الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يعتلي الجهلُ منابر المساجد

أحمد عصيد

2018 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


عندما نتأمل في الأساليب التي يعتمدها المدافعون عن اللغة العربية، والمنادون بحمايتها والنهوض بها وتطويرها، نشعر بامتعاض ممزوج بالشفقة، امتعاض بسبب الوقت الثمين الذي يضيعونه في ترويج الخرافات والأوهام، والشفقة عليهم لاضطرارهم إلى اللجوء إلى أساليب غير شريفة عوض الاستقواء بالعقل والمعارف العلمية.
لسنا ضدّ الدعوة إلى النهوض باللغة العربية لأنها لغة نستعملها ونفكر بها ونكتب، وهي جزء من حياتنا الثقافية والأدبية في بلدنا المغرب، بجانب لغتنا الأمازيغية الأصلية، كما نتمنى النهوض والنماء لكل اللغات، ونتألم عندما يعلن خبراء اللسانيات في العالم عن انقراض لغة ما بوفاة آخر متحدث بها، ونتعجب لعدم اكتراث الناس باندثار جزء من الإرث البشري في بقعة من بقاع الدنيا. لكن احترامنا للغة ما لا يعني أن نتقبل الشعوذة اللفظية التي يقوم بها البعض باسم الدفاع عن العربية.
في الأسابيع الأخيرة فقط اعتمد المدافعون عن العربية أسلوبين غريبين غاية الغرابة، ينبئان عن فراغ فكري وقلة نزاهة ملفتة للانتباه، فمن جهة تقدم برلمانيون من حزب المصباح بمقترح قانون فاشستي يدعو إلى تجريم استعمال لغات أخرى غير العربية، دون التفات إلى الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ودون احترام للدارجة المغربية التي لا يتحدثون إلا بها في الحملات الانتخابية وفي مساعيهم لاستقطاب المزيد من المريدين والأتباع، ودون احترام للغات الأجنبية التي ينفقون هم أنفسهم على أبنائهم الكثير من الأموال لإتقانها. ومن جهة ثانية انبرى ثلة من خطباء المساجد للذود عن لغة الضاد بأساليب مضحكة تجعلنا نتساءل عن سلامتهم العقلية وصحتهم النفسية، حيث أكد أحدهم ـ وهو دكتور في اللسانيات ( !!) ـ على أن جميع اللغات ستنقرض ومنها اللغة الانجليزية، وأن اللغة الوحيدة التي ستبقى مستقبلا هي اللغة العربية، وقد شاءت عبقرية هذا الألمعي بأن تبتكر قصة طريفة مفادها أن الدول العظمى ومنها أمريكا مُجدة حاليا في نقل كل تراثها وعطائها الحضاري إلى العربية التي ستبقى خالدة لوحدها على الأرض، وأن هذا يتم في مخطط سري لا يعلم به أحد، (ما عدا صاحبنا وحده بالطبع). هل هناك جهل أكثر من هذا ؟
وبما أن الأمر هنا يتعلق بحالة نفسية لا غبار عليها، فإن التحليل النفسي لها يعطينا ما يلي: فشل المسلمون في جعل العربية لغة علم في عصر انفجرت فيه المعارف بشكل لم يعودوا قادرين حتى على تخيله، بله الإسهام فيه، ولكي يقوموا بالتعويض النفسي المطلوب منحهم الخيال إمكانية الانتقام من تخلفهم باللجوء إلى الأسطورة ، تماما كما فعل الإنسان القديم في العصور البدائية . وأعتقد أنه لا جدوى من البحث عن تفسير آخر لمثل هذه البهلوانيات.
"دكتور" آخر ورئيس مجلس علمي ينتمي لنفس التيار الديني، قال وهو يتحدث من أعلى منبر المسجد أيضا، بأن هناك خصائص في اللغة العربية لا توجد في أية لغة أخرى في العالم (كذا)، وإذا علمنا أن في الهند وحدها 300 لغة، لا يعرف منها "الدكتور" ولو كلمة واحدة، حق لنا أن نتساءل عن هذه العبقرية الفذة التي جعلته يجزم بشكل ماحق باستحالة وجود ظواهر لغوية في غير العربية، هذا مع العلم أن العربية هي اللغة الوحيدة فعلا التي يعرفها الفهامة المذكور، ما يفسر موقفه الكاريكاتوري.
وفي إذاعة خاصة أطلقها أحد سائقي التاكسي سمعت محدثا آخر يقول إن عظمة اللغة العربية تتجلى في ثباتها، حيث أنها لم تتغير منذ قرون بينما كل اللغات الأخرى تتغير وتنقلب من حال إلى حال، وتبقى العربية ثابتة لا تتغير، وهذا دليل قوله تعالى "إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فبقاء العربية ثابتة هو في صالح الإسلام لكي يفهم الناس الدين. هل هناك درجة في الجهل أعلى من هذه ؟
ومن الجارة الجزائر جاءتنا نكتة أخرى عبر الواتساب، يتداولها المغاربة في غير قليل من الاستغراب هذه الأيام حيث اعتلى خطيب آخر منبر مسجد هناك، ليردّ على المظاهرات التي أشعلت الشارع الجزائري بسبب التصويت الغبي للبرلمان ضد تدريس اللغة الأمازيغية لجميع الجزائريين، ولكي يقنع الأمازيغ بالاكتفاء بالعربية لغة لهم قال إن عظمة هذه اللغة إنما تتجلى في حركاتها في نهاية الكلمة ، حيث نقول "ذهبت إلى المدرسةِ" (بكسر التاء)، "أحبّ المدرسةَ" (بفتح التاء) و"المدرسةُ (بضم التاء) بجانب بيتي"، بينما لا تتوفر اللغة الانجليزية على هذه الحركات في نهاية كلماتها مما يدلّ طبعا على أنها لغة قاصرة وليست في مستوى العربية. أليست هذه غاية الجهل ومنتهاه ؟
من حق المدافعين عن العربية أن يطالبوا بحمايتها (وإن كان لفظ "الحماية" يطلق عالميا على اللغات المهدّدة بالانقراض)، ولكن عليهم أن يراعوا بأن المجتمع المغربي قد بلع المقادير الكافية من الأوهام والخرافات والأساطير على مدى العقود المنصرمة، وليس بحاجة إلى مزيد منها، وعليهم في انتظار أن تقوم الدولة بما يطالبون به من تحمل مسؤولياتها تجاه اللغات الوطنية، أن يحرصوا هم أنفسهم على جعل العربية ناقلة للمعارف المفيدة والآداب الجميلة والأفكار النيرة، وإلا فسيكونون البادئين باغتيالها والإساءة إلى سمعتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أمازيغ ولايكتبون الا بلغة الضاد ؟
عبد الله اغونان ( 2018 / 1 / 8 - 02:42 )
لاداعي لانتقاء ضعاف الحجة للرد عليهم في مايشبه الحق الذي يراد به الباطل
وهو ما يفعله الأستاذ عصيد باستعراض حجج واهية بعيدة عن عمق المشكلة
فهو نفسه لايكتب بالأمازيغية التي صارت لغة ثانية بنص الدستور وهو يعرف كيف وضع هذا
الدستوروكيف تم التصويت عليه وظروف التصويت
وهذه لازمة عند كل المتمزغين
ومن المضحك أن نجد من تدعي أنها شاعرة وناشطة أمازيغية ولاتكتب الا بالعربية الفصحى وهي مليكة مزان
كل مكاسب الأمازيغية مجرد منح مخزنية مدروسة
ومشاكل لأمازيغية متعددة وموضوعية قاموسا وكتابة وتعبيرا
طبعا العربية لها مشاكلها ككل اللغات
لكن أقوى رابط يغذيها هو ارتباطها بالدين فهي لغة القران بامتياز
وذلك سر بقاءها وتوهجها


2 - لغة رديئة 1
محمد البدري ( 2018 / 1 / 25 - 17:04 )
ولا في حتي اعجاز بياني أو بلاغي في القرآن؟ فهل كسر قواعد اللغة التي هي ذات قواعد مشوهه وليست منضبطة يعتبر إعجازا؟ ساضرب لك مثالا: اقرأ الاية الثانية في سورة الحشر. اين البلاغة؟ فهي في منتهي الركاكة. وهل تقديم المفعول علي الفاعل وضرب القاعدة بان الفاعل يلي الفعل تدليلا عليه يعتبر بلاغة؟ ام انه يضع الجميع امام تفسيرات متضاربة تضرب فحوي مضمون الاسم في السياق ومثالها الاية انما يخشي الله من عباده العلماء. لن اتطرق الي المزيد لكن عندما حاول الفراهيدي وسيبوية وضع قواعد للغة العربية (لاحظ انهم استلموها دون قاعدة تحدد الي الرجوع الي الشعر الجاهلي الاكثر ارباكا لحاجتة للوزن مما يضر بتراكيب الجملة نحويا فجاء لنا بما سخر منه الباشا في فيلم غزل البنات. خذ هذا المثال: المطر غزير. طبقا للفرؤاهيدي هذه جملة اسمية كلا من المبتدا والخبر مرفوعين وعندما نقول هطل المطر غزيرا. فاننا امام اخت اخري كانت تايهه من اخوات كان. فالفعل هطل رفع المبتدأ ونصب الخبر. وكذلك نزل المطر غزيرا. فهل هطل ونزل بل وهل كل فعل ماضي من اخوات كان؟؟؟؟ بالضمة.كيفية بناء الجملة) بناء علي ما في القرآن اضطر الفراهيدي ... يتبع


3 - لغة رديئة 2
محمد البدري ( 2018 / 1 / 25 - 17:04 )
الحقيقة ان ابن التايهة اللي اسمه الفراهيدي وابن العبيطة اللي اسمه سيبوية اعتمدا النغم والايقاع وربما الوزن لوضع قواعد لغة هي اساسا بلا قواعد. اي بلا منطق. فاضطرا الي تقسيم الجمل الي اسمية وفعلية لجهلهما بما تعنية الجملة. فاي جملة تعبر عن حركة في الواقع اي حدث و فعل لان العالم مادة وحركة ولا سكون فيه. فليس هناك شئ اسمه جملة اسمية انما هي حدث مستمر اساسه الفعل (يكون). لكن ولان يكون كفعل مضارع تضرب قواعد النطق الموزن المنغم اللساني في الكلام، علي النمط البلاغي الجاهلي، فلم يدرجاها وجري حذفها مقارنة بالفعل كان. ومن ثم انشطرت الجملة في العربية دون باقي اللغات جميعا الي نصفين. وهكذا دواليك في الجمع بين مثني مذكر ومؤنث والسالم والتكسير ... الخ الحقيقة ان قواعد اللغة العربية من نحو وصرف كلها مجموعة شواذ. فليس هناك قاعدة واحدة تشذ عنها قلة انما هي مجموعة من الشواذ يمكن الابلاغ عنهم في قضايا اداب ... تحياتي

اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث