الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفر البداية

طلعت رضوان

2018 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا هوعنوان أحد فصول كتاب (مغامرة العقل الأولى) تأليف المفكرالسورى الكبير(فراس السواح) الصادرعن دارعلاء الدين- دمشق- الطبعة العاشرة- عام1993.
ومن بين ما كتبه: أنه منذ بدء الحياة وتكوين المجتمعات البشرية، كانت مسألة (البداية) من أولى المسائل التى ألحــّـتْ على العقل البشرى، فتصدى لها منذ فجرطفولته. وبالتالى لانكاد نجد شعبـًـا من الشعوب إلاّ ولديه أسطورة أومجموعة أساطيرعن خلق الكون وخلق الإنسان. وهذا الاهتمام بموصوع (بداية الكون) استمرحتى العصرالحديث.
وعن تجربة الشعوب القديمة فإنّ أساطيرالتكوين تنتمى إلى أساطيرالميلاد المائى. وأنّ الحالة السابقة على بدء الكون فى الأساطيرالتكوينية، هى حالة (من العماء المائى) فى زمن سرمدى، لاينتابه تغييرولاتبديل كأنه عدم. وفى لحظة معينة (هزة ودمار) جاء بعدها (بناء جديد) وبدأ النظام من قلب الفوضى (من صميم الشكل الهيولى) لحظة قرّرفيها الإله خلق العالم ووضع أسس الكون والحياة، فبدأ الزمن الذى نعرفه الآن.
ولكن ساعة الخلق ليست بسيطة، هى ساعة صراع كونى شامل، حيث أنّ القوى الخالقة، هى قوى نشطة، دينامية، ولكنها لاتستطيع تحقيق مرادها بغيرالتمرد والثورة على (آلهة العماء والسكون والفوضى)
وفى بابل وغيرها من مدن الشرق الأدنى، كانت احتفالات رأس السنة تشغل حيزًا من اهتمامات البشرالدينية. وخلال بضعة أيام كان الناس يتفرّغون لأداء مجموعة من الطقوس، تتركزحول إعادة تمثيل فعل الخلق الأول، والتكرارالدرامى للصراع (البدئى) الذى أنتج الأكوان والتوحد مع (فكرة المقدس)
وقد دعـّـمتْ بعض الدراسات اللغوية هذه النظرة الأسطورية، فكلمة (عالم) وكلمة (سنة) هى نفسها فى بعض اللغات، كما هوشأن هنود أمريكا الشمالية، الذين يقولون ((مرّعالم)) ويقصدون ((مرّعام أومرّتْ سنة)) حيث أنّ (السنة) هى عالم يتكرّرمرة أخرى ويولد من جديد. وفى فارس كان الملك يقف فى عيد النيروز، وهورأس السنة الفارسية، ويـُـعلن للملأ من قومه: هذا يوم جديد من شهرجديد من سنة جديدة..وأنّ ما يلى من الوقت يجب تجديده.
وعن الأسطورة الأصل تفرّعتْ مجموعة من الأساطيرالثانوية، التى تحكى بدايات النشأة، والتى لعبتْ دورًا أساسيًا فى حياة الإنسان، كالزراعة وأدواتها، والكتابة وإقامة السدود..إلخ. وقد دلّ ذلك على أنّ معظم ما يستعمله الإنسان، ويستفيد منه لحياته ومجتمعه، إنْ هوإلاّ نتاج نموذج (بدئى مقدس) صنعته الآلهة بيدها. بل معظم ما يقوم به الإنسان ويمارسه فى حياته، ما هو إلاّ تقليد أولى قام به الآلهة، سواء فى المأكل أوالملبس أوالجنس أوالعمل. وقد ورد فى أحد النصوص الدينية القديمة ما يلى: ((هذا ما قام به الآلهة. وهذا ما سيقوم به الإنسان)) وبناءً على ذلك تغدو ميثولوجيا الأصول، أداة كشف ومعرفة وتعليل- من جهة- ومن جهة أخرى تثبيتــًـا للنماذج (البدئية) لمعظم النشاطات المهمة فى حياة الإنسان والمجتمع.
وبالتطبيق لما تقدم- كمثال- من الثقافة السومرية- التى نشأتْ فى الجزء الأسفل من حوض دجلة والفرات، منذ مطلع الألف الرابع قبل الميلاد. ورغم مرورفترة لابأس بها على اكتشاف الحضارة السومرية، فإنّ أصول الشعب السومرى مازالت قضية يكتنفها الغموض. وقال بعض العلماء أنّ السومريين من أواسط آسيا..وقد أثبتتْ الدراسات الحديثة أنّ أرض سومرلم تكن خالية من السكان قبل قدوم السومريين. بل كانت مسكونة ((بأقوام ساميين)) ذوى لغة وثقافة سامية، ولكن لا أحد يعرف عنها الكثير. أوماذا أعطتْ للغزاة الآسويين..لكن الشىء الأكيد هوأنّ الثقافة السومرية، قد نضجتْ من احتكاك هذيْن الشعبيْن وتفاعلهما مع بعضهما البعض، فى تلك الحقبة المُـبكرة من تاريخ الإنسانية.
وذكرأنّ أفكارالسومرين عن (فكرة الخلق) لم تكن أفكارًا بدائية، وإنما كانت ناضجة بالدرجة التى تتيحها معارف تلك الفترة من بداية حضارة الإنسان. وقد أثبت السومريون مقدرة فائقة على الملاحظة الذكية، واستخلاص النتائج المنطقية من المقدمات المنطقية والحقائق والوقائع المشاهدة. وأنّ دراسة النصوص الأسطورية المتفرقة تعطى للباحث التسلسل الأسطورى التالى لعملية خلق الكون:
كانت الأسطورة (فى بدايتها) تدورحول الإلهة (نمو) ولا أحد معها، وهى المياه الأولى التى انبثق عنها كل شىء. وفى مرحلة تالية أنجبتْ الإلهة (نمو) ولدًا وبنتــًـا. الأول (آن) إله السماء (مذكر) والثانية (كى) إلهة الأرض (مؤنثة) وكانا ملتصقيْن مع بعضهما وغيرمنفصليْن عن أمهما (نمو) وفى المرحلة الثالثة تزوّج (آن) من أخته (كى) وأنجبا (انليل) إله الهواء الذى كان بينهما (فى مساحة ضيقة لاتسمح له بالحركة) وفى المرحلة الرابعة تذمّـرالإله (انليل) حيث كان يشعربقوة شبابه والنشاط الكامن داخله، فضاق بوضعه داخل (سجن والديه) فقام بفعل قوته الخارقة بفصل أبيه عن أمه. ثم رفع الأول فصارسماء وبسط الثانية فاستقرّتْ أرضــًـا. وفى المرحلة الخامسة (من الأسطورة) أدرك الإله (انليل) أنه يعيش فى ظلام حالك، فأنجب ابنــًـا كى ينير له المكان، فكان هذا الابن هو(نانا) إله القمرالذى بـدّد الظلام فى السماء وأنارالأرض.
بعد ذلك فإنّ الإله (نانا) أنجب (أونو) إله الشمس ونافس إله القمر(والده) وتستمرالأسطورة فذكركاتبها أنه بعد أنْ تـمّ فصل السماء عن الأرض، وصدرضوء القمرالخافت، ونورالشمس الساطع الدافىء، قام الإله إنليل مع بقية الآلهة بخلق كافة مظاهرالحياة الأخرى.
وبتحليل عناصرهذه الأسطورة، يتبين لنا: 1- فى البدء لم يكن موجودًا سوى المياه التى صدرعنها كل شىء وكل مظاهرالحياة 2- فى وسط هذه الحياة الأولى ظهرتْ جزيرة يابسة على هيئة جبل (قبته السماء وقاعدته الأرض) ومن لقاء القبة بالقاعدة ظهرالهواء (العنصر المادى الثالث بعد المياه والتراب) 3- من الصفات الأساسية لهذا العنصرالجديد (الهواء) التمدد، وبتمدد هذه المادة الغازية، تباعدتْ السماء عن الأرض 4- لم يكن القمرالسابح فى الهواء إلاّ نتاجـًـا للهواء. أما الشمس (مؤنثة فى الكتابة المسمارية) فهى الابن الذى فاق أباه (القمر) فى القوة وخلفه على عرش السماء فيما بعد 5- وبعد فصل السماء عن الأرض، وبعد أنْ غمرتْ الشمس بنورها ودفئها الأرض، عندئذ تهيـّـأتْ الظروف اللازمة للحياة، فظهرتْ النباتات والحيوانات، ثم خلق الإنسان.
ويجب ملاحظة أنّ عناصرهذه الأسطورة تتطابق- إلى حد كبير- فى بعض جوانبها مع النظريات العلمية الحديثة، حيث أنّ ولادة القمرمن الهواء لاتبتعد كثيرًا عن النظرية العلمية التى قالت بتشكل الأجرام السماوية من السحب الغازية. أما صدوربعض مظاهرالحياة عن المياه الأولى، فلايبتعد هوأيضًـا عن الاكتشافات العلمية الحديثة، المتعلقة بنشأة الحياة وتطورها ابتداءً من البحر. ومع ملاحظة أنّ الفكرالقديم ابتدأ ماديـًـا حسيـًـا وبعيدًا عن التجريد. وأنّ (فكرة القوة الخفية المُـبدعة) لم تكن موجودة فى ذهن كاتب الأسطورة.
ومع ملاحظة أنّ بداية نشأة الحياة كانت (مع المياه الأولى) وهى أزلية غيرمخلوقة ولامنبجسة عن العدم. والسماء والأرض لم يكن خلقهما بفعل قوة خارجية مجردة متعالية، بل جاء خلقهما (حسب الأسطورة) نتيجة اخصاب ذاتى للأم الأولى، التى ولدته من رحمها كما تلد أمهات الحيوانات وأمهات البشر. وكذلك تكاثرالنباتات..إلخ.
ووفقــًـا لنص الأسطورة نقرأ: من لوح لآخرمخصص لتعداد أسماء (الأنوناكى) آلهة سومر، نعرف أنّ الإلهة (نمو) هى المياه (البدئية) وقد أنجبتْ السماء والأرض اللتيْن انفصلتا عن بعضهما. وجاء فى مطلع الأسطورة:
بعد فصل السماء عن الأرض..
وفصل الأرض عن السماء..
وتم خلق الإنسان..
أخذ الإله (آن) السماء..
وانفرد انليل بالأرض..
وفى السطرالتالى نقرأ شيئـًـا غيرمتوقع، فيقول النص (أخذ الإله (كور) الإلهة (أريشكيجال) غنيمة)) وفى الشرح فإنّ الإله (كور) فى الميثولوجيا السومرية هو(رب العالم السفلى، عالم الموتى. أما (أريشكيجال) فقد كانت إلهة أرضية تزوّجها (كور) بعد أنْ اختطفها إلى عالمه السفلى، مثلما حدث فى الأساطيراليونانية، مع الإلهة (بيرسيفونى) التى اختطفها إله العالم السفلى (هاديس) ومما يـُـثبت الرابطة بين الأسطورتيْن أنّ اسم (كور) بقى فى اللغة السومرية، دلالة على العالم السفلى حتى الفترات المتأخرة (أى مع بدء حضارة سومر)
وفى مطلع أسطورة ثالثة ذكركاتبها صفات الإله الذى فصل السماء عن الأرض:
إنّ الإله الذى أخرج كل شىء نافع..
الإله الذى لامُـبـدّل لكلماته..
انليل الذى أنبتَ الحــَــب والمرعى..

وأبعد الأرض عن السماء..
وقد تبيـّـن لدارسى الأساطيرالسومرية أنها ظلــّـتْ سائدة فى الفكرالأسطورى لحضارات المنطقة والحضارات المجاورة. حيث أنّ (فكرة الميلاد المائى) تكرّرتْ فيما بعد فى الأساطير البابلية التى تحكى عن ولادة الكون من المياه الأولى (تعامة) المقابلة ل (نموالسومرية) وفى الأسطورة السورية- كذلك- نجد (يم) المياه الأولى. وكان (رع) فى بعض الأساطيرالمصرية هوأول إله يخرج من المياه الأولى، وأنجب بقية الآلهة. وفى أسطورة إغريقية فإنّ (أوقيانوس) هوالمياه الأولى والإله (البدئى) الذى نشأ الكون عنه. وفى التوراة فإنّ المياه الأولى كانت هى البداية وجاء بالنص ((وكانت الأرض خربة خالية، وروح الرب يرف فوق وجه الماء)) (سفرالتكوين- الإصحاح الأول) وبعد آلاف السنين ذكرالقرآن ((هوالذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام وكان عرشه على الماء)) (سورة هود/7) وقال أيضًـا ((وجعلنا من الماء كل شىء حى)) (سورة الأنبياء/30)
وفى أساطيركثيرمن (شعوب ما قبل التدوين) نجد أسطورة فصل السماء عن الأرض..ففى نيوزيلانده وتاهيتى وجزركوك يروى السكان الأسطورة التالية: بعد أنْ اتحدتْ السماء بالأرض أنجبتا عددًا من الآلهة الصغارالذين كانوا يعيشون فى ضيق وظلمة لشدة التصاق السماء بالأرض، فجاء الإله (تانى) ورفع السماء حتى استقرّتْ فى مكانها لتكون بعيدة عن الأرض.
وكان المفكرالسورى (فراس السواح) موضوعيـًـا وأمينــًـا عندما ذكرأنّ أسطورة فصل السماء عن الأرض (بالنسبة لعصرالتدوين) سبق للمصريين تسجيلها فى واحدة من قصص الخلق عندهم حيث نجد أنّ إله الأرض (جب) وإلهة السماء (نوت) فى حالة اتحاد وقد تزوجا دون إذن من الإله (رع) فلماعلم بذلك أرسل إله الهواء (شو) ليفصلهما عن بعض (توجد برديات عديدة ومناظرعلى جدران المعابد تصورالأسطورة، ومن أهمها صورة الإله (شو) وهويرفع (نوت) إلهة السماء. وبينما كان اسم الإله الأرض عند المصريين (جــِـب) فإنّ اسمه عند اليونان- فيما بعد- كان (جيا) ولذلك يجب الانتباه إلى أصل الاسم المصرى.
وفى مقالاتى التالية سأحاول عرض باقى فصول هذا الكتاب المهم والذى أتمنى أنْ يقرأه الجيل الجديد من الشباب.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل