الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلا ح عيسى والدفاع عن الدولة المدنية

طلعت رضوان

2018 / 1 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ترجع علاقتى بالراحل الجليل صلاح عيسى إلى أكثرمن40سنة، وتطوّرتْ بعد أنّ رأس تحريرصحيفتىْ الأهالى والقاهرة، وفى الأخيرة نشرلى عشرات المقالات (طوال15سنة) عن خطورة الأصولية الدينية على أى مجتمع عصرى، ينشد الحرية والتنمية والاستقرار.
وعندما قرأتُ خبروفاته تلبستنى الحيرة فى الاختيار: هل أكتب عن دوره فى تأريخ الحراك السياسى والاجتماعى والثقافى المصرى، منذ أواخرالقرن التاسع عشر، خاصة كتابه عن الثورة العرابية، وسلسلة كتبه المُـعنونة بعنوان ثابت (حكايات من دفترالوطن) الذى شـدّنى منذ الجزء الأول بأسلوبه الشيق وهويكتب عن أحداث تاريخية- ربما لم يعلم عنها الكثيرمن المتعلمين، مثل قصة زواج الشيخ على يوسف من بنت الشيخ السادات، الذى رفض هذا الزواج وأقام دعوى قضائية لفسخ العقد، لأنّ على يوسف من الفلاحين ويعمل بمهنة حقيرة (الصحافة) بينما والد الفتاة هومن الأشراف الذين يعود نسبهم إلى رسول الله..إلى آخرما جاء فى الدفاع..وإلى آخرتفاصيل القصة التى تصلح لعمل درامى من الدرجة الأولى، وهوما طالبتُ به كثيرًا فى مقالاتى وكتبى، ولكن لم يهتم أى سيناريست بهذه الواقعة وبما فيها من دلالات عميقة.
أما عن دورصلاح عيسى فى الصحافة المصرية فهويستحق دراسة مُـطوّلة منذ عمله الأول فى الصحف التابعة للمجلس الأعلى للصحافة، ثـمّ اعتقاله وتنقله للعمل فى أكثرمن صحيفة. ولأنه دؤوب فى عمله، بالاضافة إلى قراءته للصحف والمجلات الصادرة منذ أواخرالقرن التاسع عشر، لذلك اكتسب خبرة أهلته لحقيقة دوررئيس التحرير، مثل احترام كافة الآراء طالما كانت فى إطارالموضوعية وبمنهج الكتابة المُـحكمة، ودليلى على ذلك تجربة عملية: فبعد نشرأسماء المؤسسين لحزب (مصرالأم- تحت التأسيس) وكنتُ من بينهم مع الراحليْن الجليليْن، محسن لطفى السيد وبيومى قنديل، وكان النشرفى صحيفة الأهرام، انهالتْ مقالات بعض كبارالصحفيين بالتجريح بهدف تشويه برنامج الحزب، والسخرية من الأعضاء الذين سيمشون فى الشوارع بلبس (الفراعنة) والكلام (بالهيروشيمى) فى سخرية من الكتابة الهيروغليفية.
عرضتُ على عيسى أنْ أكتب سلسلة من المقالات لأفنــّـد مزاعم خصوم الحضارة المصرية، وخصوم (علمنة مؤسسات الدولة) كما جاء فى برنامج الحزب. وافق دون تفكير. وبالفعل نشرمقالاتى دون حذف حرف واحد.
000
زالتْ حيرتى عندما تذكــرتُ كتابــًـا من كتب عيسى، يؤكد إيمانه بالفكرالليبرالى ومشروع الدولة المدنية، وهوكتاب (دستورفى صندوق القمامة) الصادرعن مركزالقاهرة لدراسات حقوق الإنسان- عام2001بتقديم من الفقيه الدستورى الكبير(عوض المر)
وسبب اختيارى لهذا الكتاب أنه لم يأخذ حقه (إعلاميـًـا) مثل باقى كتب عيسى.
وبالرغم من أنّ الكتاب صدرفى عهد مبارك، فإنّ عيسى امتلك شجاعة الكتابة بأنّ نظام مبارك لاينوى أنْ يقوم بأية اصلاحات سياسية جذرية ولاسطحية. وأنه استمرأ الحكم فى ظل دستوريعطى لرئيس الدولة كل السلطات والميزات الموجودة فى دساتيرالنظم الرئاسية. ويعتمد على الاستفتاء (الشكلى) ويصادرحق الشعب فى الاختياربين أكثرمن مرشح.
ومن عيوب النظام الرئاسى- كما هوفى الدستورالمصرى- أنّ الرئيس يجمع بين رئاسته للدولة، وتدخله فى عمل السلطة التنفيذية، وبذلك ((فهونظام أقرب إلى الملكية الاستبدادية)) حتى رئيس الوزراء ((فليس من حق مجلس الشعب سحب الثقة منه إلاّباستفتاء شعبى)) فكتب عيسى بأسلوبه الساخر((هذا الوضع الدستورى هوالمسئول عن كل التشئوهات التى نعايشها، والتى حوّلتْ الديمقراطية المصرية إلى نكتة عالمية))
ولأنّ مشروع الدستورالجديد استهدف إقامة (جمهورية برلمانية) وليست (رئاسية) فقد أبدى ((كثيرون اعتراضهم، بحجة أنّ مصرمستهدفة من أمريكا وإسرائيل. وبالتالى فهى فى حاجة لسلطة تنفيذية قوية)) فسخرعيسى من الربط بين النظام البرلمانى والخوف من أمريكا وإسرائيل. وأضاف أنّ مشروع دستورسنة1954وصفه الناصريون بأنه (مشروع الباشوات)) فى حين أنّ المادة رقم44من هذا المشروع نصّتْ على أنْ ((تــُـشرف على شئون العمال لجان دائمة قوامها العمال وأصحاب الأعمال والقضاء، وتتولى بحث مشاكل العمال وكفلتْ لهم حق الإضراب عن العمل، بينما دستورسنة1956 صادرهذا الحق ولايزال مصادرًا إلى اليوم)) وأنّ المادة رقم37 من مشروع دستورسنة1954((منحتْ العمال مكاسب اشتراكية لم ترد فى الدساتيرالرئاسية حيث نصّـتْ على أنْ يكفل القانون للعمال نصيبـًـا من ثمرات إنتاجهم يتناسب والعمل الذى يؤدونه))
وذكرعيسى أنّ أحد (ترزية القوانين- فتحى سرور) قال لمبارك أنّ الدستوروثيقة يمكن أنْ يتغيرتفسيرها مع الزمن. وأنّ نصوصها الاشتراكية يمكن أنْ تــُـطبق بشكل رأسمالى)) وذكرعيسى أنّ انحيازضباط يوليو52للنظام الرئاسى تضافرمع نظرتهم للأحزاب ((وهى نظرة تتطابق مع نظراللوردين (دوفرين) و(ملنر) وتتنافرمع نظرة التيارالوطنى والثورى فى الحركة الوطنية المصرية)) وذكرأنّ رجال (ثورة يوليو) اعتمدوا على بعض الشخصيات السياسية مثل سليمان حافظ الذى شغل منصب وزيرالداخلية ((فكان أول ما فعله هوالتحرش بالأحزاب واستصدارقانون يـُـحتم عليها إخطاروزيرالداخلية بتشكيلها. ويعطى للوزيرحق الاعتراض، وحقه فى حل الحزب بعد تشكيله)) وكان تعليق عيسى أنّ سليمان حافظ ((عبـّـرعن رؤية الضباط عندما وصف أحد رموزحزب الوفد (مصطفى النحاس) والذى اضطهده (ثواريوليو) فقال عنه إنه ((دمل فى قلب الوطن يجب أنْ يـُـفقع))
وبالرغم من تشكيل لجنة لصايغة مشروع دستورجديد، وقبل الانتهاء منه، صدرإعلان دستورى من القائد العام للقوات المسلحة فى10فبراير1953ومن قراءة مواده يتبين أنه ليس فى نية الذين أصدروه احترام جوهرأى دستور(ص47) وبعد صدورمشروع دستور54 (الذى اختفى، وأثناء مناقشة مشروع دستور1956قال عبدالناصرإنّ السلطة التنفيذية ((هى الأساس)) (ص130) وأنّ الذى نصح ضباط يوليوبصرف النطرعن مشروع دستور54هوالخبيرالأمريكى (ايخلبرجر) كما جاء فى التقريرالذى شاركه فيه زكريا محيى الدين (ص60، 71)
ونقل عيسى رأى المستشارطارق البشرى: إنّ مشروع دستور54يستهدف إقصاء رجال يوليو52عن المشاركة فى السلطة. وكان تعليق عيسى ((والواقع أنّ مجلس قيادة الثورة كان قد حسم اختياره غيرالديمقراطى بعد أسابيع قليلة من نجاحه فى الاستيلاء على السلطة، وأنه قادرعلى الانفراد بها من غيرمقاومة)) (ص128، 129) وأنّ من بين الذين شجعوا الضباط على النظام الرئاسى (ثلاثة من مدرسة المستبد العادل) هم الفقيه الدستورى عبدالرزاق السنهورى، فتحى رضوان وسليمان حافظ (ص33)
ضمّـتْ لجنة الخمسين مُـمثلين لكل التيارات السياسة والفكرية (الوفد، الأحرارالدستوريين، السعديين والإخوان المسلمين وكتلة الوفد المستقلة. وعناصرمتميزة من الذين صاغوا دستور1923ويعرفون مزاياه وعيوبه وبالتالى سوف يستبعدون ما به من ثغرات، خاصة السلطات الممنوحة للملك، والتركيزعلى أنْ يكون الشعب هومصدرالسلطات. وضمّـتْ ثلاثة من رؤساء القضاء.
وعن مشروع الدستورقال طارق البشرى ((هومشروع دستوريأخذ بمبدأ الجمهورية البرلمانية، وينطلق من قاعدة ليبرالية. ووضع صياغات رفيعة المستوى)) (ص34، 35)
وبعد أنْ سلــّـمتْ اللجنة المشروع إذا به يختفى. واختفتْ الأعمال التحضيرية. ولم يـُـشرإليه المؤرخون إلاّفى سطورعابرة، حتى عضواللجنة المؤرخ عبدالرحمن الرافعى.
كيف كان العثورعلى مشروع دستور1954؟
ذكرعيسى أنه أثناء اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمرالمصرى للإصلاح الدستورى، فى صيف عام1999 أنه اقترح على أعضاء اللجنة البحث عن نص الدستورالضائع ليكون الأساس لأى بحث...فشلتْ كل المحاولات التى بـُـذلتْ للحصول على مشروع دستور54. وقع بصرعيسى على ما كتبه طارق البشرى فى كتابه (نظام يوليو52 والديمقراطية) وأشارفيه أنه قرأ المشروع فى (مكتبة المعهد العالى للدراسات العربية) التابع للجامعة العربية.
بحث عيسى على مشروع الدستورفى المكتبة المشارإليها، فلم يجد الرقم الذى ذكره البشرى. اتصل عيسى بالبشرى الذى أكد له أنه رأى النسخة وقرأها، ونصحه بمقابلة د.أحمد يوسف عميد المعهد. ذهب عيسى وقابل الرجل الذى اندهش من أنْ تتضمن مكتبة المعهد وثيقة تاريخية (بهذه الأهمية) وأنه تـمّ جرد الكتب والمخطوطات- منذ عدة سنوات- وبعض الكتب تـمّ وضعها فى صناديق وتشوينها فى (بدروم المبنى) وعندما علم بأهمية هذه الوثيقة، أمرالموظفين بالبحث عنها. فنجحوا وعثروا عليها، فأرسل عميد المعهد نسخة مُـصوّرة من الأصل (ص36)
فكان تعليق عيسى ((وهكذا اتضح لى أنّ د.وحيد رأفت لم يكن مبالغــًـا حين قال: إنّ (ثورة يوليو) ألقتْ بمشروع دستور1954فى صندوق القمامة)) أما الفقيه الدستورى الكبيرعوض المرفقال: إنّ رجال (ثورة يوليو) ((ناضلوا من أجل تكريس دكتاتورية بغيضة، تقوم على الفرد وتفرده بالسلطة حتى يفرضها على الآخرين، وبالصورة التى صنعها)) (ص5، 35) ونص المشروع- من ص153- 187) ولأنّ مشروع الدستوربتوجهه الليبرالى وإصرارصلاح عيسى على العثورعليه ونشرالنص فى كتابه، يستحق كل التقدير. وأتمنى إعادة طباعته ليتعرف جيل شباب الباحثين (معنى البحث الدؤوب) والإيمان بقضية تستحق البحث خاصة عندما تكون لها علاقة بحرية المواطن والوطن.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا للكاتب وطاب مثوي صلاح عيسي
أنور نور ( 2018 / 1 / 6 - 20:37 )
أما موضوع زواج الشيخ علي يوسف من صفية ابنة صديقه الشيخ السادات - رغما عن رغبة والدها - تلك القصة الفائقة الدراما . لعلها قد قتلت تفحيصاً وتمحيصاً . ويكفي ما كتبه عنها - في حين حدوثها - شاعر النيل حافظ ابراهيم بقصيدة شهيرة خالدة
مما جاء فيها : (وكم ذا بمصرَ من المضحكاتِ) كما قال فيها (أبو الطيِّب)
أمورٌ تمرُّ وعيشٌ يُمِرُّ ونحن من اللَّهو في ملعب
وشعب يفرُّ من الصالحاتِ فرارَ السَّليم من الأجرب
وصُحْف تطنُّ طنينَ الذُّبابِ وأخرى تشنُّ على الأقرب
وهذا يلوذ بقصر الأميرِ ويدعو إلى ظِلِّه الأرحب
وهذا يلوذ بقصر السَّفيرِ ويُطنِب في وِرده الأعذب
وهذا يصيحُ مع الصائحينَ على غير قصدٍ ولا مأرب
وقالوا: (المؤيَّدُ) في غمرةٍ رماه بها الطَّمعُ الأشعبي
دعاه الغرامُ بسنّ الكهولِ فجُنَّ جُنوناً ببنت النَّبي
ونادى رجالٌ بإسقاطهِ وقالوا: تَلَوَّنَ في المَشْرَب
وعَدُّوا عليه من السَّيِّئاتِ أُلوفاً تَدُورُ مع الأحقُب
وقالوا لصيقٌ ببيتِ الرَّسولِ أغارَ على النَّسَبِ الأنجب
وزكَّى (أبو خَطوةٍ) قولَهم بحكمٍ أحَدَّ من المضرب
.. الخ
تحية لجهودكم

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح