الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر في ديوان -قربات كأشجان الحفيف- عيسى الرومي

رائد الحواري

2018 / 1 / 12
الادب والفن


الشاعر في ديوان
"قربات كأشجان الحفيف"
عيسى الرومي
أهم ما في الشعراء أنهم يكتبون بأشكال متعددة ومتنوعة، يستخدمون لغة تناسب الفكرة والموضوع الذي يناولونه، تفاجأت عندما قرأت هذا الديوان، فقد بدى لي أنني أمام شاعر غير "عيسى الرومي" المعروف بالهدوء، لكنه كشاعر لا يستطيع أن يكون أسير لنهج أو لخط معين، فكان لا بد له أن يتمرد، والتمرد هنا على الذات أكثر منه تمرد على الواقع، فاللغة التي يستخدمها لغة غير تلك التي وجدناها في ديوان "السرة آنستي" وديوان "أحدى مراياه" والأفكار التي يطرحها حادة وصاخبة، وكأنه بهذا الديوان يقدم لنا وجه آخر "لعيسى الرومي"، وجه الشاعر الغاضب، الشاعر الفيلسوف، الشاعر المفكر، الشاعر المتمرد، الشاعر المتناقض، فالسواد غالب في الديوان، رغم وجود بعض القصائد تحمل شيء من الفرح، وهناك بعض القصائد جاءت مكثفة ومختزلة والتي تؤكد على حالة الغضب الكامنة في الشاعر، من هنا قدمها لنا بهذا الاختزال والتكثيف.
من مشاهد اليأس ما جاء في قصيدة " اعتراف":
"12
عشرون ألف راية
ما طردت ذبابة
وما جلت كآبة" ص10و11، فهذا المقطع يعطي وقع وتعدد "الرايات" على الشاعر، فهي رايات "لا تسمن ولا تغني من جوع".
وفي قصيدة "رميات القوس" يقول:
"6
نادتني: هولاكو ـ قيس
قلت: اندثرت ذيبان وعبس
وثمود وعاد...
لم يبقى سوى دمعة ليلى، يوم العرس" ص119، من هنا يمكننا القول أن الواقع يؤثر على الشاعر، لهذا وجدنا شعره بهذه القتامة، وعندما ختم المقطع باستمرار "بكاء ليلى" كان يريد أن يستنهضنا حيث أن الباكية هي امرأة، وهي تثير فينا "نخوة الرجولة" وعندما سماها "ليلى" أرادنا أن نكون قريبين من النص ويقرب النص منا.
ويقدم حالنا بهذا المقطع الذي جاء في قصيدة "خفقان واجنحة":
"9
نملة توجتني ملك
ثم قالت: هلك
كل شعبك، يا سيدي، قد هلك" ص148، هذا حالنا، الآن، بعد عام 2011، وبعد أن جاء (الربيع العربي) ملوكا يهلكون شعوبهم، لكن إذا عرفنا أن القصائد كتبت بين عام 2005-2008، فماذا نقول" هل الشاعر كان يتنبأ بواقع المنطقة العربية وبالخراب الذي سيحصل فيها؟، أم أنه كشاعر يمتلك حاسة سابعة تجعله قادر على اختراق الزمن ومعرفة ما فيه؟، أم أنه كمفكر وجد أن واقع الحال سيؤول إلى هذا الهلاك؟.
والشاعر لا يكتفي بهذا الأمر بل أنه يخاطب القارئ بهذه الحدية فيقول:
"قد تقصر العبارة
حرفا، وقد تزيد
لكنها تقول
كل الذي أريد" ص13و14، بهذا الشكل يستفز الشاعر القارئ، ويجعله يندفع أكثر لمعرفة ما سيقوله لاحقاً.
حالة الاضطراب التي يمر بها الشاعر جاءت في أكثر من موضع في الديوان، منها ما جاء في " الفصل الثاني: جهة الجسر
المشهد الأول
ـ منتظراً في لغتين
، رحماك إلهي: كيف الوردة، نفس الوردة تحيا في أرضين؟
ـ زمن!
ـ زمن أن تسأل: من أنت؟ وأنت تمدد في الكفن
ـ زمن ومكان أن تصمت
ـ أو تسكن فوق الماء... كأنك تعدو
ـ يعدو بك شعر حر في كل جهاتك
وحصانك أنت
بلا سرج أو رسن" ص92، من خلال ما سبق يمكننا القول أن الشاعر يمر بحالة من الاضطراب ـ وهذا حالة طبيعة عند الشعراء ـ والتي تؤكد أننا أمام شاعر بكل معنى الكلمة، لهذا وجدناه يمر بهذا الوضع، من أهم ما جاء في القصيدة الأسئلة التي يطرحها الشاعر، والتي تشير إلى حالة الصراع، وإذا ما توقفنا عند الألفاظ والأفكار فيما سبق سنجد حالة الصراع والسواد هي الغالبة، لكنه كشاعر يقدم نفسه كالحصان الذي يعدو بلا سرج أو رسن، فهو حر، يعشق البرية ويرفض التروض.
ورغم الواقع البائس إلا أن الشاعر يبقى متمسك بذاته كشاعر، وهذا ما قاله في قصيدة "الذي":
فقدت أصابع قلبي
وعيني وأذني
وضيعت في الشك دربي
وما غاب عني
وما زال قربي الذي
كان قربي الذي..
يعز، الآن، لحني
وغيبي" ص143، فالشاعر في هذه القصيدة يؤكد تمسكه بما يؤمن به، بما هو فيه من شاعرية، رغم كل ما فقده من أعضاء وحواس، لكنه كشاعر أصيل يبقى قادرا على أن يستمر ويكمل ما بدأه.
وهذا ما جاء في قصيدة "دستور الحب":
وللحب دستوره.. أول الفقرات ـ إذا ما رميت الحبيب الورود برمح، فمت قبله، وبه، وقه الطعنة القاتلة" ص104، بهذه الاخلاق وبهذا النكران للذات يريدنا الشاعر أن نكون.
نجده يعز باسمه، يقول في قصيدة "خفقان وأجنحة":
"5
لي اسم صلب
يحفظ ماء الله، ويبني
فوق المحفوظ الأوطانا" ص146، الثقة واضحة والإيمان كذلك، والاستمرار في البناء والعطاء هو الدليل.
وهنا نأتي إلى حالة الفرح التي لا يمكن للشاعر "عيسى الرومي" أن يقتلها أو يتخلى عنها رغم حجم السواد الذي يمر فيه، ورغم احساسه المرهف الذي يتأثر بأي شيء، فنجده يقدم لنا هذه القصيدة "زوايا رننت لها":
"16
جميل ليلكم هذا جميل
وقلبي شعلة، وأنا الفتيل
كتبت من القصيد مسيرات
سموت بها، وقد ذهلت عقول
أنا ابن ندى بلادي من قديم
وزيتون يعانقه النخيل
سلام القدس أنثره عليكم
ونبلا علمتنيه الخليل
جميل ليلكم هذا جميل
وأجمل منه أن يخلو الدخيل" ص30، وكأن الشاعر بها أراد أن يخفف من حدة السواد والاضطراب الذي جاء في الديوان، فالألفاظ بمجملها بيضاء والفكرة أيضا.
ونجد الفرح حاضرا عندما يكتب عن زوجته فيقول في "7. يوم إجازة":
"بين يديها ـ
زوجتي
رأسي،
والمشط،
وأخرى الأشياء
بين يديهاـ الشجرة سرب ضياء
وجمان الماء
زوجتي، والخضراء
عينا الأول ـ
حواء
عينا الشاعر
يا فرح القهو، صبح مساء" ص59و60، وكأنه يقول لنا بأنني إنسان عادي أحب الحياة بعيدا عن القسوة والألم، لهذا نجد لقصيدة ناعمة وهادئة، إن كانت على مستوى الفكرة أم من خلال الألفاظ التي استخدمها. وبهذا يمكننا القول أن الشاعر لا بد أن يتقدم من ذاته رغم كل المآسي التي مرت عليه.


الديوان من منشورات فضاءات، عمان الأردن، الطبعة الأولى 2015.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج