الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تصحيح المفاهيم حول مبادئ الشريعة الإسلامية

أشرف حسن منصور
أستاذ الفلسفة بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية

2018 / 1 / 9
دراسات وابحاث قانونية


تنص المادة الثانية من الدستور المصري على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وقد تم فهم هذه العبارة على نحو خاطئ باعتبار مبادئ الشريعة دينية آتية من الله، وأن مبادئ الشريعة هذه هي التي أنزلها الله في كتابه، لكن كل هذا غير صحيح.
إن ما يسمى بمبادئ الشريعة ليس سوى استنباط وتعميم من عمل الفقهاء، فهم الذين استخلصوا القواعد العامة للتشريع من أحكام القرآن والسنة، ولذلك فهي نتاج جهد بشري إذا قرأت القرآن لن تجد فيه مبادئ تشريعية، بل ستجد فيه أحكاماً جزئية ونصائح وقواعد أخلاقية عامة، بعضها يناسب عصرها ومجتمعها، وبعضها يمكن تعميمه على مجتمعات أخرى، لكنك لن تجد مبادئ للتشريع. وما أقصده بالنصائح والقواعد الأخلاقية، أن الكثير من آيات القرآن التي تحمل طابع المبدأ التشريعي هي في حقيقتها نصيحة أخلاقية مناسبة لعصرها، وإذا أخذنا النصيحة الأخلاقية مبدأ تشريعياً، أدى بنا هذا إلى مشاكل عديدة.
انظر مثلاً الآية القائلة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ " (البقرة 178). ظاهر هذه الآية يمكن أن يجعلها تُفهم على نحو خاطئ على أنها تميز بين الحر العبد، وتعترف بالعبودية، وتعتبرها نظاماً مستقراً وتقنن لها، وتميز بين الرجل الحر والأنثى، وتحمل ضمنياً فكرة خاطئة تقول إن الأنثى ليست حرة لأن الحر هو الرجل وحسب، وفكرة أخرى خاطئة حول التمييز في العقوبة وعدم المساواة بين الفئات الثلاث، وفوق كل ذلك فالآية في ظاهرها يمكن أن تُفهم على نحو خاطئ على أنها تقنن وضع العبيد وتصنع لهم وضعاً قانونياً خاصاً، وهو ما يتعارض مع الدعوة لتحرير العبيد ومع الكرامة الإنسانية.
هذا الفهم الخاطئ ينتج عن عدم الانتباه لطبيعة هذه الآية وأنها دعوة أخلاقية مشروطة بمجتمع نزول الرسالة وليست مبدأ تشريعياً عاماً وكلياً. فكل ما في الأمر أن هذه الآية دعوة أخلاقية نحو شيء من الإنصاف داخل مجتمع متراتب بالطريقة التي وصفتها الآية؛ فالقرآن تعامل مع المجتمع المعاصر له كما هو وحسب بنائه؛ هذا المجتمع كان متراتباً بالهيئة التي جاءت في الآية: رجال أحرار وعبيد ونساء. ومن داخل هذا المجتمع ووفق تراتبه تحاول الآية تأسيس قاعدة أخلاقية هي الإنصاف، بمراعاة حال كل فئة من فئاته، ولذلك فالآية دعوة أخلاقية. هذه الدعوة الأخلاقية إذا تحولت إلى مبدأ تشريعي لتعارضت مع مبادئ أخرى مثل نبذ العبودية والمساواة والكرامة الإنسانية وعدم التمييز القائم على الجنس أو الديانة. مشكلة الفقه الإسلامي والكثير من الفقهاء الدستوريين وعلى رأسهم عبد الرازق السنهوري ومن بينهم ذوي الميول الإسلاموية أنهم لم يميزوا بين القاعدة الأخلاقية والمبدأ التشريعي، واعتقدوا في وجود مبادئ تشريعية في القرآن، بل إنهم لم يميزوا بين أحكام الشريعة ومبادئ الشريعة.
مثلما لا نستطيع تطبيق الكثير من أحكام الشريعة الإسلامية في عصرنا الحالي خاصة الحدود، مثل قطع يد السارق والجلد والرجم، فإنه من الخطأ البالغ معالجة القاعدة الأخلاقية المناسبة لمجتمع نزول الرسالة على أنها مبدأ تشريعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رفقا بعقولنا. تبرير لا منطق فيه.
سمير آل طوق البحرأني ( 2018 / 1 / 9 - 04:59 )
الاخ الكريم بعد التحية اسالك: هل هي تصحيح مفاهيم اخلاقية ام تبرير لمفاهيم غير اخلاقية؟؟.فاذا كان القرآن من عند الاه رحيم فلا شك انه نزل لتصحيح مفاهيم غير اخلاقية لكن العبد بالعبد والحر بالحر هو قانون غير اخلاقي وان عدم تطبيقه في الدول الاسلامية لا يعني ان المسلمين لم يفهوا مقاصد القرآن والسنة.(ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فاانتهوا). ان كلما جاء في القرآن هي احكام تشريعية وليست مفاهيم. هل السطو المسلح والسبي والغنآئم والخمس وقطع يد السارق وجلد الزاني وغيره مفاهيم اخلاقية؟؟.(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ).(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ....).القرآن دستور المسلمين ومنه يؤخذ التشريع وهو الاساس لكل الفتاوى وهو ليس لزمان

اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي: معايير المجاعة الثلاثة ستتحقق خلال 6


.. اعتقال طلاب مؤيدين لفلسطين تظاهروا في جامعة جنوب كاليفورنيا




.. -الأونروا- بالتعاون مع -اليونسيف- تعلن إيصال مساعدات إلى مخي


.. عنف خلال اعتقال الشرطة الأميركية لطلاب الجامعة في تكساس




.. تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني