الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد بين (العلم) و(الفلسفة) و(الفكر)!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 1 / 10
الادارة و الاقتصاد


محاولة للفهم!
********
موضوع (فلسفة اقتصاد السوق) - ما قبل العلوم الاقتصادية - هو أحد الموضوعات التي تثير اهتمامي وتشغل تفكيري منذ زمن بعيد، تمامًا كموضوع (فلسفة السياسة أو السوق السياسية!) - ما قبل العلوم السياسية - فالفلسفة هي (أم العلوم) كما يقال!، إذ من خلالها يتم طرح الأسئلة الجريئة والعميقة عن موضوع البحث والتدبر ، ففي شأن النظام الاقتصادي والمالي والمعيشي يطرح الفيلسوف مجموعة من الأسئلة الأساسية عن طبيعة ووظيفة المال!؟ ماهو (المال) ومن أين يستمد قيمته وقوته!؟، هل المال هو النقود!؟ أم أن مفهوم المال أكبر وأشمل من مفهوم النقود وأسبق منه في الوجود تاريخيًا وزمنيًا!؟، ما هو الثابت والمتغير في حقيقة (المال) و(الاقتصاد)؟، وما هو مفهوم (الاقتصاد) وما علاقته بموضوع (المعيشة)؟؟، وما هو سر التفاوت بين البشر في المكاسب؟ وماهو سر الفقر وسر الغنى؟ سواء على مستوى الأفراد أو مستوى الشعوب!؟ وهل الفقر والغنى أمر وراثي أم مكتسب!؟، ما هي علاقة وفرة وندرة الموارد الطبيعية بالفقر والغني؟ أيهما العامل الرئيسي في تشكيل الثروة على المستوى الفردي أو القومي/الوطني؟ هل الجهد (العقلي والعضلي والعملي) البشري أم توفر الثروات الطبيعية!؟، وما هو دور الثقافة الإجتماعية السائدة والعقل والاخلاق والقانون في تنشيط أو تثبيط الكسب المالي والتجاري!؟؟، هل الفقر عيب!؟؟ هل هو مرض ونقيصة!؟؟....إلخ .... وهي أسئلة أساسية بل أولية كمنطلق لفهم الاقتصاد بل فهم الحياة خصوصًا إذا عرفنا أن (المال) بمفهومه الشامل العام هو أساس وقوام الحياة وقوام المجتمعات كما يشير القرآن في قوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} وقوله { لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًأ}!.

قد تقابلنا في حياتنا كثير من النماذج عن الإثراء في سوق الاقتصاد أو اقتصاد السوق على مستوى الأفراد أو حتى الأمم والشعوب التي تقوم على المكر والدهاء، ولا نتحدث هنا عن السلب والنهب والسطو والسرقة بالشكل المباشر المعروف، بل نماذج الكسب الماكر الذي قد يحافظ في ظاهره على الشكل القانوني لكنه يتم بطريقة خبيثة غاية في الدهاء!، فالقوانين مهما كانت قوتها وتماسكها فيمكن للثعالب البشرية اختراقها من خلال اكتشاف بعض العيوب والثقوب والثغرات هنا وهناك يمرقون منها فيحققون الثراء بكل أمان ولسان حالهم يقول : (وكله بالقانون!) ، ولكن يبقى السؤال (هل تم هذا الثراء وفق القيم الاخلاقية وبما يرضي الله!؟؟) ،، وعمومًا تظل هذه النماذج من النجاح التجاري والاثراء المادي نماذج سيئة من وجهة أخلاقية فهي تتضمن الغش والغرر والكسب غير الشريف وإن كانت - من ناحية عملية - هي نماذج ومكاسب وقعت نتاج ذكاء تجاري مجرد عن الأخلاق!، وهو أمر لا تقره حتى الرأسمالية من الناحية القانونية كما مطبقة في أوروبا الغربية حالياً على الأقل في داخل مجتمعاتها !، بعكس ما تمارسه في ساحة السوق الدولية حيث تسير وفق مبدأ وشعار (الكسب خدعة!) كما أن (الحرب خدعة)!! ، لكن الفيلسوف والمفكر الاقتصادي أي ذاك الذي يعني بالقضايا والأنظمة الاقتصادية حين يبحث في هذه المسائل فهو لا يبحث عنها مجردة عن الأخلاق بعكس الباحث والعالم الاقتصادي فهو قد يدرس ويعرض الاقتصاد كما هو في الواقع ، السوق الشرعية البيضاء والجلية والظاهرة على السطح وأيضًا السوق غير المشروعة قانونًا ودينًا أي السوق السوداء الخفية الموجودة تحت الأرض كسوق الرقيق الأبيض والبغاء و المخدرات أو الحشيش و الخمور في الدول التي تمنع تناول وتداول الخمور أو البغاء!، أو سوق السلع الممنوعة لأسباب دينية أو تتعلق بالمصلحة الوطنية العليا!، فالباحث الاقتصادي وبمنهجه العلمي يدرس كل هذه الظواهر والوقائع كما هي في الواقع بدون أحكام أخلاقية!، ويدرس - وصفًا وتحليلًا، فكرة الاثراء التجاري والتفوق المالي بطريقة واقعية مجردة عن القيم والأحكام الأخلاقية العامة التي يشترك في الاقرار بها كل عقلاء البشر!، أي عرض المسالك التجارية لطلاب الثروة كما تجري في واقع البشر!، فالعلم في الغالب يهمه عرض ووصف الظاهرة وكشف القواعد التي تحكمها بمعزل عن الأخلاق أي أن العلم في الغالب والأعم يدرس (ما هو كائن) لا (ما ينبغي أن يكون)!، والنماذج التي يدرسها للنجاح التجاري هي نماذج واقعية أي مأخوذة عن وقائع الواقع الفعلي لسلوك أغلب البشر!!، ولكنها قد تفتقد للضوابط الاخلاقية التي تقوم على (ما يجب أن يكون) وفق (معايير الكسب الشريف العامة المتفق عليها بين معظم البشر)، وهذا بخلاف ما يعالجه الفيلسوف والمفكر الاقتصادي الذي لا ينفك عن ربط الظواهر الاقتصادية والسلوكيات التجارية بالأخلاق، أي بقيم العدالة والأمانة والشرف وبالتالي استصدار حكم فيها، لها أوعليها!، بل إن المفكر الاقتصادي بخلاف العالم الاقتصادي قد لا يكتفي بدراسة الواقع والنظام الاقتصادي القائم كما هو بالفعل وحسب بل يقدم (رؤية اقتصادية جديدة) وقد تكون جذرية لنظام اقتصادي جديد يرى أنه هو الأفضل اقتصاديًا أو أخلاقيًا للبشر، أي يحقق قدرًا أكبر من الكفاءة والفاعلية الاقتصادية وقدرًا أكبر من العدالة الاجتماعية!، نظام اقتصادي جديد يراد به ومنه أن يزيح يطيح بالنظام الاقتصادي القديم القائم أي كما هو الحال في بعض رؤى وتصورات ونظريات بعض المفكرين الشيوعيين أو الاسلاميين أو حتى الليبراليين المثاليين والمتشددين أو الاشتراكيين القوميين والوطنيين كالنازيين والفاشيين والقوميين العرب مثلًا وغيرهم!، أقول هذا لأنني لاحظت حتى لدى بعض المتخصصين في العلوم الاقتصادية وجود التباس في هذه المسألة!، أي عدم التمييز الدقيق بين حدود (العلم) كمنهج علمي منضبط متعلق بـ( ما هو كائن) حيث يصف الوقائع ويدرس ويحلل الظواهر كما هي بلا تحكم ولا تزيين ولا تلحيين!، وآفاق (الفلسفة) و(الفكر) حيث يتم ربط الواقع بالقيم الأخلاقية والاجتماعية وبيان (ما ينبغي أن يكون) عليه الواقع والنظام العام!، وما قلناه عن التفريق بين مجال (العلم) ومجال (الفلسفة) و(الفكر) فيما يخص ما بات يطلق عليه لدينا نحن العرب مصطلح (الإقتصاد)(*) ينطبق بالمثل على ما أطلقنا عليه مصطلح (السياسة) والذي جوهره تداول وتنمية وإدارة (السلطان) كما أن الاقتصاد جوهره (المال)!، مع عدم انكار وجود الروابط بين الظاهرة الاقتصادية والظاهرة السياسية إذ أن الظواهر الانسانية والاجتماعية في حقيقتها ظواهر مترابطة ومتشابكة ومتداخلة ( يتأثر بعضها في بعض ويؤثر بعضها ببعض!) فهي حالها حال أجهزة وأنظمة الجسم كل منها له وظائف واختصاصات ولكن بالمحصلة فهي تتداخل جميعًا وتشترك في خدمة نظام عام هو (نظام الجسم) وتحقيق هدف حيوي مشترك هو المحافظة على الحياة واستمرارها وتطويرها!.. وحالها أيضاً حال الجسم بكافة أجهزته وأنظمته في ظروف الصحة أو المرض حيث إذا اشتكى منها عضو أو اختل نظام من أنظمتها وضعف جهاز من أجهزتها تداعت له بقية الأعضاء والانظمة والأجهزة بالسهر والحمى!، فهذا أيضًا - بالمثل - يحصل في أنظمة المجتمع الإنساني ككيان حي مترابط ومتشابك ومتداخل يؤدي وظيفة عامة واحدة تتعلق ببقاء وارتقاء الجنس البشري!، وللموضوع صلة وبقية إن شاء الله رب البرية!.
سليم الرقعي
2018
(*) لعل الله يتيح لي من الوقت والجهد أن أنشر بعض المقالات التي كتبتها منذ زمن باتت مبعثرة في قصاصات ورق في مخزني فيما يتعلق بهذا الموضوع والتي تتضمن أيضًا محاولة لاستشفاف مفهوم (المال) و(الاقتصاد) في الاسلام وخصوصأ في القرآن الكريم بل وتركيزي على عبارة مصطلح (الاقتصاد) كتسمية عربية لذاك النظام المتعلق بتداول وتنمية واستهلاك (المال) في المجتمع أي بالتمول والتمويل ونظام المعيشة بمفهومه العام حيث يمكن أن تكون كلمة (اقتصاد) - في تقديري - كلمة مضللة تقصر عن التعبير الحقيقي والكامل والشامل للموضوع المراد والمقصود، كلمة تتعلق بالفكر والفلسفة الاقتصادية (ما ينبغي أن يكون!) أكثر من تعلقها بالعلم ودراسة (ما هو كائن) المتعلق بالنظام الطبيعي المتعلق بصناعة الحياة وظروف الحياة المادية ووسائل ووسائط المعيشة ونمو وتداول واستهلاك أشكال الطاقة والمواد أي المال/الثروة على المستوى الفردي والعائلي والمحلي والقومي والعالمي الدولي!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110