الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(بيتتا) الانتحاب الراقي لسيدة الكون

دينا سليم حنحن

2018 / 1 / 6
الادب والفن


(بيتتا)- الانتحاب الراقي لسيدة الكون
دينا سليم حنحن

بما أننا وما نزال في أجواء عيد الميلاد، وبدأنا نخطو داخل أيام السنة الجديدة بأجواء سريعة لها صلة وثيقة بالماضي والتاريخ العريق، سأتحدث في هذه المقالة القصيرة عن منحوتة خالدة للنحات العظيم مايكل أنجلو، منحوتة (انتحاب العذراء) أو تمثال Pieta .
لماذا الآن؟
استفزني مشهد صلاة العيد التي أقامها بابا الفاتيكان والتي نقلت عبر الشاشات الفضائية، والتي أقيمت في كنيسة بطرس في الفاتيكان، والتي تعتبر من أهم وأفخم الكنائس في العالم على الاطلاق.
لست ممن يمجدون بيوت العبادة ولا رجال الدين، بل أمجد الفنانين الذين تركوا آثارا للفن والعلم والثقافة قبل رحيلهم، ومن أهم المعروضات الأثرية الموجودة في الكنيسة المذكورة لوحة الانتحاب أو كما أطلق عليها Rondanini Pieta والتي عمل عليها أنجلو وهو في الثامنة والثمانين من عمره، وأنجزها في بيته لأنه لم يستطع الخروج منه بسبب أعراض الشيخوخة.
تعبّر المنحوتة عن أكثر المشاهد ألما وكآبة في التاريخ البشري، وذلك عندما أنزل السيد المسيح عن الصليب بعد صلبه حيث وضع في حضن والدته الثكلى دون اظهار علامات التعذيب أو الدماء أو ثقوب المسامير، وتبدو أنامل اليد اليسرى للعذراء مريم طويلة وبارزة بعض الشيء تحاول بها رفع ذراع ابنها، بينما يدها اليمنى بقيت في وضع التساؤل (كيف أستطيع تقبُّل كل ذلك؟)، وجعل صدرها، مقارنة بملامح وجهها البريء، عريضا يتسع كل هذا الألم ببصيرة الأم الثكلى، هنا ارتبط خيال النحات بالواقع، وهو أن سيدة الكون ببرائتها وطهارتها وأخلاقها الحميدة تحمل بين كفها ثقل الكون بأسره راضية باكية بهدوء، وهي أهل ثقة لهذا الحِمل الثقيل، تشاهد بصمت وتتلقى الفجيعة بصمت وتبكي بصمت، فهي مثال الأمومة المجروحة لأمهات العصور، والشيء المذهل أن النحات في عمله أبى أن يلعب على عواطف الآخرين بتضخيم الفجيعة وإسالة الدماء، بل أنجز عمله بكل رقي يعبر عن واقعة شديدة الألم مستخدما الإيماءات برشاقة تدعنا نتفاعل معها جيدا.
في هذه المنحوتة فقط، ضمن جميع منحوتاته، نجد اسم مايكل أنجلو منحوتا في الشريط الذي بتقاطع على صدر العذراء مريم، وقد نحته خلسة وفي ليل غير مقمر، عندما سار نحو التمثال بقنديل مشتعل ينير له الطريق، قام بنحت اسمه خلسة، وذلك بعد أن بدأ النحاتون الشباب ينسبون بعض أعماله إليهم، عندما بدأت السرقات علانية والتي خشي منها أنجلو وخجل منها أيضا، فالفنان صاحب مبدأ وموقف أولا.
لم يوقّع أنجلو سابقا ولا على أي عمل من أعماله، لكنه اضطر أن يفعل هذه المرة وخلسة خوفا على ضياع ثمرة تعبه، لكن الأسلوب الوحيد الذي اتبعه هو أنه رسم نفسه أحيانا في الشخصيات داخل بعض اللوحات، أسلوب تميز به، واختار شخصيات هامشية وغير مؤثرة نهائيا بهدف الدعابة أو السخرية أو الانتقاد فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله