الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثالث/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة و المعاصرة

فواد الكنجي

2018 / 1 / 11
الادب والفن


-22-
كنت أنت ممتلئا بعظمتك
ديكا يتوهم إن الشمس لن تشرق إذ لم ينشد كل فجر بصوت يظنه جميلا ما تؤكد دجاجاته في القن
و كنت أنا بومة ليس بوسعها الذهاب إلى صيدها و فضولها إلا ليلا
لكنها لا تعيرك بطيرانها بأفضل مما تفعل
بومة تنشد طوال الليل لطلوع الفجر كي يذهب الآخرون إلى أرزاقهم مثلها رغم تشاؤمهم من أغانيها المليئة بالمحبة و شهوات الحرية الليلية
ربما لذلك لم نر ديكا براقص بومة
ربما لذلك افترقنا
كان ألقن مملكتك و لم أكن املك غير فضولي و حيرتي و إشارات الاستفهام و التعجب
كانت الدهشة مملكتي و افترقنا ...
-23-
حين تفاجئني صورتي في مرايا المخازن
أتساءل من هذه المرأة السعيدة الأنيقة الواثقة من نفسها ؟
ما صلتها بي، أنا الطفلة حافية القدمين المتوحدة كبومة و المذعورة كعصفور الراكضة تحت المطر منذ عصور بلا مظلة و لا قبعة و لا دفء...
و لا حبة كستناء
و لماذا لا ترتسم صورتي الحقيقية في المرآة : صورة بومة ؟
و أين أجد المرآة السحرية التي تعكس صورتي الحقيقة
إلا على صفحات مياه الأبجدية ؟

لماذا لم نرى (ديكا) لا يراقص (البومة)، هل لان التناقض في رغبة الأول عن رغبة الثاني إلى الظلام ....؟ استفسار كبير تطرحه (غادة السمان) في تأويل التناقض بينهما الذي لن ولن يجمعها بالأخر لأنها متوحدة بحب العزلة والظلام فهي واعية بهذا التناقض ولهذا فهي لا تبالي لان (العصفورة) تواصل الحياة تحت المطر منذ عصور بلا مظلة و لا قبعة و لا دفء و لا حبة كستناء، فهذا الإحساس المعقد الذي هو في وقت نفسه مزيج من الحركة والذي يصعب الفهم أيهما فيه قاد الأخر أو يقودها....! فـ(البومة) هنا تحمل معاني ألعزلة المفروض عليها والتناقض مع الثقافة المحيطة بالأعراف والتقاليد فهذا المزيج رغم تعقيده إلا انه في صميم (غادة) واعتقادها بان كل واحد منه يغذي الأخر، ولهذا فإنها تعي المحيط الدائر بها فتعيشه بهذا التناقض وهو تناقض يكون مشروعا حينما يأخذ منه انطلاقا لتصورات جمالية ترى صورتها فيه .
-24-
أتزلج على جليد قلبك
و يطاردني بمخالبه ذئب وحيد له وجهك ...
أتزلج على كذبك و غدرك
و أتظاهر بأنني لا ادري
و أنا اترك أثار حوافري على جليد قلبك
و اصهل : وداعا ...
-25-
لا تحاول إعادة الحياة إلى الموتى
و الحب القديم
كي لا تجد نفسك إمام مسخ مرعب!
و إذا لم تصدقني اسأل " الوسيم " فرنكشتاين
-26-
ربحت جائزة اليانصيب الأكبر في العالم
و فوجئت بأن اسمها " ممحاة النسيان"

هنا (غادة) تشكو مما تراه بفزع وتتظاهر بأنها لا تراه نحو العالم، العالم الذي احرقها ولوعها، وهذه الصرخة تنقض على نفسها انقضاضا مقيتا، بالغدر والخيانة الأخر، لكن لا إرادة لها ولا رغبة في كبتها وقمعها، فتصرخ وتعلن.. وداعا، ذلك لأن القلب الجريح لا يجد الشفاء في الصمت بل في التعبير، ثم إنه وفي الحب وحده يحلو الظلم ويحلو الإفصاح والتعبير عنه فهي تصرخ بوجه من غدر: (( لا تحاول إعادة الحياة إلى الموتى
و الحب القديم كي لا تجد نفسك إمام مسخ مرعب! ))، قمة التعبير الذي نعجز إفصاح أكثر لان (غادة) بهذا المقطع وضعت النقاط على الأحرف وفصحت القول بالتمام والكمال لنهاية أبدية لحالة (حب) انتهت بالخيانة والغدر.

-28-
سالت الشجرة : ما اسمك ؟
قالت : اسمي لا يهم المهم أنني عاشقة لبوم مهاجر
مضى مع الريح و نسي كل شيء عني
قلت لها : بوم على غصنك أيتها الشجرة
خير من ذكرى عشرة في الريح!
-29-
ها أنا أعاشر قهوة الصباح بنشوة
و اثمل بشمبانيا الشمس التي تسكبها على نهر السين تحت
نوافذ صحوتي الصيفي ...
يوم آخر للحب و الفرح كبصمة أصبع لن تكرر
يوم أخر ارفض إن يكون من نمط " ما بعد إذا " الزائدة
أنا مرغمة على الحب و لم اختر شيئا
ما حيلتي مع أشجار قلبي الدهرية
التي تزدهر ربيعا و تنوء بثمارها صيفا و تعرف إن الشتاء
الأخير سيأتي لا محالة بمنجله ؟
ليزدهر حبنا صيفا من الجنون
و بعدها سيأتي الموت معتذرا و مرتبكا ...
ليزدهر حبنا
دون إن ينسى موته الأتي او يتنكر له
كأننا نتأجج حتى الثمالة كي يرضى الموت بنا
هات يدك في جادة الشانزيليزيه و اقطف به قلبي
الموت يرى القلب اينع و حان قطافه فكن صاحبه و اسبقه
اليه .

إعلان الحب والسباق مع الزمن و الخضوع له و إسراف وتوسل، وواضح استجداء هنا بـ(الحب) دون التأسف على ما فات و دون دمع و دعوة لربط صلة جديدة والسباق مع لحظات الزمن، فـ(غادة) تعلم أن الحياة قصيرة لا تتسع للصد ولا تتحمل الهجر ولا تستأنس بالقطيعة،
لأن يقينها بديمومة الحياة بقولها: (( بان أشجار قلبها التي تزدهر ربيعا و تنوء بثمارها صيفا و تعرف إن الشتاء الأخير سيأتي لا محالة بمنجله ؟)) إذا هي على يقين بان لها طيب عيش.. و نعيم حب.. و أنس ود، كما أن يقينها عن تولي الظلم و القسوة، لان يقينها بان ما هو آت لا محال هو أمل ضائع وعن جحود ود وعن حيرة لفراق لا يرجى أن يعقبه لقاء، هذه القصيدة تصف لنا أجواء الذات الكاوية وللوعتها الضاربة في أعماق النفس والفرقة والابتلاء بالصد حيث لا موجب هنا، فتصف لنا (غادة السمان) هذه النفس المتألمة المعذبة بالألم والتي قصفت لوعتها والتي عجزت عن كبحها من أعماقها، ألم الحرمان والعذاب اللذان طمس لديها كل سبل الخلاص، مقطع شعري يفصح عن الأسى و الوجع المستبد والحزن القاتم والشجن المرير والحنين إلى ماض فات وانقضى وعن قسوة الهجر ومرارة الاغتراب .

-30-
إنا البدوية التي نسيت الخطوط الحمراء للبدو الرحل..
و أمعنت في الرحيل شمالا
رائحة الضباب في الطريق الى الشمال الغربي رائحة
القطارات المثقلة
بالثلوج بين مضاربي رائحة الموت في أسفاري حتى أقاصي
جحيم
المطارات رائحة الصقيع في هجراتي و عوداتي و خيباني
كل ذلك لن يسرق من صدري
فوح عطور ياسمين جدتي
في حدائق بيوت طفولتي الدمشقية ...عطور
تهذي بجنون الحياة و الفضول في ليالي " السونا " الصيفية
ما ذنبي إذا كنت قد أطعت أصواتها
و لبيت نداءات الحرية ؟
-31-
لا ترتد ورقة التوت على عري غدرك
لن اغفر لك و لنفسي خيبة البحر البيروتي بنا
خيبة اكواز الذرة الصيفية و القمر متوحش البهاء فوق
الكروم
ها قد عدنا خابيتين من خل الخيبة و كنا ذات صيف رعشتين
من الصدق
في دروب القمر البحرية المسحورة بالنقاء و الغرابة
اغرق يا صديقي داخل معطفك ألكحلي الوجيه
و دعني اهبط داخل فرائي كما يهبط الليل داخل روحي و شراييني
فقد انقضى صيف الحب بعدما كلنا الاتهامات للأفعى البريئة
و التفاحة المسكينة و نسينا ان الدودة التي دخلت إلى قلب التفاحة
جاءت من خل أرواحنا ...
لقد انتصر الزمن علينا أيها الشقي فاترك لنا فضيلة
الاعتراف ببشاعتنا
بدلا من إلقاء اللوم على الأفعى و التفاحة و البومة...
دعنا نعترف بضعفنا المخزي أنت و أنا آدم و حواء عصر
الفضاء
لا تقل : انه ذنب الأفعى قل: كان ذنبنا ذات صيف ...ذات
حزن ... ذات تكاره
ذات حب لم يعد يتطرق إليه الحب !

هكذا تعيش (غادة) مع من لا تجد فيه سوى الخيانة والغدر وهو ما يولد في نفسها إحساس بوجودها في عالم ألغربة والعزلة، ولهذا تجد نفسها محاطة بالبرد والكآبة، في وقت الذي يتزاحم وجودها في إثبات الذات وعدم التقهقر، فالصلابة أصبحت سمة ذاتها باتجاه محيطها فتتشبث به وتقاوم مقاومة شرسة ضد البرد وإحساس الغربة والانفراد ووحشة الزمن، ليكون الليل ملاذها الآمن، ترحل في آفاقه أمنه بأحلامها وذكرياتها لان دربها كان مع الحب وقد بنت ذاتها بهذا الأساس المتين رغم تبدل فصوله ولكن يقينها بان الحياة تجدد وان حبها في الأعماق الذي احتله سيتجدد به لان لا سبيل من تجنب الحب...! وهو ما لا تستطيع نفيه وهي تعيش في كونها(عالمها) الخاص بها، فهو بكل طقوسه صعودا ونزولا ملاذها لا تترد في إعلانه كما تقول: ((ما حيلتي مع أشجار قلبي الدهرية التي تزدهر ربيعا و تنوء بثمارها صيفا و تعرف إن الشتاء الأخير سيأتي لا محالة بمنجله ...؟))
هذا هو يقينها بالحب وهو ما يعلن لها عن سقفه بالاغتراب والعزلة .

-32-
أداعب بومتي فتروي لي أسرار عشاق الصيف و
تقول لي سر الفصول الأربعة فاكتشف أنها خمسة و الفصل
السري يدعى : فصل الحب
في ليالي الصيف المحمومة بضوء القمر السحري ألتقي
بأشباح موتاي و قد عادوا شبانا و ظلوا إحياء
التقي بكائنات الكواكب الأخرى في المقاهي الكونية
و التقي بحزني فنبكي معا طويلا وحشة طفلة أحد
حقا قط
فتحولت إلى " ميدوزا " شرسة يتحجر كل من يتسبب
ببكائها محدقا بدموعها ..جاهلا ان بومتها لشروره
بالمرصاد ...
يتشاءمون من البوم و تتساءل بومتي : لماذا لا يتشاءم
العشاق من شرورهم ؟

-33-
حين أغلق بابي ليلا على نفسي في بيتي الباريسي
وحيدة كدمعة صيفية لم يلحظها القمر
تنفتح بوابة دنياي الداخلية بكل بحارها و سندباداتها و
أهوالها و مباهجها و أوهامها و حقائقها و خرافاتها
يتحول البيت الصغير على ضفة نهر السين إلى جزيرة
أسطورية في بحار السندباد
و فقط حين أنام اركب بساط الريح
و تبدأ حياتي الحقيقية
التي انجوا بها من كوابيس اليقظة و من خيبتي بمن احببت
و هذه السطور لا أخطها حقا بالحبر بل بدمعي الأزرق !


-34-
تمددت في حديقة " الهايد بارك " اللندنية على العشب
المشمس محاطة بالسعداء الأوربيين الهانئين بحياتهم و
كلابهم و أطفالهم
تلك الغيمة السوداء الغاضبة
لماذا لا تمطر الا فوقي من دون المنتزهين جميعا؟
و لماذا تطاردني كيفما تحركت و أنى ذهبت
و لها شكل خارطة وطني العربي ؟

الألم وإحساس الغربة تعيشها (غادة السمان ) في يقظتها وفي منامها، وهذا ما جعلها تعيش خارج الزمن فتحلم بالخروج من زمن الأرض وتحلق كسندباد، فالزمن ما عاد يقاس الزمن إلا بحجم لحظات السعادة وبحجم الذكريات الممتعة التي قضتها في هذا العمر، فحالة (غادة) لم ترى من هذا الزمن غير الألم والقسوة والتمزق وذكريات والخوف والرعب، هي متاهة الدائرية في وطأة الزمن ومن خيبة الحياة، و(غادة) لا تخفي سرها في وصول نفسيتها إلى هذا الحد من الم، إذ تلمح للمأساة التي تؤول إليها من خلال ما وصل إليه الوطن العربي، فغيمة (المطر) رمز البكاء يتبعها أينما تذهب فهي تحمل شكل الوطن العربي، فتصور مأساتها كحالة ذاتها والوطن، من اغتراب وتمزق وضياع في دوار العاصفة لا تهدأ ولا تلين، وبعد أن تكشف أسرار هذا الاغتراب حيث لا تذق طعم الحياة إلا حينما تخلد إلى النوم فتسافر بعيدا في أحلامها تنشئ حياتها الحرة كما تشاء، وكأنها تستعين بفضائه الوهاج فتستند إليها لدعم كل ما تعانيها نفسيتها جراء التأثير المباشر للوقائع و الأحداث التي ينغمس فيها الوطن العربي .

-35-
حين اكتب على الورقة البيضاء اسمك
أرى حصانا عربيا يخرج من رأس قلمي بدل الحبر
يولد و ينتصب و يركض على سطور ورقتي
و تتحول طاولة الكتابة الى حقول شاسعة
يركض عليها الحصان
ثم يغطس في ضباب سري ..كحبك الدامس
في دمي تنتحب أجيال من النساء المؤيدات
لكنني مصرة على إن أحبك تحت الشمس و على مرأى من
رماح القبيلة

-36-
ليلة أزف الى عرسي
لن تبدو على وجهي المزرق سعادتي بذلك
لن يعرف احد إنني عبر جفني المغلقين كنافذتين ما زلت
أرى بوضوح ما يدور حولي و اسمع ما يدور
بفرح ساري قبيلة من أحبابي تدخل إلى بيتي لتلتف حول
جثتي
و يحدق فيها الحضور بدهشة لأنهم لا يعرفون إفرادها
وحدي سأعرفهم حين يحيطون بتابوتي
أنهم إبطال قصصي و قد غادروا صفحات رواياتي و
قصصي
سيأتون من دمشق و بيروت و لندن و فينيا و باريس و جنيف و بقية أقطار تشردهم حيث رميت بهم سيأتي دريد و حازم و إياد و مصطفى و خليل ابو الملا و جورجيو و سيرقصون حول جثتي باحتفاء و فرح و أنا أغادرها فهم وحدهم يعرفون إنني لم أمت ما داموا هم إحياء !
و أنا أغادر جسدي المتهرئ و انزلق في جسد أخر لانضم
إليهم
و امضي معهم إلى حيث لا ادري ...

في هذا النص تتحدث (غادة)عن متقاربات تريد إن تصلها عبر تساؤلاتها لان فصول الأربعة لا تكتمل إلا حين نضيف لها فصل أخر هو فصل الحب وهو الفصل الخامس لفصول السنة الذي يطعم كل فصل لونه لنظل سجناء له رغم كل طقس يأتي بلونه الخاص ولكن لونها الآن يتجه نحو الغربة والوحدة تحت القمر لتحاوره بما هو حبيس في صدرها تريد إن تبكي ولا تريد....! وهذا ما يقودها في تأويل الاغتراب على حدود أفكارها بالألم والمرارة والعذاب .

-37-
جديلة من الأعصاب العارية و القلب العاري في عالم متوحش
تجدله العاصفة : هذا أنت
الألم يقصك كسنبلة على حد منجل
تتمنى لو كنت شجرة بقشرة تحميها لا يجرحها إلا عاشق يسطر الحروف
الأولى من اسمه و اسم حبيبته داخل قلب فيه سهم " كوبيد "
تتمنى لو كنت خرتيتا او فيلا بجلد سميك
تتمنى حتى لو كنت مثلي : بومة !
بومة تتقن تخويف أعدائها و هي أكثر خوفا منهم !
تتمنى و تتمنى ...
لكنك لو كنت شيئا آخر غير ذاتك
لما كنت شاعرا !
-38-
حين التقي بصديق غدر بي
اشعر بما يشبه الغبطة
فقد تحققت ظنوني و كان حذري في محله
-39-
ترتدي أحزاني " الشورت " و " الميني جوب " و فساتين السهرة
العارية الكتفين و القمصان الجلدية المطرزة بالمسامير المعدنية البراقة.. ترتدي إحزاني ثيابا باريسية و لندنية براقة عصرية
و لكنها إحزان لم تنسى أصلها إحزان قادمة من الناي العتيق ذاته الذي كان ينوح في حارات دمشق القديمة خلف الجامع الأموي
حيث بيت جدها ما زال شامخا منذ مئات السنين،
انه ناي القلب ...

هذا التعبير ((الألم يقصك كسنبلة على حد منجل)) ما هو إلا رمز لتعبير، عن الحب فترمز باله (كوبيد) الذي تنطلق به (غادة السمان) والذي ما هو إلا تحديد أمر ما قد نضج في مخيلتها, وأن الحزن والأسى قد وصل إلى أقصى حده, ولم يبقى إمامها سوى فعل التنفيس عن النفس, فالحزن واليأس في تصاعد و نمو وتكاثر بما يفوق الاحتمال, ولم يعد لديها القدرة الكافية لاحتمال كل هذا الحزن, فتطلب وتتمنى روح هذا الحب المساعدة من أي شيء يحيط بها, ((تتمنى حتى لو كنت مثلي : بومة، بومة تتقن تخويف أعدائها و هي أكثر خوفا منهم!)) فهذه اللغة في مخاطبة الحب ما هي إلا مخاطبة الذات، بمعنى أخر روحها تخاطب جسدها عن طريق نفسها، بعنف وأمر, لأنها تعرف مدى ضعف هذا الجسد الذي يحمل هذه الروح, وما أصعب أن توجد روح قوية في جسد ضعيف لا يليق بها، فهذه دعوته هي دعوة للمشاركة في لوحة ما, أو في فعل ما, ولكنها في حقيقتها هي فكرة موغلة في الفلسفة والعمق, لان (غادة) تخفي المعنى المقصود, فهي دعوة للتأمل .

-40-
أنا بومة تعيش بقلب مزروع
تدور حول العالم بقطارات من غيم على سكك من قوس قزح ترحل و تكتب و تثرثر بعدة لغات
و لكن بقلب مزروع :
اهو قلب جدي الذي ينبض في صدري ؟
-41-
لم يعد بوسعه إن يسمى الأعمى الذي يقود القافلة باسمه أو يقول له انه غير مبصر بل عليه إن يدعوه يا أمير غض النظر لم يعد بوسعه تسمية " معلمه " عديم السمع بعبارة أطرش بل عليه ان يقول :يا سلطان الإنصات إلى اللا مسموع
لم يعد بوسع قبيلة البوم إن تقول لأي من حكامها انه يبدو لها عاريا بل عليها الإنشاد : ما أبهى أثوابك
تكاد قبيلة البوم تنسى إن كلمة الليل لا ترادف النهار مهما كانت سطور المجاز و إن الفرح لا يرادف الركوع
و المجاز لا يجوز فوق تلال الجماجم و الأقنعة
قبيلة البوم ملامة لان أغانيها " تبويم"
ماذا سوى " التبويم " حين لا تجرؤ على الحديث عن نفسك بضمير المتكلم بل بضمير الغائب ؟
ماذا سوى " التبويم " حين تعي انك الحاضر / الغائب ؟

هنا (غادة السمان) تطرح رأياها وتصوراتها بلغة الشعر الالكتروني أو الشعر المعاصر مبلورة تشكيلات الألم والأحلام عبر الإبحار في موضوعات تلامس وجدانها بتعبير إيحائي وهذا ما اكتنف هذا النص بشيء من غموض بكون (غادة) أبحرت في إيحاءات عبر اشراقات الروح وقد جاء ذلك نتيجة عودة الإحساس إليها بالغربة وهو مفهوم يسيطر عليها وهذا ما يجعلها إن تواصل الإبحار عبر إسقاطات ذاتية اللا واعية على مرافئ الأحلام، فان سمة إنتاج النص وقع أسير ما بين اللغة العادية ولغة النص الرمزية، إضافة إلى كون الأداء اللغوي قد جاء وفق الإيحاء اللغوي من نوع خاص موازيا لروح النص الكامل لـ(الرقص مع البوم) وهذا ما قاد (غادة السمان) بان تستخدم لغة الحديث الذاتي مشحونا بطاقات إبداعية تتلاءم مع مواقفها في الحب والحرية التي تعبر عنه .
يتبع في الجزء الرابع ......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع