عنه السيوف وأحمد ينوي على شيء إنه صابر، ماذا يفعل وكل ثقله أصبح هناك؟ وكان يقول بين كل فترة وفترة آه أيتها الظروف إنني مضطر للمسايرة رغم ان لأمي ترفض ذلك.
وذات يوم خطرت على باله فكرة وهي الإقامة في أرض قريبة من عمه "أبو نعجة" الذي يعتبرها من أملاكه.... ضايقة وأفشل عليه كثير من الاستعدادات وكان له ما كان واستقر هناك وذاع صيته ووصلت أخباره جميع أنحاء الأرض واحتفل به الغرباء بكثير من المساعدة لأنه أثبت جدارته أكثر من أعمامه ولكنه لم يتوقع أن وراء هذه الشهرة ستأتي الآلام غير المتوقعة لأنه وجد أن كل أعمامه ينتظرونه وأخذوا يحفرون له كي يوقعوه في الشباك وكان لهم في بداية الأمر وظهرت السيوف وما أكثرها وأثقلها حتى عمه أبو نعجة الذي اعتبره ابنا له قاتله بسيف لم يسمع بها من قبل وعمه الذي كان يحمل سيفاً من خشب وأراد أن يعلمه المسواك وصلاة الجماعة واجهه هناك بسيوف كثيرة.ولكنه لم يضعف وتصدى لاعمامه وأوقفهم عند حدهم وبدأ العمل من جديد وكان له ما أراده وأحرجهم..
ذهب عمه أبو زبيبة إلى حيث خصومه وعقد معهم صلحاً رعاه عمه الساحر ودارت الدنيا ولم تقف في مكانها وكان عليه أن يقاتل في أكثر من جبهة وبقي ثابتاً لا يستطيع أحد ثنيه عما يريد فعله – وصار يرقب الأحداث والأيام وكيف تقلب المعادلات وخاف من أعدائه ولكن بقي أعمامه العاقين الخارجين عن الأصول والتقاليد، وفي تلك الأثناء ظهر قريب له من بعيد في المنطقة وكانت عليه التحدي وإن اختلفت معانيه عند البعض ورأى أحمد أعمامه الذين كانوا بحاجة إلى سيفه وقد برزوا سيوفهم تجاه ذلك الغريب الذي تعهد بدعم أحمد الأمر الذي أفزع أعمامه من ذلك التقارب وأشهروا سيوفهم ودخلوا معه في عراك طويل انتهى بأن مرغت أنوفهم في الأرض وخسروا كل ما بنوه وكانت العملية أن عمه صاحب المسواك وصلاة الجماعة وعمه المزيف ذهب إليه في بادئ الأمر والساحر وورطوا عمه أبو نخيلة كي لا يصبح قوياً في وجوههم ووقف أحمد حائراً ماذا سيقول أو سيفعل وأعمامه وقد فاح ريحهم والخزي والعار يجلل جباههم وأخذ يخاطب نفسه:
- هذه المعادلة يجب أن تقلب يا أحمد .. أنت الذي ستقلبها، ولكن حذار من التخطيط المتهور.. السيف السيف يا أحمد.
"امض يا أحمد.. السيف حافظ عليه وأعمامك طلقهم.. طلاقاً لا رجعة فيه فلا خير فيهم. ومضى يقلب سيفه"
أخذ الدم يسيل.. شظايا اللحم البشرية تتطاير.. اختلط صراخ الأطفال والنساء والشيوخ مع طلقات المدافع وأزير الرصاص.. إنه كرنفال الموت البشع في مخيم صبرا وشاتيلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق




.. شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا