الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشكال ومضامين خوض النضال الجماهيري والطبقي وتمفصلهما

التيتي الحبيب
كاتب ومناضل سياسي

(El Titi El Habib)

2018 / 1 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية




مع حركة 20 فبراير انتقل النضال الجماهيري ببلادنا إلى مرحلة جديدة من تطوره فبات يفرض تحليلا جديدا وتجاوزا وتطويرا لأدوات ومنهجية التحليل.
أن الاستمرار في نفس المنهاج لم يعد قادرا على فهم المتغيرات ولا على استنباط أساليب النضال والتغيير. يرجع ذلك إلى بروز متعاظم لأشكال جديدة في الاحتجاج قوامها المسيرات والانتفاضات والوقفات تخوضها حركات اجتماعية متعددة التركيب الطبقي أو الفئوي أو المهني بينما غابت أو توارت نسبيا الأشكال الكلاسيكية مثل الإضرابات أو الاعتصامات تحت قيادة النقابات أو الأحزاب أو الجمعيات المهنية.
هي إذا حالة مستجدة ببلادنا. كيف يجب علينا التعامل معها؟ لكن قبل ذلك لابد من الجواب على السؤال هل حالة بلادنا معزولة أم هل هي ظاهرة معروفة وكيف حدثت وما هي أسبابها؟ كيف انتقلت إلينا ولماذا بالضبط في هذا الوقت أو الظرف؟
هذه الحركات الاجتماعية ليست خاصة ببلادنا ولا هي بنت اللحظة. ولهذا نجد العديد من الكتابات ومنظرين متخصصين في هذه الحركات الاجتماعية. سيكون من المفيد الاطلاع على هذا الكم المتنوع من الانتاجات الفكرية ودراستها لان ذلك سيساعد على الاستفادة العملية من الحركات الاحتجاجية التي تقوم بها أو ستقوم بها هذه الحركات الاجتماعية.
و لكي نساهم في هذا النقاش الدائر اليوم نعتقد أن الانطلاق من بعض المفاهيم الأساسية الرائجة والتي لها مكانة كبيرة عند بعض منظري ونشطاء الحركات الاجتماعية وهي : العفوية – اللاطبقية – اللاسياسية – اللاإيديولوجية.

لا يتسع الوقت ولا المجال لاستعراض جميع مراحل الحركات الاجتماعية ولذلك سنركز على واقعها الراهن. ومما يميز الشكل الجديد لهذه الحركات الاجتماعية هو كونها تمزج بين الحركات الاجتماعية التي خضعت لعملية ترتيب وتدبير من طرف قوى سياسية أو نقابية وحركات اجتماعية لم تندلع نتيجة عمل مسبق بل هي انطلقت بشكل فجائي ويعتبرها البعض بأنها عفوية. وفي الوضع الراهن نلاحظ ونؤكد بان الغالب أو المهيمن هو هذا النوع الأخير من الحركات الاجتماعية.
ولشرح هذه الوضعية لابد من الوقوف على سببين رئيسيين وهما أن القوى المنظمة من أحزاب ونقابات تعيش مرحلة تراجع قوي وانكماش لا سابق له، بل اندثار بعض المكونات أو اندماجها في النسق السياسي السائد وأصبحت داعمة للحاكمين وللسلطة. والسبب الثاني هو تراجع الفكر التقدمي وفي قلبه الفكر الشيوعي المناهض للامبريالية والداعم لتحرر الشعوب وهو اليوم يعاود الانبعاث من رماده، لكن اثر وتراكمات الهزيمة المؤقتة وانهيار التجربة الاشتراكية كان له الأثر البالغ على القوى التقدمية وسمح للتيارات النكوصية أو الهوياتية المنغلقة على ذاتها باحتلال الساحة، وقد ساعدتها الدول والمؤسسات الامبريالية والأنظمة الرجعية في المنطقة. وكان لهذا الواقع انعكاس على الفعل السياسي لهذه القوى وتقلص تأثيرها ولم تنجح في تاطير حركات اجتماعية وحتى إذا انخرطت في بعضها فإنها تقوم بذلك وهي تطمح إلى تدارك ما فات أو إعادة الحياة إلى هياكلها كأحزاب أو نقابات مما يجعلها تحاول توظيف تلك الحركات الاجتماعية وهو الأمر الذي يعطي المصداقية لمن يتهمها بالركوب على تلك الحركات.
لهذا نرى انتعاش حركات اجتماعية تندلع بشكل فجائي وتتحول إلى حركة احتجاجية تتخذ أشكالا متنوعة في النضال والتنظيم وترفع مطالب كثيرة أو متقلصة وغالبا ما تكون بدون قيادة مركزية . ولكي نحصر المجال سيكون من المفيد تناول أهم خصائص الاحتجاجات الشعبية التي وقعت بعد خفوت جذوة حركة 20 فبراير منذ 2013.
أول ملاحظة أو معطى وجب الانتباه إليه وهو أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تدهورت إلى حد كبير، ظهر معها أن النظام بات عاجزا على تلبية المطالب الواسعة للجماهير. وهذا يعني أن الآفاق أصبحت مغلقة وان كل مظاهر الأزمة وعلى رأسها انعدام الشغل وهشاشة ما هو متوفر منه تولد عنه شعور بالحكرة وبالتهميش لدى الشباب بكل فئاته المتعلم أو حامل الشهادات العليا. فأصبحت البطالة آفة ضربت الأغلبية الساحقة من العائلات بغض النظر عن أصلها الطبقي مساوية في ذلك البرجوازية المتوسطة أو الكادحين. إلى جانب هذه المعضلة برزت معضلة الفقر وتأكل القدرة الشرائية لمجمل الطبقات الشعبية بسبب الغلاء – مواد الاستهلاك الأساسية وخدمات التدبير المفوض- وبسب إفلاس المرافق الاجتماعية من صحة وتعليم والتي أنهكت كاهل الشعب بمصاريف ونفقات نتيجة استقالة الدولة والقطاع العام وتخليه عن واجباته والتزاماته وتفويضها أو فتحها للقطاع الخاص.
على أرضية هذه الأوضاع اندلعت حركات احتجاجية خرج المواطنون والمواطنات للتعبير عن سخطهم ورفضهم للفقر والبؤس. يهمنا هنا الوقوف عند هذه النقطة للتمييز بين هذه الحركات الاحتجاجية ولنرصد المعطى التالي: سيكون من قبيل المستحيل تحليل كل هذه الحركات الاحتجاجية لأنها كميا كبيرة جدا – حتى أن مصالح وزارة الداخلية تقدم أرقاما بعشرات الآلاف من الوقفات والأشكال الاحتجاجية وهي طبعا تقوم بذلك لكي تمرر خطابا سياسيا يدعي حرية التعبير وحرية التجمع والتظاهر، لكي تبرر قمعها لبعض الحركات الاحتجاجية المعينة. رغم هذا الكم الكبير يمكننا التمييز بين نوعين رئيسيين من هذه الحركات الاحتجاجية:
الأول هو تلك الحركات التي اندلعت بسبب معين عبرت من خلاله الجماهير المعنية بمشكل محدود فقمعت أو وجهت لها وعود وانتهى الأمر ولو لحين. وقد يتعلق الأمر بحركة احتجاجية لحي شعبي أو فئة اجتماعية متضررة أو حركة احتجاجية لمدينة أو جهة معينة مثل حالة زاكورة. . .
الثاني هي تلك الحركات الاحتجاجية التي استطاعت أن تتحول إلى حركات اجتماعية. وهي بدورها قد تهم قرية واحدة أو مدينة أو جهة أو منطقة شاسعة . لكن ما هي مقومات أن تتحول الحركات الاحتجاجية إلى حركة اجتماعية؟ هذا السؤال نطرحه لفائدة تعلم كيف نستفيد من تجارب شعوب أخرى وألا نهدر الطاقات في إعادة اكتشاف قوانين وعلاقات اجتماعية وحتى نتمكن أيضا من البناء على المكتسبات والانطلاق إلى المساهمة العاقلة في هذا المكتسبات. ثم وهذا هو الأهم كيف نساهم في تحويل الحركات الاحتجاجية إلى حركات اجتماعية وما هي العناصر الوظيفية المطلوب توفيرها لذلك وهنا لا بد من حد أدنى من العامل التنظيمي بغض النظر عن شكله أو خلفيته ومصدره.
+ في تدقيق الحركة الاجتماعية:
((إن التاريخ العلمي للحركات الاجتماعية لم يتأسس بمعزل عن الصراعات الدائرة في المجتمعات الإنسانية ولا يمكنه إطلاقا أن يكون منفصلا عنها مادامت هذه الحركات تدل في الأصل على الصراع الذي يعنى كل تعارض بين الأفراد والجماعات من حيث القيم والمصالح، فالصراع يعد من أبعاد الحركة الاجتماعية في شكلها الاحتجاجي القائم أصلا على الرفض ونشد التغيير.
ويشير بلومر إلى أن الحركة الاجتماعية هي ذلك الجهد الجماعي الرامي إلى تغيير طابع العلاقات الاجتماعية المستقرة في مجتمع معين. فالحركات الاجتماعية هي في نظره مشاريع جماعية تستهدف إقامة نظام جديد للحياة، وتستند إلى إحساس بعدم الرضا عن النمط السائد، والرغبة في إقامة نسق جديد” والرغبة في إقامة نسق جديد والشرط المؤسس لأية حركة اجتماعية يظل مرتبطا بفعل التغيير المستمر “
كتحول في الزمان يلحق بطريقة لا تكون عابرة بنية وصيرورة النظام الاجتماعي، لمعرفة ما يعدل أو يحول مجرى تاريخها”، والحركة الاجتماعية لا تكتس شرعية الوجود إلا إذا جعلت التغيير شرطا وجوديا لها، وإلا سقطت عنها عناصر المعنى.
وفضلا عن هاجس التغيير، يحضر في تعريف الحركة الاجتماعية عنصرا آخر لا يقل أهمية عن سابقه، وهو بالضبط عنصر الاستمرارية؛ فقاموس علم الاجتماع لغولد وكولب يؤكد أنها جهود مستمرة لجماعة اجتماعية تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة لجميع الأعضاء، فالفعل المستمر هو الذي يؤهل الممارسة الاحتجاجية إلى الانتماء مفاهيميا إلى الحركة الاجتماعية كجهود منظمة وغير عابرة، ينتفي فيه الواقع ويتأسس فيه آخر. لهذا يؤكد فرانسوا شازل أن الحركة الاجتماعية هي بمثابة “فعل جماعي للاحتجاج بهدف إقرار تغييرات في البيئة الاجتماعية أو السياسية”، فالأمر يتعلق ب” جهود منظمة يبذلها عدد من الناس بهدف التغيير أو مقاومة التغيير في المجتمع”.
إن الحركة الاجتماعية تفترض درجة معينة من التنظيم لبلوغ هدف التغيير والتجاوز، وهذا ما يلح عليه غي روشى مبرزا ” أنها تنظيم مهيكل ومحدد، له هدف علني يكمن في جمع بعض الأفراد للدفاع عن قضايا محددة” وهذا ما يقود إلى الاعتراف مرة أخرى بحساسية عنصر القضية الموجبة والمولدة للحركة الاجتماعية؛ فكل حركة تعمل من أجل قضية معينة، وتحتج أساسا من أجلها. ومنه يمكن الانتهاء إلى أن الحركة الاجتماعية لا تكتسب مبناها ومعناها بعيدا عن الحد الأدنى من التنظيم ووضوح الأهداف وشرط القضية، وقبلا وجود جماعة تؤطرها قيم ومعايير تتحقق حولها درجة من الإجماع.
أن تعريف الحركة الاجتماعية يثير الكثير من الاختلافات، تبعا لتعدد المقاربات والمنطلقات النظرية والمنهجية، إلا أن الاختلاف لا يبدو محتدما حول تحديد خصائصها المحتملة، بالرغم من مجمل النقاش الذي أثير حول نحت مفهوم موحد وواضح للحركة الاجتماعية . فأغلب التعاريف تؤكد أن الأمر متصل بجهود جماعية مقصود لأفراد ذوي أهداف محددة يسعون إلي تحقيقها بمقاربة جماعية، وأن الأمر يتصل أيضا بوجود معايير مقبولة اجتماعيا ومن الممكن أن يتحقق في صددها نوع من الإجماع في شكل تضامن وتأييد مطلق أو تعاطف نسبي . كما تتميز الحركات الاجتماعية في غالبيتها بالإدارة الواعية للأعضاء علي اعتبار أن التغيير يفترض بداهة درجة معينة من الوعي بالحاجات والمطالب، هذا بالإضافة إلي وجود حد أدني من التنظيم كخاصية مميزة للحركة الاجتماعية . أن الصعوبات التي يطرحها التعريف تبرر إلي حد ما اتساع دوائر النقاش المعرفي الذي أثير حول الحركات الاجتماعية منذ منتصف القرن العشرين، وذلك أن أنظار الباحثين من علوم مختلفة اتجهت نحو تحليل الأفراد والجماعات التي تخرج محتجة ومطالبة بالتغيير في شكل مظاهرات وانتفاضات وحركة تمرد. ))
((فكل حركة اجتماعية تتطلب حد أدني من التنظيم، مع ما يستتبع هذا التنظيم من آليات وقواعد للسلوك والتدبير والتعبير، وهي محددات أساسية للبنية التحتية للفعل الاحتجاجي . كما لا يمكن إطلاقا أن نتصور حركة اجتماعية بلا خطاب مؤطر وموجه لفكرة الاحتجاج فالخطاب يعبر عن البنية الفوقية للحركة الاجتماعية في حين يمكن اعتبار في المال سؤالا مفصليا في دراسة هذه الحركات لكونه يدل من خلال التفكير علي المبني والمعني المفترضين لها . ))
عرض دراسة نقدية للحركات الاجتماعية بعنوان:- ” سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية” للبروفيسور: فرانسوا ديبو Francois Dubet إعداد الطالب محمود صافى محمود.
وحتى لا يتحول عرضنا إلى بحث في سوسيولوجية الحركات الاجتماعية نكتفي بالإشارة إلى كون الدرس السوسيولوجي يرتب هذه الحركات الاجتماعية في أربعة مجموعات وهي:
1– نظرية السلوك الجماعي
2- نظرية تعبئة الموارد
3- نظرية الحركة الاجتماعية الجديدة
4 – باراديغم الفعل/الهوية.
وبالرجوع إلى العناصر الوظيفية التي تجعل من أية حركة، حركة اجتماعية نعتمد على ما توصل إليه تشارلز تيللي في دراسة تاريخية. يعتبر تشارلز تيللي احد أهم الدارسين للحركات الاجتماعية وهو يفرد 3 عناصر وردت في كتابه: “الحركات الاجتماعية 1768-2004 ” ترجمه السيد ربيع وهبة.
( 1- الحملة: مجهود عام مستدام ومنظم يملي مطالب جماعية على سلطات مستهدفة.
2- ذخيرة الحركة الاجتماعية social mouvment repertoir :عبارة عن توظيف لتوليفات ممكنة من أشكال العمل السياسي التالية: خلق جمعيات ذات أهداف خاصة، لقاءات خاصة، لقاءات عامة، مواكب مهيبة، اعتصامات، مسيرات، مظاهرات، حملات مناشدة، بيانات في الإعلام العام، مطويات أو كراسات سياسية.
3- عروض الوقفة:تمثيل المشاركين لجملة من الصفات العامة الموحدة، هي:الجدارة، والوحدة، والزخم العددي، والالتزام تجاه أنفسهم و/أو تجاه قاعدتهم الشعبية. ) انظر التشارلز تيللي.
أوردت هذه العناصر الوظيفية كما ترجمها السيد ربيع وهبة وهي مناسبة لترجمتها بما يتلاءم مع مفاهيمنا وخطابنا السياسي بالمغرب وخاصة وسط اليسار ولهذا نفهم بعنصر الحملة هو ذلك الجهد الذي يقوم به النشطاء من اجل التعريف بالأوضاع وبصياغة البرنامج المطلبي أو ترتيب المطالب، أما العنصر الثاني فهو يتعلق بجميع الأشكال التنظيمية الني ستتبعها الحركة الاحتجاجية ابتداء من خلق التنظيم الذاتي إلى أساليب خوض الحركة من مسيرات ومظاهرات. . . أما العنصر الأخير فهو يتعلق بعناصر تحصين الحركة وتمثينها وخلق آليات اللحمة لضمان استمرارها.
في محاولة اختبار مدى توفر هذه العناصر في الحراكات الجارية اليوم بالمغرب خاصة في الريف وجرادة فإننا نلمس متى تطابقها إلى حد التناهي وكأن الحراكات وقادتها يطبقون حرفيا ما سقناه هنا بما فيه ظاهرة الإصرار على تأدية القسم من طرف قادة الحراك وقواعده. لذا توجب قراءة هذه الجزئية بعيدا عن ما قام به البعض متهما الحراك بالانزلاق إلى الظلامية وإلى الداعشية. أليس من يقرا الأمور هكذا انه لم يفهم مغزى ذلك؟ ولا حتى الحاجة إليه لأنه ببساطة لا يتابع الأمر من موقع الانخراط والحرص على وحدة الحراك وما يطرحه من مشاكل حقيقية. لو استوعب المنتقدون هذه الحاجة لتمكنوا من فهمها ومساعدة النشطاء على إيجاد أشكال وحلول ارقي.

استنتاجات وتقديرات:

1- الاستنتاج الأول.
اليسار لحد الساعة لا يعير الاهتمام الكافي لواجباته من اجل تحويل الاحتجاجات الشعبية إلى حركات احتجاجية. بل انه تبنى نظرة مغلوطة لهذه الحركات الاحتجاجية إلى حد انه لا يولي أية أهمية لعناصر الحركة الاجتماعية بما فيها الإعداد المسبق حول الملف ألمطلبي وتحقيق الزخم العددي وتصليب الحركة وتحصينها. سبب عدم اهتمامه بكل هذه الأمور سيادة مفهوم النضال نيابة عن الجماهير ولم يعد يؤثر فيه منظر خوض الوقفة أو المسيرة بعدد لا يتجاوز عشرات الأشخاص.
2- الاستنتاج الثاني.
استطاعت بعض الحركات الاحتجاجية أن تتحول إلى حركات اجتماعية بالمعنى العلمي بينما لم تستطع أخرى أن تحقق ذلك مثل ما حصل لما أحرقت أمي فتيحة نفسها بالقنيطرة أو لما توفيت 15 امرأة ببوالعلام بالصويرة. أينما تحولت الحركات الاحتجاجية إلى حركات اجتماعية نجد أن الجماهير كانت مؤطرة إلى هذا الحد أو ذاك بما يمكننا تسميتهم بالمثقفين العضويين والذين هم أنفسهم كانوا أعضاء أو لا زالوا في التنظيمات اليسارية. بينما في الأماكن التي اشرنا إليها فقد غاب هذا العامل وطغى عامل التخلف وسيادة منطق الصدقة والإحسان أو نشط المخزن عبر أجهزته أو زواياه.
3- الحركات الاجتماعية اليوم أصبحت معطى بنيويا وهي آخذة في التنامي وستصبح أهم شكل من أشكال خوض الصراع الطبقي حتى اعتقد البعض بان العصر أصبح اليوم عصر قيادة البرجوازية المتوسطة للثورة أو التغيير وهو ما تقدمه نظرية الحركات الاجتماعية الجديدة بقيادة ألان تورين وغيره. من جهة ثانية أصبح البعض يعتبر أشكال الحركات الاجتماعية تجاوزت الطابع الطبقي للاحتجاجات ومعه التنظيم بشكله الحزبي . هذه استنتاجات ودعوات لا تعدم من الحجج ومن المستندات الواقعية ولن ينفع معها التنطع الحزبي أو الاستمرار في اجترار المفاهيم المتجاوزة أو الأشكال التنظيمية المتقادمة ولا الخطاب القديم. في هذا المضمار بات على الماركسيين إعادة التقييم وإعادة التقدير بدءا من مهمة نقد السلاح بمعنى تجديده وتطويره بما يلزم من الحزم ومن الشجاعة والمسؤولية.
التقدير الأول: شحذ سلاح التنظيم
بالنسبة للتجربة المغربية لم تكن هذه هي المرة الأولى التي توجبت فيها عملية نقد السلاح. لقد حضرت تلك الحاجة في منتصف ستينيات القرن الماضي وقامت مجموعة من المناضلين بعملية نقد السلاح، سلاح التنظيم تمخضت عن ميلاد الحركة الماركسية اللينينية المغربية (ركزته وثيقة كمنظمة إلى الأمام: “سقطت الأقنعة فلنفتح طريق الثورة”) وكذلك كان أن انبنى تنظيم جديد يجيب على متطلبات تلك الفترة ويقدم مساهماته في الصراع الطبقي ببلادنا؛ كانت حصيلته الايجابية ما عرفها تطور وعي شعبنا وما حققه من مكتسبات أهمها الفرز الجاري اليوم وتنامي عزلة نظام الكتلة الطبقية السائدة، وهذا الزخم النضالي للحركات الاحتجاجية. شكل ذلك التنظيم خميرة كل هذه المتغيرات التي نشهد حصولها اليوم.
اليوم أيضا بات من المحتم إجراء عملية نقد سلاح التنظيم وبالجرأة والمبدئية اللازمتين.
أهم نقد تعرضنا له هو اتهامنا بالدكاكين السياسية، واهم تجلي لهذا النقد هو تحاشي وإحجام الشباب عن الانخراط الحاشد والطوعي في صفوفنا.
انه نقد جارح وحتى فيه نوع من التبخيس لمجهوداتنا وعدم انخراط الشباب في صفوفنا فيه كذلك نوع من الجحود وعدم العرفان بجميل تكويننا للعديد منهم. كل ذلك موجود في النقد بل ربما يوجد ما هو اكبر وأعظم، لكن يجب أن يكون رد فعلنا هو قبول النقد والتجريح لأننا مبدئيون ثوريون نمارس وبالضرورة للخطأ حظ في عملنا وتصوراتنا. نعتقد أن هذه هي الطريقة الأسلم في التعامل مع هذا النقد عوض الطريقة الأخرى والسهلة وهي تكوين جبهة مع كل من نعث بالدكاكين والقيام بحملة تطهير وبغزوة ضد دعاة الدكاكين ومحاربة الفوضوية وأنصار العفوية.
عكس ذلك وجب علينا الإنصات للنقد وتحليل دوافعه والبحث في فكرنا وممارساتنا عن كل ما يمت له بصلة داخلنا.
هكذا فإنني اعتبر أن النقد الموجه لليسار فيه الكثير من أوجه الصدق وهي التي تعطي المصداقية لهذا النقد لما نتعرض له. سيكون من المستحيل رفضه جملة وتفصيلا وعلى الإطلاق. من يفعل ذلك وسطنا إنما يغلق باب التطور أمامه بل يتحول بسرعة مفرطة إلى دكان سياسي حقيقي منبوذ من طرف الجماهير.
هل نقبل بذلك لأننا نساير الموضة وعلينا أن نداهن الشعور الشعبي و لا نتواجه معه؟ هذا بدوره احد المخاطر التي لا يجب السقوط فيها، لأن حقيقته الانتهازية ستنكشف ويحول التنظيم أيضا إلى أفلس دكان سياسي لأنه فقد ثقة مناضليه فيه وثقة الجماهير أيضا.
لتجنب هذه المخاطر ليس هناك من بد من الوقوف عند الإعطاب التي تجعلنا نبدو في نظر الجماهير وطلائعها العفوية دكانا سياسيا لا يختلف عن الباقي وتفسير لماذا تلك الإعطاب وما هي الحلول لتجاوزها. عند نجاح تلك العملية سيكون نقد سلاح التنظيم قد أدى وظيفته بمساعدتنا على بناء تنظيم من نوع جديد. ولهذا اعتبر هذه العملية مهمة جماعية لأنها تدفع كل عضو مهما كانت مجالات نشاطه النضالي إلى التفكير في ممارساته وفي قناعاته الفردية.
في الممارسة العملية علينا المزيد من التعريف وسط المناضلين باطروحاتنا حول السيرورات الأربعة وترابطها الجدلي: سيرورة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين، وسيرورة بناء التنظيمات المستقلة للجماهير الكادحة، وسيرورة بناء الجبهة الوطنية للطبقات الشعبية، وسيرورة بناء الأممية الماركسية. إن الخيط الناظم لعلاقة هذه السيرورات فيما بينها هو أننا نبني حزبا ثوريا يتبنى أن الشعب بقيادة طبقته العاملة هو من يقوم بالتغيير وليس هناك من ينوب عنه في هذه المهمة التاريخية، وان خط هذا الحزب هو خط الجماهير يعلمها ويتعلم منها وهو لا يستطيع البناء أو العمل خارج الحاضنة الطبقية والجماهيرية وان الطليعية هي طليعية الجماهير المنخرطة في النضال بكافة مستوياته وأنواعه. حزب يفهم ويستوعب توجيه لينين لما يتكلم عن علاقة الحزب بعفوية الجماهير عندما أكد على«حقيقة أنّ الجماهير تدخل الحراك عفويًّا لا يجعل تنظيم الصراع أقل ضرورة. بل على العكس، فهي تجعله أكثر أهمّية».
عندما يستحضر المناضلون جيدا هذه الحقيقة فإنهم سيتمكنون من الالتحام مع النضالات الشعبية ولن يديروها الظهر. سيتمكنون أيضا من المساهمة في بناء التنظيمات المستقلة للجماهير في الأحياء وفي الاعتصامات سيكونون جنبا إلى جنب مع القيادات الشابة التي ستبرز وسيحصلون على تعاونها وستتأكد بأن المناضلين اليساريين معها ومنها وليسوا دكاكين سياسية مثل تلك التي تبحث على الركوب والتوظيف. سيتمكنون من الحضور القوي لمصارعة كل الطروحات المسممة والتي تريد عزل الجماهير عنهم أو تريد اختراقها. أينما كانت الجماهير تناضل هناك مكان المناضلين الطبيعي .
التقدير الثاني: في الدور الاستراتيجي لحزب الطبقة العاملة.
رغم الأهمية القصوى للحركات الاجتماعية فإنها كما أسلفنا تبقى في حاجة ماسة إلى التاطير والسهر إلى تحقيق العناصر الوظيفية لكي تتحول الحركات الاحتجاجية أي حركات اجتماعية ولكي تتحصن الحركات الاحتجاجية نفسها. والعناصر القادرة على تحقيق ذلك هي طبعا التي تتوفر على الحد الأدنى من التكوين والتدريب والحنكة وهي صفات لا تكتسب إلا وسط الحزب أو باحتكاك بأحد اذرعه. ثم لابد من الانتباه إلى أن الحركات الاجتماعية متروكة لديناميتها الخاصة قد تسقط في الانعزالية أو التشتت والاضمحلال بحكم شراسة المواجهة التي ستقوم بها مختلف الأجهزة القمعية والسياسية والايديولوجية للدولة. ومن اجل حل كل هذه المعضلات عبر تشبيك الحركات الاجتماعية والرفع من وثيرتها وتحشيد القوى الوطنية أو الدولية لها لا بد من تدخل الحزب السياسي المناضل الحازم.
هكذا تتضح العلاقة الجدلية بين الحركات الاجتماعية والحزب. ومن خلال هذه العلاقة يتم تصحيح الخطاب السائد اليوم والممجد للعفوية، للاسياسة، وإنكار الحقيقة الطبقية للصراعات الاجتماعية. فمن خلال ربط هذه العلاقة الصحية والجدلية مع هذه الحركات يستطيع الحزب أن يلعب دوره كهيأة أركان تنظيم خوض حرب الصراع الطبقي. وكلما تجدر الحزب في صفوف الطبقة العاملة والكادحين كلما استطاع أن يعيد للعمل النقابي محتواه النضالي العمالي وافتكه من يد البرجوازية وأذنابها وذلك سيقوى أيضا عود الحركات الاحتجاجية بالأحياء الشعبية في المدن الصغيرة أو الكبيرة أو في البادية؛ وتحولت تلك الحركات الاحتجاجية إلى حركات اجتماعية حاشدة تمتلك عناصر البرنامج ألمطلبي والتنظيمات الذاتية وآليات تنظيم النضال وتقوية اللحمة والوحدة الجماهيرية. وعبر هذه الحركات الاجتماعية تبنى الجبهات الميدانية مع مختلف القوى المناضلة حسب الملف ألطلبي وتفرز أنوية جبهة الطبقات الاجتماعية الطامحة للتغيير الجذري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا