الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في ألوجود وألدين - ألجزء ألثاني

كامل علي

2018 / 1 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



36
بدايات ألإسلام

" البحوث حول بدايات ألإسلام ذو أهمية قصوى لنزع ألغشاوة ألتي تحيط بهذه البدايات ألمعتمة فالبحوث العلمية هي أولا وأخيرا ألوسيلة ألناجعة لكشف ألسر المقدّس ".

لا وجود لنبي إسمه محمد:
" إنارة ما يحيط ببدايات الإسلام من غموض"، ذلك هو ما ينادي به كارل هاينز أوليش في المقدمة التي دبّج بها كتابا جديدا صادرا تحت إشرافه يقول المشاركون في تحريره أنهم اعتمدوا في بحوثهم على "مصادر معاصرة" مثل نقوش قبة الصخرة ومسكوكات العملة أو مدونات كتاب مسيحيين.
الإسلام المبكر" هو الكتاب الثالث الآن من ضمن سلسلة متلاحقة الصدور في ظرف زمني وجيز، تسعى إلى نقض الأفكار المتداولة حول نشأة الإسلام، وذلك بعد كتاب "القراءة السريانية الآرامية" للوكسنبرغ ثم المؤلف المشترك الذي يحمل عنوان "البدايات المعتمة"، وقد أشرف على إصدارهما أيضا كارل هاينس أوليش.
الكتّاب الذين أسهموا في صياغة هذا المؤلف الأخير يدافعون عن الرأي القائل بأن الإسلام قد جاء في بداياته كظاهرة هرطقة مسيحية تطورت في صفوف مسيحيين من شرق إيران ينتمون في الأصل إلى مبعدين من بلاد ما بين النهرين (من هاترا على وجه الخصوص).
وربما يكون هؤلاء قد استولوا على الحكم بعد انهيار مملكة الساسانيين في سنة 622 م، وبذلك استطاعوا أن ينقلوا تعاليم مسيحيتهم إلى دمشق والقدس (أورشليم)، حيث تم في أواخر القرن السابع (على عهد حكم عبد الملك) نقل هذه التعاليم المستجلبة من إيران من السريانية إلى خليط لغوي متكون من السريانية والآرامية والعربية.

الخلفاء الراشدون محض خيال:
هذا "القرآن" البدئي قد تم تطويره حسب هذه الرواية خلال القرن الثامن، وقد يكون خلال القرن التاسع أيضا، ولم يكن محمد في رأي أصحاب هذه الرواية إسم علَم في الأصل، بل "نعت صفة ليسوع المسيح". ولم يحدث تطور هذه التعاليم لتتحول إلى ديانة قائمة بذاتها إلا خلال القرنين الثامن والتاسع، ومعها تم تحويل نعت الصفة إلى إسم للنبي العربي.
واستنادا إلى هذه الرؤية يكون تاريخ الإسلام المبكر كما يعرف من خلال الكتابات التاريخية للقرن التاسع الميلادي مجرد إعادة تأويل للأحداث، والعديد من الخلفاء الأوائل محض ابتكار من الخيال لا يجد ما يثبت واقعيته في المخطوطات القديمة.
"إعادة الكتابة التاريخية النقدية" هذه تثير في العديد من الجوانب الانطباع بأنها استعادة لعمل التأريخ الجديد للحدث القرآني الذي ينزّله جون فانسبورو في أوائل القرن التاسع الميلادي، كما تذكّرنا بأطروحات باتريسيا كرون وميشائيل كوك، التي تفيد بأن الإسلام لم يظهر في الجزيرة العربية بل في فلسطين.
غير أن المتفق عليه في مجال العلوم الإسلامية يثبت عكس ذلك:
هنا يعتبر ما جاء في مدونات التاريخ الإسلامي مطابقا للوقائع التاريخية، ويؤكد على تاريخية وجود الشخصية المحمدية كشخص ولد سنة 570 م في الجزيرة العربية، وهناك أعلن نبؤته على إثر وحي أوحي إليه به في سنة 610، ثم اضطر على إثر الرفض الذي قوبل به من طرف أهل قبيلته قريش والملاحقات التي تعرض إليها، إلى الهجرة إلى المدينة حيث أسس النواة الأولى للدولة الإسلامية.
أما عن كونه قد تمكن من هناك وفي ظرف لا يتجاوز العشر سنوات من غزو، لا مكة فقط، بل مجمل مناطق شبه الجزيرة العربية، فذلك ما لا جدال فيه في نظر العلوم الإسلامية، مثله مثل وجود الخلفاء الأوائل (الراشدين) الذين تم في ظل حكمهم فتح بلاد الهلال الخصيب وشمال إفريقيا وإيران، وكذلك التدوين النهائي للقرآن في نسخة تحتوي على ما جمعه الخليفة الثالث عثمان من نصوص الوحي التي أنزلت على محمد.

مغالطات تحريفية:
وإليكم الآن جردا لبعض هذه الأطروحات التحريفية الأساسية.
يسوق كل من فولكر بوب في المداخلة الأولى تحت عنوان "من أوغاريت إلى سامراء" وأوليش في المداخلة الثانية بعنوان "معاينات في نشأة ديانة جديدة" الأطروحة القائلة بأن "بلاد العرب" تقع في الأصل في بلاد ما بين النهرين، وأن مصطلحي "العرب" و"عربي" كانا يطلقان في أصلهما الأولي على الآراميين. وفي زمن متأخر فقط تبنت القبائل القادمة من شبه الجزيرة هذين المصطلحين وراحت تطلقهما بمفعول رجعي على ما يعرف اليوم بالعرب وببلاد العرب (الجزيرة العربية).
لكن هذه الأطروحات تتغافل عن عدد من الوقائع التاريخية المهمة، فلم تكن الأسماء العربية بحسب معايير زمننا الحاضر(ومن بينها أسماء عدد من الآلهة) تدل فقط على وجود شعب يتكلم لسانا عربيا في هاترا خلال القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، بل على وجود قبائل عربية (بمفهومنا الحالي) من بين قبائل البدو الرحل في الصحراء السورية، قبائل كان الأشوريون يطلقون عليها أسماء عريبي، وعرابايا وما شابهها من الأسماء، وذلك منذ القرن التاسع قبل الميلاد.
هذا المصطلح التسموي كان يطلق أيضا على قبائل رحل من تلك التي كانت تقيم وتتنقل فوق الأراضي الإيرانية، مع أنها لم تكن تنتمي إلى العرق السامي، مما يجعل المرء يستنتج بأن هذا المصطلح يطلق على كل الرحل دون أية إحالة على أصولهم الأثنية واللغوية.
إلا أن الجذر السامي للعبارة (عرب) كان يطلق خاصة في جنوب الجزيرة ومنذ القرن الثاني قبل الميلاد على قبائل قادمة من شبه الجزيرة، بما يفيد بأن مصطلح "العرب" لم يطلق ابتداء من القرن السابع أو الثامن ميلادي فقط، على ما يعرف بالعرب لدينا اليوم.

القراءة المقلوبة:
على نفس الأديم من الأسس الواهية يقف واحد من البراهين الأساسية في أطروحة بوب المتقوّلة بوجود حركة مسيحية ألفانية في مرو، يضع الكاتب على أساسها أسطورة الشخصية البهلوية التي يذكرها على طريقته الخاصة بـ"APD’LMLIK-i-MARWânân" وذلك انطلاقا من نقش على مسكوكات نقدية ظل يُقرأ إلى حد الآن بإسم عبد الملك بن مروان، الذي يطابق إسم الخليفة الأموي المعروف، والذي يقرؤه بوب على نحو مغاير بـ"عبد الملك من أهل مرو"، وبالتالي يكون هذا دليلا بالنسبة إليه على أن مرو من أحد المراكز التي كانت مستقرا لواحدة من فرق المعتقد المسيحي القديم المبعدة من بلاد ما بين النهرين.
تعتبر قراءة "i- MARWânân" على أنها "من أهل مرو" لاغية وغير ممكنة ذلك أن اللاحقة اللغوية "أن"(ân) في اللغة الفارسية للعصر الوسيط لا تستعمل للتدليل على النَّسَب. وبالتالي فإن القراءة التي تثبت إسم "إبن مروان" ليست ممكنة فحسب، بل هي المسلك الوحيد الذي يقود إلى إثبات النسبة البهلوية.
وإضافة إلى ذلك فإنه سيكون على المرء أن يتساءل عن الدافع الذي يمكن أن يجعل امرئا يلجأ إلى إسم موطنه لإثبات نسبته، وكيف كان من الممكن لظاهرة "هرطقة" مسيحية أن تتواجد هناك دون أن تجلب الانتباه إليها؟ ألم تكن مرو، ومنذ القرن الرابع الميلادي، مقرّا لأسقف الكنيسة الحواريّة المشرقية، الذي ظل يُجمَع خطأ على اعتباره نسطوريا!
معنى أمير المؤمنين:
كما أنه لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما جعل بوب ينتهي إلى القناعة بأن لقب "أمير المؤمنين" لا يعني حاكم المؤمنين وقائدهم، بل "وكيلا مولّى على كل المسؤولين عن الأمن" يرى فيه نوعا من الوالي.
إن المعادل في اللغة الفارسية الوسيطة للعبارة المنقوشة على المسكوكة العربية الساسانية كما يرد لدى كارل بوب هي: "AMÎR-i-Wurroyishnikân"، والحال أن عبارة " Wurroyishnikân" لا يمكن أن تعني سوى "مؤمن"، وهي مشتقة من "Wurroyishn" التي تعني "الإيمان"، وهو مصطلح يرد كثيرا في نصوص الديانة الزرادشتية، ويعتقد بوب أنه يعثر بكثرة على التصور الذي يقابله في القرآن وفي الديانة الإسلامية عامة، و يثبت ذلك بصفة خاصة في الفصل السابع من الكتاب تحت عنوان "تأثيرات الخلفية الدينية الفارسية في التصورات القرآنية".
في المداخلة الرابعة التي تحمل عنوان "آثار الحروف السريانية الآرامية في المخطوطات القرآنية الأولية بالحرفين الكوفي والحجازي"، يحاول كريستوف لوكسنبرغ أن يثبت أن جملة من نسخ المخطوطات القرآنية الأولى ذات علاقة وثيقة بنماذج أصلية من الكتابة السريانية. أما الأدلة التي يقدمها للبرهنة على هذه الفرضية فتظل تفتقر إلى القدرة على الإقناع.
وهكذا فإن قراءته لكلمة "شيء" مثلا، على أنها "شأن" بحكم عملية قلب لفظي يجريه على حرف "الياء" بحيث يتمثل له أنها ليست شيئا آخر غير "نون" سريانية، لا يمكن إلا أن تدعو إلى الشك في مدى ما يمكن أن تنطوي عليه حقا من مصداقية. ذلك أن أخذ عبارة "شأن" على أنها "شيء" أو "شيء ما" يظل أمرا لا يسوّغه الفهم السليم، شأنه شأن جملة "لله القدرة في كل شأن" التي تؤدي معنى أقل شمولا بكثير من مقولة "ولله الأمر في كل شيء".
وليس من باب الصدفة المجانية أن نرى دائرة مدلولات عبارة "شيء" وقد اتسعت في العديد من اللهجات العربية المحلية لتتحول إلى صيغة للمجهول والتعميم و صيغة للاستفهام في عبارات: "شيء ما" و "أي شيء". كما أن بعض التخمينات العشوائية مثل اعتبار لام التوكيد ( َلـ)، وكذلك لا النافية على ما يبدو، من المشتقات التي تعود إلى اللغة السريانية رغم ما تؤكده شتى فروع العلوم اللغوية من عكس ذلك، مثل هذه التخمينات تدعو إلى الشك بجدية في مقدرات لوكسنبرغ في مجال علوم اللغات الساميّة.
وفي أكثر من موقع يحصل للقارئ انطباع بأن ما يخلص إليه من ملاحظات لا تأتي في الحقيقة نتيجة قراءة جديدة، بل على العكس من ذلك، أن النص يُتأول على نحو يجعله ينقاد إلى الخلاصات المرغوبة. وأكثر ما يجلب الانتباه على نحو خاص في هذا كله هو العودة بهذه الطريقة إلى الاستناد على كتابات تقليدية آرامية، كما لو أن اللهجات الآرامية المختلفة متماثلة دون فوارق فيما بينها. وبالتالي فإن وجود قرآن بدئي باللغة السريانية يظل أمرا لا يمكن اعتباره قابلا للإثبات بهذه الطريقة.

وقائع لغوية:
شعور مشابه بأن الاستعمالات ذات النوايا المضمرة لوقائع لغوية بنفس الطريقة التي تجعلها تكون سندا يدعم رأيا جاهزا في ذهن الكاتب، هو ما يتكون لدى المرء عند قراءة المساهمة السابعة من هذا الكتاب ("سبل جديدة في البحوث القرآنية") لماركوس غروس.
يحاجج غروس بأن النصوص المتوارثة بطريقة التناقل الشفوي في اللغة العربية لا يمكن الرجوع بها إلى متن أصلي واحد، لكنه في ما يتعلق بالقرآن يؤكد على أن النصوص المتنوعة تعود في الحقيقة إلى تحريفات قرائية لأصل موحد لهيكل نصي (أو رسم بمعنى الأثر المتبقي من الشيء).
صحيح أن هناك عددا كبيرا من التنويعات النصية التي ترتكز بمختلف تصويتاتها وطرقها المتنوعة في نطق الحروف المصمتة، على أساس موحد، لكن هناك أيضا – وهذا ما يُسكت عنه في هذه الدراسة- تنويعات كثيرة تستدعي رسما مختلفا. وعلاوة على ذلك فإنه يصعب تحديد ما إذا لم يكن هناك عدد من القراءات المنحدرة عن رسم واحد، والتي لم تحقق ظهورها كوسائل ثانوية للتفسير إلا بعد تأسس نظام القواعد اللغوية.

تنوع الوسائل الأسلوبية في القرآن:
ويدعي غروس في موقع لاحق بأنه من المتعذر موضوعيا وجود متعة جمالية حقيقية في النصوص القرآنية، وفي المقابل يظل مدبرا عن الاستناد إلى عدد من الأعمال الجديدة في حقل العلوم الأدبية، والتي كشفت عن استراتيجيات تركيبية ثرية وكذلك عن الوظيفة السيمنطيقية لتنوع الوسائل الأسلوبية في القرآن (عمل نيل روبنسون "اكتشاف القرآن" على سبيل المثال).
أما عن فكرته القائلة بأن طريقة رسم الحروف القديمة في النصوص القرآنية تجعله بحكم الافتقار إلى الدقة ضربا من الكتابة السرية، فتبدو غريبة بالنظر إلى واقع الأمر الذي يتمثل في أن النصوص السابقة على ظهور الإسلام والمكتوبة بالحرف العربي، وبالرغم من طابعها الدنيوي المؤكد، تحمل نفس السمات من حيث افتقارها إلى الوضوح في ما يتعلق برسم الحروف.

المصطفى والمحمد:
كما أن الأطروحة المركزية التي تتكرر العديد من المرات في هذا الكتاب، و تفيد بأن محمدا ليس بإسم علم بل مُسنَدا (نعت صفة) داخل لغة المسيحولوجيا، تتضح بالنهاية كمقولة ليس لها ما يدعمها بجدية.
وهكذا يرى بوب في الإسم مجرد استعارة لغوية من الأوغاريتية بمعنى "المختار" و"المصطفى". وكبرهان على هذا المدلول الذي يمنحه للعبارة يستخدم ترجمة للجذر اللغوي الأوغاريتي ( m.h.m.d م ح م د) بمعنى "the best, choicest" (الأفضل، المنتقى) التي لا علاقة لها البتة بمفهوم "المصطفى"! بينما يرى أوهليش بديلا لذلك في كلمة من السريانية هي mahmed أي "المحمود" التي تمت قراءتها "محماد" (mehmad) في اللغة العربية حسب زعمه. لكن الواقع يثبت بأن هذا الجذر hmd لا دليل على وجوده البتة في اللغة السريانية؛ أي أن كلمة أوليش السريانية هذه لا وجود لها أصلا.
أما المعنى الذي ينطوي عليه هذا الجذر في اللغة الساميّة لمناطق الشمال الغربي: أي "يشتهي" فهو ما يذكره غروس، غير أنه يقدم هذا الجذر، وبطريقة مزورة، كعبارة موجودة في اللغة السريانية وذلك باعتماده اشتقاقا مزورا لإسم مفعول غير موجود. وهكذا فإن احتجاجه بوجود اشتقاق من السريانية لعبارة mahmad في اللغة العبرية، و ما معناه "موضوع للشهوة"، يظل بدوره دون أساس.

محمد قبل الإسلام:
في اللغات السامية الجنوبية فقط، أي في العربية وعربية المناطق الجنوبية، يكون للجذر اللفظي حمد معنى "الحمْد، والشكر". وفي هذه اللغات عرفت العبارة استعمالات اشتقاقية في عملية تركيب الأسماء. وإسم م. ح. م. د قد وجد في المدونات الصفائية والسبئية من عصور ما قبل الإسلام. وكإسم علم لا غبار عليه نعثر على إسم محمد مخطوطا على مسكوكات العملة العربية الساسانية من سنوات 686 و701 ميلادي، أي في فترة متزامنة مع نقوشات قبة الصخرة التي يزعم لوكسنبرغ، في قراءته الجديدة في كتاب آخر، بأنه وجد فيها الدليل على المُسند المسيحولوجي.
وعلى أية حال فإنه يتعذر العثور على موقع، سواء هنا أو في أي مكان آخر، ترد فيه أي مطابقة لعيسى المسيح (بنعت أو صفة) مع محمد، أو يرد فيه ذكر إسمه مع كلمة محمد في نفس الجملة. وبالتالي فإن قراءة لوكسنبرغ لا تقيم أي دليل على هذا الزعم. ومن ناحية أخرى نجد أن نص الشهادتين يرد مخطوطا بلغتين على برديّ يوناني. وفي هذه المخطوطة يظهر إسم mamet الذي يعرّف ك (apostolos theo حواريّ الله)، أي ما معناه رسول الله. وبالتالي فإنه من الصعب أن نرى في هذا شيئا آخر غير إسم علَم.
هكذا يكون هذا الكتاب الذي نحن بصدده قد أخفق في تحقيق المطمح الذي وضعه لنفسه في إنارة البدايات المعتمة للإسلام. وإن النقد الصائب الذي ظل يوجه إلى القراءات المحرفة، وعلى وجه الخصوص القراءات المحرفة للمصادر التي قام بها كتاب مسيحيون معاصرون إلى حد الآن وفقا لرؤية القراءة الإسلامية التقليدية ستبدو مثل المزحة مقارنة بمقاربات هؤلاء الكتاب التي لا تقل انحيازا في طريقة استخدامها للمصادر وقراءتها المحرفة وفقا لما تقتضيه نظرياتهم الخاصة. وستظل فرضية عيسى المحمد بمعنى "المصطفى" أو "المحمود"، مؤقتا موضوعا ضالا تماما للشهوة التحربفية.

نصان يهوديان حول بدايات ألإسلام:
مقدّمة:
لاشك أنّ التعامل مع التقاليد ألإسلامية التي تتناول بدايات ألإسلام يتطلب الكثير من من الدقة والإرتياب، وهذا الأمر لا ينطبق على الإسلام على نحو محدد، بل يمكن تمديده ليطال كل الأديان والعقائد وربما التيارات الفكرية، عالمية كانت أم محلية.
تاريخية التقاليد الإسلامية تثير في وجه الباحث التاريخي ما لا طاقة له على تحمله من المشاكل، مهما كانت قدراته وعلومه ومواهبه، مع ذلك فإنّ مقارنة عقائدية تاريخية سريعة يمكن أن تظهر أنّ المشاكل عند الطرف الإسلامي اقل منها عند الطرف اليهودي والمسيحي - على سبيل المثال - أقلها أنّ الجدل البحثي مستقر على الحقيقة التاريخية لوجود محمّد، نبي الإسلام في القرنين السادس والسابع في غرب شبه جزيرة العرب ( ماعدا بعض البحوث للمستشرقين الذين تطرقنا إلى بعض ألأمثلة من بحوثهم في الحلقة ألأولى والثانية من هذه السلسلة من المقالات )، في حين أنّ التفاصيل التاريخية لوجود موسى محط شكّ - وربما محل رفض كبير في الحقبة الأخيرة، وكذلك ايضا يسوع: وإن بحدّة أقل من موسى.
ما يتعلق ببدايات الإسلام، فسوف نجد الخبر ونقيضه، روايات متباينة - وربما متعارضة - للحدث الواحد إختلافات صارخة حول قيمة هذه الشخصية أو تلك، إختلاقا لشخوص وحوادث لم يكن له وجود قط، تدعم التوجه العقائدي للتيار المُختلق، وإخفاء لأمور مفصلية لا تتناسب مع ميول الكاتب وأهوائه.
إنّ تضافر روايات الحدث داخليا وخارجيا يدعم الحقيقة التاريخية لهذا الحدث. فعلى سبيل المثال، إنّ إشارة المصادر الخارجية - غير " العربية والإسلامية " - إلى حدث ظهور نبي في غرب شبه جزيرة العرب إسمه محمّد ( وإن اختلفت التسميات ) يدعم الحقيقة التاريخية لهذا الحدث التي تشير إليه المصادر الداخلية - أي " العربية والإسلامية ". وهذا ينطبق ايضا على الكثير من الأحداث المفصلية في التاريخ العربي - الإسلامي.
لقد كتب كثيرون، من غير المسلمين، حول بدايات الإسلام، في تلك البدايات بالذات : كتب ألارمن، الآشوريون، السريان، الموارنة واليهود. وللأسف الشديد، لم نر قط عند الباحثين التاريخيين المعاصرين العرب أدنى إشارة إلى تلك النصوص القديمة التي تناولها الكثير من الباحثين التاريخيين في الغرب بالفحص والتمحيص وألأرجح أنّهم لا يعرفونها، أو لم يسمعوا بها عدا بعض الإستثناءات.
في هذه المقالة نتناول بعض أجزاء من نصان يهوديان حول بدايات الإسلام، نعتقد أنّ لهما أهمية إستثنائية. ألنصان هما:
" صلاة الحاخام شمعون بن يوحاي " وقصيدة " في ذلك اليوم " وهما منشوران، على الترتيب، في : (- جامعة لندن، المجلد 13، الجزء الثاني، 1950، ص ص 308 - 338، نشر مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية، وفي عدد مهدى لذكرى أرمان أبيل، تحرير بيير سالمون، لايدن 1974 ، ص ص 197 - 200. وألنصان ترجمهما وعلق عليهما الباحث برنارد لويس.

ملاحظة:
حاخام شمعون بار يوحاي هو تانا من منتصف القرن الثاني، يدعى في الأدب التلمودي ح. شمعون دون أي شيء آخر. يُذكر في مواضع مختلفة. في المدراش الهالاخي، استخدم الطريقة الخاصة بعقيبا، وبإستخدامه لهذه الطريقة حرّر مجموعة مدراشيم هالاخية على الخروج والتي تعزا إليه وتحمل عنوان مخلتو د. ح. شمعون بار يوحاي، ما تزال بقايا منها موجودة حتى الآن. إليه تعزو التقاليد زوهار، وهو بالتالي شخصية مركزية في الأدب القبالي.

رؤيا ابوكالبتية للتاريخ ألإسلامي:
بقلم: برنارد لويس
خلال قرون الحكم ألإسلامي ألأربعة ألأولى، سرت بقوة الآمال المسيانية بين شعوب الخلافة، فالمسيحيون واليهود والزرداشتيون الخاضعون لحكم ديانة جديدة وغريبة عليهم تعلّقوا بتقاليدهم المتعلقة بمسيا أو ساوشيانت وزينوها: مسيّا من نسب مختار إلهيا، والذي يأتي أو يعود في زمن ألله إلى ألعالم، ينهي عذابات المؤمنين وسيطرد ظالميهم، ويؤسس ملكوت ألله في ألارض.
ولم يمض وقت طويل حتى تأثر بذلك ألإسلام ذاته، بداية في هرطقات ألذين أعتنقوا الدين حديثا، والذين لم يكونوا راضين بالمكانة المعطاة لهم في ما كان قد ظلّ مملكة عربية، الذين طعّموا الدين الجديد بإعتقاداتهم القديمة، ومن ثم في أرثودوكسية كلّ ألإسلام، حيث برز الإعتقاد بألمهدي وألذي هو بكلمات التقليد " يملأ الارض عدلا ومساواة بعدما ملئت ظلما وجورا ".
مع زوال الأمبراطوريات وإزدهار الآمال المتعلقة وخيبة املها، نما التقليد المتعلق بالقادم وتطور وراح ظالم بعد الآخر يضيف شيئا من ذاته إلى صور المسيح الدجّال، في حين كان العديد من المسحاء الكاذبين، بسبب فشلهم، يضيفون تفاصيل جديدة وعلامات جديدة إلى المسيّا الذي لم يأتي بعد.
كان لكلّ مجموعة تقاليدها الخاصة، مع ذلك فهم لم يكونوا منفصلين بأية حال، فالعديد من الأفكار والإعتقادات عبرت، عبر الذين كانوا يبدّلون ديانتهم وعبر قنوات اخرى من ديانة إلى أخرى.
كان اليهود حتما هم اقل صبرا في إنتظارهم للخلاص، فكلّما بدأ تقوض الأمبراطوريات تحت وطأة الثورات الداخلية والغزوات الخارجية وكأنّه ينذر بالنهاية التي انتٌظرت طويلا، كانت عيون اليهود القلقة تتطلع إلى زمن الإضطرابات الذي كانوا يعيشون فيه كعلامة على قدوم المسيّا، وتحاول أن تجد في الأحداث التي تدور حولهم النبوءات والتقاليد الغامضة التي وصلت إليهم حول حروب المسيّا الأخيرة.
في تلك ألازمنة كٌتبت الاسفار الأبوكاليبتية، كان لمؤلفيها أهداف عديدة - مواساة المضطهدين بآمال النصر القريب، وتبرير طرق الله للبشر بإظهار معاناتهم بأنّها لم تكن إعتباطية بل جزء من مخطط مرسوم إلهيا لأشياء تتأوج في تأسيس إرادة ألله في الارض، وغالبا ما تكون، إضافة إلى ما سبق، دعم مزاعم مدّع فعلي للوظيفة المسيانية.
عادة ما تكون طريقتهم ذاتها:
كانوا يأخذون أو يتبنون كتابات أبوكاليبتية أكثر قدما ذات أصل متشابه، يضيفون إليها رواية لاحداث زمنهم، ليس كقصة تاريخية صرفة، بل على ألارجح كإعادة تحرير لنبوءاتهم وتقاليدهم القديمة المدققة والموسعة بحيث تناسب هذه الأحداث، ومن ثم يقدّمون بطريقة محببة الأسطورة المتنامية للكفاح والنصر ألأخيرين.
كان كلّ شيء يٌسكب في قالب نبوءات ويٌعزا إلى إحدى الشخصيات العظيمة من الماضي: إلى دانيال أو إيليا، إلى أخنوخ، إدريس أو موسى، إلى زربابل أو ألحاخام شمعون بن يوحاي.
إلى الشخص المذكور أخيرا، وهو واحد من أعظم الحاخامين في القرن الميلادي الثاني، تٌعزا واحدة من أهم الابوكاليبتات اليهودية.
نشرت صلاة ألحاخام " شمعون بن يوحاي " للمرة الاولى على يد أدولف يلنك عام 1855 من مخطوطة نادرة كان يمتلكها ماركو مورتارا كبير الحاخاميين في مانتوا وبدا وكأنّها تعتمد جزئيا على عمل أقدم من نمط مشابه يحمل عنوان " أسرار ألحاخام شمعون بن يوحاي " كان " ألأسرار " قد نٌشر للمرة الاولى ضمن مختارات سالونيك عام 1743، ثمّ أعاد يلنك طباعته بعد ذلك.
لقد عزا يلنك العمل إلى ألحقبة الصليبية، لكن المؤرخ هاينريش غريتس عن طريق فحص دقيق، كان قادرا على أن يُظهر أنّ الاحداث والحكاّم المُشار إليهم في النص إنّما يرجعون إلى الخلافة الراشدية وخلافة بني أميّة، وأنّ العمل، بإستثناء مقطع مضاف من تاريخ أكثر تأخرا، كتب أثناء الصراع الذي أنهى الخلافة ألاموية، ورغم إعتراضات شتاينشنايدر الذي ما يزال يفضّل الهوية الصليبية، قُبل هذا الرأي عموما أي إلى الخلافة الراشدية وخلافة بني أميّة.
العبارات التي وردت في صلاة الحاخام شمعون بن يوحاي المتعلقة ببدايات ألإسلام:
- " وللحال أجاب ميتاترون ( إسم رئيس الملائكة في ألأدب الحاخامي ) أمير التأييد وقال: لاتخف يابن الإنسان لأنّ القدوس المبارك لا يأتي بمملكة اسمعيل ( المسلمين ) إلا كي يخلصكم من هذا الشر. إنّه يقيم عليهم نبيا بحسب (إرادة ألله) وسوف يغزو الأرض لأجلهم وسوف يأتون ويستردونها بعظمة وسيكون هنالك رعب عظيم بينهم وبين أبناء عيسو(ألمسيحيون) ".
يقول برنارد لويس في تفسيره للفقرة أعلاه ما يلي:
" في نص سالونيك للأسرار، يظهر محمّد كنبي والذي يقيمه ألله (عليهم بحسب إرادته ). أما في الملوك ألعشرة فلا توجد إشارة لا لله ولا للنبي، وصورة محمّد ذاته تصبح مشوشة مع صور الخلفاء ألأوائل.
في الصلاة، يزداد إنزياح الوهم، وهكذا فقد أصبح ( رجلا مجنونا تمتلكه روح).
- " ألملك الثاني الذي يقوم من اسمعيل سوف يكون حبيب إسرائيل، إنّه يرمم صدوعها وصدوع الهيكل إنّه يحفر جبل موريا ويجعله مستقيما بالكامل، ويبني مسجدا هناك على صخرة الهيكل ".
يقول برنارد لويس في تفسيره للفقرة أعلاه ما يلي:
يظل هنالك بعض الشك حول بداية المقطع حيث يبدو أنّ ثمة خلطا بين الخلفاء الراشدين وألأمويين. وحين نتذكر أنّ الكاتب كان على ألأرجح يهوديا فلسطينيا، والذي كان معاوية بالنسبة له الممثل المباشر منذ زمن طويل للحكم العربي، أولا كحاكم ومن ثم كخليفة، لا يعود ألأمر مفاجئا، وتقلبات الخلافة في شبه ألجزيرة والعراق لا يمكن ان تترك أي إنطباع عميق على شخص كهذا.
( فالملك الثاني ) الذي يموت بسلام وشرف بعد عدة إنتصارات لا يمكن أن يكون سوى معاوية الذي تُعزى له خطأ بعض أفعال عمر في سورية خلال حكم معاوية، أما الملك الذي مات في هزرمفيت والذي أغتاله رجال بني قيدار الأقوياء فهو صدى بعيد لحكم علي بن أبي طالب وموته في العراق".

تفسير إضافي بقلم نبيل فياض:
لا داع لرمي أية صيغ تساؤلية حول المكانة البحثية لشخصية من مستوى برنارد لويس، فالرجل يحتل مكانة بارزة وسمعة عالمية في دنيا الإستشراق، لكن في اعتقادنا، لا يوجد بحث تاريخي متكامل - وكلّما ازداد التاريخ بعدا عن الحاضر، ازدادت أرجحية عدم تكاملية البحث.
بالمقابل فكلّما ازدادت الوثائق بين أيدي الباحث اقترب بحثه من الكمال، ونحن نعتقد أنّ ما بين أيدينا من الوثائق حول بدايات الإسلام، ربما يكون أكثر مما كان بين يدي برنارد لويس، لذلك فنحن لا نشاطره الرأي في بعض ما توصل إليه من نتائج، يدعمنا في ذلك آراء مشابهة مستقلة كتلك التي شكّلها بعض الباحثين المعاصرين من أمثال مايكل كوك، وتتركز إختلافاتنا في مسألتي الملك الأول وألملك الثاني المذكورين في صلاة الحاخام بار يوحاي.
ألملك ألأول: ألبشير وألنذير؟
إذا ما جمعنا شواهد من وثائق مختلفة فسوف نصل إلى نتيجة صريحة مفادها، في إعتقادنا، أنّ المقصود بالملك ألأول في " الصلاة " هو نبي الإسلام محمّد فهنالك نص هام للغاية يدعى عقيدة يعقوب وهو عبارة عن رسالة معادية لليهود سبّبها الإضطهاد الهرقلي، تأخذ شكل حوار بين اليهود عام 634 م وربما أنّها كتبت في فلسطين قبل ذلك الموعد أو بعده بقليل، وفي إحدى النقاط من ذلك النص يشار إلى حوادث كانت تجري آنذاك في فلسطين، على شكل رسالة من يهودي فلسطيني إسمه إبراهيم:
لقد ظهر نبي كاذب بين السرسنيين ( ألمسلمين ).
إنّهم يقولون إنّ ألنبي الذي ظهر مقبل مع ألسرسنيين، وهو يعلن عن قدوم الممسوح الذي يأتي وأخبرني أولئك الذين ألتقوه: " ليس ثمة حقيقة يمكن أن توجد عند النبي المزعوم سوى إراقة الدماء، إمّا ما يقوله حول إمتلاكه لمفاتيح ألجنة، فهو أمر غير قابل للتصديق ".
ثلاثة أمور جديرة بالإهتمام في ألنص السابق:
أولا: واقعة أنّ النبي كان على قيد الحياة حين غزا العرب المسلمون أرض فلسطين - واقعة تجد توثيقا آخر مستقلا في التقاليد التاريخية لليعاقبة والنساطرة والسامريين.
إنّ أقدم توثيق لذلك هو توثيق نص الذي يحفظ لنا في ترجمة لاتينية تاريخا سريانيا يرجع إلى زمن هشام بن عبدالملك، وربما يكون من اصل يعقوبي أو ملكاني وهذا المصدر يرى أنّ السرسنيين غزوا أقاليم سوريا وشبه جزيرة العرب وبلاد ما بين النهرين تحت قيادة ( ماهمت ).
من ألجانب اليعقوبي فإنّ اهم شهادة هي الرواية القديمة لأصول ألإسلام التي حفظها لنا ميخائيل السرياني، وإلى هذا يمكن أن نضيف مدوّنة سريانية مجهولة المؤلف تعود إلى القرن الثامن ويبدو هذا واضحا من الجانب النسطوري في شاهد متأخر من تاريخ سيئريد العربي ( لكن تاريخا سريانيا مكتوبا على الأرجح في حوزستان في العقد السابع من القرن السابع يمرر على نحو إيحائي ذكر محمّد كحاكم للعرب في خضم رواية الفتوحات ).
أمّا من الجانب السامري، فلدينا شهادة تحرير عربي للتقليد ترجع إلى القرون الوسطى.
ثانيا: واقعة أنّ النبي كان يبشّر بالممسوح أو المسيح الذي سيأتي، وفي هذا نلمح أحد اشكال المسيانية اليهودية.
ثالثا: حديث النص السابق حول إمتلاك النبي لمفاتيح الجنة يدعمه نصّ آخر متضمن في قسَم بيزنطي بالتنكر للإسلام يقول:
" إنّي ألعن عقيدة السرسنيين السرية ووعد موامد Moamed بأتّه سيكون حارس بوابة الجنة ".
كما سبق ورأينا، فإنّ سفر أسرار الحاخام شمعون بار يوحاي، يقدّم وثيقة تاريخية هامة أخرى حول إعتبار النبي بشير المسيّا، قد يبدو هذا غريبا بالطبع - أي أنّ يقبل اليهود بنبي عربي كبشير للمسيّا - لكن كانت ثمة سابقة يهودية معروفة حول قيام أحد العرب بمثل هذا الدور، إذاً فألأسرار يقدّم النبي العربي بإعتباره بشير المسيّا، ويدعم في ذلك وجهة نظر عقيدة يعقوب، الذي ياتي من خلفية عقائدية مختلفة.
هل كان الفاروق هو ألمسيّا؟
بادىء ذي بدء نذكر أننا نخالف برنارد لويس الرأي بشأن الملك الثاني المذكور في صلاة الحاخام شمعون بن يوحاي والذي يحمل سمة مسيانية يهودية فعلية، والذي نعتقد أنّه كان الفاروق - عمر بن الخطاب - يشاركنا في هذا الرأي الباحثان مايكل كوك وباتريشيا كرونه إضافة إلى الموسوعة اليهودية.
وسنورد أولا النصوص المتعلقة بالمسألة في المصادر الداخلية ثمّ الخارجية، لنناقش أخيرا النصوص بالتفصيل - ونكتفي من المصادر الداخلية بالطبري، في ذكر فتح بيت المقدس يقول الطبري 607:3:
" لمّا دخل عمر الشام تلّقاه رجل من يهود دمشق، فقال السلام عليك يا فاروق! أنت صاحب إيلياء ( ألقدس ) لا والله لا ترجع حتى يفتح ألله إيلياء... وشهد ذلك اليهودي الصلح مع أهل القدس ".
وينسب الطبري إلى كعب الأحبار قوله لعمر:
" إنّ ألله أرسل نبيا إلى القدس يقول لها أبشري أوري شلم! عليك الفاروق ينقيك مما فيك ".
من ناحية أخرى، يقول مرجع يهودي من القرن الحادي عشر، أنّه كان ثمة يهود مع الغزاة الأسماعيليين، وهم الذين أظهروا لهم الحرم وأقاموا معهم بعد ذلك.
ومن المراجع الحديثة، تذكر الموسوعة اليهودية، النسخة الإنكليزية، أنّ كعبا كان أحد أتباع عمر حين دخل الأخير القدس، وبناء على طلبه حدّد له كعب الموضع الذي كان الهيكل مبنيا عليه، وبحسب التقاليد فقد حاول المسيحيون إخفاءه عن الفاتحين... وعندما كشف هذا الموقع، حاول كعب حثّ عمر على بناء المسجد ( مسجد عمر ) شمال الصخرة، بحيث توجَّه القبلة إليها في الصلاة بدل مكّة، لكن عمر رفض هذا الإقتراح، معتبرا أنّه موحى بميول يهودية ، وتضيف ألموسوعة اليهودية في موقع آخر:
" صلّى الخليفة عمر بن الخطاب على جبل الهيكل بعد فتح القدس عام 638 م بصحبة اليهودي اليمني ألمرتد كعب الاحبار ".
وفي موضع ثالث تقول " يقال إنّ يهوديا أعتنق ألإسلام، هو كعب الأحبار، والذي كان أحد أفراد عمر وقت دخوله القدس، دلّ عمر على مكان الصخرة - ألأفن شتياه - على جبل الهيكل ".
وفي عام 700 م بنى عبدالملك بن مروان المسجد الأقصى في المكان حيث يُفترض أنّ عمر صلّى فيه.
إنّ التقليد اليهودي يعتبر عمر حاكما خيّراً، ( والمدراش نستاروت - أسرار - دراف شمعون بار يوحاي ) يشير إليه بصديق إسرائيل.
إنّ الموسوعة اليهودية تذكر أنّ عمر بن الخطاب أعاد الحضور اليهودي إلى القدس بعد خمسمئة سنة من الطرد.
لقد عرف سكان القدس المسيحيون المكانة المفرطة القداسة للصخرة عند اليهود، فجعلوها مكبّ نفاياتهم ( كناسة )، ولمّا دخل عمر بن الخطاب القدس، جاء إليهم فأبرزوا بعضها وتركوا سائرها، لكن عمر أمر بتنظيف الصخرة وأستخدم المكان كموضع للصلاة، وبما أنّه لا يوجد في القرآن أدنى إشارة إلى ألصخرة أو إلى قداستها، فإعتقادنا أنّ كعب الأحبار- ربّما غيره أيضا - هو الذي أقنع عمر بن الخطاب بذلك وأدّى به إلى تلك التصرفات.
نلاحظ أيضا أنّ سالمون بن يهورام في تفسيره للمزمور 30:10 يقول: " إنّ عمر بن عبدالعزيز هو الذي أبعد اليهود عن الصلاة في جبل الهيكل " وهذا يعني إستخدامهم الديني لجبل الهيكل حقبة لا باس بها، وربّما يكون عمر بن الخطاب أوّل من سمح لهم بذلك.
لقد نظرت المصادر اليهودية ألاولى إلى اعمال البناء العربية على جبل الهيكل بإعتبارها ترميما لهيكل سليمان، وألأسرار يُشير، كما رأينا إلى ترميم صدوع إسرائيل وصدوع هيكلها. وهناك نبؤة تنسب إلى شنوتي حول مجيء بني إسرائيل وعيسو الذين ستبني بقية منهم الهيكل في ألقدس.
لكن ما هي حقيقة المسجد الذي بُني على جبل الهيكل؟ يخبرنا مدراش يهودي أنّ " معاوية بنى مسجدا خشبيا على جبل الهيكل " ونجد توثيقا مستقلا لهذا القول في نص مسيحي يُزعم فيه أنّ حاجاً إسمه أركولف رأى في موضع الهيكل عام 670 م مبنىً خشبيا، كذلك فألاسرار يقول أنّ الملك الثاني من اسمعيل " يبني مسجدا هناك على صخرة الأساس " مع ملاحظة أنّ هشتوحوايا العبرية تعني حرفيا " مسجدا " فكيف يُمكن حلُّ هذا اللغز؟
إنّ إعتقاد برنارد لويس أنّ المقصود بالملك الثاني من إسمعيل الواردة في ( صلاة الحاخام شمعون بن يوحاي ) هو معاوية - أو خلط بين عمر ومعاوية - لا يخلو برأينا من بعض الإلتباس، فمعاوية من ناحية ( وهو بالمناسبة شخصية وصولية لا علاقة لها بالعقائد أو المباديء ) تقرّبَ من المسيحيين في محاولة لدعم حكمه المواجه بتحديات داخلية إسلامية كبيرة، فمن المعروف أنّ معاوية أُعلِن خليفة في القدس عام 660 م قبل مقتل الخليفة الشرعي عليّ بن أبي طالب عام 661 م، والقدس كانت آنذاك إحدى الحواضر المسيحية الهامة.
بل قبل إعلانه خليفة بعام، أي عام 659 م، يخبرنا تاريخ ماروني قديم أنّ معاوية ذهب إلى ألقدس، وبدأ فيها الصلاة في الجلجلة، فالجثمانية، وقبر العذراء وفي ذلك موافقة مسلكية على موت اليسوع الخلاصي.
من ناحية اخرى فالموسوعة اليهودية، كما لاحظنا وأشرنا، تقول دون أدنى تردد، أنّ المقصود بالملك الثاني من إسمعيل حبيب ( أو صديق ) إسرائيل، هو عمر بن الخطاب ، بل إنّ المصادر اليهودية القديمة تجعل عمر بن الخطاب يتزوج هو وأحد كبار رجالات يهود الشتات من أختين فارسيتين من السلالة الملكية، فيقال أنّ عمر بن الخطاب أقر ببستناي بن حنانيا ( 618 - 670 م ) بعد دخول العرب العراق كجالوت لليهود في بابل، وأعطاه أزدونداد إحدى البنات الأسيرات للملك أحشورش الثاني، ملك فارس، في حين تزوج الخليفة ذاته من أختها، وأقر بالتالي واقعيا إعتبار بستناي كأحد خلفاء ملوك فارس.
إذا ففي إعتقادنا أنّ عمر بن الخطاب كان أمل اليهود - ألمسيّا - بالخلاص، وهو ألذي لن " يجعل إسرائيل بعد الآن بعيدة عن بيت الصلاة " كما تقول قصيدة في ذلك اليوم في متن ( صلاة الحاخام شمعون بن يوحاي ).
ويبدو أنّ اليهود اعتقدوا أنّ المسلمين سيساعدونهم على إسترداد الهيكل، لكن كما يقول سيبيوس ألأرمني في تاريخه فإنّ هذه الخطة أُحبطت حين بنى العرب عوضا عن ذلك مصلّى خاصا بهم، ويدعم ذلك مصدر داخلي كالطبري حين يُشير إلى الجدل بين عمر وكعب الاحبار حول مسألة القبلة، حيث أراد اليهودي تحويلها ألى الصخرة، في حين أصرّ عمر على القبلة الإسلامية التقليدية، لكن هذا لا يمنع أنّ الخليفة خصص لليهود مكانا ما في مصلاه يؤدون فيه طقوسهم، وربّما يكون عمر بنى مصلّى وجاء بعده معاوية ليقيم مسجدا في الموقع ذاته خاصة وأنّ الإسم التقليدي المتداول حتى الآن للمكان هو " مسجد عمر ".
أخيرا، فإنّ عمر بن الخطاب الذي رأى فيه اليهود، وهو في طريقه لتخليص القدس من الروم، مسيّا منتظرا، أحبط آمالهم المسيانية بعد ذلك حين رفض إعادة الهيكل إلى وضعه السابق - فهل يُمكن لهذا أن يساعدنا في فهم عملية إغتيال الخليفة، خاصة وإنّ إصبع كعب الأحبار غير محط إلتباس في القضية؟!

ألخاتمة:
أستعرضنا في سلسلة المقالات هذه بدايات ألإسلام وكما وردت في بحوث المستشرقين وفي المصادر ألمختلفة ألغير العربية وألإسلامية، لاحظنا وجود رأيان متعاكسان في ألإتجاه، ألرأي ألأول تبنّاه بعض المستشرقين وخاصة ألألمان منهم يدّعون بأنّ الدين ألإسلامي قد جاء في بداياته كظاهرة هرطقة مسيحية تطورت في صفوف مسيحيين من شرق إيران ينتمون في الأصل إلى مبعدين من بلاد ما بين النهرين (من هاترا على وجه الخصوص).
وربما يكون هؤلاء قد استولوا على الحكم بعد انهيار مملكة الساسانيين في سنة 622 م، وبذلك استطاعوا أن ينقلوا تعاليم مسيحيتهم إلى دمشق والقدس (أورشليم)، حيث تم في أواخر القرن السابع (على عهد حكم عبد الملك) نقل هذه التعاليم المستجلبة من إيران من السريانية إلى خليط لغوي متكون من السريانية والآرامية والعربية.
أمّا ألرأي ألثاني فقد ورد في بحث من إعداد ألكاتب نبيل فياض ويُستنتج منه الإتجاه المعاكس للرأي ألأول وهو أنّ ألنبي محمّد شخصية تاريخية وحقيقية وكذلك ألخلفاء ألراشدون، ومن مستندات هذا ألرأي وثيقة تاريخية يهودية تحت عنوان ( صلاة الحاخام شمعون بن يوحاي )، كما أستند ألكاتب نبيل فياض على مصادر أخرى، يهودية ومسيحية ( مارونية وسريانية وأرمنية ) وقارنها بالمصادر العربية ألإسلامية كالطبري.
من دراستي للقرآن واسباب نزول ألآيات ألقرآنية والناسخ والمنسوخ وخاصة ألآيات ألمتعلقة بالحياة ألخاصة للنبي محمّد أميل للرأي ألقائل بتاريخية ألنبي محمّد وكون موطن بداية ألإسلام هو ألجزيرة العربية فألدين ألإسلامي تفوح منه رائحة ألصحراء، وبإعتقادي أن مؤلف ألقرآن هو ألنبي محمّد مع ألعلم بأن كلّ دين يقتبس من ألأديان والمعتقدات ألسابقة ويضيف إليها، كما أنّ ألأديان تتطور بعد وفاة مؤلفها بمساهمات وإضافات ألمعتنقين وخاصة ألحكّام منهم لأسباب سياسية وإجتماعية وأقتصادية، كما أنّ ألقرآن يحتوي على ألعديد من الكلمات ألغير العربية كالسريانية والفارسية والحبشية وهذا دليل على بشريته.
في قاع الظاهرة الدينية، هنالك خبرة فردية يعانيها الانسان في اعماق نفسه وبمعزل عن تجارب الآخرين. فإذا كان لكل بناء سامق اساس يقوم عليه، فإنّ بناء الدين إنّما يقوم على هذا النوع من الخبرة الدينية الفردية، ويدخل الشامانية ضمن هذه المجموعة، وبإعتقادي أنّ صاحب هذه ألخبرة ألفردية في قاع ألدين ألإسلامي هو ألنبي محمّد.
تتخذ الظاهرة الدينية سمتها الجمعية عندما يأخذ الافراد بنقل خبراتهم المنعزلة الى بعضهم بعضا، في محاولة لتحقيق المشاركة والتعبير عن التجارب الخاصة في تجربة عامة، وذلك باستخدام مجازات من واقع اللغة، وخلق رموز تستقطب الانفعالات الدينية المتفرقة في حالة انفعالية مشتركة، وهذا ما يقود الى تكوين المعتقد، وهو حجر الاساس الذي يقوم عليه الدين الجمعي ( اضافة الى الطقس والاسطورة )، فهنا تتعاون عقول الجماعة، بل وعقول اجيال متلاحقة ضمن هذه الجماعة، على وضع صيغة مرشّدة لتجربتها.
إنّ هذه البحوث حول بدايات ألإسلام ذو أهمية قصوى لنزع ألغشاوة ألتي تحيط بهذه البدايات ألمعتمة فالبحوث العلمية هي أولا وأخيرا ألوسيلة ألناجعة لكشف ألسر المقدّس، كما أنّ هدف ألتنوير بإعتقادي هو نزع ألقداسة من جميع ألأديان ألتي هي من أهم أسباب ألنزاعات وألحروب بين ألبشر.


37
ألرواية ألسريانية للفتوحات ألإسلامية

" إنّ الوقائع التي تنقلها الرواية السريانية تسد بعض الثغرات في الروايات العربية المتشعبة والمتناقضة أحيانا".

إستكمالا لبحثنا "بدايات ألإسلام" سنستعرض في سلسلة من ألمقالات ألرواية ألسريانية للفتوحات ألإسلامية وما يهمنا في هذه البحوث إلقاء ألضوء على تاريخية ألنبي محمّد وألخلفاء ألراشدين، حيث برز في ألسنوات ألأخيرة إتّجاه بين بعض ألمستشرقين، الذين يدافعون عن الرأي القائل بأن الإسلام قد جاء في بداياته كظاهرة هرطقة مسيحية تطورت في صفوف مسيحيين من شرق إيران ينتمون في الأصل إلى مبعدين من بلاد ما بين النهرين (من هاترا على وجه الخصوص).
وربما يكون هؤلاء قد استولوا على الحكم بعد انهيار مملكة الساسانيين في سنة 622 م، وبذلك استطاعوا أن ينقلوا تعاليم مسيحيتهم إلى دمشق والقدس (أورشليم)، حيث تم في أواخر القرن السابع (على عهد حكم عبد الملك) نقل هذه التعاليم المستجلبة من إيران من السريانية إلى خليط لغوي متكون من السريانية والآرامية والعربية.
كما أنّ هذه ألمجموعة تدعي بأنّ ألنبي محمّد لا وجود له وكذلك فإنّ الخلفاء ألراشدين شخصيات وهمية.

ألرواية السريانية للفتوحات الإسلامية تتضمن رواية جديدة للفتوح الإسلامية لبيت المقدس وما حولها، هذه الرواية كانت طي الكتمان في صفحات التاريخ مئات السنين، ذلك أنّها لم تكتب بأللغة العربية أول مرة ولم تترجم إليها منذ كُتبت، وهذه الرواية ألمهمة الجديدة هي الرواية التي كتبها المؤرخون السريان الذين كانوا شهودا على الوقائع ورأوا الكثير منها.
وتتميز الرواية السريانية للفتوح الإسلامية عن الروايات العربية أنّها دُونت في فترات مبكرة مقارنة بالروايات العربية الإسلامية التي تأخر تدوينها نسبيا - بالرغم من إعتماد الأخيرة على الإسناد لضمان الدقة - وهو ما تسبب في تعدد الروايات العربية الإسلامية بل تناقض بعضها تبعا لقوة الراوي أو ضعفه.
أعتمد هذا البحث للروايات السريانية على عدة مصادر سريانية منها:
- تاريخ ميخائيل الكبير
- تاريخ التلمحري
- تاريخ يوحنا الآسيوي
- تاريخ الزوقنيني

ترد الكثير من الوقائع مؤرخة بالتاريخ اليوناني وهو الذي يعتمده السريان في التقويم. ويُسمى تقويم الأسكندر وتقويم السرياني أو التقويم اليوناني أو تاريخ ذي القرنين.
ويبدأ هذا التقويم يوم الإثنين ألأول من تشرين ألأول (أكتوبر) سنة 312 ق.م. فهو متقدم على التاريخ الميلادي 311 سنة وثلاثة أشهر، والسنة في هذا التقويم 12 شهرا مجموع أيامها 365 يوما للسنة البسيطة و 366 يوما للسنة الكبيسة.
تُعد المصادر التاريخية السريانية ثروة حقيقية لأي باحث يدرس تاريخ الفتوح العربية الإسلامية في أواسط القرن السابع الميلادي، فهذه المصادر توفر رواية حيادية إلى حد ما بين الروايتين الإسلامية بمختلف تشعباتها، وبين الرواية البيزنطية المقتضبة التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع.
ومع أنّ الرواية السريانية لأخبار هذه الفتوح تعاني من ثغرات علمية لا بأس بها، إلا أنّها بالنظر ألى الروايات الأخرى المتوفرة تُعد من أكثر المصادر تماسكا وإنسجاما، نظرا لأنّ السريان دونوا الأحداث في وقتها، وقد توفر لهم أكثر من مؤرخ معاصر زمن الفتوحات، فدوّن ما وصله عبر وسائل مختلفة، منها الأخبار التي كان الجنود السريان العاملون ضمن القوات البيزنطية يتناولونها، أو عبر التقارير والرسائل الكنسية التي كان يدونها الأساقفة ورجال الدين، أو عبر الإطلاع على الموقف العربي الإسلامي من خلال العرب المسيحيين والسريان الذين شاركوا العرب المسلمين في القتال ضد البيزنطيين.
وعليه فإنّ أهم الملاحظات التي يُمكن أن توجه للرواية السريانية المتعلقة بالفتوح الإسلامية تُلّخص في أنّ ناقليها لم يكونوا في مركز صنع القرار، وربما كانوا هامشيين بالنسبة لموقع القرار، إن كان على الجانب العربي الإسلامي أو على الجانب البيزنطي، بإستثناء شهادة القائد إيوانيس رصفيا (يوحنا الرصافي) التي استوعبها المؤرخ ديونيسيوس التلمحري.
ومع ذلك فإنّ الوقائع التي تنقلها الرواية السريانية تسد بعض الثغرات في الروايات العربية المتشعبة والمتناقضة أحيانا، وتقدم معلومات جديدة لم تنتبه لها باقي الروايات العربية والبيزنطية وخصوصا لجهة الوضع الداخلي على الجبهة الفارسية والإنقسامات التي حدثت فيها ومشاركة قادة من الفرس إلى جانب البيزنطيين في معركة اليرموك.
غير أنّ الروايات السريانية على صعيد آخر تعاني من مشكلة الطبوغرافيا، وخصوصا تلك المتعلقة بجنوب بلاد الشام، فالباحث المدقق يلحظ الخلط في هذا الجانب، مع أنّه من السهل تصويبه بالإعتماد على المصادر الأخرى، وهو خلط يُمكن تفهمه من رواة تبدو علاقتهم بجغرافية سورية الجنوبية ضحلة، مقارنة مع علاقتهم بجغرافية سورية الشمالية، التي هي موطن الرواة المتعددين، بألإضافة إلى التركيز على موضوع العقاب الإلهي الذي حلّ بالبيزنطيين والفرس مضطهدي السريان على حد سواء.

قيام دولة ألإسلام في يثرب:
ألنص ألتالي هي ترجمة معظم التقرير الكنسي الذي اعده رجال دين سريان عندما ظهرت الدعوة الإسلامية، ملخصين ما عرفوه عن هذا الدين الجديد، رغم ما في ذلك من بعض المغالطات التي أُضيفت في فترات لاحقة.
وقد ورد في تاريخ ميخائيل الكبير (ت خ،ج3 ص 298 - 300) وفي تاريخ الرهاوي المجهول بالنص نفسه (ص 139 - 141)، وكذلك في تاريخ ابن العبري بشيء من التصرف، وبكثير من الإختصار في تاريخ الزوقنيني المنحول (ص 52).

ترجمة ألنص:
(( في سنة 933 يونانية، والثانية عشرة لهرقل، وال 32 لكسرى، بدأت دولة العرب (المسلمين) عندما جاء إلى منطقة يثرب محمّد من قبيلة قريش، وقال إنّه نبي، ودعى أتباعه "مسلمين" أو "إسماعيليين" أو "هاجريين" نسبة إلى هاجر وإسماعيل، وسرقيين نسبة إلى سارة (السراسين أو السراكين هي التسمية التي كان يطلقها الروم على العرب)، ومذيانيين أبناء قنطور.
ولكن ولأن تعددت تسميتهم، غير أنّ إسمهم العام هو "ألعرب" وهم يُطلقون على نفسهم هذه التسمية وهي مأخوذة من العربية الخصبة التي هي موطنهم، وهي المنطقة المحصورة بين نهر الفرات شمالا حتى البحر الجنوبي، ومن البحر الأحمر حتى خليج بحر فارس شرقا.
كان محمّد بن عبدالله يذهب إلى فلسطين للتجارة .. وإذا رأى أبناء شعبه يتعبدون للحجارة والخشب وغيرها من المخلوقات ... طرح عبادة ألله على أبناء أمته فأطاعته قلة في باديء ألأمر، ثمّ أخذوا بالتزايد، وإذ قوي أخذ يأمرهم رسميا بإطاعة الخالق، مُرهبا حيناً ومُرغباً حينا آخر.
وحينما يمتدح أرض فلسطين بقوله: لقد أعطيت تلك الأرض الطيبة لأولئك الناس، نظرا إلى إيمانهم بألله الواحد، وقال لهم أيضا:
إذا أطعتموني ونبذتم هذه ألآلهة الباطلة وآمنتم بألله الواحد، فإنّ ألله سيعطيكم تلك ألأرض الطيبة ............ ووضع للمسلمين شريعة قال إنّ ألله أنزلها عليه.
فعلمهم أن يؤمنوا بإله واحد خالق الكل وأقنوم واحد لم يولد ولم يلد ولم يكن له كفء أو شريك، وهو يقبل أسفار موسى وألأنبياء وقسما من ألإنجيل، لكنه ترك معظمه، ومال إلى ألأمور البسيطة.
أمّا نظرته إلى ألمسيح فهي: أنّ ألمسيح هو الذي تنبأ عن مجيئه الأنبياء، لكن كإنسان بار ونبي كسائر الأنبياء، وليس كإله أو أبن ألله كما نؤمن نحن المسيحيين، غير أنّه أكبر من سائر ألأنبياء لأنّه لم يولد من زواج بل بكلمة ألله نفخها في مريم كما نفخ في آدم فخُلق من ألتراب، ثمّ نفخ فيه الروح القدس فأستقام، لذا فهم يسمونه أحيانا كلمة ألله وروحه على إعتبار أنّه عبد وخليقة كلمة ألله، وهذا بدلا من عبارة (أبن ألله) التي نتداولها نحن، لأنّه ولد منه دون ألم كولادة الكلمة من العقل.
إنّهم ينظرون إليه نظرة مادية، ويتهموننا بأننا نؤمن بأنّ الله أولده من امرأة وهي في نظرهم مريم أخت هارون وموسى.
أمّا عن صلب اليهود للمسيح فإنّ معظمهم لا يعترفون به، لكنهم يقولون، أنّ ألله ألقى شبهه على أحد تلاميذه فصُلب ومات، أما المسيح فتوارى، حيث أنّ ألله أخذه إلى الفردوس.
إنّهم يصلّون خمس مرات في اليوم، في كل صلاة يركعون أربع ركعات.
يؤمنون بقيامة الأموات والحساب والمجازاة، كل بحسب أعماله.
إنّهم مغرمون بمحبة العالم .. وألأكل والشرب وأللبس وتعدد ألزوجات، ولا مانع من أن يطلّق أحد زوجته ويتزوج بأخرى.
يصومون ثلاثين يوما طوال النهار ويأكلون طوال الليل حتى الفجر.
يتوضؤون بألماء قبل الصلاة ويغسلون أعضائهم وفي حالة إقترابهم من ألمرأة أو ألإحتلام يطهرون جسمهم كله ومن ثمّ يصلّون، وقبلتهم هي ألكعبة حيثما كانوا، وهم يُمارسون الختان ذكورا وإناثا، دون أن يتقيدوا بشريعة موسى التي تقضي بأن يتم الختان في اليوم الثامن، لكنهم يختنون في اية سن كانت )).



معركة داثن:
بعد قيام دولة المسلمين (في ألمدينة) بسبع سنوات توفي محمّد فخلفه أبو بكر لمدة سنتين وسبعة أشهر، عاد الرهاويون من بلاد فارس، والذين تخلفوا أعتبروا جالية. أمّا هرقل فسقط لتعديه الناموس بإتخاذه مرطينا أبنة أخيه زوجة، وأنجب منها أبنا غير شرعي هو هرقلون (ينسب المؤرخ ألتلمحري هذه المعلومات لكتاب تاريخي وضعه سرجي بن إيوانيس رصفيا، الذي كان أسيرا لدى الفرس وأُطلق سراحه في هذه الفترة).
أرسل أبو بكر أربعة قواد على رأس جيوش، أحدها إلى فلسطين وألآخر إلى مصر، وألثالث إلى فارس، والرابع ضد العرب المسيحيين وعاد جميعهم ظافرين ( حسب التراث ألإسلامي فأبو بكر ألصديق أرسل أربعة قادة على أربعة أجناد إلى الشام، وأرسل جيشا بقيادة خالد بن الوليد إلى العراق لقتال ألفرس).
فالجيش ألأول أتجه ألى فلسطين، فجمع البطريق سرجي (قائد حامية قيصرية فلسطين) جيشا من الروم والسامريين مؤلفا من خمسة آلاف راجل وإستعد لمحاربة المسلمين، غير أنّ جانب ألمسلمين كان ألأقوى فسيطروا على الروم، وأبادوا أولا السامريين.
فلما رأى البطريق ذلك دار ظهره وهرب، فطاردهم المسلمون ودمروهم وحصدوهم حصد السنابل، وفجأة سقط البطريق من فرسه، فوضعوه على الفرس ثانية، ثمّ سقط للمرة الثانية، وعاد فركب الفرس، فطورد للمرة الثالثة، فقال لمن معه أتركوني وأنجوا بأنفسكم لئلا تشربوا أنتم ايضا معي كأس الموت ألذي قضاه ألله على مملكتنا لغضب العدالة علينا فتركوه وهربوا، فادركه المطاردون وقتلوه بضربة سيف وأستمر المسلمون يطاردون الروم حتى المساء ولم ينج منهم سوى نزر يسير، فأذاعوا هذا في قيصرية.
وهكذا تكللت بالنجاح جهود المسلمين حيثما ذهبوا، فهابهم الملوك وجيوشهم (تشير المصادر البيزنطية وخصوصا ثيوفان إلى أنّ سرجي المذكور في النص السرياني أو سرجيوس أتى إلى داثن من قيصرية فلسطين " راجع بيزنطة والفتوحات ألإسلامية المبكرة ص 137" وهنا يخلط المؤرخون السريان في الجغرافيا فيجعلون معركة داثن هذه قرب قيصرية مع أنّها في جنوب فلسطين قرب غزة).
في هذه الفترة أصدر هرقل ملك الروم أوامر بوجوب إقتبال جميع اليهود الذين في مملكته العماد فتنصروا وهرب قسم منهم من مناطق الروم وجاءوا إلى الرها (مدينة أورفا الحالية) ولما ضيق عليهم ألخناق هربوا إلى فارس، في حين أنّ كثيرين منهم أقتبلوا المعمودية وتنصروا.
في عام 946 يونانية وأل 24 لهرقل (634 م) وأل (13 هجرية)، توفي أبو بكر بعد حكم دام سنتين، وخلفه عمر بن الخطاب، فأرسل جيشا إلى ولاية العربية وأحتل بصرى وفتح عدة مدن.

معركة أجنادين:
لدى سماع هرقل أنّ المسلمين قتلوا البطريق سرجي وتبدد جيشه، أوعز إلى أخيه ثاودريقي فعبأ جيشا لمحاربة المسلمين، فأنطلق بتجبّر وخيلاء متكلا على القوة البشرية، وسخروا وهزوا رؤوسهم قائلين:
من هم أولاد هاجر، ليسوا سوى كلاب مائتة.
ثمّ تقابل الطرفان، فهزم المسلمون الروم، وطاردوهم وداسوا عليهم كأغصان منبوذة. وبعد هزيمة الروم، دخل المسلمون معسكرهم وغنموا ما فيه من ذهب وفضة وعبيد وأموال طائلة، فأثرى المسلمون وتوسعوا على حساب ما أحتلوه من بلاد الروم (ألمصادر البيزنطية تتحدث أنّ شقيق هرقل ثيودور كان من قادة معركة أجنادين " بيزنطة والفتوح الإسلامية المبكرة _ ولتر كيغي ص 147).

سقوط كنيسة القيامة:
حدثت في هذه الفترة هزة هائلة، وفي الوقت ذاته أظلمت ألشمس، وعلى أثر الهزة سقطت كنيسة القيامة وكنيسة الجلجلة، وغيرها في أماكن أخرى، فأعاد بناءها الأسقف مادوسطس الخلقيدوني.
وفي هذه الفترة خرج الفرس على الروم، وطُرد أشعيا أسقف الرها وجميع الأساقفة ألأرثوذكسيين، ودخل الخلقيدونيين الكنائس. وبعد فترة سيطر المسلمون على بين النهرين وطرد الأسقف الخلقيدوني قورس من الرها، وعاد الأساقفة الأرثوذكسيون إلى كراسيهم في كافة أرجاء النفوذ ألإسلامي (إشارة إلى تعاطف العرب المسلمين مع السريان اليعاقبة).
وفي هذه الفترة تفشى وباء فتاك في سائر مناطق سورية وفينيقيا، وظهر نجم هائل على هيئة شخص رومي، وحدث زلزال في منطقة ارمينيا ودمر عدة أماكن.

فتح بلاد فارس:
وفي السنة التالية أرسل عمر جيشا إلى فارس، وكان الفرس منقسمين ومتقاتلين، إذ كان بعضهم يريدون يزدجرد بن كسرى، وألبعض ألآخر هورمزد، فدارت الحرب بينهم وأنتصر المسلمون، وقُتل الفرس وضعفت مملكتهم، كما قُتل هورمزد فيما بعد، فحكم يزدجرد، أما المسلمون فتفوقوا على كل من الفرس وألروم.

معركة اليرموك:
في السنة ال 4 لعمر بن الخطاب خليفة المسلمين، غزا المسلمون مناطق سورية حتى سواحل نهر الفرات. وفي السنة ال 5 لعمر أثار روم الولاية العربية حربا على العرب ومدينة جابيثا (الجابية) وتقع على النهر المعروف ب (اليرموك)، وهُزم الروم شر هزيمة وغادروا المنطقة، وكان قيام الحرب على النحو التالي:

لقد جمع القائدان بانيس (أو بانوس) وأبن شهربرز الفارسي (قائد أنشق عن الفرس وألتجأ إلى البيزنطيين) جيشا وأتجهوا صوب دمشق لحماية تلك المنطقة، فلاقاهم قائد المسلمين وقتل عددا كبيرا منهم، ولما وصلوا إلى دمشق عسكروا بالقرب من نهر فرفر الذي يسميه المسلمون "كرون" (نهر فرر ونهر أبانة هما الرافدان القديمان اللذان يشكلان نهر بردى حسب التراث السرياني).
وفي السنة التالية جاء المسلمون إلى دمشق أيضا فخاف البطريق وأرسل إلى وكيل الملك (المالي) في الرها (إسمه ثيودور تريثوريوس حسب المصادر البيزنطية)، فجمع عشرة آلاف جندي، وألتقى بالبطريق في حمص ومعه ستون ألفا.
فأصطدموا مع المسلمين وهُزموا وقُتل في ذلك اليوم اربعون الفا من جيش الروم مع بانيس ووكيل الملك، وقد غرق معظمهم في نهر اليرموك.
أما أبن شهربرز فنجا وجاء إلى حمص وأستسلم للمسلمين، وكتب رسالة إلى ألخليفة عمر يقول فيها:
"أعطني القيادة وجيشا وسأنزل إلى فارس وأخضعها برمتها". فلما قرأ عمر الرسالة، أراد تنفيذ ما جاء فيها، غير أنّ بنات كسرى اللواتي أُسرن في حران قلن للخليفة لا تنخدع بكلامه الكاذب، وأخبرنه بما فعله شهربرز وأبنه بكسرى وأولاده. فألذي لم يحفظ القسم لملكه وأولاده فقتلهم غدرا، كيف يحفظ القسم لك؟ بل يريد أن يتمرد ويحكم. فأخذ عمر بكلامهن فأرسل وصلب أبن شهربرز على خشبة في حمص.

فتوحات المسلمين:
بعد إنتصارهم على الروم، جاء المسلمون إلى دمشق وأعطوا الأمان لأهلها، ثم أخضعوا غيرها من المدن، ومن هناك أرسل عمر خالد (أبن الوليد) على رأس جيش إلى منطقة حلب وأنطاكية وفتكوا بعدد كبير من الناس، بحيث لم يستطع أحد منهم النجاة. ومهما تحدثنا عن المآسي التي قاستها منطقة سورية، فسنظل عاجزين عن الحديث عن جميعها لكثرتها، لأنّ هذه الضربات كانت نتيجة غضب ألله.

ألجبهة الفارسية:
في هذه الأثناء، غادر سعد (بن أبي وقاص) يثرب وعسكر بالقرب من عاقولا (مدينة الكوفة) وجمع يزدجرد ملك الفرس جيشا وأرسله لملاقاة جيش المسلمين، وعسكروا على ساحل الفرات بالقرب من عاقولا.
ولما ألتقى الجيشان هُزم الفرس فطاردهم المسلمون حتى قطسفون (المدائن) الواقعة على دجلة.

فتح المدائن:
للمرة الثانية يتجمع الفرس وملكهم على دجلة الذي كان الفاصل بينهم وبين المسلمين ويدمرون الجسر المقام على النهر بين المدينتين، وكان معسكر الفرس هادئا. أما المسلمون فركبوا رؤوسهم وقالوا: هلموا نعبر إلى الجانب الفارسي، فإنّ ألله الذي عضدنا في البر سينصرنا ويؤازرنا في البحر أيضا.
فأجتازوا النهر وباغتوا الفرس وهم معسكرون وقتلوهم وفتحوا قطسفون (المدائن) وغنموا مالا وبشرا. ثم عبأ يزدجرد تجمعا ثالثا في عاقولا (الكوفة)، غير أنّهم هُزموا ودُمروا، فتجمعوا للمرة الرابعة في بلد مادي، وهناك أيضا هُزموا وفتك بهم المسلمون.
لقد تمت هذه التجمعات ألأربعة في سنة واحدة. فلما رأى يزدجرد آخر ملوك فارس أنّ بلاده دُمرت، وقد قُضي على جيشه، وهرب الشعب وتشتت، وتأكد من عجزه عن إيقاف تيار المسلمين، هرب إلى حدود ألأتراك، إلى منطقة مراغاتي (مراغة) المسماة سجستان.
وبعد إختفاء دام خمس سنوات قُتل، سواء على يد المسلمين أم ألأتراك، وبمقتله زالت مملكة فارس المعروفة بمملكة الساسانيين التي حكمت 418 سنة، وقد تأسست سنة 538 يونانية من قبل أردشير بن ساباق وزالت سنة 956 من نفس التقويم، ويزدجرد هو آخر ملك في أيام هرقل ملك الروم، وعمر بن ألخطاب كان خليفة ألمسلمين في تلك ألفترة.

فرار هرقل:
وإذ رأى هرقل ملك الروم أنّ الحرب أستفحلت غادر أنطاكية كئيبا إلى القسطنطينية، وقيل إنّه ودعهم كوداع مسافر حيث قال: "سوزا سورية" أي وداعا يا سورية (سوزا باليونانية تعني بالضبط إلى اللقاء أي لنا عودة)، وأطلق العنان لجيشه فنهب وسلب القرى والمدن كأنّما هي منطقة الأعداء، فأغتصبوا ونهبوا كل ما وجدوه، ودمروا تلك المناطق أكثر مما فعله المسلمون، وتركوها بيد المسلمين ليسيطروا عليها.
ووجّه هرقل رسائل إلى الروم الموجودين في ما بين النهرين ومصر وأرمينيا، حذرهم فيها من مقاومة المسلمين، ودعا من يستطيع الحفاظ على حاميته إلى أن يصمد في مكانه.

فتح مصر:
لدى دخول عمرو (أبن العاص) قائد المسلمين مصر، أستقبله قورا اسقف الأسكندرية وعرض عليه دفع مبلغ مئتي ألف دينار سنويا، لقاء عدم دخول المسلمين مصر، فوافق وعاد، غير أنّ بعضهم رفعوا شكوى إلى هرقل ضد الأسقف على إعتبار أنّه يُعطي اموال مصر للعرب دون أن يكون إكراه.
وحيث أنّ تفكير الروم كان قد سقم، لذا كتب هرقل إلى قورا أن يرفع يده عن الإدارة في مصر، وأرسل شخصا ارمنيا يُدعى مانوئيل ليدير شؤون مصر. فلما جاء وفد المسلمين لإستلام المال، وجدوا مانوئيل مع جيش الروم في باسلونه التي تُعرف اليوم بالفسطاط، فأعادهم فارغين قائلا:
أنا لست قورا، فذاك لم يرتدِ سلاحا بل قميصا، لذا سلّم إليكم مصر، أما أنا فمتقلد سلاحا كما ترون، فعاد الوفد وأخبر عَمْراً فدخل حينذاك مصر وهزم مانوئيل وهرب إلى الإسكندرية بصحبة القلة الذين نجوا، فسيطر المسلمون على مصر.
فكتب هرقل إلى الأسقف ليُخرج المسلمين من مصر إن أمكن بإعطائهم أضعاف ما اشترط معهم سابقا من المال، فجاء قورا إلى معسكر المسلمين، وبرر ساحته أمام عمرو، وألتمس منه قبول المال. فأجاب عمرو:
لا أنفذ رغبتك، فطالما سيطرنا على البلاد، فلن نتركها بعد، وبهذا يكون عمرو قد طرد قورا فعاد كئيبا.

وصول عمر إلى القدس:
في نهاية سنة 948 يونانية وهي السنة ال 26 لهرقل ( 15 للهجرة)، وصل الخليفة عمر إلى فلسطين فأستقبله صفرونيوس أسقف القدس وتحدث إليه عن البلاد، فكتب له عهدا على أن لايسكن يهودي في ألقدس.
فلما دخل عمر القدس، أمر ببناء مسجد في موقع الهيكل. وإذ رأى صفرونيوس ثيابا رثة على عمر، عرض عليه ثيابا ومئزرا، وألتمس منه قبولها فأبى، لأنّه أعتاد على أن لا يأخذ شيئا من أحد وكان يقول:
" لا ينبغي على المرء أن يأخذ شيئا من آخر لم يعطه ألله إياه، لأنّ ألله يُعطي لكل إنسان ما يُريده، وإذا طمع بما عند رفيقه يكون قد تصرف ضد مشيئة ألله".
وكان عمر بن الخطاب موضع ثناء في مثل هذه التصرفات، فالمسلمون يروون عنه الكثير من هذا القبيل. والحق يُقال إنّه كان عادلا وغير جشع، بحيث أنّه لم يأخذ شيئا لنفسه مما غنم من أموال الفرس والروم وكنوزهم بعد السيطرة عليهم، حتى ولا ما يغير بساطة ثيابه.
وكان يضع عباءته تحته لدى ركوبه الجمل، وإذا ما جلس أو نام كانت ألأرض مقعده وسريره، ولما ألح عليه الاسقف، أجاب حيث أنّك ألتمست مني، ونظرا لكرامتك لدي، فسوف أستعير الثياب التي جلبتها لألبسها ريثما تغسل ثيابي، وسأعيد إليك ثيابك. وهكذا فعل.

فتوح ألجزيرة:
ومن فلسطين اجتاز المسلمون إلى المدن السورية واحتلوها. وألتقى ايوانيس (يوحنا الصافي) قائد جيش الروم بالمسلمين في قنسرين، وتم الإتفاق معهم على أن يدفع سنويا مئة ألف درهم شريطة أن لا يعبروا ألفرات نحو ألشرق، ولا يدخلوا بين النهرين، وسلّم إليهم جزية سنة واحدة.
فلما سمع هرقل السخيف غضب على إيوانيس ونفاه، ولأنّ ألله نبذ مملكة ألروم، فقد أنتهى هرقل إلى التفكير الأعمى الذي به كان يُدير شؤون الدولة.
وفي سنة 951 يونانية، وال 27 لهرقل (وال 18 للهجرة)، وال 6 لعمر اجتاز المسلمون الفرات بسبب عدم دفع الجزية فخرج الروم واخذوا تعهدا لمدينتهم، وغادر جيش الروم المدن كافة بحسرة. أما تللاً (من مدن الجزيرة تقع في تركيا الحالية) ودارا (مدينة من مدن الجزيرة بُنيت ايام الأسكندر الكبير تخليدا لنصره على دارا الفارسي) فلم توافقا على الإستسلام للمسلمين، لذا احتلوهما حربا وقتلوا جميع من فيها من الروم.
وبعد أن سيطروا على بلاد ما بين النهرين بقيادة (عياض) أبن غنم عادوا إلى سوريا، وأمر عمر بفرض ألجزية على البلدان كافة التي احتلها، ففرضت الجزية على المسيحيين سنة 951 يونانية.
وفي سنة 952 يونانية، وال 19( للهجرة) وال 7 لعمر، مات هرقل بعد حكم دام 30 سنة وخمسة أشهر، فخلفه ابنه قسطنطين، ثم هرقل الصغير الملقب داود الجديد.
وقد سببت مرطينة زوجة هرقل، عمى لقسطنطين، وأقامت أبنها هرقل الصغير ملكا، فأستاء المستشارون من هذا العمل، فخلعوه ونصبوا قسطس بن قسطنطين.

ألقدس بعد الفتح:
تفشى في هذه الفترة وباء الطاعون (هذا ما سُمي في المصادر العربية بطاعون عمواس) فمات عدد كبير في سورية وما بين النهرين، وفيما كان المسلمون يبنون المسجد في القدس مكان ألهيكل (إشارة مهمة إلى أنّ البدء ببناء المسجد ألاقصى تم يعد فتح بيت المقدس مباشرة)، سقط البناء، فقال اليهود: إن لم تنزلوا الصليب المرفوع فوق جبل الزيتون قبالة الهيكل، لن يُبنى المسجد.
ولما أنزلوا الصليب ثبت البناء، وبهذه الحجة أنزلوا صلبانا كثيرين، وسادت منذئذ في دولة المسلمين الكراهية للصليب وأخذوا يضطهدون المسيحيين لإكرامهم الصليب.
أمر عمر خليفة المسلمين بعدم ظهور الصلبان في الأعياد أو خلال التشييع فسر اليهود لهذا القرار، وأنزلوا الصلبان من الكنائس.
قُتل عمر خليفة المسلمين بعد حكم 12 سنة (أستمرت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام حسب ألرواية ألعربية ألإسلامية).

ألخليفة عثمان:
سنة 961 يونانية أرسل عثمان ابنه سعيد لمطاردة يزدجرد ملك الفرس فأختفى في سجستان مدة خمس سنوات، ثم جاء إلى الكوفة، أما سعيد فبعد أن أحتل كل المناطق جاء إلى مرو، فخاف يزدجرد أن يُسلم إليه فأختبأ في رحى، فقتله أحد ألأتراك هناك وأخذ رأسه إلى مزربان ألمدينة ألذي إذ رأى ملكه قُتل، سلم المدينة للمسلمين، فأرسلوا تاج الفرس إلى عثمان فأرسله بدوره إلى مكة، ولا يزال هناك.

ألخاتمة:
نستنتج مما سبق من ألروايات ألسريانية أنّ قرار فتح بيت ألمقدس ومعه بلاد ألشام برمتها كان قرارا نبويا، وقد تحدّث ألنص السرياني بصراحة ووضوح حول هذا الموضوع، وهذا ألقرار أصبح قدوة للخلفاء ألذين تتابعوا على حكم ألدولة ألأسلامية من ألخلفاء ألراشدين حتى سلاطين آل عثمان وخلفائه مرورا بألدولة ألأموية وألعباسية وما تبعها من ألدول وألدويلات.
عندما نقول بأنّ ألحروب ألتي شنّها ألمسلمون والتي سميت بألفتوحات ألأسلامية لنشر ألإسلام هي غزو كأي غزو إستعماري للأوطان ألأخرى يرد ألإسلاميون بأن جميع حروب ألمسلمين كانت دفاعية !
وألإجابة لهذا ألإدعاء يكون بطرح ألسؤال التالي:
هل هدد ألإسبان ألدولة ألإسلامية وألمسلمين لكي يغزوا أسبانيا (الأندلس)؟
إذا نزعنا ألقداسة من ألقرآن وعلمنا بأنّه مؤلف بشري إضافة ألى ألأخذ بنظر ألإعتبار خصائص تلك ألفترة ألتاريخية ألتي أتسمت بألحروب ألعدوانية وألغزو من أجل ألماء والكلأ وألأموال وألسبي وألجنس علمنا لماذا أعلن محمّد ألجهاد في قرآنه ألذي أصبح ألدستور لكل ألسلفيين وألتكفيريين والجهاديين كإخوان ألمسلمين والوهابيين ومنظمة ألقاعدة وداعش ومن لف لفهم في كل أرجاء ألعالم.
وخلاصة ألأمر أنّ محمّدا اراد أن يوحد عرب الجزيرة العربية ليكوّن منهم دولة تدين لها الفرس والروم، لقد صرّح محمّد بغايته هذا يوم الخندق ففي السيرة الحلبية وكذلك في سيرة ابن هشام عن سلمان الفارسي قال:
"ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ ورسول الله قريب منّي، فلمّا رآني اضرب وشدّة المكان عليّ، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برْقَة ثم ّضرب به اخرى فلمعت تحته برقة اخرى ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اخرى، فقلت بابي انت وامّي يارسول الله ماهذا الذي يلمع تحت المعول وانت تضرب؟
قال: اوقد رأيت ذلك ياسلمان؟ قال قلت: نعم، قال: فأمّا الاولى فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها اليمن، وأمّا الثانية فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها ألشام والمغرب، وأمّا الثالثة فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها المشرق.


38
قصّة إيمان أبو بكر ألصدّيق

“لم يترك أبوبكر ألصدّيق لأهله إلا كما قال: تركت لهم الله ورسوله".

صدر كتاب بأللغة ألتركية تحت عنوان ( ألأسم ألذروة في ألصدق حضرة أبوبكر ) لمؤلفه بكر بوراق، أستند المؤلّف في تأليف كتابه على مصادر عديدة من كتب التراث ألإسلامي ( كالرياض ألنادرة لأبو جعفر ألطبري ) و ( الخصائص ألكبرى لجلال الدين السيوطي ) و ( تذهيبات ألتذهيب لابن هاجر ) و ( السيرة ألحلبيّة للحلبي ).
لِكونِ هذه القصّة تُلقي شعاعا من ألضوء على بداية ظهور ألدعوة الإسلامية وحسب ما ذُكِرَت في كتب ألتراث ألإسلامي وألّتي هي إحدى ألمصادر ألمتوفرة لتقييم تلك الفترة، لذا سأحاول سرد مُلّخص هذه ألقصّة وتحليلها واستنتاج بعض ايحائاتها.
أبوبكر ألصدّيق أو عبدالله بن أبي قحافة عثمان بن كعب ألتيمي هو أحد تجّار مكّة ومن أعيانها وهو مِن أوائل ألّذين أسلموا عند ظهور ألدعوة ألإسلامية وأوّل خليفة للمسلمين.
قبل ظهور ألإسلام كانت في مكّة مجموعة من ألموحّدين، منهم ورقة بن نوفل وزيد أبن عمر وألشاعر قوس أبن سعيدة والشاعر أُميّة أبن أبي سلط وعامر أبن ربيعة، هذه ألمجموعة لَمْ تكن تستسيغ عبادة ألأصنام.
بعض من هذه ألمجموعة في أجتماعاتهم فيما بينهم ومع أهل مكّة كانوا يبثّون ألبشائر حول ظهور نبي ودين جديد وكانوا يخطبون في التجمعّات ألمكيّة ويُلقون أشعارهم ألّتي تُهيأ ألجو لظهور هذا ألنبي.
أبوبكر ألصدّيق كان مِن جُملة ألّذين تأثروا بأقوال وإدّعاءات هذه ألزمرة فبدأ يحضُر أجتماعاتهم ويستمع إلى أحاديثهم وفي ذهنه تساؤل عمّن سيكون ألنبي ألمنتظَر.
عندما تزوج محمّد زوجته ألأولى خديجة بنت خويلد وأنتقلَ للعيش في بيتها أصبح جارا لصديقه أبوبكر ألصدّيق وسافرا معا في قافلة تجارية متجهة إلى ألشام وكان بصحبتهم خادم خديجة ميسَرة.
في ألشام أستمعَ أبوبكر إلى بشارات ألراهب نسطورة ألّذي بشّر بظهور نبي آخر ألزمان ألمُنتظَر.
في سفرة تجارية أُخرى إلى ألشام لَمْ يكن بصحبته محمّد حلُمَ ابو بكر ألصدّيق حُلما عجيبا، فرأى في منامه أنَّ ألقمر قد تفتتَ قطعا ودخلت هذه ألقطع إالى داخل جميع بيوت مكّة ثمَّ تجمّعت هذه ألقطع على شكل بدر وأستقرَّت في بيت أبوبكر ألصدّيق.
لو أستخدمنا نظرية ألعقل ألباطن في تفسير هذا ألحُلم نستطيع أنْ نقول بأنَّ أبوبكر ألصدّيق ونتيجة لتأثير أحاديث ألموحدين كان يتمنّى في لاشعوره أن يكون مِنْ ألمؤمنين بألدين ألجديد ألّذي سيظهر في مكّة وأن يكون له دورا قياديا فيه ولهذا حلُم بهذا ألحلم ألّذي يُعبّر عن أمنيته.
في ألصباح ذهب أبوبكر ألصدّيق إلى راهب صالح وقصّ عليه ألحُلُم ألّذي رآه وأقلقه وطلب من ألراهب تفسيرا له.
قال ألراهب مُفسِّرا ألحُلم:
-سيظهر قريبا نبي آخر ألزمان وستكون أنت مِن أوائل ألمؤمنين به وستكون من ضمن ألرعيل ألاول ألّذين سيدعمونه في دعوته.
في طريق ألعودة عرج أبوبكر ألصدّيق إلى دير الراهب بحيرة للتأكّد من تفسير ألحُلُم وبعد شرحه للراهب محتويات ألحُلم أطرق ألراهب لفترة ثُمَّ بدأ حديثه قائلا:
-سيظهر قريبا نبي جديد في مكّة وستكون أنتَ وزيره في حياته وخليفته بعد مماته.
بعد مضي فترة على ألأحداث ألسابقة سافر أبوبكر ألصدّيق إلى أليمن، وأليمن كان ثاني بلد يتّجه إليه تُجّار قريش للتجارة (( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة ألشتاء وألصيف*فليعبدوا ربّ هذا البيت الّذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف* )).... سورة قريش. في أليمن تعرَّفَ أبوبكر ألصدّيق على أحد شيوخ قبيلة أزد ألّذي كان ذو عِلم وأطّلاع واسع على ألتوراة وألإنجيل، رؤية ألشيخ لأبي بكر ألصدّيق أثارت أهتمامه فسأله بلهفة:
- أعتقد أنّكَ من مكّة أليس كذلك؟
أبوبكر: نعم أنا مِن أهل مكة.
ألشيخ :
- آمِلُ أنَّك من قبيلة قريش.
أبوبكر:
- نعم أنا قريشي.
ألشيخ:
- يعلم ألله أنَّك مِن فخذ تيم أحد أفخاذ قريش.
أبوبكر متعجبا:
- نعم أنا مِن فخذ تيم، وإسمي عبدألله بن عثمان مِن أبناء كعب بن سعد.
ألشيخ:
- بقيَ تردد واحد بألنسبة لك في نفسي.
أبوبكر وقد زادت حيرته:
- ماهو؟
ألشيخ:
- أطلب منك أنْ تُريَني بطنك لأتأكد مِن أمر ما.
أبوبكر:
- لا أستطيع تنفيذ طلبك.
وهنا ظللَتْ وجهُ ألشيخ سحابة مِن ألحزن، وعندما لاحظ ابوبكر حزن ألشيخ أراد أنْ يستجيب لطلبه وقال في قرارة نفسه أنَّ هذا ألرجل يعلم شيئا فليس مِن ألمعقول أنْ يصر على أمر كهذا بدون سبب منطقي فأنبرى مخاطبا ألشيخ:
- حسنا ولكن لِمَ تطلبُ منّي هذا ألطلب ألغريب؟
ألشيخ:
- قرأتُ في أصلح وأصدق ألعلوم بأنَّ خاتم ألأنبياء سيظهر في مكّة، ومِن بداية دعوته سيكون شخصان مُعينان له: شابٌّ ورجُل وقور، أمّا ألشاب ألّذي سيقف بجانبه في دعوته فهو مقدام وصلب وذو أخلاق عالية وسيفدي نفسه لحماية هذا النبي، ويستطيع هذا ألفتى أنْ يحل بسهولة أعقد ألمعضلات وألّتي تبدو بأنَّها غير قابلة للحل ( ألشاب ألمعني هو علي بن أبي طالب )، أمّا ألرجل ألوقور فهو رَجُل أبيض ألبشرة وليّن ألعريكة ونحيل وتوجد في بطنه شامة وعلامة على فخذه ألأيسر، فإذا أطّلعتني على هذه ألعلامات فإنَّ ألصفات ألمتعلقة بك وألّتي أعتقد أنَّها موجودة فيك سيزيد مِن يقيني بانَّك ألشخص ألمعني ويكتسب قناعتي صورته ألقطعية، أمّا إذا رفضتَ إطّلاعي على ألشامة والعلامة فإنَّ ألأمر سيبقى سرا بألنسبة لي ولن أكون متيقنا مِن قناعتي.
غاص أبوبكر في أفكاره، إنَّ هذا الشيخ يتنبأ بظهور خاتم ألأنبياء ألّذي طالما سمع أحاديث كثيرة في مكة حول ظهوره وهذا ألشيخ يتحدّث عن صفات ألنواة ألّتي ستتجمّع حول هذا ألنبي، ألنواة ألّتي ستُعين ألنبي ألجديد في دعوته، وهو يذكر بأنّي واحد من هذا ألكادر ألمتقدِّم.
لَمْ يكذّب أبوبكر ألصدّيق ألخبر، فكشف عن بطنه، وعندما رأى ألشيخ ألشامة ألسوداء فوق سُرّة أبوبكر ألصدّيق خاطبه قائلا:
- أقسم بربِّ ألكعبة إنّك ألشخص ألمقصود في ألكتب، وأردف بلهجة ناصحة:
- لا تتبع هواك وأتبع ألطريق ألصحيح وألأوسط وأتّقي ألله في شأن عطاياه وإحسانه لك.
بعد إنتهاء ألمقابلة ألمثيرة مع ألشيخ ودّع أبوبكر ألصدّيق ألشيخ ساهما ثمَّ أنشغل بأمور تجارته في أليمن، ولكنَّ عقله كان منشغلا بما سمعه من ألشيخ ألعالم وأحسّ برغبة شديدة لزيارة ألشيخ مرّة أخرى.
بعد إتمام أعماله ألتجارية قرر زيارة ألشيخ، في لقائه ألثاني مع ألشيخ خاطبه ألشيخ قائلا:
- إذا رغبتَ سأعطيك هذه ألابيات ألشعرية ومحتواها متعلّقة بألنبي القادم وبدأ ألشيخ بقراءة ألأبيات.
كانت محتوى ألأبيات ألشعرية واضحة وتُسنِد ما سمعه في مكّة ومن الراهبين في رحلته إلى ألشام فكلّها تشير إلى مكّة وإلى صديقه ألمُقرَّب محمّد بن عبدالله.
قفلَ أبوبكر ألصدّيق راجعا إلى مكّة وكان فكره مشغولا بما سمعه من ألشيخ أليمني، وقرر مقابلة ورقة بن نوفل وتقاسم هذه ألمعلومات ألجديدة والمثيرة معه.
في تلك ألأثناء نزل محمّد بن عبدألله من جبل ألنور بعد إعتكافه في غار حرّاء مُبشّرا بألوحي ألّذي نزل عليه ولكنّه جوبِه بعد إعلان دعوته بألدين ألجديد برد فعل عنيف من قبل قادة قريش.
أثناء دخول أبو بكر مكّة قابل في ألطريق مجموعة من قادة قريش كعقبة بن أبي مؤيّد وشيبة وربيعة وأبو جهل وكانوا جميعم في حالة وجوم فسألهم بلهفة:
- ماذا حدث في غيابي في مكّة؟ هل هناك جديد؟
أجابه أحد ألقوم:
- أحداث جسيمة، فيتيم أبو طالب يظنُّ نفسه نبيّا ولولا معرفتنا لصداقتك له لأنهينا أمره، وألآن وقد حضرتَ فعليك أنْ تحل هذه ألمشكلة لأنَّك أعلم ببواطن ألأمر وتستطيع أنْ تُثنيَه عن عزمه.
تجمّعت خيوط أللغز في ذهن أبو بكر ألصدّيق، ما سمعه من أقوال ورقة بن نوفل وزيد أبن عمر وألشاعر قوس أبن سعيدة والشاعر أُميّة أبن أبي سلط وعامر أبن ربيعة وألراهب نسطورة والراهب بحيرة وألشيخ أليمني من قبيلة أزد كانت كلّها كأنهار تصّب في بحر واحد، وقال في نفسه : لا يُمكنْ أن يكون محمّدا ألّذي أتّصف بالأمانة وألصدق خلال أربعين عاما كاذبا ويدّعي بمثل هذا ألأمر ألخطير، فإذن أللحظة ألمنتظَرة وساعة ألصفر قد حانَ.
لمْ يُضيّع وقته وتخلّى عن عزمه في مقابلة ورقة بن نوفل وأتجه صوب دار خديجة بن خويلد وطرق ألباب.
كان في ألباب ألإنسان ألّذي كان متشوقا للقائه..... محمّد بن عبدألله، قال أبوبكر بحذر مخاطبا صديقه:
- يامحمّد، هل صحيح ما سمعت بأنّك تركت دين آبائكَ وعُرف أهلك؟
أجابه محمّد:
- أنا رسول ألله يا أبابكر، لقد أرسلني ربّي لتبليغ رسالته لك وللناس أجمعين وإنّي أدعوك إلى ألإيمان، والله إنَّ ألله ألّذي أدعوك إليه حقٌّ وهو أحدٌ صمد ونحن لن نكون عبيدا لغيره.
مازال أبوبكر يتصرّف بحذر وليتيقن من ألأمر سأل محمّدا:
- حسنا، ما دليلك على ذلك؟
- ألشيخ ألّذي قابلتَه في أليمن.
طرق أبوبكر مُفكِّرا وقال في نفسه، قد يكون محمّد قد سمع برحلته إلى أليمن، ولكن كيف عَلِمَ بأمر ألشيخ أليمني، وهل هو مُطّلِعٌ على ما دار بينه وبين ألشيخ أليمني؟ إنَّ رجلا بهذا ألعلم يكون واثقا مِن وضعه وصادقا في دعوته، ولكنَّ أبوبكر لم يترك ألحذر جانبا فقال:
- لقد قابلت ألعديد مِن ألشيوخ في أليمن، عن أيِّ شيخ تتحدث؟
محمّد: ألشيخ ألّذي أعطاك ألأبيات ألشعرية.
أبوبكر ذاهلا:
- مَنْ أخبرك بذلك يا صديقي.
- ألمَلَك جبريل ألّذي نزلَ على ألأنبياء مِن قبلي.
أبوبكر بخشوع:
- مُدْ يدك يا محمّد سأبايعك منذ أللحظة، وأردف بصوت رقيق: أشهد أنْ لا إله إلّا ألله وأشهد أنّكَ رسول ألله.

هذه مُلخّص قصّة إيمان أبوبكر ألصديق أوّل خلفاء ألمسلمين حسب الروايات الإسلامية.
لنلقي نظرة متفّحصة على هذه ألقصّة، هنالك إحتمالين، إمّا أنْ تكون هذه ألقصّة مُلفَّقة وأُلِّفت بعد وفاة محمّد وأبوبكر ألصدّيق لأسباب سياسية نتيجة ألصراع ألمحتدم بين بني هاشم وبني أُميّة على ألخلافة لرفع مكانة أبوبكر ألصديق وألدفاع عن أحقيته للخلافة مقابل أبن عم محمّد علي بن أبي طالب ، وهذا ألإحتمال يجعلنا نستعبد مناقشته وتحليله، أو تكون ألقصّة قد حدثت فعلا بتفاصيلها وتحتاج إلى ألنظر فيها وتحليلها.
نستنتج من هذه ألقصّة ( على فرض أنّها حقيقية ) أنَّه قبل نزول ألوحي على محمّد في غراء حراء وتكليفه بمهام ألنبوّة كانت هناك مجموعة هيّأت ألرأي ألعام في مكّة لهذا ألحدث، وأنَّ هذه ألمجموعة ألّتي هيأت لظهور ألدين ألجديد أختارت مُحمدا لتبليغ ألرسالة كما أختارت عبدألله بن عثمان ( أبوبكر ألصدّيق ) ليكون ضمن ألرعيل ألأوّل مِن ألمسلمين لكونه غنيّا لأنَّ أية دعوة دينية سياسية تكون بحاجة إلى قوّة أقتصادية لنشرها، وهنالك أمثلة عديدة في ألتاريخ على ذلك، فألدين ألمسيحي أنتشر بعد دعم وتبنّي ألأمبراطور قسطنطين له، والدين ألزرداشتي أنتشر بعد تبنّي ألملك ألفارسي دار ألأوّل لهذا ألدين.
أمّا ألسبب ألثاني لإختيار أبوبكر ألصدّيق فهو كونه من عقلاء واعيان القوم وله صداقات عديدة مع قادة قريش وأعيانه ويستطيع إستخدام هذه ألصداقة في ضم بعض من هؤلاء إلى صفوف ألدعوة ألإسلامية.
هنالك في القصّة مثلث مكاني يجلب ألإنتباه ويحتاج إلى ألتوقف وألتمعّن فيه وهو مكّة والشام واليمن، في هذه ألأمكنة ألثلاث تواجدَ اعضاء من ألمجموعة ألّتي هيأت لظهور ألدين ألجديد، ففي مكّة تواجدَ ورقة بن نوفل وزيد أبن عمر وألشاعر قوس أبن سعيدة والشاعر أُميّة أبن أبي سلط وعامر أبن ربيعة وخديجة بنت خويلد، أمّا في ألشام فتواجدَ ألراهب نسطورة وألراهب بحيرة، وفي أليمن تواجدَ ألشيخ ألعالم مِن قبيلة أزد.
إنَّ هذه ألمجموعة أتفقت كما نستنتج مِن ألقصّة على تنفيذ خطّة مُحكمة لإقناع أبوبكرألصدّيق بصدق نبوّة محمّد بن عبدألله، وهذا واضح مِن تفسير ألراهبين لحلم أبوبكرألصدّيق في ألشام وأقوال ألشيخ ألعالم من قبيلة أزد في أليمن وأحاديث وأشعار تنظيم مكّة.
إنَّ أموال أبوبكر ألصدّيق ألّتي صرفها كلّها على ألدعوة ألإسلامية كانت لها دورا كبيرا في نجاح ألدعوة وكان إختياره ليكون ضمن ألرعيل ألأوّل مِن ألمسلمين إختيارا موفّقا لإنجاح ألدعوة ألإسلامية.
في موقع نصرة ألرسول ورد مايلي:
( لم يترك أبوبكر ألصدّيق لأهله إلا كما قال: تركت لهم الله ورسوله ).
هذا الإنفاق العجيب، والنفس المعطاءة هو الذي دفع رسول الله أن يقول فيما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنَي مَالُ أَبِي بَكْرٍ. فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهَ. وفي رواية الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَأْنَاهُ، مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ ).
ختاما نتسائل: إذا كانت قصّة إيمان أبوبكر ألصدّيق صحيحة ألم يستعمل محمّد بن عبدألله وألمجموعة ألّتي هيأت لظهور ألدين ألإسلامي أسلوب ألسياسيين في ألخداع وبعبارة أخرى مقولة ميكافيللي في كتابه ألأمير ( ألغاية تبرر ألوسيلة )؟.


39
هل كان بعض الصحابة والتابعين لمحمّد يعلمون أنّ القرآن من تأليف محمّد؟

" إنّ الصحابة عندما ستروا بعض معلوماتهم قالوا بانّ ذلك بسبب انّ حقائق الغيوب فوق مراتب بعض القلوب".

هل كان بعض الصحابة يعلمون بأنّ القرآن من تأليف محمّد وأنّ قسم من آياته مقتبسة من ألتوراة؟
وهل أنّ الصوفيين الاسلاميين ادركوا هذه الحقيقة؟
قبل الاجابة على هذه الاسئلة لنطرح تساؤلا أهم:
هل كان محمّد يعتقد ويدرك بأنّ الله أختاره نبيّا وأرسل أليه جبريل بألوحي أم لا؟
للإجابة على هذا التساؤل هنالك ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الاوّل هو أنّه كان يتوّهم بأنّه نبي والدليل على ذلك ما ورد في السيرة النبوية من احاديث حول الرئي الذي كان يتراءى له منذ صغره ومنها حادثة شقّ صدره وكان لا يتراءى له الّا وهو في حالة غير اعتيادية بأن تأخذه نوبة عصبية لا يغيب فيها عن الحس الخارجي غيبوبة تامّة رغم ما يأخذه فيها احيانا من الإغماء، وهذه الحالة كانت تنتابه أثناء نزول الوحي.
لقد بقي محمّد مدّة من الزمن لا يعلم ماهي هذه الرئي الذي يراه اهو ملك ام شيطان، حتّى لقد ظنّه تابعا من الجن كالتابع الذي يكون للكهّان ولكنّه صار اخيرا يعتقد مايراه ملكا لا شيطانا، ثمّ صار بعد هذا الاعتقاد يسمّيه بإسرافيل، واخيرا صار يسمّيه بجبريل، والفضل لحصول هذا الاعتقاد لمحمّد يرجع الى خديجة فإنّها هي التي ثبّتته وازالت خوفه وجعلته يوقن بانّ ما يراه ملك لا شيطان وزاد يقينه بعد تعرّفه على الملك جبريل عن طريق ورقة بن نوفل .
الاحتمال الثاني هو أنّه كان يدرك بأنّه ليس نبيّا وانّما اراد ان يوحّد عرب الجزيرة العربية ليكوّن منهم دولة تدين لها الفرس والروم، لقد صرّح محمّد بغايته هذا يوم الخندق ففي السيرة الحلبية وكذلك في سيرة ابن هشام عن سلمان الفارسي قال:
ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ ورسول الله قريب منّي، فلمّا رآني اضرب وشدّة المكان عليّ، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برْقَة ثم ّضرب به اخرى فلمعت تحته برقة اخرى ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اخرى، فقلت بابي انت وامّي يارسول الله ماهذا الذي يلمع تحت المعول وانت تضرب؟
قال: اوقد رأيت ذلك ياسلمان؟ قال قلت: نعم، قال: فأمّا الاولى فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها اليمن، وأمّا الثانية فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها ألشام والمغرب، وأمّا الثالثة فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها المشرق.
الاحتمال الثالث هو أنّه كان يتوّهم بأنّه نبي في بداية دعوته في مكّة، ولكن بعد هجرته الى المدينة ادرك عكس ذلك بدليل وجود فروقات جوهرية في اسلوب وتشريعات القرآن المدني عن المكّي، فالتأمل وحيدا في غار حراء مختلف عن واقع يثرب والصراعات الموجودة فيها مابين الاوس والخزرج وصراعاتهم مع يهود المدينة.
بأعتقادي الاحتمال الاوّل هو اقرب الاحتمالات الى المنطق.
وألآن نرجع الى الاسئلة التالية:
هل كان بعض الصحابة يعلمون بأنّ القرآن من تأليف محمّد وأنّ قسم من آياته مقتبسة من ألتوراة؟
وهل أنّ الصوفيين الاسلاميين ادركوا هذه الحقيقة؟
حسب ماورد في كتب التراث الاسلامي انّ محمّدا انزعج عندما لاحظ انّ عمر بن الخطّاب يطّلع على التوراة، وهنالك احاديث توميء بان بعض الصحابة كانوا يخفون بعض معلوماتهم، وهذه بعض الامثلة:
عن ابي هريرة انه قال: حفظت عن رسول الله (ص) وعائين من العلم، اما احدهما فقد بثثته فيكم اما الاخر فلو بثثته لقُطِع مني الحلقوم.
والتساؤل هنا: ما هو هذا العلم الذي لو بثّه ابي هريرة لقُطِع منه الحلقوم؟
يروى عن ابن عباس حين سئل عن قول الله في القرآن ((الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهنّ يتنزّل الامر بينهنّ))، لو ذكرت تفسيره لرجمتموني، او لقلتم انّي كافر. والتساؤل هنا: ما هو هذا التفسير الذي لو ذكره ابن عباس لاستحقّ الرجم او تهمة الكفر؟
ويُنسب هذا الاسلوب في الستر الى الامام علي بن ابي طالب، حيث قال: (إن هاهنا- وضرب على صدره- لعلوما جمّة لو وجدت لها حَمَلَة)، كما قال:
(القرآن حمّال أوجه). وبعبارة اخرى فإنّ الامام علي بن ابي طالب يوميء بعلمه بعلوم ولكنّه لا يصرّح بها لقناعته بأنّ الذين سيحملونها ليسوا بمستوى هذه العلوم عقليا أو بها ضرر على الدعوة الاسلامية، أمّا قوله: (القرآن حمّال أوجه.) فتعني أنّ محتويات القرآن غامضة وتحتمل عدة تفسيرات وتأويلات.
واخيرا الشعر الذي ينسب الى الرّضي حفيد علي بن ابي طالب:
يارُبٍّ جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولأستحلٍّ رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا
ولا يخفى إنّ الصحابة عندما ستروا بعض معلوماتهم قالوا بانّ ذلك بسبب انّ حقائق الغيوب فوق مراتب بعض القلوب.
كما انّ المتصوفة لهم بعض الشطحات التي كانت سببا في قتلهم كمنصور الحلّاج ومحي الدين ابن عربي الذي قال:
لقد صار قلبي قابلا كلّ صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف والواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
ما أحوج ألإنسانية إلى دين ألحب ألّذي نادى به محي الدين ابن عربي وبألأخص في عصرنا هذا المليء بنبذ المخالف والاحقاد والضغائن وما تنتج عنه من تشريد وتقتيل.


40
حوار صحفي مع ألخالق

" ألشك ألطريق ألناجع للوصول إلى ألحقيقة وأليقين".

ألصحفي: إذا سمحت لي ياخالقي سأبدأ حواري معك بأهم ألأسئلة التي تشغل بالي، لماذا أنت معتكف منذ أكثر من 1400 سنة ولا تتدخل في شؤؤن عبيدك في ألأرض، ولا ترسل لهم رسلا وأنبياء لهدايتهم، لأنّي أعتقد أنّ تشريعات ألأديان ألإبراهيمية ألثلاث، أقصد أليهودية والمسيحية وألإسلام غير ملائمة لعبيدك في ألقرن ألواحد وألعشرين ؟
ألخالق: أنا لم أُرسل رسلا ولم أُوحي ألى نبي، وإنّما توهم بعضكم بأنّه رسول أو نبي، وحاول هؤلاء ألمتوهمين تعريفي وأنا غني عن التعريف. وبما أنّ ألعقل ألبشري قد وصل إلى مرحلة ألنضوج في عصركم فلن يظهر بينكم رسل وأنبياء بعد ألآن.
ألصحفي: هل تقصد بأنّ علينا إستعمال عقلنا للوصول إليك وألتعرّف على ماهيتك؟
ألخالق: هذا ما قصدته بألضبط.
ألصحفي: ولكن اكثرية ألبشر جاهلون ويتّبعون الآن ألأديان ألإبراهيمية، وقسم قليل من ألمعزولين في غابات أفريقيا وألأمازون يعبدون الاسلاف والطواطم وآلهة متعددة حتّى ألآن، وقسم من ألعقلاء لا يعترف بوجودك ويعتبرك وهم من الأوهام، وقسم آخر يعبد عقله، وبعضهم يؤمن بأنّ أمنا ألطبيعة هي ألتي خلقتنا نتيجة لصدفة حالفها ألحظ.
ألخالق: قراري لن أغيّره، ولن أتدّخل في شؤونكم فانتم احرار بما تعتقدون، وانصح ألعقلاء أنْ يبذلوا جهودا مكثّفة لتثقيف وتنوير أخوانهم في ألإنسانية ليعيشوا بسلام مع بعضهم البعض، ولا تسمحوا للمتوهمين أنْ يحكموكم من القبور.
ألصحفي: ولكن هذا سيستغرق وقتا طويلا، وعبيدك يقتتلون فيما بينهم بسبب إختلاف عقائدهم ومذاهبهم.
ألخالق: كلّ مخاض ولادة يكون عسيرا.
ألصحفي: هل تتفضل وتخبرنا ماهي ألروح؟
ألخالق: ألروح من أمري وما أوتيتم من ألعلم إلّا قليلا.
ألصحفي: هذا جواب لا يُشبِع ولا يُغني من جوع.
ألخالق: حسنا، ألروح هي طاقة.
ألصحفي: ألاتوضّح أكثر؟
ألخالق: تصوّر أنّ جسدك قطعة من ألخشب تحترق في ألنّار، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ قطعة الخشب ستتحول إلى رماد، وستنطفأ شعلة ألنار، قطعة الخشب هي جسدك وألنار هي الروح.
ألصحفي: هل تقصد أنّ ألروح طاقة ناتجة من حرق ألغذاء في أجسامنا، وبعبارة أخرى هي تفاعل كيمياوي.
ألخالق: أصبت كبد ألحقيقة.
ألصحفي: هل خلقت مخلوقات أخرى كالملائكة وألجن وألشياطين؟
الخالق: ما هذا ألهراء أنا لا أحتاج لكلّ هؤلاء فلِمَ أخلقهم؟
ألصحفي: ولكنّك لا تحتاج ألبشر أيضا، فلِمَ خلقتنا؟
ألخالق: لن أجيبك على هذا ألسؤال، وعليك أنْ تكتشف ذلك بنفسك.
ألصحفي: لِمَ؟
ألخالق:لأنّ هذا ألسؤال سيقودك إلى ألشك بوجودي، وألشك ألطريق ألناجع للوصول إلى ألحقيقة وأليقين.


41
حوار صحفي مع ألشيطان

" إنّ اعجب ما في قصّتي هو تمرّدي على الله، إنّ هذا التمرّد هو اغرب حكاية جالت في عقولكم واحسن مثل لما جال ويجول في ألفكر ألإنساني من تصوير ألمستحيل" .... ألشيطان.

ألصحفي: وددت إجراء حوار معك فهل يزعجك ذلك؟
ألشيطان: كلّا على ألعكس أنا سأكون سعيدا بذلك لأنّي أود توضيح ألأكاذيب وألأساطير ألتي تدور حولي، ولكن ما دفعك لتجشم مشاق ألسفر للقائي؟
ألصحفي: أمس كنت متمددا في ألسرير ومستغرقا في قراءة حديث ألنبي محمّد حول دورك في سهو ألمسلمين في ألصلاة، وجاء في ألحديث أنّ إسمك خنزب ثمّ أستغرقت في ألنوم ورأيتك تجثم على صدري ولم أستطع ألتنفس واستيقظت مذعورا، لذا قررت ملاقاتك للتعرّف على ماهيتك.
ألشيطان: حسنا فعلت، هات ما عندك وسأكون صريحا معك قدر ألمستطاع.
ألصحفي: سأبدأ بألحلم، لماذا حلمت بك؟
ألشيطان: بتأثير قراءتك للحديث ألنبوي، إنّ الحلم يتكوّن في العقل الباطن ( اللاشعور ) للانسان النائم باستخدام ارشيف المعلومات والذكريات الموجودة في دماغ الحالم وذلك بتأليف سيناريو مُبهم وبإستعمال رموز بدل الاحداث والشخصيّات الحقيقية.
انّ المؤثرات في تكوين الاحلام عديدة، فمثلا حدوث حادثة او إجراء حديث او مشاهدة فلم قبل النوم بفترة وجيزة او قبل عدّة ايام وكذلك رغبات الانسان المكبوتة كالرغبات الاقتصادية والجنسية والبيولوجية الاخرى، يضاف الى ذلك تاثيرات البيئة المحيطة بالنائم كسماع الاصوات والضوء الساقط على عين النائم والروائح التي يتنشقها مع الهواء.
ألصحفي: على ذكر ألرغبات ألبيولوجية، هل صحيح أنّك تضاجع ألناس أثناء نومهم؟
ألشيطان: لقد أضحكتني، أنت إذاً لم تفهم ماقلته لك حول ألأحلام، ألمضاجعة هي تنفيس للرغبة ألجنسية ألمكبوتة.
ألصحفي: هناك تشويش حول إنتمائك، فقسم من ألآيات ألقرآنية تذكر بأنّك تنتمي إلى ألملائكة وقسم آخر تذكر بأنّك تنتمي إلى ألجن، ألا توضح ألأمر؟
ألشيطان: لا هذا ولا ذاك، أنا لا منتمي.
ألصحفي: قسم من ألمسيحيين ألغنوصيين يؤمنون بأنّك خالق للكون أمّا بقية ألمسيحيين وجميع ألمسلمين فيقولون إنّك إحدى مخلوقات ألرب أو ألله، أرجو أن توضّح هذا ألتناقض.
ألشيطان: لا هذا ولا ذاك.
ألصحفي: أجوبتك غامضة.
ألشيطان: أنا أحب ألغموض.
ألصحفي: لماذا؟
ألشيطان: لولا ألغموض لما خاطرت بمقابلتي.
ألصحفي: هل تعتقد بأنّي أخاف منك؟
ألشيطان: نعم بدليل أنّك كدت تختنق عندما رأيتني في ألحلم.
ألصحفي: عندك حق وأعتقد بأنّك اشجع منّا بدليل أنّك لا تهرب عندما يرمونك ألمؤمنون بألحجارة أثناء ألحج.
ألشيطان: شكرا للمديح، ولكنّي لا أتواجد في مكّة.
ألصحفي: لماذا؟
ألشيطان: لأنّ ألملائكة يقومون بزيارات متواصلة لمكّة، ألم تسمع بمقولة: إذا حضرت ألملائكة، هربت ألشياطين.
الصحفي: هل حقا عصيت ألله ولم تقبل ألسجود لأبانا آدم؟
ألشيطان: كلّا وألف كلّا، إنّ هذه ألحكاية هي رمز للشرور الموجودة في نفوسكم، ألم يذكر ألنبي محمّد في ألقرآن (أنّ ألنفس لأمّارة بألسوء) وهذه أصح عبارة في ألقرآن وينفي جميع ألتهم ألتي ألصقتموها بي.
إنّ حكاية رفضي السجود لآدم وطلبي من الله إمهالي إلى يوم القيامة بعد قسمي بعزته لكي أغوي البشر وقبول الله هذا الطلب الغريب بتعيني للقيام بهذه الوظيفة ليست سوى حل لدرء التهمة عن الله بأنّه هو ألذي خلق الشر وزرعه في نفوسكم، لانّكم ستتسائلون:
إذا كان الله هو الذي خلق الشر في نفوسنا فلم يحاسبنا ويعاقبنا على ذنوبنا؟
إنّ اعجب ما في قصّتي هو تمرّدي على الله، إنّ هذا التمرّد هو اغرب حكاية جالت في عقولكم واحسن مثل لما جال ويجول في ألفكر ألإنساني من تصوير ألمستحيل.
ألصحفي: سؤال أخير، من أنت؟
ألشيطان: أنا شماعة تعلقون عليها ذنوبكم وأخطائكم.
ألصحفي: شكرا يا شماعتي.


42
حوار مع قاريء حول كتاب ثورة ألشك

" إنْ كنت أؤمن بلقاء ألله لن تجدني أكتب ما كتبت وكنت سأسرع إلى أقرب كهف أتعبد فيه وأعتزل ألنّاس".

تلقيت رسالة من أحد ألقرّاء ألذي قرأ كتابي ثورة ألشك يطرح فيها بعض ألتساؤلات حول الدين ألإسلامي، في هذه ألمقالة سأحاول ألإجابة على تلك ألتساؤلات.
يبدأ القاريء ألعزيز (ع. ألحلّي) رسالته بهذه ألمقدمة:
اما بعد
فلا اعرف بما احييك الا ان اقول مرحبا كيف حالك اخي العزيز انا المسلم (ع. الحلّي) من العراق انهيت لتوي قراءة كتابك (ثورة الشك) واعجبني ما فيه اعجابا هائلا لدرجة اني جلست لاقرأ كتابك صباح الجمعة وانهيته مساءها فقد ارجعَ لي شغف القراءة بعد ان فقدته لسنة كاملة بسبب ما شغلتني به الحياة من طلب الرزق و اهداف اخرى احمدُ الله انّ لدينا من المفكرين العرب ما يغنينا تعب البحث عن ترجمة المؤلفات الغربية احيي فيك هذه العلمية الجليلة في البحث و الاستنتاج و الله الموفق
ما اطلب منك الاجابة عليه هي الاسئله التالية، ثمّ يختتم ألقاريء رسالته بالعبارة ألتالية:
ارجو ان يصلني جوابك الفاضل يا اخي الكريم وان تقبلني صديقا لك لانّ ذلك يسعدني جدا و ارجوا الا تزعجك تساؤلاتي
.
المحب لكتاباتك
ع. الحلّي
العراق ------ بابل

ألأسئلة وإجاباتها:

ألأخ العزيز ع. ألحلّي:
أسعدتني رسالتك الرقيقة وأسعدني ألحماس ألذي تتمتع به للمعرفة، ساحاول ألإجابة على تساؤلاتك في أدناه:
ألقاريء: ما سيكون ردّك لو كان ما جاء من محمد (ص) صدقا حقا من الله تعالى و كيف سيكون الحال بعد نهاية المطاف و العودة الى الله؟
ك.ع : قضيت معظم عمري بعقوده ألستّة في ألدراسة والتفكير للاجابة على هذا السؤال وتوصلّت إلى ألقناعة بأنّ ألخالق لَمْ يوحِ إلى أحد ولم يكلّم أحدا، ولا أعتقد بوجود ألثواب وألعقاب بعد ألموت. فالموت هو ألنهاية لحياة كلّ ألأحياء، ولكن لو حدث ان اصبحت مخطئا في اعتقادي فسأتحمّل ألنتيجة بصدر رحب.
ألقاريء: رغم كل السلبيات التي بُحِثت ووجِدت، والثغرات الهائلة ارجو ان تضع نفسك مكان محمّد (ص) في ذلك الزمان وسط ذلك المجتمع الذي يرى تحقيق الغايات بالقوة، و ليس للضعيف مكان سوى الاستعباد الا ترى من العظمة ان يحقق هذا الرجل ويستحصل مكانا للمباديء و ينتصر لها؟
ك.ع: اتفق معك انّ محمّد بن عبدألله رجل عبقري وعظيم، فقد قاد حفنة من ألفقراء وألعبيد الى اكبر ثورة في تاريخ ألإنسانية، ولكنّه أخطأ عندما أدّعى بأنّه خاتم ألأنبياء فبهذا أغلق باب تطوّ ر ألأديان ألتي يتوجب أنّ تكون مواكبة لتطوّر ألعقل ألبشري.
ألأديان تكون مناسبة للاقوام الذين يظهر ألدين بين ظهرانيهم. ألمشكلة تطفو على ألسطح عندما نحاول تطبيق تشريعات ألدين في عصر مختلف ومكان مختلف عن مكان ظهور ألدين ألمعني.
أنّ إرغام ألآخر لإعتناق ألدين وأستعمال ألقوّة لنشره يتناقض مع طبيعة ألألوهة، لأنّ ألله ألوارد صفاته في ألقرآن لا يحتاج من يدافع عنه وينشر تعاليمه بين ألبشر بألقوّة. وأنا أتفق معك بأن ألحروب وأستعمال ألقوة كانت من مميزات ألمجتمع ألبدوي الذي ظهر فيه محمّد ولكن الهجوم لنشر ألدين لا يمكن تبريره أو ألقبول به ألبتّة.
صحيح أنّ ألدين ألأسلامي بدأ كثورة للعبيد، ولكن تشريعاته وتطبيقاته أدّت ألى أستعباد ألبشر ونهب ألأموال كغنائم في حروب ألجهاد وإلى إذلال أهل ألذمّة وأجبارهم على دفع ألجزية عن يد وهم صاغرون وكذلك أدّى إلى عزل ألنساء عن فعاليات ألمجتمع ألإسلامي وبألنتيجة شل نصف ألمجتمع .

ألقاريء: كيف تريد من القرآن انْ يخاطب قوما جاء هاديا لهم، انْ يذكر لهم ما توصّل اليه العلم حاليا من ادق الموجودات؟ اليس حريا به انْ يكتفي بهدايتهم في ذلك الوقت العصيب الذي كان يزخر بالظلم الاجتماعي؟ وقد فعل، فما فائدة ذكره للعلوم التكنلوجية و ما يحتاجه القوم في ذلك الزمان هو تصحيح المعتقدات و تحسين الاخلاق؟ ثم انّ التكنلوجيا آتية مع تطور العقل البشري فلا حاجة الى الاستعجال، انّما جاء في ذلك الوقت ليجد جوابا لكلّ سؤال و لا اعتقد انهم احتاجوا في ذلك الوقت الى سؤال من هذا القبيل ليرد له جوابا امّا بعد الثورة العلمية الحاصلة فالاخلاق لاعلاقة لها بذلك فهي ثابتة في كل الازمان.
ك.ع: في ألقرآن آيات تحاول تفسير ألظواهر ألكونية وتطرح نظرية خلق آدم، ومعظم هذه ألتفسيرات تتناقض مع ما توصل إليه ألعلوم، وبما أنّ ألقرآن يدّعي بأنّ ألدين ألإسلامي صالح لجميع ألمجتمعات وألعصور فألأحرى أن يخاطب انسان ألمستقبل ولو بآية واحدة، فمثلا لو ذكرَ بأنّ الله خلق مخلوقات صغيرة لا تُرى بالعين ألمجرّدة هي سبب ألإصابة بألأمراض لكان هذا دليلا على أنّه وحي من ألله، ولا يخفى عليك بأنّ هناك ألعديد من ألآيات ألغامضة في ألقرآن تُسمّى بالمتشابهات ولا بأس ان تكون فيه آية واحدة تخاطب انسان عصرنا لنؤمن بأنّه وحي من ألله، ألا تقرأ يوميا محاولات جماعات ألإعجاز ألعلمي وهم يحاولون تأويل بعض ألآيات بلي ذراعها بألقوّة لتصبح معجزة قرآنية؟
ثمّ من قال لك أنّ ألأخلاق ثابتة؟ لا يوجد شيء ثابت في ألكون وكلّ شيء يتطوّر ويتغيّر حسب ألزمان وألمكان، وكمثال فإنّ عيسى لم يحرّم ألخمر ولحم ألخنزير بينما محمّد حرّمهما، والدين أليهودي والدين ألإسلامي شرّعا بأنّ ألعين بألعين وألسن بألسن، بينما ألدين المسيحي يقول: من ضربك على خدّك ألايمن فأدر له خدّك ألأيسر، هذا بالنسبة لأديان سماوية تفصل بينهم مئات ألسنين، فكيف ألأمر بالنسبة للحدود ألأخلاقية ألوضعية ألتي تطوّرت عبر ألآف ألسنين؟
إنّ ألمجتمعات ألإنسانية توّصلت إلى ألتشريعات ألأخلاقية ليتمكن أفرادها من ألتعايش مع بعضهم ألبعض لأنّ ألإنسان كائن أجتماعي.
ألقاريء: وإنْ يكن محمد (ص) جاء بما جاء به قبله فليس في ذِكرِ ذلك نفع على ما اعتقد، المهم هو ما حققه من نصر للمباديء في ذلك الزمان هو ما يستحق الذكر.(( لو يُعرَض عليّ الآن انْ اكون ما كان محمّد (ص) سأكون فخوراَ انْ اكون مثله)).
ك.ع: ألأديان تراكمات، وذِكرُ حقيقة ألأقتباس ألموجود في ألدين ألإسلامي من أليهودية وألمسيحية وأساطير ألحضارات ألمجاورة لشبه ألجزيرة ألعربية، توّضح بشرية هذه ألأديان، والنفع يتحقق عند ذِكرِ ذلك وإثباته عندما تقتنع ألمجتمعات ألإسلامية ببشرية ألدين، فتبدأ عملية غربلة للتشريعات ألدينية وذلك بأخذ ألصالح من ألدين وترك ألطالح منه بدون خشية من عذاب جهنّم.
صحيح بأنّ محمدا حقق نصرا لمبادئه ولكن ألسؤال، هل جميع مبادئه جيدّة وصالحة لكلّ زمان ومكان؟
من حقّك أنْ تكون فخورا بأنْ تكون ما كان محمّد ، ولكنّي لن أكون فخورا بمثل هذا ألعرض.
ألقاريء: عندما نكتشف شيئا سلبيا في ما نعتقد فليس من الضروري انْ نهاجم المعتقد بل اعتقد انّ من الضروري التعديل و التحسين ثم الدعوة بالموعظة الحسنة فانّها اطيب الى النفوس واقرب الى القلوب و افضل من ادخال الناس في متاهة اللادين والشك العقيم فقد مرت حياتي من صغري وانا مسلم و إنْ اكن افضّل الهداية الى الاسلام بدلا من الولادة عليها و لكني بعد الشكوك و التجارب اجد انّ الاسلام دين ينظم حياتك ويكفي ليقود مجتمعا وإنْ وجدتَ فيه خللا كان حكما صَلُحَ لاولئك القوم و لايصلح لنا في عصرنا فاعتقد انّ لديك جوابا تقدّمه بين يدي الله افضل مِن انْ تنكر اللقاء معه وما تجنيه من فوائد دنيوية.

ك.ع: عندما نعتقد بأنّ ألدين وحي من ألله لا يصح لنا انْ نعدّل ونصحح ألدين من سلبياته وأنا لا أهاجم ألدين بل أنتقده لأُثبت أنّه من مصدر أنساني ففي هذه ألحالة يمكننا من تحسين وتطوير ألدين بما يتناسب مع تطوّر ألعقل ألإنساني وبما يتناسب مع عصرنا زمانيا ومكانيا، وعكس ذلك يكون أشتغالا بالعبث.
أوافقك بأنّ ألدعوة يجب أنّ تكون بألحكمة وألموعظة ألحسنة، ولكن ماذا سنفعل بألكم ألهائل من ألآيات ألمدنية ألتي تدعو إلى نشر ألدين بألقوّة وتدعو إلى عدم موالاة ألغير ألمسلم حتى لو كانوا آباءنا وأولادنا؟ هل نشطبه من ألقرآن؟
صحيح أنّ ألدين بالرغم من سلبياته ساهم في تنظيم ألمجتمعات ألتي ظهر فيها, ولكن ظهور ألأخلاق وترسّخها في ألمجتمعات ألإنسانية سبقت ظهور ألأديان ألإبراهيمية( اليهودية، ألمسيحية والإسلام ) وأحسن مثل على ذلك هو شريعة حمورابي وتعاليم بوذا وألفيلسوف ألصيني كونفشيوس.
إنْ كنت أؤمن بلقاء ألله لن تجدني أكتب ما كتبت وكنت سأسرع إلى أقرب كهف أتعبد فيه وأعتزل ألنّاس، لانّي وطوال عشر سنوات من شبابي ( عندما كنت مؤمنا بألدين أيمانا راسخا) حاولت تطبيق جميع تعاليم ألإسلام في حياتي ولكن ذلك أنشأ صراعا في نفسي لإستحالة ملائمة ألدين ألإسلامي مع متطلبات ألعصر ألحديث، والسبب كونه من مصدر بشري، فلو كان من عند ألله لأمكن تطبيقه في كلّ ألأزمان وألأماكن.


43
مسنجر بين الجنّة وجهنّم

" ألحوار في الجنة وجهنم باللهجة العراقية المحلية".

متعوس ومحظوظ صديقان منذ الطفولة، قبض عزرائيل روحيهما اثر نسف انتحاري نفسه في بغداد.
في يوم الحساب عبر محظوظ الصراط بسهولة (عبالك بهلوان مال سيرك) ودخل الجنّة، امّا متعوس فسقط في اوّل خطوة خطاها على الصراط (عبالك تيغة مال البيتونة وجمالة مسوّين طسّة اصطناعية) ودخل جهنّم وبئس المصير.
بعد فترة اكتشفا وجود مقاهي للانترنت في الجنّة وجهنّم. في فترات الاستراحة كان يسمح للنزلاء بارتياد هذه المقاهي واستعمال الحاسبة الالكترونية. بالاستعانة باليّة البحث كَوكَل تمكن متعوس من اكتشاف ايميل محظوظ وبذلك تمّ الاتصال الالكتروني بينهما ودار بين الصديقين الحوار التالي في المسنجر:
متعوس: اشلونك خوية محظوظ، شكو ماكو يمكم؟
محظوظ: زين خوية، كلشي اهنا دهنو دبس، انت اشلونك، اشلون الوضع يمكم؟
متعوس: والله موزين، سلكَونه سلك، ماكو هيجي حر حتّى بالعراق من ينكَطع القوّة بتموز بصاية وزير الكهرباء والحكومة الخايسة والبرلمان الجايف.
محظوظ: لتدير بال يمعود احنه العراقيين متعودين عل الحر اكيد الحر يمكم زلاطة بالنسبة الك.
متعوس: خوية كَلَلي صدك اكو يمكم فَيْ وانهار من خمر ولبن وعسل؟
محظوظ: لعد اشلون، شتريد اكو، عرك زحلاوي ومستكي وويسكي وبراندي وفودكا.
متعوس: ايباخ، اشلون فاتتني هاي السالفة، غير حظ اغبر عندي، بالدنيه عذاب، بالقبر عذاب وهسّة عذاب، بس اشلون عذاب لو تدري؟
محظوظ: احجيلي بالله.
متعوس: شكَوللك خوية، اول ما جابوني اهنا ركَع دونكيات وتفلات، بعدين شدّوني بزنجيل طوله سبعون ذراعا، بعدين اجه واحد عتوي عبالك سعلوة ديسموه زبانية طوله يطلع فد خمس امتار شالني وذبني بنص النار، ردت انهزم اشوف هل عتوي لزمني من خوانيكَي وشمرني هلمرّة ثلاثميت متر بنص اللهب، فد كَووي هذا ولا عدنان القيسي واشلون عكسيات يضرب الله ليشوفه لحّد.
محظوظ: زين اشلون مامتت؟
متعوس: ياموت يابه هذي فد طركَاعة ماكو مثله، جلدي صار فحم، بعد اشويّة طلعلي جلد جديد ابيض مثل جلد مارلين مونرو، ودك حرك طول اليوم.
محظوظ: تعني دك عيني دك مو؟ زين اكل اشلون؟ مدتموتون من الجوع؟
متعوس: هاي هم حاليّها شعبالك، اكو اهنا فد شجرة ديسمّو شجرة الزقّوم وجماله دتثمر بس اشلون ثمر عبالك رؤوس الشياطين.
محظوظ: اشلون دتاكولوها مطبوخة لو هيجي؟
متعوس: لا يمعود بليّة طبخ ماتنجرع، لعلمك الطاقة الحرارية اهنا ببلاش كل مكان ديحترك، بارحة سوّينا باجة مال رؤوس الشياطين بس بدون ملح وليموندوزي.
محظوظ: زين الباجة متحتاج ماي اكو ماي يمكم؟
متعوس: لا يابا يا ماي، اكو فد شي مثل الماي ديسمّوه غسلين.
محظوظ: مدكَوللي شنو غسلين خوية؟
متعوس: هو مثل الماي بس اثخن شويّة،ولونه وطعمه مثل الجراحة اللي تطلع من الجرح وراماتلتهب.
محظوظ: هسّة افتهمت، كَلبي ويّاك متعوس احزنت عليك اهواية ولو يكَولون ماكو احد يحزن بالجنّة.
متعوس: اشو اخذتني حاصل فاصل،احجيلي شكوماكو يمكم؟ صدك اكو حوريّات وكواعب اترابا مثل ما كَللولنه، ولو لهسّة ماافتهمت شنو كواعب اترابا، مدكَوللي شنو معناها.
محظوظ: ضحّكتني متعوس، كواعب اترابا معناها انّو الحوريات مميات مالتهن كَويّة مثل جعب رجلك يعني مو مثل مالت صاحبتك العجوز والحوريات كلهن شابّات بنفس العمر.
متعوس: زين انت اتزوجت وحدة من ذوله؟
محظوظ: ها ها ها... يا وحدة يابا...لك اشكد متريد ماكو تحديد.
متعوس: كللي زوجتك متغار، ماسوّت مشكلة؟
محظوظ: المرة يمكم ما تدري؟
متعوس: محظوظ صدك وين تنام ويّة الحوريات، اقصد وين تمارس السكس؟
محظوظ: وين متريد، اهنا ماكو مستحه عبالك نادي العراة مال اوروبا، بس انطونا بيوت حيطان مالته كله جامخانة وتكَدر تشوف الحدايق اللي تجري من تحتها الانهار من غرفتك، والبيوت مو مبنية عل الكَاع، عالية شويّة .... فد خمسين متر.
متعوس: اشلون اتطب بالبيت، اكو درج لو مصعد؟
محظوظ: انت ظل بهلعقليّة، يادرج يامصعد يابطيخ، بابا احنه كلنه نكَدر نطير مثل سوبرمان.
متعوس: مامعقولة زين ميصير اصدام بالهوا، اكو ترافيك لايت؟
محظوظ: طبعا اكو، اهنا كلشي تكنولوجيك شعبالك.
متعوس: ها نسيت اسالك منتشربون العرك تسكرون لولا؟
محظوظ: لعدشلون شنو فايدة العرك اذا متسكر؟
متعوس: اكو عرك قجق.... اقصد عرك هبهب؟
محظوظ: ها ها ها متجوز من سوالفك العتيكَة، شتريد اكو، دتعال يمنه فد يوم خطّار وشوف بعينك اذا مدتصدك.
متعوس: اشلون اجي يابه وهل عتوي اربع وعشرين ساعة مكَابلني؟
محظوظ: مااخاف عليك فد يوم تكَدر تدبرها، الكَيلك واحد قجقجي من ربعنه خلي يطلّعك، متتذكر اشلون طلعنا قجق من العراق بالقادسيّة الثانية.
متعوس: لتذكرني بلعراق وطركَاعة ومصايب العراق، لو هسّة يكَوللولي تكدر ترجع كما كنت والله ما اقبل وداعتك محظوظ.
محظوظ: ليش حبيبي؟ عراق ورا السقوط مو احسن من جهنم؟
متعوس: لا والله مو احسن، ذوله الامريكان وربعنا الاحزاب الدينية السنيّة والشيعيّة والكاكوات كَاليبيها كَلب لا ياعمّي لا اهنا اروح، اكو كهرباء اكو غسلين والحطب بلاش اخذ اشكد متريد ودنسوّي باجة وتكّة كل يوم. ليش متعرف الوضعيّة اهناك؟ جاك الواوي جاك الذيب، لا يابه لا اهنا احسن ولو ربعنا الحكّام كلهم اهنا بس اهنا غير شكل اللي يحجي زايد يشكّون حلكَه شك.
محظوظ: كَللي شفت جورج دبليو بوش اهناك؟
متعوس: زين ذكّرتني، هذا اول ما جابوه يمنه ربعنه العراقيين شبّعوه كفخات وكَام صاحبنا يصيّح : فوكَ ما جبتلكم ديموقراطية وخلّصتكم من صدّام هيجي تسوون بيّه، هاي مخالفة لحقوق الانسان.
محظوظ: دتجذّب هاي نكتة من تاليفك، بس خليتني اموت من الضحك،والله مرّات داضوج اهنا بالجنّة، لا نكات ولا هم يحزنون، يومية عرك وسكس، ضجت اريد اسمع فد اغنية مال داخل حسن لو اركص جوبيّة ماكو، مرّات اشتهي جكاير يكولون ممنوع لانها تلوّث الجو وتثقب طبقة الاوزون.
هاي الشغلة متنراد، راح اقدّم عريضة حتى يرجّعوني للعراق، صدك من كَال الشاعر:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني اليه في الخلد نفسي
متعوس: والله انت بطران، هو بقى وطن، بقه صخام لو بقت اغاني، اشو كلله لطمية وزناجيل وانفجارات، دكَعد راحة، اذا رحت ويامن اسولف؟
محظوظ: صدكَ ما عرفت ليش ذبّوك جهنم؟
متعوس: علمود فد بزّونة، حسب ما سمعت من واحد من الزبانية ما ادري صدك لو جذب فد يوم اني لازم البزّونة اللي جانت تاكل الطيور مالتي بالسطح ودك عليها بالخيزران. زين انت اشلون دخّلوك للجنّة؟
محظوظ: اني هم علمود فد بزّونة طلّعتها من فد بير.
محظوظ: تتذكر متعوس فد يوم امام الجامع بالخطبة اش كَال؟
متعوس: لا والله،هو بقت ذاكرة اهنا، مو حركَوا دماغي الف مرّة.
محظوظ: كَال الامام انّو اكثرية اهل النّار من النسوان والزناكَين واكثرية اهل الجنّة من الفقراء والمكَاميع، كَللي هذا الحجي طلع صدك يمكم لو لا؟
متعوس: بالنسبة للنسوان صح اهنا داشوف اهواية نسوان، بس الزناكَين مو اهواية.
محظوظ: حجَيك صحيح يمنه بالجنّة اكو اهوايه زناكَين. مرّة سالت واحد زنكَين اعرفه كَتله اشلون دبّرتها؟ كَللي: جان عندي فلوس اهواية، من كثرت ذنوبي رحت للحج سبع مرّات وللعمرة سبع مرّات فرجعت كما ولدتني امّي بدون ذنوب.
متعوس: شنهي السالفة حتّى اهنا عندك عبّاسي انت على راسي، ماعندك عبّاسي روح لتدوّخ راسي.
محظوظ: شعبالك مسامع الفرس شيكَولون بلمثل مالهم؟
متعوس: شيكَولون؟ نوّرني.
محظوظ: بارة خدانيست، قاضي الحاجتست.
متعوس: كلشي ما افتهمت، شنهي معناها؟
محظوظ: الفلوس مو الله، لكن تقضي الحاجات مال انت.
ذيج اللحظة انكَطعت القوّة نتيجة احتراق القابلو الرئيسي وصرّح الناطق الرسمي باسم الزبانية بانّ تطاير الشرر من بعض اجزاء السعير سبّبَ انقطاع القوّة في جميع ارجاء جهنّم.
في اليوم التالي تمّ اصلاح الخلل في الشبكة الكهربائية بجهود الزبانية وبالاستعانة بالمهندسين اليابانيين. في فترة الاستراحة اتّصل متعوس بصديقه محظوظ ودار بينهما المحادثة الثانية في المسنجر:
متعوس: اشلونك خوية محظوظ، هم زين لكَيتك، البارحة انكَطع الاتصال لان الكيبل الكهربائي احترك.
محظوظ: زين اشلون صلّحوه؟
متعوس: والله لو مو ياجوج وماجوج ما جان دبرّوها.
محظوظ: منو ذوله؟
متعوس: ليش مسامع بيهم ذوله اليابانيون والصينيون، كَبل جم يوم سوو اضراب عن الاكل وكَالوا احنا منكَدر نكَعد عطّال بطّال، احنا اذا منشتغل نموت من القهر.المسؤول الجبير يمنه فتح شعبة للخدمات الهندسية وعيّنهم كلهم بس بدون راتب.
محظوظ: لعد هومّه هم ديشرفون عل الانترنيت مو؟
متعوس: اليابانيون ديشرفون عل الانترنيت من الناحية الفنيّة.
محظوظ: بالنسبة لكَطعة القوّة جانت مدبّرة لو صدفة؟
متعوس: لا صدفة، خوماراح تكّوللي همّين شغلة ابو ناجي؟
محظوظ: لا، آني عبالي الزبانية كَطعوا الخط لأن حجينه زايد البارحة مو؟
متعوس: ليش اكَو رقابة عل الإنترنيت أهنا؟
محظوظ: طبعا اكو. ليش متدري؟ كلشي اللي نكتبه يقرو وكلشي نحجيه يسمعوه خو مو خان جغان.
متعوس: خللي يقرون شي يسوون قابل، المبلل ميخاف من المطر.
محظوظ: هاي بالنسبة الك، بالنسبة الي يكَدرون يطردوني من الجنّة ويجيبوني يمّك.
متعوس: هاي ما فكرت بيها، خللي منروح زايد بالحجي، على الاقل واحد عراقي وصاحبي يبقى يتنعم بالجنّة.
محظوظ: صدك احجيلي عن القبر وعذاب القبر اشسوولك اهناك؟
متعوس: يابه هاي فد طلابه ليشوفه الله لحّد. خللي احجيلك، ورا مدفنوني، هجم عليّه النمل والدود وانواع الحشرات، ما خللوا بجسمي مجان صاغ سليم. بعد شهر من الوليمة اجه يمّي زوج من الملائكة، واحد اسمه منكر واللاخ اسمه نكير، وكَاموا يسئلوني اسئلة بلسان عربي فصيح: من ربّك؟ ومن نبيّك؟ وما كتابك؟ وما قبلتك؟
اني جنت اعرف راح يسألوني هل الاسئلة وجنت دارخ الاجوبة درخ، بس تدري اني بالامتحانات ارتبك وانسى المعلومات اللي درختها فمكَدرت اجاوب صح، بعدين مديت ايدي حتّى اطلّع وركَة مال القوبية اللي جنت موصّي اهلي يخبوها بجيب الكفن لكَيت الوركَة صايرة وصلة وصلة، اثاري النمل والدود ماكلين منها.
محظوظ: بعدين اشصار؟
متعوس: انلاصت عليَّ وما كَدرت اجاوب على كل الاسئلة، بس كَدرت اجاوب على السؤال الاول وكتللهم ربي هو الله سبحانه وتعالى. الملكان كَللولي انت رسبت بالامتحان لان لازم تجاوب على كل الاسئلة يللا تكَدر تنجح بالامتحان، كَتللهم زين ماكو ترك؟ احنه بلعراق منجاوب على كل الاسئلة، اكو دائما ترك بالاسئلة.
محظوظ: اي بعدين شصار؟
متعوس: ورا ما رسبت بالامتحان عذّبوني فد تعذيب ولا تعذيب جماعتنا الامن العامّة، بعدين عافوني وطاروا. ورا اشويّة اشوف الحيطان مال الكَبر تحركت وكَامت تعصرني مثل المنكَنة، بقيت على هلحال الى يوم المحاكمة، اقصد يوم الحساب.
محظوظ: والله وضعيتك متنراد، كَلبي عليك متعوس.
متعوس: كللي هم سئلوك نفس الاسئلة؟
محظوظ: طبعا، لكن اني جاوبت على الاسئلة مية بالمية، بعدين كَللولي: بارك الله فيك وطاروا.
متعوس: بعدين اشصار؟
محظوظ: ورا ماراحوا الجماعة الكَبر صار مثل النهار ضويّة والحيطان مال الكَبر كَامت تزحف ليغاد. على كل حايط شفت شاشة مثل شاشة التلفزيون وفرّجوني مناظر من الجنّة وافلام هنديّة مال شامي كابور وافلام اجنبية ومسلسلات اشكال ارناك وبقيت على هلحال الى يوم الحساب.
متعوس: والله فرحتلّك خوية محظوظ ولو يكَولون ماكو احد يفرح بالجحيم. خللي اضحكك اشويّة، ورا مدفننوني بجم يوم، دفنوا يم كَبري واحد كاكا، بعدين جوي هيكل جيكل...اقصد منكر ونكير، اني جنت اسمع حسهم من سالوا الاسئلة المعهودة وبلسان عربي فصيح وكلما يسالون الكاكا ميجاوب، بعدين ورا مالحّوا زايد الحاحا واصرّوا زايد اصرارا على كَولة عادل امام كَال الكاكة بالكردي: اني ميعرف عربي وكلشي ماافتهمت من هلحجي المفروض تجيبون ويّاكم فد مترجم تعرف لغات، اني دخت وزجت فلتدوّخوني زايد، روحي انتِ جيبي كلاشات مال آني، آني اريد اروح جهنم وبئس المصير.
محظوظ: ها...ها...ها هاي هم نكتة من تاليفك مو؟
متعوس: يانكتة، وداعتك صدك، الرجّال مو حقّه ميعرف عربي وخطيته بركَبة كاك مسعود ومام جلال لانّو سووا الدراسة كلله بالكردي في شمال العراق.
محظوظ: هاي مجنت مفكّر بيها، صدك ذوله اخواننا التركمان والاثوريون والقوميات الاخرى مثل الالمان والانكَليز اشلون يجاوبون على هل اسئلة؟
متعوس: والله ما ادري، خللي احجيلك اشصار يوم المحكمة.... اقصد يوم الحساب.
محظوظ: اي بالله احجيلي.
متعوس: يوم الحشر صارت هوسة، مليارات من البشر... لو اكَولك جان يطلعون فد ثلاثميت مليار مو جذب. الكل جانوا يتراكضون يمنه ويسره عبالك سكرانين ومرعوبين، بعدين جوي المسؤولين وكَفونه سرة، اشلون سرة، يطلع طوله فد مليون كيلومتر، اني ردت اضرب السرة واطلع ليكَدّام، بعدين خفت، كَلت خللي اشوف اشراح يصير للواكَفين بالمقدّمة بعدين قابل هيّ سرة مال اللحم لو مال بيض بالسوق المركزي لو سرة مال البان ايام المرحوم والحصار.
بعدين تذكّرت ذيج الايام الغبرة واشلون وكَفت سرة اربع ساعات في الجمعيّة التعاونية مال راغبة خاتون علمود كيلوين بيذنجان وكيلو فلفل من صارت دولة الكويت المحافظة التاسعة عشر، الله لا يرجّع ذيج الايام. بعدين تذكّرت ايام الدراسة من جان مدرّس النصوص ينطينا واجب حفظ قصيدة من عشرين بيت. اني جنت دوم ادعي لابويه لان اسمي يبدي بحرف الكاف لان اول واحد يساله المدرّس جان اسمه يبدي بحرف الالف فجنت استغل الفرصة واراجع القصيدة الى ان يجيني السرة.
محظوظ: وبعدين؟
متعوس: اجاني السرة بعد جم سنة واحنه واكفين لان ممنوع واحد يكَعد بالسرة.
محظوظ: زين اكل اشلون ماجعت؟
متعوس: طبعا جعت، بس هاي هم حالّيها، اكو جماعة من الزبانية واكَفين يم السرة وجانوا يبيعون لفّات مال لبلبي ولفات مال عنبة وصمّون واشكال جرزات، خطيّة ذوله هم على باب الله وعدهم عوائل وكومة جهال.
محظوظ: زين ورا ماجاك السرة اشصار؟
متعوس: طببونا فد قاعة كلش جبيرة بيها قفص مال اتهام، بعدين اجه واحد من الملائكة بيده دريل، سوّه زرف بجتفي الايمن وزرف بجتفي الايسر، بعد شويّة طلع من الزرفين ملكان كل واحد لازم بيده فد سي دي (CD) مال كومبيوتر، من هاي اللي يسجّلون عليه معلومات وحسب ما سمعت من واحد بالقاعة انو يستوعب مليار جيكابايت من المعلومات والاعمال الحسنة اوالذنوب، بس اللي ما افتهمت ذوله الملائكة اللي جانوا خاتلين بجتفي وجانوا يكتبون تقارير سريّة اشلون عاشوا بهلمجان الصغيّر ستّين سنة، مو ذوله هم يحتاجولهم كومبيوتر وميز واكل مو؟
محظوظ: والله اني هم ماادري بس خصم حجيك انو ماكو كتاب بيمينك او شمالك مثل ماكال الامام بالخطبة.
متعوس: لا يابا لا، هذا الحجي مال كَبل، هسّة كلشي تكنولوجيك.
محظوظ: وبعدين؟ داحجي مو شلعت كَلبي.
متعوس: اكو فد ميزان الكتروني حسّاس كلّش يم قفص الاتهام كل واحد من ذوله الملائكة خلّه (سي دي) اللي شايله بجفّة الميزان بعدين شفت انّو الجفّة مالت السيئات نزلت اشويّة ذيج اللحظة كَلبي وكَع فكَلت بنفسي: ثكلتك امّك يامتعوس.
محظوظ: اللي افتهمتَ من حجيك انّو حسناتك طلعت بكَد سيئاتك لكن الفرق قليل يعني تكَدر تكَول انّو جفّة الذنوب طلعت اثكَل بكَد مثقال حبّة خردل مو؟.
متعوس: مثل ما كَلت بالضبط وهاي الفرق البسيط بسبب البزّونة اللي عذبتها، متتذكر شحجيتلك البارحة؟
محظوظ: اي تذكرت.كَللي اكو شهود بالمحكمة؟
متعوس: طبعا اكو شهود بس مو بشر.
محظوظ: لعد شنو حيوانات؟
متعوس: ها ها ها....لا يابا لا، الشاهد الاول جان جلدي والثاني عيوني والثالث اذاني، خصم الحجي كل اعضاء جسمي شهدوا عليّ.
محظوظ: زين اكو محامي لو اشلون؟
متعوس: لا ماكو محامي بس اني خلوني ادافع عن نفسي.
محظوظ: اشكَلت بالدفاع مالتك؟
متعوس: كَلت اني ماعندي صوج لان كل ما سويّته بالدنيا جان مكتوب بكَصتي واني حاولت اهوايه اغيّر المكتوب ولكن عبثا.
محظوظ: حلوة مال عبثا، صاير مثقف خوية متعوس، زين بعدين اشصار؟
متعوس: بعدين كَادوني الملائكة وكَللولي اعبر عل الصراط، واني من ده اعبر ما انتبهت اثاري اكو طسّة اصطناعية تعثرت بيها ووكَعت الى اسفل السافلين.هسّة احجيلي اشصار يمكم؟
محظوظ: اني هم نفس الشي بس الدريل ما وجعني لانّو جان يزرف باستعمال اشعة الليزر .
متعوس: هسّة احجيلي عل الجنّة وريّح اعصابي شويّة لان سمعت فد اشاعة قويّة اهنا يكَولون راح يطلع عفو وراح يجيبون قسم من عدنه يمكم.
محظوظ: مثل ما حجيتلك البارحة، انطونا بيوت من جام، هلبيوت بيها غرفة مال خطّار وغرف مال نوم مؤثثة وحمّام وبوري يطلع منّه مي وبوري يطلع منّه عسل وبوري يطلع منّه لبن وبوري يطلع منّه عرك وانواع الخمور كل نوع إله دكَمه خاصّة.
متعوس: كَوللي اكو مراحيض لو لا؟
محظوظ: ها ها ها... غير دماغسز انت، اشلون يصير مراحيض بالجنّة؟
متعوس: لعد اشلون، منتحصر وين تروح؟
محظوظ: بابا اهنا ماكو هلسالفة لان الاكل اللي ناكله ينهضم كلله وميبقى فضلات، افتهمت؟
متعوس: زين هلبيوت ايجار لو مُلكْ، اقصد انطوك طابو؟
محظوظ: طبعا مُلكْ بس البيع والشره ممنوع.
متعوس: خويه متنطيني وصف مفصّل عن الجنّة؟
محظوظ: حسب ما سمعت من المسؤولين اهنا انّوالجنّة الها ثمان ابواب وكل باب مال الجنّة إله فد اسم، والجنة كلها مو سوة، يعني بيها درجات، اعلى درجة ديسموه الفردوس الاعلى ومنّاك تطلع اربع انهار، نهر مال ماي ونهر مال لبن ونهر مال عسل ونهر مال عرك.
متعوس: زين جم درجة اكو وانت شنو درجتك؟ مؤيّد لو نصير لو رفيق اشو تاهت عليّ الحسبة.
محظوظ: لتذكّرني بذيج الايّام فدوه اروحلك. الدرجات اهنا ميت درجة وانكَس واحد بينه عنده مُلكْ اكثر من مُلكْ مال اكبر زنكَين بالعالم بعشر قوط وهاي الدرجة اللي اني حصلّتها.
متعوس: زين نوعية الاكل اشلونه؟
محظوظ: الاكل كلش زين، اكو لحم مال هوش وغنم ولحم مال طيور اشكال ارناك، وطبعا لا تنسى الميوة اكو فد مليون شكل.
متعوس: زين احجيلي عل الاشجار اللي يمكم.
محظوظ: الاشجار مالتنه سيقان مالتها امن الذهب والوركَة امن الزمرّد الاخضر وكل شجرة الها اسم، مثلا اكو فد شجرة عجيبة اسمها طوبى وتشبه شجرة الجوز، هاي الشجرة جبيرة كلّش ومن الثمر مالتها تطلع ملابس من السندس والاستبرق.
متعوس: هم بديت تحجي الغاز، شنو سندس؟ شنو استبرق اشو كلشي ماافتهمت.
محظوظ: شسويلك اذا معلوماتك قليلة، بابا السندس معناته الحرير الخفيف وهاي نلبسه بالصيف، والاستبرق معناته الحرير الثخين وهاي نلبسه بالشتا.
متعوس: ليش هم اكو اهناك صيف وعجاج؟
محظوظ: بابا اهنا الصيف غير شكل، بعدين منين يجي العجاج، اهنا ماكو شي اسمه تراب.
متعوس: لعد يم الشط...اقصد بالكورنيش شكو مد كَوللي؟
محظوظ: صبرك يا رب، بابا اهنا الكَيعان كلله لؤلؤ وزمرّد. ها نسيت اكَوللك هاي الشجرة الها فد وظيفة غريبة.
متعوس: نورني اخويه محظوظ.
محظوظ: من نجتمع يم الشجرة ونتذكّر الونسة مال الدنيا مثل اللعب والطرب والركَص ونتمناها هاي الشجرة تطلع منها هاي الشغلات.
متعوس: لعد اشلون كَتلي البارحة ماكو اغاني وماكو ركَص بالجنّة؟
محظوظ: مو اني هل يوم اكتشفت هلسالفة.
متعوس: كَوللي محظوظ انت من متت جان عمرك ستّين سنة، هسّة انت اشكَد عمرك؟
محظوظ: اني عمري بالجنّة ثلاث وثلاثين سنة وبجسمي ماكو ولا شعرة، اعني امرد وطولي ستون ذراعا وشكلي حلو مثل يوسف ابن يعقوب. اكو فد شغلة محجيتلك عليه،الغيم اهنا تمطر حوريات حسب متريد.
متعوس: خوش حجي، زين الولدان المخلّدون شنو؟ وشنو محلهم من الاعراب؟
محظوظ: ذوله خزمتجية بس صغار بالعمر، يجيبولنه اكل وشرب وشكلهم حلو عبالك لؤلؤ.
متعوس: صدك نسيت اسالك، من جنّا لازمين سرة بباب المحكمة، شفت جماعة من طلعوا من القاعة ما ودّوهم للجنّة ولا للنار شنو ذولة؟
محظوظ: ذوله ناس اعمالهم السيئة والحسنة طالع متساوي ميّة بالميّة وهاي حالة خاصّة.
متعوس: زين ذوله شنو مصيرهم؟
محظوظ: اكو فد منطقة عالية بين الجنّة وجهنّم ديسمّوا الاعراف، هل جوكَة ينتظرون اهناك ويباوعون على اللي يدخلون الجنّة والنار وينتظرون.
متعوس: شينتظرون مدكَوللي؟
محظوظ: ينتظرون الرحمة، فاللي يجيله رحمة يروح للجنّة، واللي ميجيله يجيبوه يمكم.
متعوس: صدك نسيت احجيلك، اكو واحد جان واكَف كَدّامي بالسرة كَبل منطب بالمحكمة من اكلة لحوم البشر، من ذولة جماعة الامازون القدامى كلَش، سالته: اكو صلاة؟ اكو صوم؟ اكو زكاة؟ اكو حج؟ اكو جهاد؟ خطيّة باوع عليّة مثل الاطرش بالزفّة وكَال: باندوكا لاندوكا تام توم. طبعا اني كلشي ما افتهمت.
محظوظ: النتيجة؟
متعوس: سالت واحد من الزبانية اللي يحرسون السرة وجان يعرف لغات ومبيّن عليه مثقّف، كَتله اشكَال صاحبنا؟ كَللي ديكَول كلشي ماافتهمت من حجيك.كَتله للزبانية بداعتك حجّي انت اساله نفس السؤال وسوّي ترجمة، فمن ساله كايل الافندي: بزماننا مجان اكو هيجي عبادات.
محظوظ: خطيّة هذا لان مو صوجة اذا ماسامع هل شغلات.
متعوس: البارحة ورا ما انكَطع الكهرباء يمنه، شفت جماعة من ربعنا الحكام مسّوين اجتماع، وسمعت يريدون تقسيم جهنّم الى دويلات.
محظوظ: حتّى اهناك؟ ذوله مايصير براسهم خير. زين الزبانية من سمعوا بالسالفة شسوولهم؟
متعوس: لزموهم وخلّوهم بالسجن الانفرادي، بعدين واحد عتوي من الزبانية بيده دريل سوّه زرف براس كل واحد من ذوله وجب بالزرف حديد مايع ديسمّوه اهنا الحميم، تدري اشصار بيهم؟
محظوظ: اشصار؟
متعوس: المصارين مالتهم طلعت من جوه وكَاموا يصيّحون: توبة هلنوبة، احنه ويّه فكرة الجهنم الموحّد ونريد حكم مركزي.
محظوظ: متعوس كَللي وين تنامون، عدكم بيوت مُلُكْ؟
متعوس: اهنا ماكو لا بيوت ولا مُلُكْ ولا قزلقرط، وين متريد تحترك انت حر.
ذيج اللحظة ساد الهرج والمرج في الانترنت كافيه لان أثنين من شقاوات بغداد تكاونوا وجوي الزبانية وطفوا الكهرباء حتّى ينهون العاركة، وطلّعوا الكل برّه بالجلاليق.








44
سبارتكوس

" إنَّ ألعبودية ألّتي ترسّخت في لاشعورنا بسبب ألأديان جعلت منّا خرافا في قطيع يسوقه ألحاكم وبألأخص ألحاكم ألديكتاتوري أينما يشاء وكيفما يشاء".
عرفَتْ ألبشرية ألعبودية وتجارة ألرقيق منذ فجر ألتاريخ.
أكبر عمليات أستعباد ألإنسان لأخيه ألأنسان كانت نتيجة للحروب، فألمنتصِر كان يستعبد أسرى ألمهزوم ويستخدم معظم ألرجال في انجاز ألأعمال ألشاقة ويُعاملهم معاملة ألحيوانات، أمّا النساء فكنَّ يُستغَلنَ لأشباع ألغرائز ألجنسية لأفراد ألجيش ألمُنتصِر وقادته.
في مجتمع ألجزيرة ألعربية قبل ظهور ألإسلام كان نظام ألعبيد ساري ألمفعول وكذلك في معظم ألمجتمعات ألأخرى في تلك ألحقبة.
ألدعوة ألأسلامية في بدايته في مكّة أستقطبت ألفقراء وألعبيد لأنّهم وجدوا في تعاليمها طوق ألنجاة ألّذي سينقذهم من مستنقع ألعبودية. ألدين ألإسلامي حقق خطوة إلى ألأمام بتشريعاته في تحرير ألعبيد حيث دعى إلى فك ألرقبة من أغلال ألعبودية ككفّارة من بعض ألذنوب كما أنّ تعاليمه في بداية ألدعوة دعت إلى ألمساواة بين ألمؤمنين ( ألمؤمنون سواسية كأسنان ألمشط.... حديث نبوي ) و ( لا فرق بين عربي وأعجمي إلّا بألتقوى....حديث نبوي ) و (كلّكم من آدم وآدم من تراب...حديث نبوي ).
ولكنَّ ألدين ألإسلامي لَمْ يستطع مِن تجفيف مستنقع ألعبودية تماما لأنَّ ألآيات ألّتي جاءت في ألعهد ألمدني ( في يثرب ) ناقضت ألتشريعات ألسامية حول ألعبودية ورسّخت نظام ألعبودية في ألمجتمع ألإسلامي، فألسماح بممارسة ألجنس مع ما ملكت أيمانكم حسب ألآيات ألقرآنية وآيات ألقصاص (الحُرُّ بألحُر وألعبد بألعبد ) ماهي إلّا إقرار صريح بنظام ألعبودية.
وما زاد ألطين بلّةً ألسماح بتملّك ألعبيد والسبايا مِن ألنساء بعد حروب ألفتح ألإسلامي، فمحمّد بعد أنْ قويت شوكته أغار على قبائل أليهود في يثرب وقتل رجالهم وسبى نسائهم، حتى أنّه دخل بصفيّة أليهودية بعد أنْ قتل زوجها وعائلتها وجعلها من ضمن مَلك يمينه في نفس ليلة أنتهاء ألمعركة.
ألخلفاء ألراشدون وألخلفاء ألأمويون وألعباسيون وسلاطين آل عثمان مرورا بكلّ بكلّ أمراء وحكّام ألدول وألأمبراطوريات ألإسلامية أختطّوا نفس ألنهج ورسّخوا نظام ألعبودية وألجواري في ألمجتمع.
إنَّ أوّل محك جابه محمّد حول موضوع ألأسرى هو أسرى معركة بدر ألّتي أنتصرَ فيها ألمسلمون على مُشركي قريش وبمساعدة ألملائكة ألمسوَّمين وكما مذكور في ألقرآن.
أسّر ألمسلمون في تلك ألمعركة سبعين من ألمقاتلين. لأقرار مصير هؤلاء ألأسرى أستشار محمّد صحابته فأقترح أبوبكر ألصدّيق إطلاق سراحهم مقابل فدية ( تفكير ألتاجر )، أمّا عمر بن ألخطّاب فقد أقترح قتلهم جميعا وبرر ذلك بقتل هؤلاء عددا من ألمسلمين في ألمعركة ( تفكير مُحارِب ) ولكنّ محمّدا أخذ بإقتراح أبوبكر ألصدّيق ( السبب حاجة ألمسلمين إلى ألمال وإنقاذ عمّه عباس بن عبدألمطّلب )، فأطلق سراح ألّذين دفعوا ألفدية وطلب من ألّذين لَمْ يتمكّنوا من دفع الفدية تعليم عشرة من المسلمين ألقراءة والكتابة مقابل حريتهم وكما ورد في كتب ألسيرة ألنبوية وكتاب أسباب ألنزول للشيخ والمُفسِّر جلال ألدين ألسيوطي، وكان من بين ألّذين أُطلِق سراحهم مقابل ألفدية عم محمّد عبّاس بن عبدألمطّلب، وألجدير بألذكر وكما ورد في كتاب ألشخصيّة ألمحمّدية للشاعر ألعراقي معروف ألرصافي وأستنتاجا مِن ألسيرة ألنبوية أنَّ عم محمّد عبّاس بن عبدالمطّلب كان قد اسلم في مكّة ولكنّ محمّدا طلب منه كتم إسلامه ليتمكن من تزويده بنوايا وخطط قادة قريش ضد الدعوة الاسلامية والدليل نجاة محمد من مكيدة قتله في مكّة قبل الهجرة الى يثرب.
بعد فترة ندِم محمّد على ألقرار ألّذي أتّخذه بأخذ ألفدية وألّف آية عتاب على لسان ألله ( ما كان لنبي أنْ يكون له أسرى...ألآية ألقرآنية ) وهذه ألآية ضربت عصفورين بحجر، ألعصفور ألأوّل تطييب خاطر عمر بن ألخطّاب وألعصفور ألثاني ألايحاء إلى ألمسلمين بأنَّ ألقرآن ليس مِن تأليفه وإنّما هو وحي مِن ألله بدليل أنَّ ألله عاتبه على خطأ قراره حول مصير ألأسرى.
ما حدث بعد ذلك وفي جميع ألحروب ألأسلامية حتى آخر تلك ألحروب في عهد سلاطين آل عثمان أنّ ألتطبيق للتشريعات ألأسلامية أدّى إلى تكريس ألعبودية والسبي للنساء وأستخدامهن كجواري لأشباع ألنزوات ألجنسية للمسلمين ونشطت أسواق ألنخاسة نشاطا لا مثيل لها.
إنَّ ألعبودية ترسخت في لاوعي ألبشرية منذ طفولة ألعقل ألبشري، فإذا تمعنّا في ألعلاقة بين ألإنسان وألله في معظم ألأديان نراه كعلاقة ألسيّد بألعبد ففي سورة ألذاريات ألآيات 55 و 56 و57 نقرأ (( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* )) ولكن هل يحتاج ألله إلى عبادتنا أو عبوديتنا له؟ ألجواب طبعا لا، فحسب المنطق فإنَّ الله لو كان محتاجا الى شيء حتّى لو كان هذا ألشيء عبوديتنا له فسيفقد خاصيّة الغنى ( الله غني عن العالمين.....حسب القرآن ).
إنَّ ألعبودية ألّتي ترسّخت في لاشعورنا بسبب ألأديان جعلت منّا خرافا في قطيع يسوقه ألحاكم وبألأخص ألحاكم ألديكتاتوري أينما يشاء وكيفما يشاء ( أطيعوا ألله والرسول وأُولي ألأمر منكم....ألآية ألقرآنية).
فالشعب ألعراقي ساقه صدّام حسين وقيادة حزب ألبعث لفترة خمس وثلاثون عاما إلى حتفه بمغامراته ألطائشة.
وأليوم ومنذ سبع سنوات يسوق ألمحتلّون ألأمريكان وصنائعهم من قادة ألأحزاب ألطائفية ألشيعية وألسنية وألأحزاب ألقومية ألعنصرية هذا ألشعب ألمُبتلى ألى ألهاوية ويسرقون خيراته في وضح النهار والفساد أستشرى في ألبلد حتّى أصبحنا في رأس قائمة الدول الفاسدة في ألعالم.
ألتساؤل ألّذي يلحّ على عقل ألإنسان لِمَ لا يثور ألشعب ألعراقي على مستعبديهم؟ ولِمَ يتحمّلون هذه ألنوائب وألفساد وسرقة ثرواتهم أمام أعينهم؟
حسب أعتقادي ألسبب ألرئيسي هو فقدان ألشعب للروحية وألعزم ألّذي كان يتحلّى به ألعبد سبارتكوس وزملائه عندما ثاروا على ديكتاتورية ألأمبراطورية ألرومانية، وبسبب ترسُّخ ألعبودية في لاشعور ألإنسان ألمَتدَيِّن منذ أبتكار ألأديان مِن قبل ألسياسيين وألأنبياء ألسياسيين.





45
وظائف الملائكة

" لإن وعي الانسان هو الذي خلق ألآلهة فقد شبه الإله الكبير بالملك له كرسي وعرش يحمله العبيد او الحمالون اثناء تنقلاته".

في اساطير الحضارات القديمة (السومرية،البابلية،المصرية،الاوغارتية والاغريقية) كان للآلهة مجمع يرأسها كبير الآلهة وكانت الوظائف موزعة على بقية الآلهة فكان للرعد إله وللمطر وهكذا بقية ألآلهة.
لإن وعي الانسان هو الذي خلق ألآلهة فقد شبه الإله الكبير بالملك له عرش وكرسي وعرش يحمله العبيد او الحمالون اثناء تنقلاته.
فالملائكة يمثلون حاشية الملك وخدمه.
فجبرائيل هو سفير الملك او ساعي البريد وعزرائيل مسؤول الاغتيالات وميكائيل وزير الزراعة والموارد المائية واسرافيل الموسيقي او عازف الملك والملائكة حملة العرش هم العبيد او الحمالون اما المنكر ونكير فيمثلون رجال الامن المسؤولين عن التحقيق والتعذيب واخذ الاعترافات واخيرا فالملائكة الكرام الكاتبين يمثلون كتبة ومدونوا الملك (في عصرنا كتبة الصادرة والواردة).


46
اسألوا اهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون

" إنّ الزنا في المنام قد يؤدي إلى حمل المرأة سفاحاً خاصة إذا كان نومها عميقاً".... الشيخ ابن عثيمين.

هذه رسالة الكترونية وصلتني من صديق مغترب في سويسرا، ألرسالة أضحكتني وأحزنتني. بالرغم من قناعتي بأنّ معظمها من تأليف كاتبها ألساخر وألمجهول بألنسبة لي، ولكن لو زرنا ألمواقع ألألكترونية لهؤلاء ألشيوخ فسنجد ألأدهى وألأمَر.
ألعبرة ألمستقاة من أمثال هذه ألفتاوى لها وجهان، ألوجه ألأول يعكس أستغلال هؤلاء ألشيوخ ألماكرين لجهلاء ألشعوب ألإسلامية لتحقيق أهدافهم ألدنيئة في ألشهرة وألمال وربّما ألجنس.
ألوجه ألثاني يعكس ألمدى ألذي وصل إليه جهل بعض ألمسلمين، وأتّكالهم في كلّ صغيرة وكبيرة على هؤلاء ألشيوخ، وياليتَ يكون أتّكالهم على مَنْ يفيدهم بمقدار حبّة خردل أو يؤدي إلى تقدّمهم قيد أنملة.
أتمنّى أنْ تعيد هذه ألمقثطفات ألبسمة إلى وجهوكم في خضم ألمحن ألتي تعصف بشعوبنا في تونس ومصر وأليمن وألعراق والسودان والصومال وأيران وأفغانستان وبقية شعوب ألعالم ألمبتلاة بالأديان ألأبراهيمية وشيوخها وقساوستها وحاخاماتها وحكّامها ألمتسلطين على رقاب شعوبها.
أترككم مع فتاوى شيوخ ألإسلام:
س: فضيلة الشيخ، أنا شاب ملتزم، وجاءتني فرصة للسفرعلى متن طائرة تحلق فوق بلاد الكفار، وتحتها بيوت يشرب أهلها الخمر ويمارسون الفحشاء، فهل أنا في هذه الحالة مذنب؟
ج: الشيخ الزنداني: عليك يابني أن تتحدث مع كابتن ألطائرة وتطلب منه أن يتجنب الطيران فوق بلاد الكفار، وإذا كان مُضطرا فعليه أن يحاول الطيران فوق تجمعات المسلمين وهذه طريقة سهلة، فمآذن المساجد مرتفعة، ويمكن أن تكون دليلا للطيران الشرعي الحلال.

----------------------------------------------
س: أنا أعمل سكرتيرة واحيانا اكون مع مديري في غرفة واحدة مغلقة لوحدنا فما حكمها؟ وهل أكون مخطأة ؟وما الحل لتكون خلوتنا حلال؟

ج: الشيخ العبيكان: عليك أن تقومي بإرضاع مديرك من ثدييك ثلاث مرات بحضور زوجك عندها تكونين كوالدته وبحكم الام ويحق لكما شرعا الاختلاء دون أثم في مكان مغلق معا"!
----------------------------------------------

س: أنا مسلم تقي، وأحب السباحة لكنني أخشى أن أسبح في مكان تكون قد سبحت فيه من قبل فتيات يرتدين المايوهات، فهل المياه التي أسبح فيها تكون نجسة لأنها اختلطت بعورات الفتيات؟

ج: الشيخ محسن العواجي عليك يا ولدي أن تكون متفهما للظروف، فإذا كانت المياه جارية فالسباحة فيها حلال، أما المياه الراكده التي تظن أن أجسادا عارية وبضّة وناعمة سبحت فيها من قبل، فالاقتراب منها حرام.

----------------------------------------------
س: صديق لي يبلغ الثلاثين من عمره وقد أراد الزواج من فتاة قيل له بأنها في العشرين، فلما تزوجها اكتشف أنها في السابعة من عمرها، فهل يطلقها، أم يحتفظ بها حتى تحيض؟

ج: الشيخ القرضاوي: إذا كان قد رآها رؤي العين وظن أنها في العشرين ثم اكتشف أنها في السابعة من عمرها فالاثم يقع على ولي أمرها لأنه لم يجعلها ترتدي ملابس الأطفال، وإذا كانت منقّبة، ودخل عليها فعليه أن يسأل أهل العلم.

----------------------------------------------
س: أنا أعمل في رقابة المطبوعات، وأحيانا أقرأ رواية فيها حديث عن امرأة سافرت دون محرم، فهل أنا آثم وينبغي عليَّ ترك العمل؟

ج: الشيخ سلمان العودة: عليك أن تتصل بكاتب الرواية، وتطلب منه تغيير الجملة إلى امرأة سافرت ومعها محرم، أو يضيف كلمة آثمة وتلعنها الملائكة، وإذا لم يستجب الكاتب فعليك أن تستقيل لأن أجرك حرام من هذا العمل المخالف للشرع!

----------------------------------------------
س: لي زميل في الجامعة غير مسلم، وقد استعرت منه كراسة المحاضرات وسقطت فوق سجادة الصلاة، فماذا أفعل لكي لا يغضب الله علىًّ ويدخلني نار جهنم؟

ج: الشيخ الغامدي: لا إثم عليك إن شاء الله إذا سقطت كراسة محاضرات زميلك الكافر فوق الطرف الأيسر للسجادة، أما إذا سقطت في وسطها أو أيمنها فينبغي أن تغسلها سبع مرات، وإذا كانت صينية الصُنع فغسلها عشر مرات واجب، أما السجاد المصنوع بأيدي فتيات لا يرتدين القفاز فينبغي احراقه.

----------------------------------------------
س: أنا فتاة ملتزمة وقد رأيت في منامي أن شابا وسيما احتضنني بقوة وابتسمت له، فكيف أقوم بالكفّارة عن ذنبي؟

ج: الشيخ ابن عثيمين: الذي احتضنك في المنام هو الشيطان نفسه، أما ابتسامتك فتعني رضاك عما حدث، لذا يجب التوقف تماما عن النوم لئلا يظهر الشيطان مرة أخرى، وتتطور الأحضان والقبلات إلى ما لا تحمد عقباه، وقد سمعت أحد مشايخنا الأفاضل يقول بأن الزنا في المنام قد يؤدي إلى حمل المرأة سفاحاً خاصة إذا كان نومها عميقاً!

----------------------------------------------
س: الموسيقى هي مزامير الشيطان، وأنا كنت أطل من نافذة بيتنا فرأيت عرسا أمام المنزل تنبعث منه الأغاني والموسيقى والمعزوفات، فهل يجب أن أتوضأ مرة أخرى؟

ج: الشيخ آل الشيخ: إذا كانت مزامير الشيطان كماناً وعوداً وجيتاراً فمن الأفضل إعادة الوضوء، أما لو كانت الطبلة تشبه الدف، والعرس على مسافة خمسين مترا فلا حرج في الصلاة بنفس الوضوء السابق!

----------------------------------------------
س: هل هناك جان يجيدون التعامل على الكمبيوتر، ولهم مواقع على الانترنيت، ويدخلون المنتديات باسماء خفية؟

ج: الشيخ الأحمد: الجان يعرفون كل ما يعرفه الإنس، وهناك عفاريت أكثر مهارة من بني البشر في التعامل مع الإنترنيت، وقد سمعت أن عفريتا قام ببرمجة الخطة الخمسية للحكومة، وبعض العفاريت يفضلون أجهزة الماكنتوش، لذا فعليك التأكد من بريدك الالكتروني لمعرفة إن كان المرسل جنا أم إنساً!

----------------------------------------------
س: هل يستطيع زعيم طاغية أن يعتقل الشياطين ويضعهم في سجونه ومعتقلاته؟ وهل يكون سجانوهم من نار أم من طين؟

ج: الشيخ عايض القرني: بنو البشر فقط هم المسحوقون تحت أحذية الطاغية، أما الشياطين فتعيش في القصر وتأكل مع القائد المهيب..

----------------------------------------------
س: شقيقي الأصغر التحق بكلية العلوم، وبدأ يتعلم أشياء غريبة عن الانفجار العظيم والمجرات وملايين النجوم، وفجأة قال لنا بأن الأرض التي نعيش عليها صغيرة جدا وأنها ذرة متناهية تحلق في الكون وتدور حول نفسها وحول الشمس، فماذا نفعل معه؟

ج: ابن باز: يجب اخراج شقيقك فورا من الكلية والحاقه بكلية الشريعة قبل أن يتورط في مزيد من الخرافات، فالأرض هي مركز الكون، وهي أكبر من كل الكواكب والنجوم، وتقف على قرني ثور، وتهتز عندما تعطس الشياطين، أما الشمس فتنزل في المساء إلى قاع البحر فتبتل، وعندما تشرق من الناحية الأخرى تبدأ ضعيفة حتى يجف البلل عنها.

----------------------------------------------
س: أعرف شخصا يعيش في النرويج ويتحدث عن بلاد شمس منتصف الليل، ويقول بأنها لا تختفي في الصيف، ولا تظهر في الشتاء، فما حكم الشرع في هذا المجنون؟
ج: الشيخ البراك: على المسلم أن يكون حذرا من هؤلاء الجهلة، فكيف تصدق أن الشمس تظهر في منتصف الليل، ثم أين تختفي في فصل الشتاء إلا إذا انتقلت إلى كواكب أخرى تنير لأهلها، ثم تعود بعد انتهاء مهمتها!

---------------------------------------------
س: أعرف شيخا يقول بأن المرأة التي تجلس قبالة التلفاز آثمة لأن المذيع يستطيع أن يراها وهي بملابس البيت، فهل هناك طريقة لتجنب الحرام في هذه الخلوة غير الشرعية؟

ج: الشيخ فالح الحربي: عليها أن تتدثر جيدا، وأن تجلس بزاوية 45 درجة حتى لا يلمحها المذيع أو أي ذَكَر عبر التلفاز، ومن الأفضل شراء جهاز تلفاز بغير صورة تجنبا للوقوع في شرك الكفر البواح.

----------------------------------------------
س: أنا امرأة صالحة، أقرأ كثيرا لكل الشيوخ، ولا تبتعد عيناي عن شيوخ الفضائيات، لكن لم يجب أحد عن سؤالي الذي أرقني كثيرا: هل يستطيع عفريت ذكر أن يجامعني في حضور زوجي دون أن يلفت انتباهه؟
ثم إنني واقعة في مشكلة محرجة وهي أن ابني الصغير يشبه العفاريت، ويجري مثلهم، ويختفي من غرفة إلى أخرى، ويصرخ كأنّه منهم، فهل تظن، سيدنا الشيخ، أن عفريتا انزلق في فراشي، وحملتُ منه هذا الولد الشقي، خاصة أن جارتنا ألعجوز تقول لي دائما: ابنك عفريت؟

ج: الشيخ المنجد: إذا كان زوجك يغط في النوم ويصدر شخيرا ولا يشعر بأي حركة حوله فأغلب الظن أن ابنك من الجن وهو يحتاج إلى معاملة خاصة، ويجب أن لا تغضبيه حتى لا يستعين بأقرانه، ويسببون لك المتاعب.
أما إذا كان والده صالحا وطيبا فلا شك بأن ابنك العفريت من صلبه.

----------------------------------------------
س: ما هو رأي الشرع في شرب الشاي في فناجين عليها رسومات؟

ج: الشيخ صالح النبهاني: إذا كانت ذات روح ولو كانت رسوما كاريكاتيرية، فالشاي هنا بكل أنواعه حرام باستثناء الشاي الأخضر لأنه يقاوم الروح الشريرة في الرسوم، ويجب عدم وضع الفناجين في غسالة الأطباق حتى لا تؤذي الأرواح فتنتشر في الدار وتزعج أهلها.
------------------------------------------
أنا فتاة مسلمة ومحجبة والحمد لله وانا ماشية في الشارع شفت فيليبيني معه وردة حمراء للفالانتاين فهل أعتبر آثمة وما هي كفارة ذلك؟

الشيخ العريفي: طبعا يا بنتي هذا تشبه بالكفار ولا يجوز النظر لمشرك والعياذ بالله فتلك آفة الآفات وما عليك سوى طلب الاستغفار وحمل عود مسواك نكاية بذاك المشرك الكافر الذي كان يحمل وردة حمراء والعياذ بالله، وكان عليك أن تبلغي رجال الهيئة فوراً عنه، هذا والله أعلم.


47
ألإعجازات ألعلمية ألجديدة للقرآن وألسنة

" اخذ المسلمون في عهودهم المتأخرة يفهمون القران على غير حقيقته، فهم اعتبروه سجلا للعلوم والفنون على اختلاف انواعها".... علي ألوردي.

أستلمت رسالة ألكترونية من صديق متديّن تحت عنوان من معجزات الرسول الكريم ومرفق مع الرسالة صورة فوتوغرافية للجزء ألسفلي للهيكل ألعظمي للإنسان مضافا إليه بالفوتوشوب أصبع السبابة يشير إلى عظمة ألعصعص، هذه نصّها:
((من معجزات الرسول الكريم التي أكتشفها العلم الحديث بعد 1400 عام .
يقول حبيبنا صلى الله عليه و سلم :
(كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق و فيه يركّب )

الراوي : أبو هريرة
المحدث : مسلم
- المصدر : صحيح مسلم
- الصفحة أو الرقم : 2955
خلاصة حكم المحدث : صحيح

معنى الحديث ان كل خلايا جسم الانسان تبلى اي تموت و تتحلل إلاّ عجب الذنب منه خلقنا و منها سنبعث
و المفاجأة ......
إنّ العلم الحديث اكتشف أنّه بعد الموت كلّ الجسد يتحلل الا ما يسمى بعجب الذنب، فما هو عجب الذنب؟ هو الخلية الاولى المكونة لجسم الانسان أي المرحلة الاولى فى تكوين الجنين و تسمى بالخيط الاولى.

فبعد خلق جميع اعضاء الجنين تستقر هذه الخلية فى العمود الفقري في آخره فى العصعص، وهى تقريبا فى حجم حبة العدس، وان هذه الخلية تظل حية لا تموت بعد موت الانسان لتكون البذرة التى سيبعث منها الانسان يوم القيامة.
وقد اجرى العلماء تجاربهم وحاولوا بعدة طرق قتل هذا الجزء ولكن المعجزة انه مازال حيا كما أنّهم ابدلوه بخلية من المخ ووضعوه هو(عجب ألذنب) مكان الخلية الاخرى فى المخ في احد التجارب فكانت المفاجأة ان يتحرك عجب الذنب من المخ متجها الى مكانه فى العصعص .
(و ما ينطق عن الهوى)
صلوات ربي و سلامه عليه)).....أنتهى ألإقتباس.
1- إنّ صورة أصبع السبابة ألتي تشير إلى عظمة ألعصعص تنسف إدعاء المعتقدات ألدينية بخلق آدم كأول ألبشر من صلصال كحمأ مسنون، لإن وجود عظمة ألعصعص ينسف نظرية التصميم ألذكي (خلقنا ألإنسان في أحسن تقويم..ألآية ألقرآنية) ويثبت نظرية تشارلس داروين في ألتطور لأنّ عظمة ألعصعص هي ألجزء ألضامر من ألذيل لأجداد ألإنسان من ألحيوانات ألثديية ألتي أنحدر منهم ألإنسان.
2- لم تذكر ألرسالة في أي مؤتمر أو بحث أو مجلّة علمية ذكر هذا ألأكتشاف ألمذهل وماهي أسماء ألعلماء ألذين أكتشفوه وأنهى ألموضوع بالعبارات ألمعتادة لمدّعي ألإعجاز ألعلمي: (إنّ العلم الحديث اكتشف أو وقد اجرى العلماء تجاربهم).
3- عبارة:( هذه ألخلية تقريبا فى حجم حبة العدس) تثير ألضحك لأنّ الخلية لا ترى إلّا بإستخدام المجهر.
4- عبارة: (وقد اجرى العلماء تجاربهم و حاولوا بعدة طرق قتل هذا الجزء ولكن المعجزة انه مازال حيا كما أنّهم ابدلوه بخلية من المخ ووضعوه هو(عجب ألذنب) مكان الخلية الاخرى فى المخ في احد التجارب فكانت المفاجأة ان يتحرك عجب الذنب من المخ متجها ألى مكانه فى العصعص) منافية للعلم وألمنطق، فكيف يتحرك عجب الذنب من المخ متجها الى مكانه فى العصعص؟ وكل خلية حية يمكن قتلها بالحوامض او بالنار.
يقول سيّد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) ما معناه: اِنّ محاولة بعض المفسرين المعاصرين لربط الايات القرانية بالعلم الحديث له محاذير، فالعلم قد ينقض في المستقبل ما اثبته اليوم، ثمّ انَّ القرآن ليس كتابا علميا وانّما يدعوا الى عقيدة التوحيد وفيه تشريعات لتنظيم المجتمع.
قبل فترة صدر كتاب بعنوان (اسرار القران الكريم) للكاتب التركي عمر جل اكيل، يحاول الكاتب فيه انْ يُقنِع القاريء بانَّ القرآن قد تنبّأ بتواريخ بعض الاختراعات والمكتشفات الحديثة، وخلاصة طريقته في الاثبات هي انّه يقوم بجمع كلمات بعض السّور القرآنية مع الرقم الّذي يدل على تسلسل السورة ورقم الاية التي وردت فيها اشارة الى الاختراع او الاكتشاف للحصول على تواريخ بعض المخترعات والاكتشافات العلمية، كتاريخ اختراع التلفون والطائرة، كما يذكر الكاتب بانّ العدد الذّري لعنصر الحديد مذكور في سورة الحديد كما انّ عدد كروموسومات النحل مذكور في سورة النحل وباتبّاع نفس الاسلوب الّذي ذكرناه.
يقول الدكتور علي الوردي في مؤلفه (مهزلة العقل البشري) مايلي:
((اخذ المسلمون في عهودهم المتأخرة يفهمون القرآن على غير حقيقته، فهم اعتبروه سجلا للعلوم والفنون على اختلاف انواعها. ففيه اسرار الذرّة والفلك، وفيه الادوية والعقاقير، وفيه الجغرافية وعلم طبقات الارض، وهم يُناشدون كلَّ عالِم انْ يقتبس علومه من القران، واذا عَجِزَ العالِم عن العثور عمّا يطلبه فيه كان ذلك دليلا على قصور ذهنه، فهو لو صَبرَ على البحث لوجد في القرآن كلَّ ما يروم.
قد يصح ان نقول أنَّ هذه افكار سلطانية نشرها بين المسلمين اولئك الكهّان الّذين عاشوا على فضلات موائد المترفين، اِذْ هي افكار تُخدّر عقول المسلمين وتجعلهم يرضخون لجور حكامهم ويهملون ما جاء به القرآن من مباديء الحركة والتدافع الاجتماعي، ولو فهم المسلمون مقاصد القرآن حقَّ فهمها لما استطاع السلاطين انْ يستغلّوها باسم الدين او يتلذذوا بامر الله)).
ختاما أتسائل لم لا يكتشف مدعي ألإعجاز ألعلمي من ألقرآن وألسنة أختراعات تفيد ألبشرية ولم يأولون آيات ألقرآن وألأحاديث ألنبوية بعد أن يتم أكتشافها من قبل علماء ألغرب ألكافر؟


48
تأملات في آيات ألقرآن

" هنالك أحداث كثيرة مهمة لم يحدد ألقرآن تواريخها كالطوفان وتأريخ أول جريمة حدثت على الأرض عندما قتل قابيل أخاه هابيل".

أرسل ولدي لي عن طريق الواتساب فيديو لحفيدتي التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها لاحظت فيها أنّها تقوم بحركات لا هي رياضة ولا هو رقص باليه أو أي نوع آخر من الرقصات التي شاهدتها، كتبت له، ما هذا لا هي رياضة ولا هو رقص باليه أو أي نوع آخر من الرقصات التي شاهدتها!
كتب لي: لا إسم لها!
كتبت، ولكن ألله كتب في ألقرآن: وعلّم آدم ألأسماء كلها.
بعد هذا الحديث القصير بدأت أتساءل هل صحيح أنّ ألله علم آدم ألأسماء كلها؟
هل علمه أسماء كالألكترون والبروتون والديناصور؟ وفي أي عصر حدث هذا ألأمر؟ ولِمَ لمْ يذكر ذلك في ألقرآن؟
ألمشكلة أنّ ألقرآن لم يحدد تأريخ هذا الحدث المهم، فلو حدده لعرفنا تأريخ بداية ظهور ألإنسان على وجه الكرة الأرضية.
هنالك أحداث كثيرة مهمة لم يحدد ألقرآن تواريخها كالطوفان وتأريخ أول جريمة حدثت على الأرض عندما قتل قابيل أخاه هابيل.
كما أنّ ألقرآن لا يذكر معلومات جغرافية حول الأحداث، كمثال أين عاش نوح؟ أو في أية بقعة من الأرض هبط آدم مع حواء بعد طردهما من ألجنة؟
حسب بعض الاحاديث ألمروية عن نبي الإسلام أنّ أدم هبط من ألسماء في ألهند:
" ثنا أحمد: ثنا يونس عن ثابت بن دينار عن عطاء قال : أُهبِطَ آدم بالهند، فقال : يا رب ما لي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟ فقال له : بخطيئتك يا آدم، فأنطلقْ فابنِ لي بيتا فتطوف به كما رأيتهم يتطوفون، فأنطلقَ حتى أتى مكة فبنى البيت، فكان موضع قدمي آدم قرى وأنهارا وعمارة، وما بين خطاه مفاوز، فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة ".
بإعتقادي أنّ هذا ألحديث تم تلفيقه لملأ الفراغات والغموض ألتي هي إحدى مزايا ألقرآن.


49
لغة ألقرآن

"تذكر دائرة المعارف الإسلامية أن هناك نحو 275 كلمة بخلاف أسماء الأعلام اعتبرها العلماء كلمات أجنبية".

سألني صديقي التركي : ما هو مرادف كلمة هفيف hafif)) باللغة العربية؟
تبسمت وقلت له : لا يوجد مرادف لها لأنّها كلمة عربية وتنطق : خفيف.
هنالك العديد من الكلمات العربية والفارسية والإنكليزية مستعملة في اللغة التركية ليست في الكلام الدارج فقط بل حتى في اللغة المستعملة في الكتابة.
معظم اللغات تنطبق عليها ما حصل للغة التركية بتأثير القرآن والحضارة الفارسية المجاورة في عهد السلطنة العثمانية إضافة إلى تأثير اللغات الأوربية بعد تبديل الحروف العربية إلى حروف لاتينية نتيجة للثورة الثقافية التي قادها مصطفى كمال أتاتورك في تركيا.
اللغة العربية في فترة تأليف القرآن حصل لها ما حصل للغة التركية، فالدارس المتمعن لآيات القرآن يجد فيها كلمات غير عربية عديدة نتيجة لتأثيرات الشعوب المجاورة لشبه الجزيرة العربية كالشعوب الفارسية والحبشية والرومية والشعوب التي كانت تستعمل اللغة السريانية في الكلام والكتابة.
تذكر دائرة المعارف الإسلامية أن هناك نحو 275 كلمة بخلاف أسماء الأعلام اعتبرها العلماء كلمات أجنبية.
في "تأريخ القرآن" للشيخ إبراهيم الابياري (طبعة دار الكتاب المصري بالقاهرة سنة1981م ص 190) أورَد بعض الأمثلة للألفاظ الأعجمية في القرآن، وأشار إلى كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي (ج 1 ص 288)، وكتاب الاتقان في علوم القرآن للسيوطي (ج1 ص139).
بعض الأمثلة على الكلمات الغير العربية الدخيلة في القرآن :
ـ الطور: سريانية، معناها: الجبل.
* البقرة 2: 63 وغيرها " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ".

ـ طفِقا: رومية، معناها: قصدا.
* الأعراف 7: 22 " وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ".

ـ الرقيم: رومية، معناها: اللوح.
* الكهف 18: 9 " أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا".

ـ هدنا: عبرانية، معناها: تُبْنا.
* الأعراف7 : 156 " وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ."

ـ طه: عبرانية، معناها: طأْ يا رَجُل.
* سورة طه 20: 1 "طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى".

ـ سينين: عبرانية، معناها: حسن.
* التين 95: 2 " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ."

ـ السجل: فارسية، معناها: الكتاب.
* الأنبياء 21: 104 " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ".

ـ الاستبرق: فارسية، معناها: الغليظ.
* الدخان 44: 53 " يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ".

ـ السندس: هندية، الرقيق من الستر.
* الدخان 44: 53 " يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ"

ـ السريّ: يونانية، معناها: النهر الصغير.
* مريم 19: 24 " فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا".

ـ المشكاة: حبشية، معناها: الكوة.
* النور 24: 35 " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ"

ـ الدري: حبشية، معناها: المضيء.
* النور24: 35 " الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ. الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ"

ـ ناشئة الليل: حبشية، معناها: قام من الليل.
* المزمل 73: 6 " إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا".

ـ كِفْلين: حبشية، معناها: ضعفين.
* الحديد 57: 28 " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِه ".

ـ القَسْوَرَة: حبشية، معناها: الأسد.
* المدثر 74: 51 " فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ".

ـ الملة الأخرى: قبطية، معناها: الأولى
* سورة ص 38: 7 " مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ".

ـ وراءهم: قبطية، معناها: أمامهم.
* الكهف 18: 79 "وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا" (الطبري وَكَانَ أَمَامهمْ مَلِك).

ـ بطائنها: قبطية، معناها: ظواهرها.
* الرحمن 55: 54 " مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ"

ـ أباريق: فارسية، معناها: أواني.
* الواقعة 56: 18.

ـ إنجيل: يونانية، معناها: بشارة.
* آل عمران 3: 48.

ـ تابوت: قبطية، معناها: صندوق.
* البقرة 2: 247.

ـ جهنم: عبرية، معناها: النار.
* الأنفال 8: 36.

ـ زكاة: عبرية، معناها: حصة من المال.
* البقرة 2: 110.

ـ زنجبيل: بهلوية، معناها: نبات.
* الإنسان 76: 17.

ـ سجَّيل: بهلوية، معناها: الطين المتحجر.
* الفيل 105: 4.

ـ سرادق: فارسية، معناها: الفسطاط.
* الكهف 18:29.

ـ سورة: سريانية، معناها: فصل.
* التوبة 9: 124.

ـ طاغوت: حبشية، معناها: الأنداد.
* البقرة 2: 257.

ـ فردوس: بهلوية، معناها: البستان.
* الكهف 18: 107.

ـ ماعون: عبرية، معناها: القدْر.
* الماعون 107: 7.

هناك آيات قرآنية عديدة تؤكد بأنّ القرآن نزل بلسان عربي مبين، منها:

ـ سورة يوسف 12: 2 "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون".
ـ سورة طه 20: 113 "وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا . "
ـ سورة الزمر 39: 28 "قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون".
ـ سورة فصلت 41: 3 "كتاب فصلت آياته، قرآنا عربيا لقوم يعلمون".
ـ سورة الشورى 42: 7 "أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها".
ـ سورة الزخرف 43: 3 "إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون".
ـ سورة الأحقاف 46: 12 "وهذا كتاب مصدق [لكتاب موسى] لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا".
ـ سورة الشعراء 26: 193و195 "نزل به الروح الأمين.. بلسان عربي مبين".
ـ سورة النحل 16: 103 "وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ".
اختلف العلماء في كيفية إنزال القرآن على ثلاثة أقوال:
القول الأول: " نزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما على النبي صلّى الله عليه وسلّم في مكة قبل الهجرة والمدينة بعد الهجرة، في مدة عشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين سنة، حسب الاختلاف في مدة إقامته في مكة بعد البعثة ".
القول الثاني: " نزل القرآن إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر من عشرين سنة، وقيل: في ثلاث وعشرين ليلة قدر، وقيل: خمس وعشرين ليلة قدر، ينزل في ليلة القدر في كل سنة ما يقدر الله إنزاله في تلك السنة، ثم ينزل بعد ذلك منجما في جميع السنة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا القول ذكره الإمام فخر الدين الرازي، نقلا عن بعض العلماء ".
القول الثالث: " ابتدأ نزول القرآن في ليلة القدر، ثم أخذ ينزل منجما بعد ذلك في أوقات مختلفة، وهذا قول الشعبي.
قال ابن حجر في شرح البخاري: والأول هو الصحيح المعتمد، وهناك رواية رابعة حكاها الماوردي، وهي " أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة، ثم تولى الحفظة تنجيمه على جبريل، ثم تولى جبريل تنجيمه على الرسول صلّى الله عليه وسلّم ".
والتساؤل المنطقي هنا : إذا كان ألله أنزل القرآن بكلام عربي مبين، فما هو موقع الكلمات الأجنبية الدخيلة فيه من الإعراب ؟
إنّ القول بكون القرآن كلام ألله يعني أنّ ألله يتكلم بلغة هجينة، او على أقل تقدير فإنّ القرآن مخلوق كما قالت المعتزلة.
جميع الدلائل من وجود كلمات اجنبية دخيلة ووجود أخطاء نحوية وإملائية وعلمية وتاريخية وركاكة بعض الآيات وغموض بعضها وتكرار بعض الآيات والتناقضات التشريعية بين الآيات المكية والمدنية التي حدثت نتيجة لتبدل وضعية الدعوة الإسلامية من الضعف في مكة إلى القوة في يثرب، وكذلك وجود آيات ناسخة لآيات أخرى في القرآن إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أن القرآن مؤلَف بشري.


50
بلاغة ألقرآن

" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" .... سورة آل عمران - ألآية- 7.

آيات القرآن ككل مؤلف صادر من إنسان فيه ألغث وألسمين، فيه آيات بليغة وفيه آيات غير بليغة. فآيات القرآن ليست كلها في الذروة العليا من البلاغة، بل يقع بينها التفاضل، فمنها الأعلى ومنها الأوسط ومنها دون ذلك. وقد أصاب الشاعر الفارسي في إنكاره التسوية بين قوله: ( تبت يدا أبي لهب )... سورة المسد، الآية -1، وبين قوله: (وقيل يا أرض أبلعي ماءك ويا سماء أقلعي ) ... سورة هود، الآية-44، إذ قال: " كي بود تبت يدا مانند يا أرض أبلعي ماءك "، أي كيف تكون تبت يدا أبي لهب مثل يا أرض أبلعي ماءك، إشارة إلى ما جاء في سورة هود عند ذكر الطوفان.
لاشك أنّ البلاغة من التبليغ، كما ذكره الجاحظ في " البيان والتبيين " فالمقصود من جميع طرق البلاغة ومناحيها هو الوصول إلى إفهام المعنى للمخاطب على وجه يكون أحسن وقعا في سمعه وأشد تاثيرا في نفسه، فكل من أستطاع أن يٌفهِم مخاطبه المعنى الذي حاك في صدره وجال في خاطره باسلوب من أساليب البلاغة فهو بليغ وفي كلامه بلاغة. فالإفهام هو المحور الذي يدور عليه فلك البلاغة، والكلام يبعد عن البلاغة قدر بعده عن فهم المخاطب ويقرب منها قدر قربه منه، ولا يماري في هذا إلا معاند.
إنّ آيات القرآن متفاوتة في بلاغتها، بل فيها ما لا يتماشى مع البلاغة، بل فيها ما لا يتماشى بظاهره مع المعقول. فمنها ما هو غير مفهوم، ومنها ما لا يبلغه الفهم إلا بتاويل وتقدير. وليس هذا القول ببدعة، فالقرآن نفسه قائل بذلك ومعترف به. ففي سورة آل عمران: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات )... ألآية- 7.
والمحكمات هي التي أحكمت عبارتها فلا يتطرقها الإحتمال فيكون المعنى فيها مفهوما وصريحا، والمتشابهات هي ما ألتبست في معانيها فلا يكون المعنى فيها صريحا ولا مفهوما. والاصل في التشابه هو المشابهة، يقال: تشابه الرجلان إذا أشبه أحدهما الآخر حتى ألتبسا، لأنّ شدة المشابهة تؤدي إلى الإلتباس ولذلك أُستعمِل التشابه بمعنى الإلتباس.
وإليكم بعض ألأمثلة للآيات التي لا تتماشى مع البلاغة:
1- مثال على عدم معقولية ألآيات ومنافاتها للمنطق:
جاء في سورة ألإسراء، ألآية – 16 قوله: ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا ). إنّ ظاهر هذه الآية غير معقول، أولا: لأنّ ألله أمر المترفين بأن يفسقوا ففسقوا وذلك لا يجوز لأنّ فعل القبيح مستحيل على ألله، فقد جاء في ألقرآن قوله: ( قل إنّ ألله لا يأمر بالفحشاء ) ... سورة ألأعراف ألآية 28.
ثانيا: إذا كان هو الذي امرهم أن يفسقوا كان فسقهم طاعة له وإمتثالا لأمره، فكيف يستحقون الإهلاك؟
ثالثا: إنّ الإهلاك بالتدمير قد شمل أهل القرية كلهم، وإنّما المجرمون منهم هم المترفون الذين هم يمثلون الأقلية من الناس في كل زمان ومكان، وليس هذا من العدل والله يأمر بألعدل وألإحسان ( إن ألله يأمر بالعدل وألإحسان وإيتاء ذي ألقربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلك تذكرون ) ... سورة ألنحل ، ألآية- 90.
إنّ علماء ألتفسير قد أولوا الآية تفسيرات بعيدة فقالوا: إنّ الأمر هنا مجاز وإنّ معنى قوله ( أمرنا مترفيها ) أي أنعمنا عليهم نعما كثيرة فجعلوها ذريعة إلى المعاصي، فكأنّهم مأمورون بذلك. ولو كان هذا الكلام في غير القرآن لما تكلفوا له هذا التأويل البعيد بل رفضوه وما قبلوه.
ولو سلمنا صحة هذا التأويل فما ذنب غير المترفين؟.
إنّ في هذه الآية قراءة أخرى يستقيم بها المعنى من بعض الوجوه، وهي أمّرنا المترفين ( بتشديد الميم ) من الإمارة أي جعلناهم أمراء، ففي هذه القراءة إصلاح للعبارة وتصليح للمعنى، لأنّ أمراء الناس مسببوا هلاكهم في كل زمان، والظاهر أنّ الذي حمل القاريء على قراءته هو ما رآه في القراءة الأولى من أنّ المعنى غير معقول، فقرأ أمّرنا بتشديد الميم لأنّهم كانوا يقرأون القرآن بالمعنى، فكل ما صح به المعنى فهو قرآن عندهم وليس الذي قالوه في تعدد القراءات إنّها توفيقية بصحيح.

2- مثال آخر على عدم معقولية ألآيات ومنافاتها للمنطق:
جاء في سورة الفرقان قوله : (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا).... ألآية - 45، إنّ المعنى في قوله : ( ولو شاء لجعله ساكنا) لا يتماشى مع المعقول، وبيان ذلك أنّ الشواخص الماثلة في سطح الأرض تحجب الشمس عمّا دونها من الأمكنة فيكون فيها الظل، فالظل إذن هو عدم نور الشمس لكونه محجوبا بالشخوص الماثلة.
وهذا الظل يختلف امتداده بإختلاف ارتفاع الشمس في الأفق، فعند الطلوع تأتي أشعة الشمس أفقية وحينئذ يحجبها كل شاخص في سطح الأرض ويكون الظل مديدا، وكلما أرتفعت الشمس تقلص الظل على قدر ارتفاعها حتى إذا كانت الشمس في سمت الرأس كان الظل من شاخص قالصا إلا قليلا.
فهذا هو إمتداد الظل وهذا هو قلوصه وانقباضه بإرتفاع الشمس.
ومعلوم أنّ طلوع الشمس وأرتفاعها في الأفق ناشيء من حركة الأرض ودوارانها على محورها، فليس من المعقول جعل الظل ساكنا غير متقلص ولا منقبض إلا إذا وقفت الأرض عن حركتها المحورية والدورية، وذلك محال لأنّه مخالف لنواميس الطبيعة التي هي سنة ألله و (لن تجد لسنة ألله تبديلا).... سورة ألأحزاب-ألآية-62 وسورة الفتح- ألآية- 23.
وعلماء الكلام مجمعون على أنّ قدرة ألله لاتتعلق بالمحال، على أنّ وقوف الأرض عن حركتها المحورية والدورية لا معنى له سوى زوالها وفنائها، وإذا فنيت الأرض لم يبق ظل ساكن ولا متحرك، فماذا يُراد إذن بقوله : (ولو شاء لجعله ساكنا)... سورة الفرقان- ألآية- 45؟
التفسير المنطقي لهذا التناقض بين ألآيتين، (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا) و (لن تجد لسنة ألله تبديلا) هو بشرية القرآن وأنّ محمداً لم يكن يعلم بألحقائق العلمية حول دوران ألأرض حول محورها وحول ألشمس ليستنتج أنّ إمتداد الظل وتقلصها هي نتيجة لهذه الحركة الدورانية ، ولم يخبره ألله بهذه الحقائق العلمية رغم كونه نبيا!!!!

3- مثال على عدم تماشي اللفظ مع البلاغة :
في سورة النمل قوله : (لقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين).... ألآية – 15.
نتكلم عن هذه الآية من جهة اللفظ دون المعنى لأنّ البلاغة تشمل اللفظ والمعنى معا، فنقول من ضروريات البلاغة أنّ المعطوف إذا كان مُسبَبا عن المعطوف عليه كان من حق المعنى وتمامه وصحته أن يُعطف بالفاء السببية كقولك : أعطيته فشكر لأنّ الشكر مسبب عن العطاء.
وكذلك حمد الله من داود وسليمان فإنّه مسبب عن إيتائهم العلم، فكان من مقتضى البلاغة أن يقول فقالا، ولكنه عطف بالواو وذلك مخالف للبلاغة لأنّ المعنى المقصود ليس هو مجرد الإخبار بحمدهما حتى يصح العطف بالواو، وإنّما المقصود الإخبار بحمدهما لأجل أنّ ألله أتاهما علما وفضلهما به على كثير من عباده المؤمنين.
يكون ألآية بعد التصحيح كما يلي:
(لقد آتينا داود وسليمان علما فقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين).

4 - الرازي ونقد بلاغة القرآن:
مقدمة:
أبا بكر محمد بن زكريا الرازي (250-311 هجرية) (864-923 م) شخصية من أكبر الشخصيات في الحياة الفكرية الإسلامية على مر عصورها، والرازي كان فيلسوفا وطبيبا وكيميائيا من الطراز الأول.
فلسفة الرازي الإلحادية عبّر عنها في كتابه "ألعلم الإلهي" ثم في كتاب "مخاريق الأنبياء". إنّ نظرية النبوة كانت الشغل الأكبر لنقد الرازي للأديان، فالرازي كان لا يؤمن بالنبوة، وكان نقده لها يقوم على أساس إعتبارات عقلية وتاريخية، ومن أقواله في أمر النبوة :
"من أين أوجبتم أنّ ألله أختص قوما بالنبوة دون قومٍ، وفضلهم على الناس، وجعلهم أدلة لهم، ومن اين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختارهم لهم ذلك ويُشْلى بعضهم على بعض ويؤكد بينهم العداوات وكثر المحاربات ويهلك بذلك ألناس ".
تابع الرازي نقده للأديان المنزّلة كنتيجة لإبطاله النبوات، كيما يثبت فساد النتائج التي أنتهت إليها النبوات، مادام الاصل قد بين هو أنّه فاسد. وكأنّه إذاً يريد أن ينتهي إلى ألنتيجة عينها من بطلان النبوة، نظرا لفساد نتائجها وما تقول به. وهذا النقد كان للأديان كلها دون تمييز بينها، فبعد أنْ نقد أليهودية والمسيحية والمجوسية والمانية، نقد ألإسلام.

نقد بلاغة القرآن :
يقول الرازي في ألقرآن : "قد والله تعجبنا من قولكم : إنّ القرآن هو مُعجِز، وهو مملوء من التناقض، وهو اساطير ألأولين – وهي خرافات" وهو هنا يهاجم إعجاز القرآن على نحو مشابه لما فعله أبن الراوندي، فيهاجمه من ناحية النظم والتأليف، كما يهاجمه من ناحية المعنى.
أما من ناحية نظم القرآن وتأليفه فإنّه يقول : " إنّكم تدّعون أنّ المعجزة قائمة موجودة – وهي القرآن – وتقولون : " من أنكر ذلك فليأت بمثله".
ثم يقول الرازي : "إنْ أردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا أنْ نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وما هو أطلق منه ألفاظا، وأشد أختصارا في المعاني، وأبلغ أداءً وعبارة وأشكل سجعا؛ فإنْ لم ترضوا بذلك فإنّا نطالبكم بالمثل الذي تطالبونا به".
وألشبه واضح بين هذا القول وبين قول أبن الراوندي : "إننا نجد في كلام أكثم بن صيفي أحسن من بعض سور ألقرآن".
هذا ألطعن في إعجاز ألقرآن من حيث ألنُظم ينقسم إلى أقسام : من حيث الألفاظ، ومن حيث التراكيب، ومن حيث القدرة على الأداء أي ألفصاحة، ومن حيث الموسيقى اللفظية، فيرى ألرازي أنّ في كتابات البلغاء ألفاظا أكثر طلاقة، ولعله يقصد بالطلاقة هنا السهولة وعدم التعقيد اللفظي، فلعله يقصد الألفاظ السهلة التي يستعملها خصوصا كاتبٌ مثل أبن المقفع.
ألرازي ينقد ألقرآن ثانيا من ناحية طريقة التركيب أي ألأسلوب بالمعنى المحدود، فيأخذ عليه إسهابه وتطويله وتكراره، وأخيراً يتطرق الرازي إلى الناحية الموسيقية في نظم القرآن فيقول : " إنّ في كلام البلغاء ما هو أشكل منه سجُعا، و "أشكل" هنا بمعنى "أنضج" أي شأنه أن يكون أكثر موسيقية.
وهذا إمّا أنْ تكون الكلمات المسجوعة أقرب في تشابه حروفها الأخيرة، ولعله لاحظ هنا إعتماد القرآن على الحروف المتقاربة دون المتساوية في بعض الأسجاع؛ وإمّا أنْ يكون السجع أقرب إلى العفو والطبيعة بحيث لا يشعر المرء بأنّه مقصود إليه أو متَعسف.
أما من حيث المعنى فقد هاجم القران من عدة نواحي في قوله : " قد والله تعجبنا من قولهم في حكاية أساطير الاولين، من غير أنْ تكون فيه فائدة أو بينة على شيء".
والناحية الثالثة هي التي يوجه الرازي كامل عنايته، فهو يريد أولا أنْ يرد على الخصم حجته، هذا الخصم يقول : "من أنكر إعجاز القرآن فليأت بمثله". فيقول الرازي :
ونحن نقول لكم كذلك ائتونا بمثل ما في كتاب أصول الهندسة والمجسطي وغيرهما. قال الرازي : "إنّا نطالبكم بالمِثل الذي تزعمون أنّا لا نقدر أنْ نأتي به" وهو بهذا التحدي يُشير إلى أنّ الحجة نفسها ترتد على الخصم، فليس في وسع إنسان أنْ يأتي تماما بما أتى به آخر".
يقول الشاعر معروف الرصافي في كتابه الشخصية المحمدية :
" إنّ إتيان المعارض بمثل ما عارضه من الكلام متعذر، وأنّ محمداً يعلم هذا حق العلم فلذا تراه بكل سكينة وإطمئنان وبكل جراءة وإستبسال يتحدى قومه قائلاً :
(فأتوا بسورة من مثله وأدعوا شهداءكم من دون ألله إنْ كنتم صادقين)..... سورة البقرة، ألآية 53، ولم يبلغنا أنّ أحداً منهم قصد معارضة القرآن، وإن كان القرآن يحكي شيئاً كثيراً من كلامهم.
ولو أنّ أحدهم قصد ذلك لما كان إلا مغلوبا، لأنّ الذي يعارض القرآن (أي يحاول أن يأتي بمثله) يجب قبل كل شيء أن يكون ذا روحانية كروحانية محمد، وذا ذكاء كذكائه وخيال كخياله ومعرفة بالله كمعرفته، وعلم بأخبار الماضين من الأمم وأنبيائهم كعلمه، ويجب بعد هذا كله أن يكون ذا عارضة كعارضة محمد، ولم يكن فيهم من هو كذلك سوى محمد، فلا يستطيع أنْ يعارض القرآن ويأتي مثله إلا محمد نفسه.
زد على ذلك أنّ أسلوب القرآن مما لم تألفه العرب ولم تعرفه بل هو أول من أبتدعه".


51
ألسجع في ألقرآن

"القرآن يتميز بإستعماله الفواصل بمعنى أنّ آياته مفصلة فالفواصل هي من أهم مقومات أسلوب القرآن".... ألشاعر معروف ألرصافي.

مما اثار إستغرابي عند قراءة القرآن ورود بعض الأسماء الثنائية ألتي فيها سجع أو قافية موحدة كهاروت وماروت، وقد ذُكِرَ السحر والملكان هاروت وماروت في القرآن في الآية 102 من سورة البقرة : (( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )).
أما الثنائي الآخر فهما يأجوج ومأجوج، وقد جاء ذكرهما في الآية – 93 من سورة الكهف : (( وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولاً * قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ))، وكذلك ألآية – 96 من سورة ألأنبياء : (( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون )).
إضافة إلى ذلك هنالك الملكان منكر ونكير ألمسؤولان عن إستجواب الموتى في القبر، فعندما كنت أحضر العديد من مراسيم الدفن لأقاربي وافراد عائلتي واصدقائي خلال سنين حياتي وأثناء مراسيم الدفن كنت الاحظ انّ الشيخ او رجل الدين يقرأ ويتمتم ببعض العبارات ويلقِّن المتوفي بعد سد القبر وانهيال التراب عليه بعبارات واسئلة واجاباتها ويبدأ تلقينه قائلا:
أعلم أنّه بعد قليل سيأتيك ملكان وسيسألونك بلسان عربي فصيح من ربّك؟ فقل الله سبحانه وتعالى. وما دينك؟ فقل الإسلام. ومن نبيّك؟ فقل محمّد. وما كتابك؟ فقل القرآن. ثمّ يتم الشيخ المراسيم بقراءة سورة ياسين.
حسب المعتقدات الاسلامية انّ الميّت اذا كان كافرا او مسلما ولم يطبّق تعاليم القرآن فسيعذّبه الله في القبر بواسطة الملكين منكر ونكير، عن ابن عباس في خبر الاسراء : ان النبي صلى الله عليه وسلم :
" قال يا جبريل وما ذاك ؟ قال : منكر ونكير يأتيان كل إنسان من البشر حين يوضع في قبره وحيدا، فقلت: يا جبريل، صفهما لي، قال: نعم من غير ان اذكر لك طولهما وعرضهما, ذكر ذلك منهما افظع من ذلك, غير ان اصواتهما كالرعد القاصف واعينهما كالبرق الخاطف وانيابهما كالصياصي، لهب النار في افواههما ومناخرهما ومسامعهما، ويكسحان الأرض باشعارهما ويحفران الأرض باظفارهما، مع كل واحد منهما عمود من حديد، لو اجتمع عليه من في الأرض ماحركوه، يأتيان الإنسان اذا وضع في قبره وترك وحيدا يسلكان روحه في جسده باذن الله تعالى "..... الى آخر الحديث.
هذه الأسماء ألتي وردت في القرآن وألأحاديث المنسوبة لمحمد، ذكّرتني بأسماء شخصيات أفلام ألرسوم المتحركة " أفلام الكارتون " كما كنا نسميها في طفولتنا، ومن هذه الأفلام كانت افلام "هيكل وجيكل" وبطلا هذه الأفلام غرابان مشاكسان يقومان بالإحتيال والأذية وعمل المقالب.
هذه المقدمة تجرنا للحديث عن السجع في القرآن، فالقرآن يتميز بإستعماله الفواصل بمعنى أنّ آياته مفصلة فالفواصل هي من أهم مقومات أسلوب القرآن، إنّ الفواصل تكون إما كلمة واحدة تنتهي بها الآية، ويكون الكلام في الآية مبنيا عليها وتكون هي ممتزجة به، وإما جملة تجيء في آخر الآية فتفصلها عمّا بعدها فصلا تاما في اللفظ والمعنى، أو فصلا في اللفظ فقط، وتبقى الآية مرتبطة في المعنى بما بعدها.
مثال النوع الأول (كلمة واحدة): (( إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وأنحر * إنّ شانئك هو الأبتر ) سورة الكوثر، الآيات 1-3، وأكثر السور القصار على هذا النمط، ولا ريب أنّ هذا ضرب من السجع، وألسجع عند ألعرب في فترة الدعوة المحمدية كان من شأن الكهان.
مثال على النوع الثاني (جملة تجيء في آخر الآية) : (( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون * ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده إن أنذروا أنّه لا إله إلا أنا فأتقون ))...سورة النحل الآياتان 1-2، فتعالى عما يشركون فاصلة وكذلك فأتقون.
وأكثر السور لا تكون فواصلها من نوع واحد بل تكون من النوعين كما ترى في سورة الفرقان : (( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا * قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنّه كان غفورا رحيما" ))... سورة الفرقان، الآيتان 5-6. فالفاصلة الأولى من النوع الأول والثانية من النوع الثاني.
ألذي يظهر من الفروق بين القوافي في الشعر والفواصل في آيات القرآن، أنّ محمداً قد أطلق الفواصل وفك منها القيود التي كان الشعراء يتقيدون بها في كلامهم المنظوم والمسجوع، فلم يراع فيها الإعراب ولا حروف الروي ولا عيوب التكرار والتضمين، فأتسع بذلك لإسلوبه مجال الكلام، فجاء أسلوب القرآن متوسطا بين النظم والنثر، أو بين النثر المرسل والنثر المسجع، وذلك أسلوب مبتكر لم تكن العرب تعرفه.
إنّ مراعاة الفواصل في أسلوب القرآن نتج منها بعض العيوب، ولتوضيح ذلك إليكم بعض الامثلة:
- ألتقديم والتأخير كقوله : ((فلله الآخرة والاولى )).... سورة النجم ، الآية-25، فقدم ماهو متأخر في الزمان، ولولا مراعاة الفاصلة لقدمت الأولى كما قدمت في قوله : (( له الحمد في ألأولى وألآخرة ))...سورة القصص، ألآية – 70.
- الحذف مراعاة للفاصلة كقوله : (( فكيف كان عذابي ونذر ))... سورة القمر، الآية-18،وكذلك قوله : (( فكيف كان عقاب ))... سورة غافر ،الآية-5، وألأصل فيه ونذري، وكيف كان عقابي فحذف ياء الإضافة مراعاة للفاصلة.
- زيادة ما هو غير لازم كقوله في سورة الأحزاب، الآية-10 : (( وأطعنا الرسولا ))، فقد زاد الألف في اواخر هذه الفاصلة مراعاة للفاصلة، ولو كانت هذه الفاصلة نكرة لكان الوقف عليها بالألف، ولكنها معرفة فالالف فيها زائدة كألف الإطلاق في الشعر.
- إيثار أغرب اللفظتين كما في قوله (( تلك قسمة ضيزى ))... سورة النجم، الآية-53، ولم يقل : قسمة جائرة مراعاة للفاصلة، وقوله : (( كلا لينبذن في الحطمة ))... سورة الهمزة، الآية-4، ولم يقل : في جهنم أو في ألنار، وتفنن محمد في أسماء جهنم فقال :
(( ساصليه سقر ))...المدثر، الآية-26، وفي سورة المعارج، الآيتان-15-16: (( كلا إنّها لظى * لواحة للشوى ))، وفي القارعة، ألآية-9 : (( فأمه هاوية ))، وكل ذلك مراعاة للفواصل.
- الإستغناء بالإفراد عن التثنية كقوله : (( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ))... سورة طه، الآية-117، ولم يقل : فتشقيا، والخطاب للأثنين وذلك مراعاة للفاصلة.
- تغيير بنية الكلمة لأجل الفاصلة، وهذه أغرب الأمثلة كقوله في سورة التين، الآيات، 1-3: (( والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين ))، وألأصل طور سيني بالقصر أو سيناء بالمد، فغيرت بنيته من سينا إلى سينين لأجل ألفاصلة.
وهنلك في آيات القرآن أمثلة كثيرة لمراعاة الفاصلة يستطيع ألمتمعن في دراسة ألقرآن ملاحظتها، كما أنّ من ألأمور التي وقعت في سبيل الفاصلة ظهور فواصل قلقة في مكانها، غير مستقرة ولا مطمئنة ولو طرحتها لما أختل المعنى ولا يضطرب الفهم، واليكم مثال على الفواصل القلقة :
- جاء في سورة محمد، ألآية-31 قوله: (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ))، أي نسمع ما يحكى ويخبر به وما يقوله الناس عنكم. ولا يخفى أنّه بعد أنْ يبلوهم فيعلم المجاهدين منهم والصابرين، لم تبقَ حاجة إلى سماع أخبارهم وما يقوله الناس عنهم، ولكن الفاصلة هي التي أتت بالجملة الأخيرة، وهي كما تراها قلقة غير متمكنة في المعنى المراد، علما أنّ الآية كلها ليست مما يليق أنْ يقوله علام الغيوب.

ختاما نقول أين ألبلاغة في ألقرآن، وأين إعجازه؟
ألقرآن مؤلف بشري فيه آيات حسنة ألنظم وفيه آيات ركيكة، فلا داعي لإحاطته بهالة من ألقداسة ألتي تحجب عيوبه وسلبياته، فهو ككل فكر إنساني فيه ألغث وألسمين، وله أيجابياته وسلبياته، وكفى ألمؤمنين شر القتال.


52
ألتناقضات في ألقرآن

"حول أسلوب الدعوة نجد في القرآن العديد من الآيات المتناقضة".

ألتناقضات ألموجودة بين ألآيات وألتي تبرز على السطح للمتمعن الدارس للقرآن دليل على أنّ القرآن مؤلف بشري، فليس من ألمنطقي أنْ يناقض ألله العليم الحكيم الخبير نفسه، ومن اسباب ألتناقضات إستغراق تأليف القرآن لفترة ثلاث وعشرون سنة حيث تبدلت خلالها ظروف الدعوة الإسلامية من حالة الضعف والمسكنة في الفترة المكية إلى القوة والطغيان في الفترة المدنية بعد أنْ أصبح لمحمد جيش قوي من قبليتي الأوس والخزرج إضافة للمسلمين المهاجرين من مكة.
ألسبب الآخر للتناقضات هو نسيان مؤلف القرآن بعض ما قاله في فترة سابقة، فهو ككل إنسان يتميز عقله بآفة النسيان، ومحمد يعترف بهذه الحقيقة في ألآية 106 من سورة ألبقرة: ((مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )).
للتوضيح لنضرب بعض الأمثلة على ألتناقضات في ألقرآن :
- في سورة النحل، ألآية 56، يذكر ألقرآن عن يوم القيامة: (( تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ))، ويقول كذلك في سورة النحل ألآية 93: (( وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))، ولكن آيةً في سورة الرحمن تنفي حدوث السؤال للإنس والجن يوم القيامة ففي ألآية 39 من سورة الرحمن: ((فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ))، فهنا نلاحظ تناقضا واضحا في العقيدة، فكيف يُمكن الجمع بين هذه الآيات التي تثبت ألسؤال والحساب، والأخرى ألتي تنفيه؟
- حول أسلوب الدعوة نجد في القرآن العديد من الآيات المتناقضة، فمحمّد بدأ دعوته في مكّة بالحكمة والموعظة الحسنة ولكن بعد هجرته الى يثرب واستناده على قوّة الانصار من قبيلتي الاوس والخزرج كوّن منهم جيشا وبدأ بالاغارة على قوافل قريش الّتي كان يتوجّب عليها المرور بالقرب من يثرب. ثمّ حارب محمّد قبائل اليهود الساكنين في يثرِب فاخضعهم واستولى على ديارهم واموالهم.
بعد فتح مكّة قويت شوكة المسلمين فعمدَ محمّد الى نشر الدين الاسلامي بقوة السلاح وسمّى حروبه بالجهاد، نتيجة لهذه الحروب زادت القوّة الاقتصاديّة للمسلمين عن طريق الغنائم الّتي غنموها في هذه الحروب، ولتوضيح التناقض في أسلوب الدعوة لنضرب بعض الأمثلة من القرآن:
((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) سورة ألنحل ،ألآية 125. هذه الآية كانت شعارا للدعوة في مكة.
في المدينة قرن محمد دعوته بالسيف ليقاتل خصوم دعوته من الكافرين، إلا أنّه جريا على ديدنه في جميع أمور الدعوة، تدرج قرار القتال تدرجا منطبقا على مقدار ما عنده من قوة حربية.
فأول آية نزلت (( الأصح صعدت من الأرض إلى ألسماء ) في القتال بالمدينة هي : (( أذن للذين يقاتلون بأنّهم ظُلِموا وإنّ ألله على نصرهم لقدير * ألذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أنْ يقولوا ربنا ألله )) .... سورة الحج، الآيتان 39 – 40، فهذه أول خطوة خطاها محمد في أمر القتال. ثم إنّه تقدم فيه خطوة أخرى، فجعله فرضا على المسلمين، ولكن لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم، إذ قال :
(( وقاتلوا في سبيل ألله ألذين يقاتلونكم )) .... سورة البقرة، ألآية 190، وهذه هي الحرب الدفاعية. وأستمر الحال على ذلك إلى السنة الثامنة من الهجرة، حتى حصل لمحمد من القوة والشوكة ما أستطاع به أنْ يعلن الحرب الهجومية العامة، بأن فرض على المسلمين قتال المشركين كافة، من قاتلهم ومن لم يقاتلهم، وبذلك نزلت سورة براءة التي نبذ فيها إلى المشركين عهودهم وبريء منهم، وأمهلهم أربعة أشهر، وهي ألأشهر الحرم، وأعلمهم أنّه وإياهم في حالة حرب مستمرة فيما عدا هذه الأشهر ألأربعة. وكان ذلك سنة ثمان وقيل سنة تسع.
وأليكم آية ألسيف ألذي قال بعض ألمفسرين أنّها نسخت أكثر من مائة من آيات ألقرآن :
(( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) .... ألآية - 5 من سورة ألتوبة.
ومما لا يستراب فيه أنّ الدعوة لما أقترنت بالسيف، أخذ عدد الداخلين في الإسلام يزداد مطردا بإزدياد سيوف الدعوة، فكلما قويت الشوكة زاد المسلمون زيادة مناسبة لها، وكثر المقاتلون في جيش الدعوة كثرة تناسب قوتها، ولو عاش محمد بعد غزوة تبوك ضد الروم بضع سنين أخر وألذي بلغ عدد المقاتلين فيه ثلاثين ألف مقاتل، وظل جيشه فيها يزداد لبلغ مائتي ألف مقاتل بلا ريب.
ومن هذا نستطيع أن نستنتج أنّ ألذين دخلوا في الإسلام مدة حياة محمد في المدينة كان أكثرهم يدخلون فيه خوفا من السيف وطمعا بالغنائم والسبي، وأنّ الذين أعتنقوه كمبدأ ذي غاية شريفة قليلون. ويؤيد هذه النتيجة إرتداد أكثرهم عقب وفاة محمد.
أما في عصرنا هذا فمعظم المسلمين مسلمون بالوراثة ماعدا داعش والسلفية والوهابية وجماعات التكفير فهم يمثلون ألإسلام ألحقيقي حسب ما جاء في القرآن.


53
ألأدلة على بشرية ألقرآن

" ألهدف من حملات ألتنوير نزع ألقداسة من جميع ألكتب ألدينية كالتوراة وألأناجيل وألقرآن، وبذلك نتمكن من فصل ألدين عن ألدولة ونضع ألأسس لدول عَلمانية ديموقراطية تراعي حقوق ألإنسان وتحقق ألحرية وألديموقراطية لجميع أطياف ألشعوب بدون ألتمميز بين ألبشر بسبب أديانهم أو مذاهبهم أو أعراقهم أو قومياتهم".

مقدمة:
هل ألقرآن وحي من ألله، أم هو من تأليف إنسان؟
في هذه ألسلسلة من ألمقالات سنحاول ألإجابة على هذه ألتساؤلات ألمصيرية، وربّ سائل سيسأل لم هي مصيرية؟ فنقول لأنّ إثبات بشرية ألقرآن وكونه ليس وحيا من ألله سينزع ألقداسة منه وإذا جردناه من قداسته فلن نلزم أنفسنا بتطبيقه وسيتحول إلى مؤلف كأي مؤلف آخر له إيجابياته وسلبياته وبذلك نتمكن من تعديله وتجديده إنْ أردنا ألإستفادة منه في وضع ألقوانين وألدساتير، أو نتركه جانبا ونعتبره تراثا أكل ألزمان عليه وشرب.
ولكن لماذا نريد نزع ألقداسة من ألقرآن، ولماذا نحاول تعديل أو هدم أساس ألأديان وبلأخص ألدين ألإسلامي ؟ فالايمان يُعطي الانسان الجاهل او الغير الواعي الطمأنينة وراحة البال ومتانة للوقوف منتصبا أمام عاديات الزمن، كما انّ شريحة الجهلاء لا يمكن انْ تستقيم حالها بدون الايمان بوجود الثواب والعقاب في حياة اخرى بعد الموت.
هذا كلام لابأس به، ولكن الايمان بالاديان له سلبيات عديدة فهو سبب رئيسي للحروب وويلاتها، حروب بين الاديان المختلفة كحروب الفتح الاسلامي والحروب الصليبية والحروب بين اليهود والمسلمين في فلسطين والحروب الداخلية بين المذاهب المختلفة للدين الواحد كالحروب بين البروتستانت والكاثوليك في وبين الشيعة والسنّة وفي العراق بالذات.
حرب المذاهب بين الدول السنيّة والشيعية وقعت فعلا ففي طرفها ألسني ألمملكة ألعربية ألسعودية ألوهابية وقطر وتركيا حزب ألعدالة وألتنمية وجميع ألأحزاب وألجماعات ألدينية ألسياسية كألإخوان ألمسلمين وألقاعدة وألدولة ألإسلامية (ألدولة ألإسلامية في ألعراق وألشام- داعش سابقا) وجميع ألمجاميع ألسلفية وألتكفيرية، وفي طرفها ألشيعي إيران ألثورة ألإسلامية ومن تبعها من ألأحزاب ألشيعية ألدينية كحزب ألدعوة وحزب ألله وألمجلس ألإسلامي ألأعلى وألحوثيين في أليمن ومن لف لفهم من ألأحزاب ألدينية وألسياسية.
ولا ننسى العمليات الانتحارية الّتي يقوم بها المتطرفون الاسلاميون والّتي حصدت وتحصد وستحصد المئات من الارواح البريئة للاطفال والنساء والرجال اضافة الى الخسائر المادية، وكذلك المجازر الّتي نفذها المتطرفون الاسلاميون في الجزائر.
كانت الاديان سببا في ترسيخ الرق والسبي باشكالها واحتقار المرأة وهدر الاموال الطائلة والوقت في الطقوس الدينية كالصلاة وبناء الجوامع والكنائس والمعابد والاضرحة والحج والعمرة، فلو صُرِفت هذه الاموال لتخفيف معاناة الانسان، فكم يتيم سترجع البسمة الى شفاهه وكم مريض سينسى الآمه وكم من العجزة سيجد مأوى يرتاح فيها من غدر الزمن والاحبّة والقائمة تطول، فحسب المنطق والاديان فإنَّ الله موجود في كلّ مكان ( اقرب اليكم من حبل الوريد.... الآية القرآنية ) و (أينما تُولّوا وجوهكم فثمّة وجه الله.... الآية القرانية )، فالمؤمِن يستطيع انْ يتعبّد الله في ايِّ مكان مِن كرتنا الارضية، فما الحاجة الى هذا البذخ في بناء دور العبادة؟
ألهدف من حملات ألتنوير نزع ألقداسة من جميع ألكتب ألدينية كالتوراة وألأناجيل وألقرآن، وبذلك نتمكن من فصل ألدين عن ألدولة ونضع ألأسس لدول عَلمانية ديموقراطية تراعي حقوق ألإنسان وتحقق ألحرية وألديموقراطية لجميع أطياف ألشعوب بدون ألتمميز بين ألبشر بسبب أديانهم أو مذاهبهم أو أعراقهم أو قومياتهم.
في هذه ألسلسلة من ألمقالات سنتناول ألأدلة على بشرية ألقرآن، أما بألنسبة للعهد ألقديم وألجديد (ألتوراة وألأناجيل) فقد تم نزع ألقداسة عنهم من قبل ألمتتنورين خلال عصر ألتنوير في أوربا وتم أيقاف تدخل ألكنيسة في شؤون ألدولة، ولكن بقيت شوكة واحدة في حلق ألتنوير وهي دولة إسرائيل ألتي تم تأسيسها على أسس دينية وبألرغم من إمتلاكها لدستور علماني فتُعتبر دولة دينية عنصرية تمارس ألتفرقة بين أليهود وألعرب وتغتصب أراضي وحقوق ألعرب .



ألأدلة على بشرية ألقرآن:

1. أسباب نزول ألآيات ألقرآنية:

" إنّ نزول ألوحي أستنادا على روايات أسباب ألنزول شبيهة بكتابة دستور من قبل لجنة مشكلّة لهذا ألغرض فقسم يكتب مسوّدة وقسم آخر يقدّم أقتراحات لتعديل بعض ألمواد وقسم آخر يقترح أضافة بعض ألمواد وقسم آخر يقول بأستثناء بعض ألفئات من حكم بعض يقول بأستثناء بعض ألفئات من حكم بعض ألمواد".

يقول المفسّر جلال الدين ألسيوطي في كتابه لباب ألنقول في أسباب ألنزول مايلي:
لمعرفة أسباب ألنزول فوائد وأخطأ مَنْ قال لا فائدة له لجريانه مجرى ألتاريخ ومن فوائده ألوقوف على المعنى أو أزالة الإشكال. قال ألواحدي: لا يمكن معرفة تفسير ألآية دون ألوقوف على قصّتها وبيان سبب نزولها وقال أبن دقيق ألعيد: بيان سبب ألنزول طريق قوي في فهم معاني ألقرآن ويقول أبن تيمية:
معرفة سبب ألنزول يساعد في فهم ألآية وإنّ عِلْم ألسبب يورث ألعِلَم بألمسائل، وقد أشكلَ على جماعة مِنْ ألسلف معاني آيات حتّى وقفوا على أسباب نزولها فزالَ عنهم الإشكال، وقال ألحاكم في علوم ألحديث:
إذا أخبَرَ ألصحابي ألّذي شهد ألوحي وألتنزيل عن آية من ألقرآن أنّها نزلت في كذا فإنّه حديث مُسنَد ومشى على هذه أبن ألصلاح وغيره ومثلّوه بما أخرجه مسلم عن جابر قال: كانت أليهود تقول: من أتى أمرأته مِن دبرها في قبلها، جاء ألولد أحوَل فأنزل ألله (( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ * وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))...سورة ألبقرة،ألآية 223.
تنقسم ألآيات ألقرآنية إلى قسمين، ألقسم ألأول لا نجد له سبب للنزول كقصص ألأنبياء وكقوله تعالى ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا * وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ))...سورة ألنساء ألآية 125، أمّا ألقسم ألثاني فإنّ لكل آية فيه سبب للنزول، ومن هذه ألأسباب أسئلة وجّهَت إلى محمّد مِن قِبل ألمسلمين أو ألمسيحيين أو أليهود أو ألمشركين، (يسألونك عن ألروح قل ألروح من أمر ربي وما أوتيتم من ألعلم إلّا قليلا) وكذلك ( ويسألونك عن ألأهلة قل هي مواقيت للناس وألحج) وكذلك ( ويسألونك عن ألمحيض قل هي أذى فأعتزلوا ألنساء في ألمحيض).
هنالك أسباب أخرى لنزول بعض ألآيات منها ألأحداث ألّتي وقعت في فترة بعثة محمّد كالحروب وأحداث متعلّقة بسيرة محمّد كزيجاته وكذلك أحداث متعلّقة بألمسلمين وألمنافقين وألمشركين، كما أنّ بعض ألآيات نزلت نتيجة لإعتراض أو إقتراح بعض ألصحابة، إنّ ألدارس للقرآن لا يتمكّن من فهم بعض ألآيات بدون معرفة سبب نزولها.
أمثلة:
1.1. آلآيات ألمتعلقة بألحياة ألشخصية وزيجات محمّد:
- آيات نزلت لتطليق زينب بنت جحش من أبن محمّد بألتبني زيد بن حارثة وتزويجها لمحمّد:
" وإذ تقول للذي أنعم ألله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك وأتق ألله وتُخفي في نفسك ماألله مبديه وتخشى ألناس وألله أحق أن تخشاه فلّما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على ألمؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر ألله مفعولا * ما كان على ألنبي من حرج فيما فرض ألله له سنة ألله في ألذين خلوا من قبل وكان أمر ألله قدرا مقدورا ( ألأحزاب 37-38).

- آيات نزلت في حجاب نساء ألنبي وإجتماع نساء ألنبي في ألغيرة وموافقة ألله لأقوال عمر بن ألخطاب في حجاب نساء ألنبي، وإجتماع نساء ألنبي في ألغيرة، وكذلك في تغيير ألقبلة من بيت ألمقدس إلى ألكعبة:
روى ألبخاري وغيره عن عمر بن ألخطّاب قال: وافقت ربي في ثلاث، قلت يارسول ألله لو أتخذت من مقام إبراهيم مصلّى فنزلت ألآية (( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )) سورة ألبقرة، ألآية 125، وقلت يارسول ألله إنّ نساءك يدخل عليهنّ ألبر وألفاجر فلو أمرتهنّ أنْ يحتجبن فنزلت آية ألحجاب، وأجتمع على رسول ألله نساؤه في ألغيرة فقلت لهنّ عسى ربّه إنْ طلّقكنّ أنْ يبدلّه أزواجا خيرا منكنّ فنزلت كذلك.
لا نستطيع ألتحقق من صحّة هذه ألرواية بعد مرور أكثر من 1400 سنة عليها ولكن إذا كانت صحيحة فإنّ هذه تعني أنّ عمر بن ألخطّاب كان له تأثير مباشر في نزول بعض ألآيات ألقرآنية وأنّ بعض ألآيات ألقرآنية نزلت نتيجة أقتراح وتدخّل بعض ألصحابة، وهذا ألأمر يتعارض مع علم ألله وحكمته وألقول بأنّ ألقرآن كان مكتوبا في أللوح ألمحفوظ قبل وحيهِ إلى محمّد.

- آيات نزلت في أمرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبي:
" وأمرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي إن أراد ألنبي أن يستنكحها خالصة لك من دون ألمؤمنين قد علمنا ما فرض ألله عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان ألله غفورا رحيما. ( ألأحزاب 50).
أخرج أبن سعد عن منير بن عبدألله ألدؤلي أنّ أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم ألدوسية عرضت نفسها على ألنبي وكانت جميلة فقبلها فقالت عائشة: ما في أمرأة تهب نفسها لرجل خير، قالت أم شريك فأنا تلك فسماها ألله مؤمنة.
فلما نزلت ألآية قالت عائشة: إنّ ألله يسارع لك في هواك.
- آيات نزلت في أعتزال محمّد مارية ألقبطية بسبب حلفه لحفصة بعدم ألإقتراب منها بعد مضاجعته لمارية في فراش حفصة وفي يومها وكشف حفصة للسر لعائشة:
" يا أيها ألنبي لم تُحرم ما أحل ألله لك تبتغي مرضات أزواجك وألله غفور رحيم قد فرض ألله لكم تحلة أيمانكم ( أي يتحلل من قسمه).. وإذا أسرَّ ألنبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره ألله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني ألعليم ألخبير " ( ألتحريم 1-3).

- آيات نزلت لتبرئة عائشة من ألفحشاء (حديث ألإفك):
" إنّ ألذين جاؤوا بألإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم.. وتحسبونه هينا وهو عند ألله عظيم.. ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم.. لهم عذاب أليم في ألدنيا وألآخرة.. ولولا فضل ألله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا .. (ألنور 11-21).
ألله يتوعد في هذه ألآيات من مسَّ عائشة بسوء بعذاب عظيم ومن يعود إلى ألحديث عنها بسوء فهو غير مؤمن وكافر ويُقتل.
خلاصة ألقصة: توافقَ قضاء ألحاجة بين عائشة وصفوان بن ألمعطل حيث أنّ كلا منهما كان يقضي ألحاجة في وقت واحد. ضاع من عائشة عقدها بعد قضاء ألحاجة فتركت ألناس يرحلون ومكثت في ألصحراء وحدها في ظلمة ألليل ألموحش من أجل ألعقد. ثمّ وجد صفوان عائشة وحيدة فلحقا بقافلة ألنبي وألمسلمين بعد فترة.
ألذي تحدث بأنّ صفوان نكح عائشة هو حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش أخت زوج محمّد زينب بنت جحش ومسطح أقرب أقارب عائشة وكان أبو بكر ينفق عليه لقرابته منه وفقره، ونزل في مسطح هذا آية في ألقرآن عندما قال أبو بكر بعد نزول آيات براءة عائشة: وألله لا أنفق عليه شيئا بعد ألذي قال لعائشة فأنزل ألله:
" ولا يأتل (يحلف) أولوا ألفضل منكم وألسعة أن يؤتوا أولوا ألقربى وألمساكين وألمهاجرين في سبيل ألله وليعفوا ويصفحوا ألا تحبون أن يغفر ألله لكم وألله غفور رحيم " (ألنور 21-22).
" ألخبيثات للخبيثين وألخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " ... نزلت في عائشة.
قالت أمرأة أبا أيوب ألأنصاري له: ألم تسمع بما يحدّث ألناس؟ قال وما يتحدثون؟
فأخبرته بقول أهل ألإفك، فقال مايكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك، هذا بهتان عظيم قالت فأنزل ألله:
" ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم " (ألنور 16).

1.2. أعتراض ألنساء على آيات محمّد:
أخرج عبدألرزاق وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم وأبن أبي حاتم عن أم سلمة أنّها قالت: يارسول ألله لا أسمع ألله ذكر ألنساء في ألهجرة بشيء فأنزل الله (( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ * بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ * فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ * وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ )) سورة آل عمران ألآية 195.
إذا كانت هذه الرواية غير ملفقّة فإنّ أم سلمة تُعتبر أول أمرأة تدافع عن حقوق بني جنسها في تاريخ ألإسلام.

1.3. مثال آخر، أعتراض ألشعراء على آيات محمّد:
أخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم من طريق ألعوفي عن أبن عبّاس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول ألله (ص) أحدهما من ألأنصار وألآخر من قوم آخرين، وكان مع كلّ واحد منهما غواة من قومه وهم ألسفهاء فأنزل ألله : ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ))...سورة ألشعراء ألآية 224.
وأخرج أبن أبي حاتم نحوه، وأخرج عن عروة قال: لمّا نزلت ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)) إلى قوله (( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ))...سورة ألشعراء ألآية 226 قال عبدألله بن رواحة: قد عَلِم ألله أنّي مِنهم، فأنزل ألله (( إلّا ألّذين آمنوا...)) إلى آخر ألسورة.
وأخرج أبن جرير وألحاكم عن أبي حسن ألبراد قال: لمّا نزلت ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ))، جاء عبدألله بن رواحة وكعب بن مالك وحسّان أبن ثابت فقالوا:
يا رسول ألله، وألله لقد أنزَلَ ألله هذه ألآية وهو يعلَم أنّا شعراء، هلَكْنا، فأنزلَ ألله (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )) ألآية 227، فدعاهم رسول ألله (ص) فتلاها عليهم. نستنتج من هذه ألرواية أنّ آية أستثناء ألشعراء ألمؤمنين مِن الّذين يتبعهم الغاوون والّذين في كلّ واد يهيمون نزلت بعد أعتراض مجموعة من الشعراء ألمؤمنين على ألآية.
1.4. مثال على كون آيات محمّد صالحة لعصر مُعيَّن:
أخرج ألواحدي من طريق عطاء أبن عبّاس قال: لمّا نزلنا ألحديبية ( عندما اراد محمّد والمسلمون ألحجّ قبل فتح مكّة فمنعهم قريش عن ذلك) جاء كعب بن ألهجرة تنثر هوام رأسه على وجهه فقال يارسول ألله هذا ألقمل أكلني فأنزلّ ألله في ذلك ألموقف (( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))... سورة ألبقرة، ألآية 196.
ألتساؤل ألّذي يرد على ألبال، هل أنّ وجود ألقمل في رأس أحد ألمسلمين يستوجب نزول آية من قبل ألله؟ إنّ ألله وحسب ألمنطق لا يوحي الى نبّي لحالة خاصّة بأحد ألمسلمين، ثمّ أنّ وجود ألقمل في شعر كعب بن عجرة لا يستوجب آية من ألله لأنّ ألآيات ألقرآنية هي دستور لكل ألبشر ولجميع ألأزمان، إنّ ألطب وألعلم والصحّة ألوقائية في تقدّم مستمر بعد أختراع ألصابون والشامبو وألأدوية ألمختلفة فألقمل ألذي يعشعش في رؤوس ألبشر سينقرض في ألمستقبل، ثمّ أنّ وجود ألقمل في رأس هذا ألمسكين أليس ألسبب فيه شحّة ألماء في صحراء شبه ألجزيرة ألعربية حيث كان ألمسلمون يضطرّون للتيمم بدلا من أستعمال ألماء للوضوء؟
هنالك مئات من ألأمثلة كألّتي ذكرناها حول أسباب نزول ألآيات ألقرآنية وكلها تشير إالى أنّ بعض ألآيات نزلت لحالات خاصّة ولا تهمنّا أو تعني شيئا لنا نحن أناس ألقرن ألواحد وألعشرين فكيف بأناس ألقرن ألثاني وألعشرين أو ألثالث وألعشرين؟
إنّ نزول ألوحي أستنادا على روايات أسباب ألنزول شبيهة بكتابة دستور من قبل لجنة مشكلّة لهذا ألغرض فقسم يكتب مسوّدة وقسم آخر يقدّم أقتراحات لتعديل بعض ألمواد وقسم آخر يقترح أضافة بعض ألمواد وقسم آخر يقول بأستثناء بعض ألفئات من حكم بعض يقول بأستثناء بعض ألفئات من حكم بعض ألمواد.

2. ألناسخ وألمنسوخ في ألقرآن:

"مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"...سورة ألبقرة، ألآية 106.

مِنْ أهم ألأدلة على بشرية ألقرآن هو نَسخ بعض الايات القرآنية بآيات أُخرى نَزَلتْ بعد تلك الآيات، والنَسخ يعني ابطال شيء وأقامة آخر مكانه.
يقول المُفسِّر ابو عبدالله محمّد بن حزم في كتابه ( معرفة الناسخ والمنسوخ ) مايلي: أعلم أنّ هذا الفن مِن العلم مِن تتمات الاجتهاد، إذْ الركن الاعظم في باب الاجتهاد معرفة النقل. ومن فوائد النقل معرفة الناسخ والمنسوخ إذْ الخطب في ظواهر الاخبار يسير وتَحمُّل كُلفِها غير عسير، وإنّما الإشكال في كيفية إستنباط الأحكام مِن خفايا ألنصوص ومِن التحقيق فيها مَعرفة أوّل ألأمرين وآخرها إلى غير ذلك مِن المعاني، عن أبي عبدالرحمن قال: مرّ علي بن أبي طالب على قاض فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال لا، قال : هلكْتَ وأهلَكْتَ.
ويذكر أبن حزم أيضا مايلي:
أعلم أنَّ نزول المنسوخ بمكّة كثير، ونزول الناسخ في المدينة كثير وليس في أُم الكتاب ( سورة الفاتحة ) شيء منها، فأمّا سورة ألبقرة وهي مدنيّة ففيها ستّة وعشرون موضعا.
ورد في تفسير الجلالين للآية: (( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))...سورة ألبقرة، ألآية 106 مايلي:
" وَلَمَّا طَعَنَ الْكُفَّار فِي النَّسْخ وَقَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا يَأْمُر أَصْحَابه الْيَوْم بِأَمْرٍ وَيَنْهَى عَنْهُ غَدًا نَزَلَ : "مَا" شَرْطِيَّة : "نَنْسَخ مِنْ آيَة" أَيْ نَزَلَ حُكْمهَا : إمَّا مَعَ لَفْظهَا أَوْ لَا وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ النُّون مِنْ أَنْسَخ : أَيْ نَأْمُرك أَوْ جِبْرِيل بِنَسْخِهَا "أَوْ نُنْسِهَا" نُؤَخِّرهَا فَلَا نُنْزِل حُكْمهَا وَنَرْفَع تِلَاوَتهَا أَوْ نُؤَخِّرهَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَفِي قِرَاءَة بِلَا هَمْز مِنْ النِّسْيَان : أَيْ نُنْسِكهَا أَيْ نَمْحُهَا مِنْ قَلْبك وَجَوَاب الشَّرْط "نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا" أَنْفَع لِلْعِبَادِ فِي السُّهُولَة أَوْ كَثْرَة الْأَجْر "أَوْ مِثْلهَا" فِي التَّكْلِيف وَالثَّوَاب "أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" وَمِنْهُ النَّسْخ وَالتَّبْدِيل وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِير ".
جوهر ألمشكلة يكمن في تساؤلَيْن: هل مِن المنطق أنْ يُغيِّر ألله رأيه ويُفنِّد ما قاله بألأمس ويأتي بحكم أو تشريع جديد؟ ألا يتناقض هذا الامر مع علم ألله وهو ألعلّام ألحكيم؟ ثمّ لِمَ ينسى محمّد بعض ألآيات وهو نبّي مدعوم بقدرة ألله ؟
وألأدهى من ذلك ( وحسب قول بعض ألمُفَسِّرين ) أنَّ عملية تغيير ألرأي أو ألتشريع هذا يحدث في بعض الحالات نتيجة لأعتراض بعض ألصحابة أو نتيجة أقتراح منهم. إنَّ بعض أحكام وتشريعات ألقرآن تبدلّت نتيجة لتبدّل وضع الدعوة ألأسلامية أيضا، ولتوضيح ذلك لنضرب مثلا بآية ألسيف ((فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))..سورة ألتوبة، ألآية 5.
فهذه ألآية نَسَخَتْ ألعديد من ألآيات ألقرآنية، وهي أخطر آية في ألقرآن وعليها وعلى مماثلاتها يستند ألمتطرفون وألإرهابيون ألإسلاميون في إرتكاب جرائمهم بحق ألإنسانية، وعليها أستند ألمسلمون ألأوائل أثناء غزواتهم من أجل ألغنائم وألسبي أو ما سُمي بألجهاد.
ففي بداية ألدعوة ألأسلامية وعندما كان المسلمون قلّة وضعفاء في مكّة نزلت آيات عديدة تأمر ألمسلمين بدعوة النّاس الى الايمان بالدين الجديد باللين والموعظة الحسنة ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) سورة ألنحل ،ألآية 125.
وبعد أنْ اصبح ساعد المؤمنين قويا في ألمدينة نزلت آية السيف الّتي نَسخَت جميع ألآيات ألّتي نَزلتْ قبلها وألّتي كانت تأمر ألمسلمين بدعوة النّاس الى ألاسلام باللين والحكمة اي باتباع اسلوب الاقناع.
وهنا يتضح سبب كون نزول ألآيات المنسوخة بمكّة كثير، ونزول ألآيات الناسخة في المدينة كثير.
مثال آخر على الناسخ والمنسوخ في القرآن هو تحريم الخمر، فهناك عدّة آيات قرآنية نَزلت حول الخمر وبفترات زمنية مختلفة، يقول أبو عبدلله محمّد بن حزم في كتابه ما يلي:
((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )) سورة البقرة، الآية 189.
فلمّا نزلت هذه ألآية أمتنع قوم عن شربها وبقي قوم، ثمّ أنزل ألله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ....)) سورة النساء، الآية 43.
وكانوا يشربون بعد العشاء ألآخرة ثمّ يرقدون، ثمّ يقومون من غد وقد صحوا، ثمّ يشربونها بعد الفجر إنْ شاؤا فاذا جاء وقت الظهر لا يشربونها ألبتّة، ثمّ أنزل ألله تعالى (( فاجتنبوه ))، اي فاتركوه واختلف العلماء، هل التحريم هو هنا او في قوله تعالى (( هل انتم منتهون )) لانّ المعنى انتهوا، كما قال في سورة الفرقان (( اتصبرون )) والمعنى أصبروا.
السؤال المطروح هنا: لماذا غيّر ألله رأيه وبهذه الطريقة؟ ولم لمْ يحرّم الخمر بآية واحدة فقط؟
المدافعون عن هذا التسلسل في التحريم يدّعون بانّ المسلمين الاوائل كانوا مدمنين على الخمر الى درجة لا يمكنهم من ترك شربها بين ليلة وضحاها، لذلك أراد ألله أنْ يعينهم على تركها بالتدريج، وهذا يعني أنّ ألآيات ألقرآنية كانت تنزل لأناس عاشوا في تلك الحقبة من الزمن فقط، ولتوضيح هذا الامر لنفترض أنّ أحد المشركين او احد من اهل الكتاب أسلَمَ في عصرنا هذا وكان هذا الشخص مدمنا على الخمر كما كان المسلمون الاوائل، التساؤل الّذي يرد على الخاطر في هذه الحالة هو:
هل يجوز لهذا المسلم الجديد أنْ يشرب الخمر بعد الانتهاء من تأدية صلاة العشاء لفترة زمنية معينة ثمّ يترك الشرب تدريجيا بعد ذلك اسوة بالمؤمنين السابقين في بداية الرسالة المحمّدية وألّذين تركوا شرب الخمر بالتدريج؟
المفسّر جلال الدين السيوطي في كتابه ( لباب النقول في اسباب النزول ) يروي حكاية غريبة حول ألآية (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ..... )) سورة النساء، ألآية 43، حيث يذكر بأنّ المسلمين استمرّوا في شرب الخمر بعد نزول هذه ألآية بعد اكمالهم صلاة العشاء، وفي احدى ألليالي أجتمع حمزة بن عبدالمطلب مع جماعة من أصحابه في احدى بيوت الصحابة وشربوا الخمر حتّى سكروا وعندما جاعوا ولم يجدوا طعاما لديهم، خرج حمزة من البيت وجلب ناقة ابن عمّه علي بن ابي طالب وذبحها ثمّ اكلوها، في الصباح روى علي بن ابي طالب ما حدث للنّبي محمّد ولذلك نزلت آية تحريم الخمر:
(( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ )) سورة المائدة، ألآية 91.
كما روى ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار . حدثنا عبد الرحمن بن عبدالله الدشتكي أبو جعفر . عن عطاء بن السائب , عن أبى عبد الرحمن السلمي , عن علي بن أبي طالب قال:
"صنعَ لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما , فدعانا , وسقانا مِن الخمر , فأخذتْ الخمر منّا , وحضرَتْ الصلاة , فقدّموا فلانا قال: فقرأ: قل يا أيها الكافرون . ما أعبد ما تعبدون . ونحن نعبد ما تعبدون ! فأنزَل الله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون " .
هنالك امر آخر أثار دهشتي في موضوع الناسخ والمنسوخ حول ألآية (( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) سورة البقرة، الآية 175 وسورة النحل، ألآية 115.
يقول المُفسِّر ابو عبدالله محمّد بن حزم بأنّ محمّدا نَسخَ ألآية المذكورة بحديث حيث أستثنى من تحريم الميتة الحوت والجراد ومن تحريم الدّم الكبد والطحال ويذكر الحديث الآتي:
(روى أَبُو عَبْد اللَّه الشَّافِعِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ : فَالْحُوت وَالْجَرَاد وَأَمَّا الدَّمَانِ : فَالْكَبِد وَالطُّحَال" . وَرَوَاهُ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَلَهُ شَوَاهِد رُوِيَ مَوْقُوفًا وَاَللَّه أَعْلَم .).
انّ تحريم الميتة والدّم وحسب منطوق ألآية تحريم شامل لكل حيوان ميّت ولجميع الدماء ولايستثني ايّ حيوان أو ايّ نوع مِن ألدماء من هذا التحريم، فهل من المنطق انّ ألله يغفل عن استثناء الحوت والجراد والكبد والطحال عن التحريم ثمّ يأمر محمّد ألمسلمين بجواز أكلهم؟
اذا قبلنا بصدق هذا الحديث فسنواجه مشكلة عويصة وهو أنّ الله لم يدرك أنَّ تحريم اكل الحوت الميّت للساكنين على البحار هو امر صعب التطبيق، وأنّ تحريم أكل الجراد الميّت للّذين يعيشون في اعماق الصحارى هو امر صعب التطبيق ايضا وهذا يتناقض مع قدرة ألله وعلمه الواسع.
أمّا اذا قلنا أنّ هذا الحديث مُلَفَّق فيجب علينا كمسلمين أنْ نمتنع عن اكل الحوت والجراد والكبد والطحال.
أمّا ألأحتمال ألأخر ألّذي يرد على البال في هذا الصدد فسيؤدّي بنا الى انكار نزول الوحي على النّبي محمّد وبعبارة اخرى أنّ القرآن الكريم هو من تأليف محمّد وقد تراجع عن تحريم الحوت والجراد والكبد والطحال لاكتشافه صعوبة تطبيق التحريم او نتيجة اعتراض بعض الصحابة على ذلك.
إنَّ النَسْخَ في القرآن ثلاثة انواع: نَسْخُ الخط والحُكم، عن أنس بن مالك قال: كنّا نقرأ سورة تعدل سورة التوبة ما احفظ منها الّا هذه ألآية ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى اليهما ثالثا ولو أنّ له ثالثا لأبتغى اليه رابعا ولا يملأ جوف أبن آدم الّا ألتراب ويتوب ألله على من تاب ).
وألثاني: نسخ الخط دون ألحُكم. عن عمر قال: كنّا نقرأ ( لا ترغبوا الرغبة عنهما ) بمعنى الاعراض عن ابائكم، ومن ذلك أيضا ( الشيخ والشيخة اذا زنيا فأرجموهما ألبتّة نكالا من ألله وألله عزيز حكيم ) معناه المحصّن وألمحصّنة.
وألثالث: نَسْخُ الحُكم دون الخط أوله أمر القبلة بأنّ المصلّي يتوجه حيث شاء لقوله عزّ وجل (( فأينما توّلوا وجوهكم فثمة وجه ألله )) فنُسِخَ ذلك بالتوجّه الى بيت المقدس، ثمّ نُسِخَ بقوله عزّ وجل (( فوّل وجهك شطر ألمسجد ألحرام )).
وهنا يدخل عقل الانسان في متاهة ويتسائل: لِمَ لَمْ يقرر ألله مِن البداية جعل الكعبة قبلة للمسلمين؟ أليس هذا انتقاص من علم وقدرة ألله ؟ ثمّ أنّ القرآن يذكر بأنّ ألله أقرب اليكم من حبل الوريد، فما الحكمة من التوجه نحو الكعبة؟ واذا تَقدّمَ العلم وسكنَ الانسان في ألقمر أو في كواكب اخرى او كان في محطة فضائية تدور حول الارض فكيف نتمكّن من تحقيق هذا الأمر؟
إنَّ السوَر الّتي لم يدخلها ناسخ ومنسوخ هي ثلاث واربعون سورة من مجموع سور ألقرآن البالغة مائة واربع عشر سورة. وانّ عدد السور ألّتي فيها ناسخ وليس فيها منسوخ هيّ ستّ سور، أمّا السور ألّتي دخلها منسوخ ولم يدخلها ناسخ فعددها أربعون سورة وأخيرا ألسور ألّتي دخلها ألناسخ وألمنسوخ فعددها خمسون وعشرون سورة أولها سورة ألبقرة.
هنالك في ألقرآن العديد من الامثلة على الناسخ والمنسوخ وكلّها تثير الشكوك في عقل الانسان ولا نجد اجوبة شافية لها، وكل هذا يُثبت بشرية ألقرآن.



3. حديث ألغرانيق:

" أفرأيتم أللات وألعزى * ومناة ألثالثة ألأخرى * تلك ألغرانيق ألعلى * وإنّ شفاعتهن لترتجى*".
مِنْ أهم ألأدلة على بشرية ألقرآن هو حديث ألغرانيق في ألقرآن، وذلك أنّ محمدا كان حريصا على إسلام قومه لاسيما عشيرته ألأقربين، فقد كان متهالكا على إسلامهم، حريصا على إنقيادهم إليه أشد ألحرص، غير أنّهم كانوا يزدادون كل يوم إعراضا عنه، وشقاقا ومخالفة له، وكان أشد ما يُغيضهم عيبه لآلهتهم.
ففي يوم من ألأيام تغلبت عليه ألعاطفة ألنَسَبية حتى جعلته يفكر أن يقول ما يستميلهم إليه ولا ينفرهم عنه لعله يتخذ ذلك طريقا إلى إسلامهم وإنقيادهم إليه.
فبينما هو ذات يوم في نادي قومه، وهذه ألفكرة في نفسه، نزلت عليه سورة ألنجم فأخذ يقرأها حتى قرأ :
" أفرأيتم أللات وألعزى * ومناة ألثالثة ألأخرى * تلك ألغرانيق ألعلى * وإنّ شفاعتهن لترتجى* "، ففرح ألقوم أشد ألفرح حتى أنّه لمّا سجد في آخرها، سجد معه جميع من في ألنادي وطابت نفوسهم، ولكنه لم يلبث أن رأى أنّ ذلك مخالف لمبدئه، ومناف كل ألمنافاة للأساس ألذي وضعه للدعوة ( ألتوحيد...... لاإله إلا ألله )، فرجع عنه وأسقط مدح آلهتهم من ألقرآن، وجعله يُقرأ هكذا : " أفرأيتم أللات وألعزى * ومناة ألثالثة ألأخرى * ألكم ألذكر وله ألأنثى * تلك إذن قسمة ضيزى* " ...... (سورة ألنجم، ألآيات 19- 20، ألسيرة ألحلبية، 1/ 324-325 وأنظر تفسير أبن كثير وتفسير ألقرطبي للآية 52 من سورة ألحج).
ثم أنّ محمدا أعتذر عن ذلك في آية أخرى وردت في سورة ألحج وهي : " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنّى ألقى ألشيطان في أُمنيته فينسخ ألله ما يُلقي ألشيطان ثم يُحكم ألله آياته وألله عليم حكيم * ليجعل ما يُلقي ألشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض ".... سورة ألحج ألآيتان 52-53.
لنلقي نظرة على ألآيتين ألتبريريتين ألمذكورتين في سورة ألحج أعلاه، فألآية ألأولى تقول : أن ألرسل وألأنبياء من قبلك كانوا مثلك يتدخل ألشيطان في وحينا إليهم ويبدل ويضيف، وهذا لعمري تبرير غير منطقي لكبوة محمد،
أمّا ألتبرير ألثاني (ليجعل ما يُلقي ألشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض) فألعذر أقبح من ألذنب، ومعناه أنّ ألغرض من هذه ألغلطة هو إمتحان وإبتلاء للذين في قلوبهم مرض!!!
ألا يدري ألله ألعليم ألحكيم من هو ألمؤمن ألحقيقي ومن هو ألذي في قلبه مرض؟ ألا يتنافى هذا ألكلام مع صفات ألألوهية ألتي جاء بها محمد في ألقرآن؟
وخلاصة ألأعتذار ألوارد في قوله: تلك ألغرانيق ألعلى وإنّ شفاعتهن لترتجى، ليس من ألوحي، وإنّما قاله ألشيطان على لسان محمد فأسمعه ألناس.
أنّ وقوع محمد في هذه ألغلطة ألشنيعة، دلالة واضحة على أنّ ألوحي كله كلام محمد.



4. أساطير ألقرآن:

" ألأسطورة هي حكاية مقدسة مؤيدة بسلطان ذاتي".... فراس ألسواح.
للدين مكونات أساسية بدونها لا نستطيع ألتعرف على ألظاهرة ألدينية وآخرى ثانوية لا تلعب دورا حاسما في تكوين ألدين، أو في تعرفنا على ألظاهرة ألدينية.
ألمكونات ألأساسية للدين هي: ألمعتقد وألطقس وألأسطورة.
في هذه ألمقالة سنتناول ألأساطير (ألميثولوجيات) ألتي وردت في ألقرآن.
جاء في سورة ألفرقان، الآية 5 مايلي: " وقالوا أساطير ألأولين أكتتبها فهي تًملى عليه بكرة وأصيلا " وهنا إشارة إلى إتهام ألمشركين لمحمّد بإستلهامه قصص ألأولين ألمكتوبة.
يذكر فراس ألسواح في كتابه " دين ألإنسان " معرفا ألأسطورة : " ألأسطورة هي حكاية مقدسة مؤيدة بسلطان ذاتي "، وألسلطان ألذاتي للأسطورة هنا لا يأتي من أية عوامل خارجة عنها، بل من أسلوب صياغتها وطريقة مخاطبتها للجوانب ألإنفعالية وغير ألعقلانية في ألإنسان، وهذه هي ميزة ألأساطير في ألقرآن كما أنّ هذه ألأساطيرلا تستيغها ألمنطق وتتميز أيضا بتناقضاتها مع ألمكتشفات ألعلمية.
تنشأ ألأسطورة عن ألمعتقد ألديني، وتكون إمتدادا طبيعيا له، فهي تعمل على توضيحه وإغنائه، وتثبته في صيغة تساعد على حفظه وتداوله بين ألأجيال، كما أنّها تزوده بذلك ألجانب ألخيالي ألذي يربطه إلى ألعواطف وألإنفعالات ألإنسانية.
معظم ألأساطير في ألقرآن هي إقتباسات من أساطير ألديانات وألمعتقدات ألسابقة على ألدين ألإسلامي، فمحمد أقتبس كثيرمنها من كتب أليهود كالتوراة وألتلمود وألكتب ألغير ألقانونية (ألمنحولة ) للدين ألمسيحي وكذلك من ألدين ألزرداشتي، كما أنّ معظم أساطير ألتوراة مقتبسة من أساطير حضارات وادي ألرافدين كالحضارة ألسومرية وألبابلية،
وفيما يلي سنتناول واحدة من هذه ألأساطير ألتي وردت في ألقرآن بألتفصيل:

4.1. أساطير ألتكوين :
لم يدرك مؤلف ألقرآن أنّ ألآية – 7 من سورة هود (( وهو ألذي خلق ألسموات وألأرض في ستة أيام وكان عرشه على ألماء )) تتناقض مع ألمطلق ولا ألمحدود وألألوهية، فوجود ألعرش هي ميزة مترادفة مع ألملوك ووجود ألماء قبل خلق ألكون يتعارض مع ألخلق من ألعدم. كما أنّ ألخلق في ستة أيام يناقض قدرة ألله، فحسب ألقرآن فألله إذا أراد شيئا فإنّما " يقول له كن فيكون ".
إنّ محمّدا جرى في ألقرآن على ألنظرية ألقديمة ألتي كانت شائعة في زمانه، فأعتبر ألأرض مركزا للعالم، وإذا كانت مركزا فلابد أن تكون هي ألتي خُلقت أولا قبل ألسموات، ولذا قال في سورة ألبقرة ألآية 29 " هو ألذي خلق لكم ما في ألأرض جميعا ثم أستوى إلى ألسماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم ".
وفي سورة فصلت ألآيات : 9-12 قال:
" قل إنّكم لتكفرون بألذي خلق ألأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب ألعالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثمّ أستوى إلى ألسماء وهي دخان فقال لها وللأرض أئتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها .... "
إنّ هذه ألآية جاءت بألأعاجيب، إذ من ألمعلوم أنّ خلق ألأرض وألسموات في ستة أيام خرافة مذكورة في ألتوراة، ولكن محمدا أخذها وتصرف فيها تصرفا غريبا، فقسّم ألأيام ألستة إلى ثلاثة أقسام إذ جعل منها يومين لخلق ألأرض، ويومين لإكمالها بألبسط وألدحو، ويومين لخلق ألسماوات ألسبع.
ولو أنّه جرى على هذا ألترتيب لهان ألخطب، ولكنه لم يجرِ عليه بل عمدَ أولا إلى ألأرض قبل خلق ألسموات فخلقها ناقصة غير كاملة أي خلق جرمها فقط فلم يبسطها ولم يجعل فيها جبالها ولم يقدر فيها أقواتها وذلك في يومين، ثم أستوى إلى ألسماء وهي دخان أي توجه إليها يريد خلقها، فقضاهن سبع سموات في يومين، ثم رجع فأكمل ألأرض ببسطها وإرساء جبالها وتقدير أقواتها كما جاء ذلك مصرحا في سورة ألنازعات ...الأيات 30-32 إذ قال:
" وألأرض بعد ذلك دحاها * (أي بعد خلق ألسموات) فأخرج منها ماءها ومرعاها * وألجبال أرساها "، وكان إكمال خلق ألأرض في يومين أيضا، فكان ألمجموع ستة أيام، ويظهر أنّ خلق ألأرض كان أشق على ألله من خلق ألسموات ألسبع.
فلذا نراه بعدما خلق جرم ألأرض في يومين ترك ألدوام على ألعمل لإكمالها لأنّه شاق ومتعب، فعمد إلى خلق ألسموات ألذي هو سهل لا مشقة فيه، فأشتغل بإكمال ألأرض حتى أكملها في يومين أيضا، فأستغرق خلق ألأرض وإكمالها أربعة أيام سواء للسائلين، أفلا يحق لنا بعد هذا أن نقول إنّ هذه ألآيات جاءت بألأعاجيب.
إنّ ألعبارة ألقرآنية (( وكان عرشه على ألماء )) مقتبسة من عبارة في ألتوراة ((وألظلمات تغطي ألغمر وروح ألله ترفرف على ألمياه))، وعبارة ألتوراة مقتبسة من أساطير ألخلق ألسومرية وألبابلية، فمن ألمعلوم أنّ ألتوراة دونت وأخذت شكلها ألنهائي من قبل ألكاهن أليهودي عزرا أثناء ألسبي ألبابلي.
أنّ ألإحدى عشر فصلا من ألتكوين تروي ألأحداث ألخرافية ألتي سبقت أختيار إبراهيم منذ ألخليقة حتى ألطوفان وبرج بابل.
في أسطورة بابلية نقرأ: ((في تلك ألأزمان ألأولى. لم يكن سوى المياه)). وحسب ألأسطورة يقوم الإله مردوخ بشطر جسد الإله تعامة (المياه الاولى) الى نصفين، فيرفع الاول سماء، ويبسط الثاني ارضا، وفي الأسطورة ألتوراتية، يقوم إله العبرانيين يهوه أيضا، بفصل ألمياه ألأولى إلى شطرين، رفع ألأول إلى ألسماء وبسط ألثاني ألذي تجمّع مياهه في جانب، وبرزت منه أليابسة في جانب آخر- سفر التكوين- الاصحاح الاول.
وفي ألقرآن نجد واقعة فصل السماء عن الارض ( أو لم ير ألذين كفروا أنّ ألسموات وألأرض كانتا رتقا ففتقناهما )- سورة ألأنبياء- ألآية 30.
أمّا بألنسبة لخلق ألرجل ألأول من ألغضار( تُرابٌ طينىٌّ دقيق الحبيبات ، كثيرُ الاندماج والصلابة )، فإنّ ألفكرة كانت معلومة لمؤلفي ألتوراة منذ أساطير سومرِ:
أي بني، انهض من مضجعك انهض من (....)
واصنع امرا حكيما
اجعل للآلهة خدما، يصنعون (لهم معاشهم)
فتأمل انكي مليا في الامر، ثم دعا الصناع الاهليين المهرة وقال لامّه نمو:
إنّ الكائنات التي ارتأيت خلقها، ستظهر للوجود
ولسوف نعلق عليها صورة الآلهة
امزجي حفنة من الطين، من فوق مياه الاعماق
وسيقوم الصناع الالهيون المهرة بتكثيف الطين (وعجنه)
ثم كوّني انتِ له اعضائه
وستعمل معك ننماخ (آلهة الأمومة) يدا بيد
ولسوف تقدرين للمولود الجديد، يا اماه مصيره
وتعلّق ننماخ عليه صور الآلهة (....) في هيئة ألإنسان (....).
(تعليق صور الآلهة على ألإنسان يُعنى به جعل ألإنسان ألمخلوق على صورة ألآلهة).

وثمة أساطير مشابهة قد تأكدت تقريبا في أمكنة عديدة من ألعالم، بدءا من مصر ألقديمة وأليونان حتى ألشعوب ألبدائية. فألفكرة ألأساسية تبدو نفسها:
ألإنسان تشكّل من مادة أولية ( أرض،خشب،عظم ) وأنّه أعطي ألحياة بنفس ألخالق وفي ألعديد من ألحالات، أنّ شكله هو ذات شكل خالقه، كما جاء في ألأسطورة ألسومرية.

في ألقرآن أساطير عديدة أخرى منافية للعقل وألمنطق وألعلم ومعظمها أقتباسات من ألأديان ألسابقة على ألدين ألإسلامي ولها جذور في أساطير ألحضارات ألرافدينية كالسومرية وألبابلية وألفرعونية ألمصرية ألقديمة، وللتفاصيل يُمكن مراجعة كتابنا " ثورة ألشك ". نذكر منها على سبيل ألمثال لا ألحصرمايلي:
4.2. أسطورة أبليس ألملاك ألساقط.
4.3. أسطورة قابيل وهابيل.
4.4. أسطورة ألطوفان وسفينة نوح.
4.5. أسطورة ألنبي إبراهيم.
4.6. أسطورة ألملك سليمان وألهدهد وألملكان هاروت وماروت.
4.7. أسطورة أهل ألكهف.
4.8. أسطورة ألنبي يونس وألحوت.
4.9. أساطير ألنبي موسى.
4.10. أسطورة ذي ألقرنين وياجوج وماجوج.
4.11. اسطورة معجزات ألنبي عيسى بن مريم.
4.12. أسطورة ألنبي يوسف بن يعقوب.
4.13. أساطير ألجنة وجهنم.
4.14. أساطير ألجن وألملائكة وألسحر.
4.15. أسطورة ألإسراء وألمعراج.

أضافة إلى ما تم ذكره في حلقات هذا ألبحث من ألأدلة على بشرية ألقرآن، هنالك أدلة أخرى لم نتطرق إليها في هذا ألبحث كالأخطاء ألعلمية ألأخرى، وألأخطاء ألنحوية، وألركاكة ألبلاغية لبعض ألآيات، ووجود كلمات غير عربية في ألقرآن كالكلمات ألسريانية وألفارسية وألحبشية، وألأخطاء ألتاريخية، وألأخطاء ألجغرافية.


54
مقارنة بين مباديء حقوق الإنسان ومباديء الدين الإسلامي


" إنّ الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم".... من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

مقدمة:
إنّ الانبياء والرسل هم بشر توهموا بأنهم يتلقون وحيا من السماء وتشريعاتهم سببت وتسبب وستسبب في نشوب الصراعات والحروب بين منتسبي الاديان المختلفة وبين الطوائف المختلفة للدين الواحد.
إن فكرة الثواب والعقاب في يوم القيامة ساهمت وتساهم وستساهم في بعض الحالات في ردع شريحة من النّاس وخاصة الجهلاء منهم من ارتكاب الجرائم والتجاوز على حقوق الآخرين، لكنّ بعض تعاليم الاديان السماوية لا تواكب تطوّر العقل الانساني وتطوّر المجتمعات الانسانية وحضارته، لذا يثار سؤال ملح وهو:
- إذا كان العقل الانساني وحاجاته في تطوّر مستمر عبر العصور وانّ هناك حاجة لتشريعات مستجدّة تواكب هذا التطوّر، هل اخطأ الأنبياء بحق الإنسانية بإدعائهم النبوة؟
- اليس من الافضل اعتماد دستور يشارك في وضعه عقلاء القوم المنتخبين من قبل الاكثرية لتنظيم العلاقات في المجتمع بدلا من اعتماد تشريعات تمّ وضعها من قبل شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص وفي مكان وزمان لا هي مكاننا ولا هي زماننا؟
- أليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أفضل من التشريعات ألتي وردت في القرآن؟
للإجابة على الإستفسار الأخير سنحاول إجراء مقارنة بين بعض مباديء حقوق الإنسان ومباديء الدين الإسلامي الواردة في ألقرآن.
قبل التطرق لمقارنة مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع الآيات القرآنية لنلقي نظرة على الديباجة التي وردت في مقدمة مواد حقوق الإنسان البالغة ثلاثون مادة:
الديباجة:
لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.
ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.
ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.
ولما كان من الجوهري تعزيز تنمية العلاقات الودية بين الدول.
ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.
ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها.
ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد.
فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها.

1. العبودية :
" أن أكثر ما قدمه القرآن للعبيد كان التصدق عليهم، أو عتق رقبة في بعض الأحيان دون أن يعني ذلك عدم امتلاك المزيد من الرقاب، لا بل فرض الجهاد على المسلمين لامتلاك المزيد منها".

مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حول العبودية:
المادة-1: يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.
المادة-4: لايجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.

الآيات القرءانية حول العبودية التي تناقض مباديء حقوق الإنسان الواردة أعلاه:
• { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [النساء:3].
• {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [النحل:71] .
• {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [النحل:75].
• {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:6] .
• {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:30] .
• {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم:28] .
• {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177] .
• {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:178] .
• {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:221].
• {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:50] .
• {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب:52] .
• {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب:55].
• { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا{ [النساء:24] .
• {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [النساء:25] .
• {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36] .
• {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:92].
• {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] .
• {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32] .
• {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور:33] .
• {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58] .
• {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:3] .
• {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89] .
• {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] .

الخلاصة:
ألقرآن ذكرَ العبيد والجواري في (6) آيات مكية، و(20) آية مدنية، والإجمالي (26)، وأنّ السور المتعلقة بالجواري وملكات اليمين في الآيات المكية هي ليست من بداية النزول، بل هي في نهايات الآيات المكية، إلا آية واحدة منها تدعو لفك الرقبة، ولا يوجد ذِكر لملكات اليمين إلا بعد وفاة خديجة، وبعد نزول الوحي بحوالي عشر سنوات، وحتى أنه بعض تلك الآيات الستة المكية مشكوك في مكيتها، ويدعي بعض علماء الإسلام أنها مدنية، 23% من ذكر العبيد في القرآن كان في المكي، و77% كان في المدني، وحتى النهاية كان القرآن يشرع ويسن القوانين لعالم العبيد وليس لعالم بلا عبيد.
أما عن معاني الآيات المذكورة أعلاه فإنها تتحدث عن عتق رقبة في بعض الحالات، وعن تكفير من يقول أن عيسى ابن الله، وتشبيه من يقول ذلك بمن يقول أن العبد مثل الحر، وحرية مضاجعة الجواري او ملكات اليمين، وفي القصاص من قتل عبدك تقتل عبده، والدعوة للتحجب كي تعرف الحرة من الجارية كي لا يتحرش بها أحد، وكأن ذلك موافقة على التحرش جنسياً بالجواري.
و[البقرة:22] كانت بداية تُشجِع بالزواج من الجواري، وبعدها نزلت [النساء:25] لتحرم الزواج منهن إلا بشروط وعند الضرورة، وحتى لو توافرت تلك الشروط فالصبر على عدم الزواج بهن أفضل، ولو قامت الجارية بفاحشة بعد الزواج فعليها نصف ما على المحصنات لأنها أبداً لن تصل لمستوى الحرائر، وفي حال القتل العمد الدعوة لعتق رقبة لكن بشرط ان تكون رقبة مؤمنة، ويمكن بدل ذلك صيام شهرين [النساء:92]، وفي مناسبة أخرى وتاريخ لاحق الدعوة لعتق رقبة أو بدل ذلك صيام ثلاثة أيام (فقط) [المائدة:89]، ودعوة على التصدق على العبيد، وتوبيخ موجه للنبي محمد كونه حرم على نفسه مضاجعة إحدى جواريه.
أن أكثر ما قدمه القرآن للعبيد كان التصدق عليهم، أو عتق رقبة في بعض الأحيان دون أن يعني ذلك عدم امتلاك المزيد من الرقاب، لا بل فرض الجهاد على المسلمين لامتلاك المزيد منها.
انتهى نزول المدني والذي كان هو الجزء الأخير من القرآن، وفيه سنت القوانين التي تنظم عالم العبودية، وأتم محمد رسالته ونزلت الآية لتقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة]، اتممها دون ان يذكر كلمة واحدة عن تحرير العبيد، ومن المعلوم أنه في الإسلام تحريم المحلل كتحليل المحرم، لذا لا أحد يمكنه تحريم العبودية التي أقرها الله في آياته، المفروض أن الله لا يستحى من الحق، فلو كانت هناك أية فكرة عن تحرير العبيد لنطق بها النبي محمد وذُكِرَت في القرآن.
يقول القرآن: {َإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58]، فأين كانت تلك العدالة في آيات العبودية والعبيد، وماذا فعل محمد لرعاياه العبيد حين قال "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"، لماذا لم ينطق نبي الإسلام بتحريم العبودية وهو الذي تحدى الأصنام المقدسة وحطمها بكل قوة، لماذا لم يواجه التمييز بين البشر لو كان مقتنعاً، ألا يعني ذلك أنها كانت بعيدة عن مدركاته، وقد قيل "كل ما سكت عنه فهو صالح" وبالنهاية التمييز بين البشر لا يتعارض مع الحكم العادل من وجهة نظر الشرع الإسلامي، والحديث عن التدرج في تحريم العبودية هو حالة نفسية تلبس بها البعض نتيجة الجهل المتوارث، ويدعيها بعضٌ آخر للنفاق والاسترزاق.
لو كانت حجة التدرج صحيحة لسنت بعض القوانين التي ربما كانت ستقلل مع مرور الزمن من أعداد العبيد، كمنع امتلاك المزيد من العبيد والاكتفاء بالعبيد الموجودين سابقاً في المجتمع، والتشريع لأن يكون أولاد العبيد أحراراً، أو على الأقل الأولاد المولودين لزوجين احدهما عبد أن يكونوا أحرارا.
لكن بعكس ذلك فرق الإسلام بين الأحرار والعبيد في شكل الحجاب والعورة، وطرق العبادة، والزواج، و حرمهم من المغانم في حالة (ما يسمى الجهاد في سبيل الله)، وجعل عدة الجارية نصف عدة الحرة، وجعل عقوبتها نصف الحرة في الحدود، وأعتبر العبيد أموالاً، ونزلت الآيات (المقدسة) حتى آخر لحظة لتثبت وتقر ما تم ذكره وتؤكد على دونيتهم.
ختاما نود أن نبين بأنّ ممارسات الدولة الأسلامية (داعش) وما شابهها، بسبيهم للأسرى من الرجال والنساء والأطفال وبيعهم في أسواق النخاسة وممارستهم الجنس مع النساء الأسيرات مستندة للآيات القرآنية المذكورة في هذا البحث، والحل هو عدم الإعتماد على نصوص القرآن في دساتيرنا بالقول: "الإسلام مصدر أساسي لتشريع الدستور".

5. العقوبات:
"وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".... [المائدة: 38].

المادة - 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
"لايُعرَض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة".
العقوبات في الإسلام عدة مراحل، أولها مرحلة العقوبات في الحياة الدنيا تليها العقوبات في القبر، أي عذاب القبر وأخيرا مرحلة العقوبات في الآخرة اي في يوم الحساب.
ألآيات التي وردت في القرآن حول تشريعات العقوبات:
• " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " [النور: 4].

• " الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ " [النور: 2].
• " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " [المائدة: 38].

• " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:178].

• " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [المائدة: 33].

• " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " [المائدة: 45].

ألخلاصة:
- أن العقوبات الشرعية قديمة وجامدة وقد عفّى عليها الزمان ، وتجاوزتها الحضارة ، ولم تعد ملائمة لهذا العصر، عصر التقدم والمدنية ، والتحضر التقني والصناعي . فالأخذ بها تقهقر بالإنسانية الراقية ، ورجعة بها إلى عهود الظلام الدامس ، والقرون الوسطى.
- أن العقوبات الشرعية تتسم بالقسوة والهمجية التي تبعث على الاشمئزاز ولا تتناسب وروح هذا العصر ، وإنسانيته ، وحمايته لحقوق الإنسان وكرامته.
- أن العقوبات الشرعية تهمل شخصية المجرم وتأثير البيئة فيه، فهي لا تتفق مع النظرية الحديثة في تحليل نفسية المجرم ، وأنه مريض النفس ، منحرف المزاج ، متأثر بما حوله ، بل هو ضحية من ضحايا المجتمع ، والذي يعدّ مشتركاً معه لسبب أو لآخر فيما أقدم عليه ، فكان من العدالة أن يتقاسم معه المسؤولية ، وأن يعمل على علاجه لا عقابه.
- إن العقوبة بتقطيع الأطراف فيها إضرار بالمجتمع ، وذلك بإشاعة البطالة فيه ، وتعطيل بعض الطاقات البشرية التي كانت تسهم في العمل والإنتاج ، وتكثير المشوهين والمقطعين الذين أصبحوا عالة على المجتمع بسبب عجزهم عن الكسب والإنفاق ، فيجب أن يستعاض عن هذه العقوبة بالحبس مع التربية والتوجيه.
- إن القصاص عقوبة قاسية لا تراعي شخصية المجرم وظروفه ودوافعه ، كما أن جعل القصاص حقاً لأولياء القتيل ؛ فيه تغليب لجانب الانتقام ، واعتباره أساساً للعقاب ، وهذا من الهمجية الأولى ، ولا يتفق مع التحضر والمدنية ، واعتبار العقاب تهذيباً واستصلاحاً.
- أن تنفيذ حد السكر فيه انتهاك صارخ لحرية الإنسان الشخصية، وتدخّل في خصوصياته، فضلاً عن ما فيه من الغلظة والقسوة التي يأباها عالمنا المتحضر اليوم.
- أن حد القذف وهو الجلد ثمانين جلدة شديد وقاسي ولا يصلح لزماننا هذا.

لو تم تطبيق الحدود الشرعية الواردة في ألقرآن ستكون النتيجة مجتمع مليء بالمعقدين نفسيا والمشوهين والمعوقين والعاطلين عن العمل.


6. حقوق المرأة:

"للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله"..... المادة 16-1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حول مساواة المرأة بالرجل في جميع الحقوق :

المادة 2
لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو (( الجنس )) أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر،(( دون أية تفرقة بين الرجال والنساء )). وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.

المادة 16
( 1 ) للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.

أ‌) ألآيات التي وردت في القرآن حول حقوق ألمرأة:

- " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا "... سورة ألنساء، الآية-11.
- " وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " سورة النساء، الآية -176.
- " وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى " سورة البقرة، الآية - 282.
- " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا " سورة النساء، ألآية - 34.
- " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا " سورة ألنساء، ألآية - 43.
- " وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " سورة البقرة، ألآية -221.
- " فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " سورة الممتحنة، ألآية - 10.
- " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ " سورة المائدة، الآية - 5.
- " وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنّ " سورة النور، الآية - 31.
ألخلاصة :
المؤمنون بالاديان السماوية ( اليهودية والمسيحية والاسلام) يعتقدون بأنّ عقل المرأة اقلّ كفاءة من عقل الرجل. السبب الرئيسي لهذا الاعتقاد هو التشريعات الّتي جاءت بها هذه الاديان. فالدين اليهودي والمسيحي استندا على ما ورد في ألكتاب المقدس حول خرافة خلق اوّل أمرأة (حوّاء) من ضلع اول رجل (آدم)، لذا فالجزء يكون اقلّ شأنا من الكل، والمسلمون تبنّوا هذه الخرافة في عقيدتهم.
انّ التشريعات الّتي جاءت في القرآن حول حقوق المرأة وواجباتها ثبّتت في لاوعي المسلمين الاعتقاد بانّ عقل المرأة اقلّ كفاءة من عقل الرجل، وأرسخت الاحاديث المنقولة عن محمّد هذا الاعتقاد.
ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال: " يا معشر النساء ‏تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن : وبم يا رسول الله؟‏
قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير . ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل ‏الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة ‏مثل نصف شهادة الرجل.‏
قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها.‏
أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟‏
قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها".‏
يقول المدافعون عن تشريع الشهادة في المحكمة " بأنّ الشهادة هي احتكاك بمجتمع لتشهد فيه وتعرف ما يحدث ، والمرأة بعيدة عن كل ذلك في الغالب، إن الأصل في المرأة ألا علاقة لها بمثل هذه الأعمال ، وليس لها شأن بهذه العمليات ، فإذا ما اضطرت الأمور إلى شهادة المرأة فلتكن الشهادة لرجل وامرأتين
لأن الأصل في فكرة المرأة أنها غير مشغولة بالمجتمع الاقتصادي الذي يحيط بها فهي أسمى من هذا ، فقد تُضل أو تنسى فتذكر إحداهما الأخرى ، وتتدارس كلتاهما هذا الموقف ، لأنه ليس من واجب المرأة الاحتكاك بجمهرة الناس وبخاصة ما يتصل بالأعمال إلا في الضرورة القصوى "، ولكن هذا الإدعاء ينطبق على المجتمع الصحراوي الذكوري ألذي ظهر الإسلام فيه ولا ينطبق على مجتمعاتنا ألحديثة.
أمّا المدافعون عن قوّامة الرجال وكون حقّه في الميراث ضعف حق المرأة فأنهم يقولون بأنّ الرجل هو الّذي كان يعمل من اجل توفير القوت للعائلة في المجتمع الجاهلي والمرأة لا تعمل ولكن ما بال المجتمعات الحديثة في القرن الواحد والعشرين؟ الا تعمل المرأة اليوم جنبا الى جنب مع الرجل في جميع المجالات؟ ايتوجب علينا حجر النساء في البيوت حتّى نبرر صحّة هذا التشريع ونثبت بأنّه منزّل من الله؟ الا يدلّ هذا التشريع انّ القرآن تشريع خرج من رحم مجتمع صحراوي ذكوري وملائم لذلك المجتمع فقط، ولا يمكن تطبيق معظم تشريعاته في عصرنا هذا وفي العصور المقبلة.
انّ المرأة المثقفة الواعية هي اساس ولبنة تغيير المجتمع نحو الافضل ومن اسباب تخلّف مجتمعاتنا الشرقية والاسلامية جعل المرأة اقل اعتبارا من الرجل وانّ التشريعات الاسلامية هي من اهم اسباب تخلّف مجتمعاتنا بسب نظرته الدونية للمرأة.
اعتقد انّ سبب اعتبار المرأة في الاسلام اقل شأنا من الرجل هو انّ المشرّع كان يعيش في مجتمع يسيطر عليه الرجال، فلو افترضنا انّ محمّدا صار نبيّا في القرن الواحد والعشرين لجعل حق المرأة في الميراث مساويا للرجل ولجعل شهادتها مساوية للرجل في المحكمة ولم يدعّي بانّ اكثر اهل النار من النساء.
أنّ وعود القرآن للنساء في الجنّة ليست متكافئة مع وعوده للرجال، فالرجال يوعدون بحوريات كواعب اترابا يستطيعون ممارسة الجنس معهنّ انّى يشاؤون، اما النساء فلا يوعدن بشروى نقير.
بعد هجرة المسلمين من مكّة الى المدينة امتدح القرآن تضحيات المؤمنين الذين هاجروا وتركوا اموالهم وديارهم ولم يذكر المؤمنات اللواتي هاجرن فأعترضت احدى النساء المؤمنات على هذا الغبن الّذي اصاب النساء عند محمّد وتمّ تصحيح الوضع بآية اخرى نزلت بعد ذلك. يذكر الشيخ جلال الدين السيوطي في كتابه (لباب النقول في اسباب النزول) مايلي:
أخرج عبدألرزاق وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم وأبن أبي حاتم عن أم سلمة أنّها قالت: يارسول ألله لا أسمع ألله ذكر ألنساء في ألهجرة بشيء فأنزل الله " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ " سورة آل عمران ألآية 195.
حسب هذه الرواية فإنّ أم سلمة تُعتبر أول أمرأة تدافع عن حقوق بني جنسها في تاريخ ألإسلام، وأنّ تشريعات ألقرآن يتم تأليفها بموجب إعتراضات وفي حالات أخرى بموجب أقتراحات من الصحابة، كما حدث في تشريع الحجاب بإقتراح من عمر بن الخطاب.
ألقرآن حقّر ألمرأة في سورة ألنساء، ألآية- 43 عندما ساواها بالغائط ألذي ينقض ألوضوء " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا ".
وأخيرا إنّ نظام تعدد الزوجات ونظام الجواري والسبايا وماملكت ايمانكم وحجاب ألمرأة فيه اجحاف شنيع بحقوق المرأة ودعوة مفضوحة الى العبودية.








55
ألتصوف وألنبوة

1. ألباطنية وألتصوف ألإسلامي:
" إنّ نتائج ألتجربة ألصوفية في نظر علماء ألدين والتفسيرات ألمقدمة من ألصوفية، كانت تهدد حتى أسس ألفقه ألأصولي"..... ميرسيا إلياد.

إنّ ألصوفية تمثّل ألبعد ألصوفي للإسلام وهي واحدة من أكثر ألتقاليد أهمية للباطنية ألإسلامية. إنّ ألإشتقاق أللغوي للإسم ألعربي (صوفي) يبدو مشتقا من ألصوف، إشارة لرداء ألصوف ألذي يرتديه ألمتصوفون. وقد أنتشر هذا ألمصطلح بدءا من ألقرن ألثالث ألهجري (ألتاسع ميلادي).
حسب ألتقليد ألإسلامي ، فإنّ ألأسلاف ألروحانيين للصوفية كانوا من صحابة محمّد، وعلى سبيل ألمثال سلمان ألفارسي، ألحلّاق ألفارسي ألذي سكن منزل ألرسول وأصبح نموذج ألتبني ألروحي وألمسارة ألصوفية، ووايس ألكاراني ألذي أثنى ألنبي محمّد على ورعه.

لا يعرف سوى ألقليل عن ألإتجاهات ألتنسكية في ألإسلام (في ألقرن ألثالث للهجرة، كانت أغلبية ألصوفيين متزوجين وبعد قرنين أصبح ألمتزوجون قلّة)، ولكنّها تحققت على ألأرجح تحت حكم أسرة ألأمويين. ففي ألواقع أنّ عددا كبيرا من ألمؤمنين خاب أملهم بعدم ألمبالاة ألدينية للخلفاء ألذين شغلهم ألتوسع ألمستمر لإمبراطوريتهم فقط.
إنّ أول صوفي متنسك هو ألحسن ألبصري، ألمولود في سنة 110 هجرية (728 ميلادية) ألمشهور بتقواه وبحزنه ألعميق، لأنّه كان يفكر دائما بيوم ألدينونة، وهناك حالم آخر وهو إبراهيم بن أدهم ألمشهور بتعريفه لمظاهر ألزهد ألثلاثة:
1-ألتنازل عن ألدنيا.
2-سعادة معرفة ترك ألدنيا.
3-ألتحقيق ألتام لترك أهمية ألعالم.
ألصوفية ألمتنسكة ألأخرى هي رابعة ألعدوية، ألمولودة في سنة 185 هجرية (801 ميلادية) وهي أمة (عبدة) أعتقها سيدها، وأدخلت في ألصوفية ألحب المطلق لله وبدون مقابل، فألحبيب لا يجوز أن يفكّر لا في ألجنة ولا في ألنار.
رابعة ألعدوية هي ألأولى بين ألصوفيات ألتي تكلمت عن غيرة ألله: " يا أملي، يا راحتي، يا سعادتي، إنّ ألقلب لا يستطيع حب واحد آخر غيرك". لقد أصبحت ألصلاة بألنسبة لرابعة محادثة حب طويلة مع ألله.
وكذلك فإنّ ألإمام جعفر ألصادق واحد من كبار معلمي ألصوفية ألقديمة، عرّف ألتجربة ألصوفية بعبارات حب إلهي:
" نار إلاهية تفترس ألإنسان تماما" ألأمر ألذي يبرهن على ألتضامن بين ألشيعة وأول مظهر للصوفية.
وفي ألواقع، فأنّ ألبعد ألباطني ألإسلامي، ألمميز للشيعة، كان بدئيا متماهيا في ألسنّة مع ألصوفية. وحسب رأي أبن خلدون: " إنّ ألصوفيين أعتمدوا ألنظريات ألشيعية". كذلك فإنّ ألشيعة أعتبروا نظرياتهم كمصدر إلهام للصوفية، ويكفي أن يؤخذ في ألحسبان واقعة أنّه في ألقرون ألأولى للإسلام كان من ألصعب ألتدقيق فيما إذا كان ألكاتب سنيا أو شيعيا، وحصل ألإنقطاع بين ألشيعة وألصوفية عندما أدخل بعض معلمي ألصوفية تفسيرا جديدا للتلقين ألروحي وألحب ألإلهي.
إنّ ألتجارب ألصوفية وألغنوصيات ألتيوصوفية تسربت بصعوبة إلى ألإسلام ألأصولي، فألمسلم لم يجرؤ على إدراك علاقة صميمية وواقعة حب روحي مع ألله. فقد كان يكفيه ألتسليم لله، وإطاعة ألشريعة، وإتمام تعليمات ألقرآن بواسطة ألسنة.
إنّ ألعلماء ألأقوياء بثقافتهم ألدينية ومهارتهم بألإجتهاد، كانوا يعتبرون وكأنّهم ألرؤساء ألدينيون للجماعة. وعليه فإنّ ألصوفيين كانوا بعناد كبير ضد ألعقلانيين، وبألنسبة لهم فإنّ ألمعرفة ألحقيقية ألدينية قد تمّ ألحصول عليها بتجربة شخصية، موصلة لإتحاد مؤقت مع ألله.
إنّ نتائج ألتجربة ألصوفية في نظر علماء ألدين والتفسيرات ألمقدمة من ألصوفية، كانت تهدد حتى أسس ألفقه ألأصولي.
من جهة أخرى فإنّ طريق ألصوفية يقتضي بألضرورة تلامذة مع لزوم تكريسهم وطول تدريبهم من قبل معلّم. إنّ هذه ألعلاقة ألإستثنائية بين ألمعلّم وتلامذته وصلت سريعا لتمجيد ألشيخ وعبادة ألقديسين، وكما كتب ألهجويري: " إعلم أنّ مبدأ وأساس ألصوفية، ومعرفة ألله، تعتمد على ألقداسة" ( أنظر كتاب كشف ألمحجوب ترجمة نيكلسون).
إنّ هذا ألتجديد أقلق علماء ألدين، ولم يكن هذا فقط لإنّهم رأوا سلطتهم مهددة أو متجاهلة. وبألنسبة للفقهاء ألأصوليين، فإنّ ألصوفيين كانوا متهمين بألهرطقة. وعليه يمكن ألكشف في ألصوفية ألتأثيرات ألتي يمكن أعتبارها كأنّها (نجسة ومدنسة) من ألأفلاطونية ألمحدثة، وألغنوصية وألمانوية.
وبإتهامهم بألهرطقة، فإنّ بعض ألصوفيين- مثل ألمصري (ذي ألنون) ألمولود سنة 245 هجرية (859 ميلادية) وألنوري ألمولود سنة 295 هجرية (907 ميلادية) قد أتهموا أمام ألخليفة، وإنّ ألمعلمين ألكبار كألحلاج وألسهروردي أنتهيا بإضطهادهما وبقتلهما، ألأمر ألذي أكره ألصوفيين لإيصال تجاربهم ومفاهيمهم لتلامذة موثوقين فقط وضمن نطاق ضيق من ألمريدين.
ومع أنّ ألحركة أستمرت بالتصاعد، لأنّها أستجابت لإرضاء الغرائز ألدينية للشعب، غرائز هي في قسم منها مجمدة بألتعليمات ألمجردة وغير ألشخصية للأصوليين، هؤلاء ألشريحة من ألأمة ألإسلامية وجدوا عزاء لهم في ألتقريب ألديني ألأكثر شخصانية وألهيجاني للصوفيين.
في ألواقع وخارج ألتعليم ألتلقيني ألمساري ألمحتفظ به للتلامذة، فإنّ معلمي ألصوفية شجعوا (ألأنغام ألروحانية) ألعامة. فألأناشيد ألدينية، وألموسيقى ألألاتية (ناي ألقصب،صنوج، دفوف وطبول) والرقص ألمقدّس، والترديد ألمستمر لإسم ألله (ذكر) كانت تؤثر في ألشعب أكثر من ألنخبة الروحية.
إنّ ألذكر يشابه صلاة ألمسيحيين ألشرقيين ألتي تحددت بترداد مستمر لإسم ألله أو يسوع.
إنّ تقنية ألذكر معقدة جدا ومشابهة لطريقة من نموذج يوجي ( أوضاع جسدية مميزة، وممارسة للشهيق ومظاهر صبغية ولونية وسمعية..... ألأمر الذي يجعل من ألمسلّم به وجود ألتأثيرات ألهندية.
خلال مجرى ألزمن، ومع بعض ألإسثناءات، فإنّ ألضغط ألممارس من قبل علماء ألدين على ألصوفيين قد زال نهائيا. وحتى ألأكثر عداوة بين ألذين مارسوا ألأضطهاد ضد ألصوفيين، أنتهوا إلى ألإعتراف بألمساهمة ألإستثنائية للصوفيين في ألإنتشار وفي ألتجديد ألروحي للإسلام.

2. ألشيعية وألتأويل ألباطني:
" بفضل ألتعليم ألسري للأئمة دخل ألعديد من ألمفاهيم ألغربية (خاصة، ألغنوصية وألإيرانية) ألإسلام ألشيعي".

إنّ وحدة ألجماعة ألإسلامية (ألأمة) فٌقِدت على أثر ألأنفصال بين ألسنة وألشيعة، فالشيعة كانت تدّعي بأنّ ألخليفة ألحقيقي ألأول هوألإمام علي بن أبي طالب. وإضافة لذلك فمنذ وقت مبكر توزع ألإسلام إلى مذاهب متعددة جدا وإلى مدارس غالبا ما كانت تتصارع وحتى أنّها تُدين بعضها بألتناوب، وكل واحد منها يدّعي أنّه المالك ألمتميز للحقيقة ألعليا، وقد زال كثير منها عبر ألتاريخ، وفي ألإمكان زوال غيرها، ولكن كثير من هذه ألمذاهب " وغالبا ألأكثر قدما" قد أستمر حتى أيامنا بحيوية بارزة مصمما بجد على ألأستمرارية وعلى متابعة ألأغتناء بمعطيات جديدة، وبكمية من ألمعتقدات وألأفكار ألموهوبة من قبل ألأجداد.
إنّ ألجماعة ألسنية مثّلت وما زالت تمثّل غالبية ألإسلام، وهي تتميز بدئيا بألأهمية ألمعطاة للتفسير ألحرفي للقرآن وألسنة، وبألدور ألرئيسي للشريعة، ولكن نطاق ألشريعة أكثر أتساعا من ألأنظمة ألقانونية من ألنموذج ألغربي.
فمن جهة هي تنظم ليس علاقات ألمؤمن مع ألجماعة وألدولة فحسب، وإنّما أيضا مع ألله وضميره ألخاص. ومن جهة أخرى فإنّ ألشريعة تمثل ألتعبير عن ألإرادة ألإلهية، كما أوحي بها إلى نبي ألإسلام محمد.
وفي ألواقع بألنسبة للمذهب ألسني فإنّ ألشريعة وألفقه متضامنان ومصدرهما هو تفسير ألقرآن وألسنة ألمؤسَسة على نشاط وكلمات ألرسول، وألإجماع أو إتفاق شهادات صحابة ألنبي محمد أضافة فإنّ من بين مصادر ألشريعة ألقياس وأعتبر ألإجتهاد كألطريقة ألتي يتوصل بها لهذا ألقياس.
غير أنّ ألنصوص قابلة لتفسيرات شتى، مبتدئة بألأكثر وضوحا (ألتفسير ألحرفي).
وحسب قول صهرألنبي محمد، علي بن أبي طالب، ألإمام ألأول: " لا يوجد آية قرآنية إلّا ولها أربع معاني: ألظاهر وألباطن وألحد وألمشروع ألإلهي".
فألظاهر هو من أجل ألتلاوة ألشفهية، وألباطن هو من أجل ألعلم ألداخلي، وألحد هو ألتلاوة ألمقيّمة للحلال وألحرام، وألمشروع ألإلهي هو ما قصد ألله تحقيقه في ألإنسان بواسطة كل آية ( نظرية ألمعاني في أللاهوت ألمسيحي للقرون ألوسطى هي : ألمعنى الحرفي، وأللاهوتي، وألأخلاقي وألمشابه).
وهذا ألمفهوم هو خاص بالشيعة، ولكنه موزع بين عدد من ألمتصوفين وألإشراقيين ألمسلمين. وحسب حديث معتبر يعود للرسول ذاته " ألقرآن له ظاهر خارجي وعمق مخبأ، معنى ظاهري ومعنى باطني".
إنّ ألفكرة ألحقيقية تتطلب ألمعلمين ألملقنين والأدلاء ألروحانيين بإمتياز، وهم ألأئمة. وفي ألواقع، إنّ واحدا من أكثر ألتفاسير ألروحية قدما للقرآن يوجد في ألتعليم الباطني ألمعطى من قبل ألائمة لتلامذتهم، وهذا ألتعليم قد نقل بأمانة وبشكل مدونة ضخمة ( خمسة وعشرون جزءا في طباعة ألمجلسي).
وألتفسير ألمقدم من ألأئمة والكتّاب ألشيعة مؤسس على تكاملية مصطلحين جوهريين: ألتنزيل وألتأويل. فألأول يدل على الدين الإيجابي أي حرفية ألوحي ألمتنزل من ألملأ ألأعلى بناء على إملاء ألملاك. وعلى ألعكس فإنّ ألتاويل يرجع للأصل أي للمعنى ألحقيقي وألأصلي للنص ألمقدس.
وخلافا لآراء ألأصوليين فإنّ ألشيعة يقدرون أنّه بعد ألنبي محمد بدأ دور جديد هو دور ألولاية "محبة،حماية". إنّ "محبة" ألله تكشف للأنبياء وألأئمة ألدلالات ألسرية للكتاب وألسنة، ومن هنا، تجعلهم قادرين لتلقين ألمؤمنين في ألأسرار ألإلهية.
" تحت هذا ألمظهر، فإنّ ألشيعية هي عرفان (غنوص) ألإسلام. إنّ دور ألولاية هي إذن دور ألإمام ألوارث للرسول، أي ألباطن ألتابع للظاهر، وبعبارة أخرى ألحقيقة ألتابعة للشريعة". والحقيقة إنّ ألأئمة ألأوائل أرادوا ألحفاظ على ألتوازن بين ألدين ألإيجابي و"ألفكرة" دون حل ألباطن عن ألظاهر، ولكن ألظروف قد حالت دون الحفاظ على هذا ألتوازن، وبألنتيجة ألوحدة للشيعة.
ونشير إلى ألتأريخ ألمأساوي لهذه ألحركة. فزيادة عن ألإضطهاد ألسياسي للخلفاء ألأمويين وخصومة فقهاء ألشريعة، فإنّ ألشيعية تحملت كثيرا من إنقساماتها ألداخلية ألخاصة. مثيرة ألعديد من ألشيع وألمذاهب. فبما أنّ ألرئيس ألديني كان ألإمام، أي منحدر مباشرة من ألإمام علي، فإنّ أزمة أنفجرت عند موت ألإمام ألسادس جعفر ألصادق (148 هجرية- 765 ميلادية). فإبنه إسماعيل ألذي سبق وقلّد من قبل والده، مات قبل ألأوان، وتجمع قسم من ألمؤمنين حول أبن هذا ألأخير محمد بن إسماعيل ألذي أعتبروه كإمام سابع، وهؤلاء هم ألإسماعيليون أو ألشيعة ألسبعية.
ومؤمنون آخرون أعترفوا بموسى ألكاظم كإمام سابع وهو شقيق إسماعيل، وهو أيضا قلد من قبل ألإمام جعفر ألصادق.
وأستمرت سلسلة نسبه حتى ألإمام ألثاني عشر محمد ألمهدي، ألمختفي سرا في عام (260هجرية - 874 ميلادية) وكان عمره عند إختفائه خمس سنوات، وفي أليوم نفسه ألذي مات فيه والده ألشاب ألإمام قبل ألأخير الإمام الحسن العسكري.
أما أسماء الأئمة الاثنا عشر فهي كالتالي:
1. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
2. الإمام الحسن بن علي.
3. الإمام الحسين بن علي.
4. الإمام علي بن الحسين زين العابدين.
5. الإمام محمد بن علي الباقر.
6. الإمام جعفر بن محمد الصادق.
7. الإمام موسى بن جعفر الكاظم.
8. الإمام علي بن موسى الرضا.
9. الإمام محمد بن علي الجواد.
10.الإمام علي بن محمد الهادي.
11.الإمام الحسن بن علي العسكري.
12. الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر.
إنّ ألتجديدات للفرعين من ألشيعة بارزة وخاصة حول ألمخطط أللاهوتي، فقد شوهدت ألأهمية للباطنية وألغنوص (ألعرفان)، وحسب بعض علماء ألدين ألسنة وألكتّاب ألغربيين، أنّه فعلا بفضل ألتعليم ألسري للأئمة دخل ألعديد من ألمفاهيم ألغربية (خاصة، ألغنوصية وألإيرانية) ألإسلام ألشيعي، وعلى سبيل ألمثال، فكرة ألصدور أو ألإنبثاق ألإلهي، في مراحل متتابعة، وإندماج ألأئمة في هذه العملية، والتقمص، وبعض النظريات ألكونية وألأناسية ( ألأنثروبولوجية ).
وألجدير بالذكر أنّ ظواهر مشابهة تصادف في ألصوفية وألقبالة وفي تأريخ المسيحية. وإنّ ما يجب إبرازه في كل هذه الحالات ليس هو الفعل في ذاته، بخاصة ألأستعارة من ألأفكار وألطرائق ألروحية الاجنبية، وإنّما إعادة تفسيرها وإعادة تركيبها بواسطة ألأنظمة التي تمثلوها.
إنّ ألإمام بألنسبة للشيعة ألأثني عشرية، كما هو ألأمر بألنسبة للإسماعيليين، يصبح ألوسيط بين ألله وألمؤمنين، إنّه لا يقوم مقام ألنبي، ولكنه يكمل عمله ويشاطر إحترامه، وهذا مفهوم جريء وأصلي، لانّه يترك مستقبل ألتجربة الدينية مفتوحا، فبفضل ألولاية "محبة ألله" يستطيع ألإمام الكشف وألبيان للمؤمنين أبعادا مازالت غير مشكوك فيها من ألإسلام ألروحاني.



3. ألإسماعيلية، وتمجيد ألإمام، ألبعث الكبير، ألمهدي:

"حسب ألإسماعيلية ألمعدلّة، فإنّ شخص ألإمام له حق ألتقدم على شخص ألنبي".

بعد موت ألإمام إسماعيل، اعتبر ألتقليد وجود ثلاث أئمة مستورين وفي عام 187 هجرية (1094 ميلادية) أنقسمت الجماعة الإسماعيلية إلى فرعين: ألشرقيون (أي الفرس) ألذين كان مركزهم القيادي قلعة الموت ( حصن في الجبال من الجنوب الغربي من بحر قزوين) والغربيون، اي سكان مصر واليمن.
من ألمناسب أن نذكر فرعا ثالثا من الشيعة وهم ألزيديون ألذين جرت تسميتهم تبعا للإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أخو أبي جعفر الباقر، وعبد الله، وعمر، وعلي، وحسين، ( ولد في عام 79 هجرية)/ وألزيديون قليلو ألعدد وقريبون جدا من ألسنيين، وفي ألواقع لا يُنيطون بالإمام فضائل مما فوق الطبيعة كما يفعل ألإسماعيليون خاصة.
أمّا النصيريون في سورية فهم فرع من ألإسماعيلية ويمجدون ألإمام علي بن ابي طالب، ولكن هذا ألمفهوم يختلف عن الشيعة.
إنّ هذا ألبحث ألمختصر لا يسمح بتحليل حتى ولو بشكل موجز للمجموعة المعقدة من علم ألكون وألاناسة (ألأنثروبلوجيا) وألأخروية ألأسماعيلية ( يجري الكلام حول مبدأ أو تنظيم أولي لسر ألأسرار لإنبثاق الكائن بدءا من العقل الأول ومن آدم الروحي للمملكتين- السماوية والارضية- التي حسب ألمؤلف كوربان ترمزان "واحدا مع الآخر". وحسب ألمؤلفين ألإسماعيليين فإنّ جسد ألإمام ليس جسدا من لحم، كما هو جسد زراداشت، إنّه نتيجة ندى من أصل سماوي ممتص بواسطة آبائه.
إنّ ألغنوص (ألعرفان) ألإسماعيلي يفهم بإلاهية ألإمام (ولادته ألروحية) ألتي حولته لدعم (معبد النور) وهو معبد روحي صرف، فإمامته هي ذلك ألمجموع الصوفي ألمشكّل من كل أشكال ألنور من مريديه.
وأكثر جرأة من كل ذلك، هي نظرية ألاسماعيلية في قلعة ألموت " قلعة الموت وألإسماعيلية ألمعدّلة اثارت في الغرب فولكلورا حول (الحشاشين) وهو مصطلح مشتق حسب المؤلف سلفستروي ساسي من الحشيش لانّه أفترض أنّ ألمؤمنين كانوا يتعاطون الحشيش ".
في 17 رمضان سنة 559 هجرية (8 نيسان سنة 1162 ميلادية) أعلن ألإمام أمام ألمؤمنين ألقيامة ألكبرى.
إنّ ما أنطوى عليه ألإعلان، لم يكن شيئا بأقل من مقدمة لإسلام نقي روحي، محرر من كل ذهنية شرعية، ومن كل عبودية للشريعة، دين شخصي، لأنّه كشف وعاش ألمعنى الروحي لكشوفات نبوية.
إنّ محاصرة وتخريب قلعة ألموت من قبل ألمونغول في (654 هجرية/ 1251 ميلادية) لم يضع نهاية للحركة، فألإسلام ألروحي أستمر مغلّفا في الجمعيات ألصوفية.
وحسب ألإسماعيلية ألمعدلّة، فإنّ شخص ألإمام له حق ألتقدم على شخص ألنبي.
معتقدات ألشيعة ألأثني عشرية هي منظور أخروي، ولكن إسماعيلية جماعة قلعة الموت آمنت بتقدم ألأخروية ألتي هي بعث للروح ضد كل أنواع ألعبوديات.
فألإمام بصفته ألإنسان ألكامل أو "وجه ألله" فإنّ معرفته هي معرفة ألله ألوحيدة ألممكنة للإنسان.
إنّ ألإمام الخالد هو الذي يتكلم " ألأنبياء يعبرون ويتغيرون. ونحن ألرجال ألخالدون، فرجال ألله ليسوا ألله ذاته، مع ذلك فإنّهم غير مفارقين لله".
وبألنتيجة فإنّ ألإمام ألخالد كمظهر إلهي يجعل علم ألكائن (ألأنطولوجيا) ممكنا، إذ نظرا لأنّه ألموحي فهو عين ألوجود، إنّه ألشخص ألمطلق، وألوجه ألإلهي ألباقي وألصفة ألإلهية ألعظمى، ألتي هي ألأسم ألاعظم لله، وهو بصورته ألأرضية تجلّي، أو مظهر ألكلام ألأعظم.
إنّ باب ألحقيقة لكل زمان هو مظهر ألإنسان ألباقي ألذي يُظهر وجه ألله. كذلك فإنّ ألإعتقاد لدى ألإنسان تفترض لمعرفة ألنفس يتوجب معرفة ألإمام " ومعلوم أنّه يتعلق بمعرفة روحية للقاء في عوالم خيالية مع ألإمام ألمستور وألغير ألمرئي والغير ألممكن إدراكه بالحواس".
إنّ نصا إسماعيليا يؤكد:
" من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
إنّ ألفلسفة ألإسماعيلية تتلخص في ألسطور التالية ( حسب راي كوربان في كتابه عن الإسماعيلية):
"لقد قال ألإمام: إنني مع محبيّ حيثما بحثوا عني، على ألجبل، في ألسهل، في الصحراء. إنّ من كشفت له جوهري أي المعرفة الصوفية لذاتي، فليس بحاجة لقربى طبيعية مني وتلك هي القيامة الكبرى".
إنّ ألإمام ألخفي لعب دورا حاسما في ألتجربة الصوفية للإسماعيلية وألفروع ألشيعية ألأخرى.
ويضاف إلى ذلك أنّ مفاهيم مشابهة تتعلق بألقداسة، لا بل (ألألوهية) للمعلمين ألروحيين، تصادف كذلك في تقاليد دينية أخرى (ألهند، ألمسيحية في ألقرون الوسطى، ألهاسيديسم).
إنّ ألصورة ألخرافية للإمام المستور قد اتصلت مرارا باسطورة أخروية للمهدي، وهي لغة القائد أو بمثابة ألدليل (أي الذي أهدي من قبل ألله). وهذا التعبير لا يوجد في ألقرآن، وقد طبقه ألعديد من ألمؤلفين السنة على شخصيات تأريخية (انظر قصة ألمهدي في مقدمة أبن خلدون).
ومع ذلك فإنّ تقديره ألأخروي هو ألذي أثار الخيال، فبالنسبة لبعضهم، أنّ ألمهدي كان يسوع (عيسى) ولكن أكثرية رجال ألدين جعلوه منحدرا من اسرة ألنبي محمّد. وبالنسبة للسنيين، فإنّ ألمهدي، مع أنّه يطلق ألتجديد العالمي، فهو ليس القائد الذي لا يقهر كما أعلنه ألشيعة، وهؤلاء ألأخيرون وحدوا المهدي مع ألإمام. وحول إختفاء ألإمام ألثاني عشر ونتائجه (بصورة خاصة ألنظام الروحي) يقول هنري كوربان مايلي:
"هذه الغيبة (إختفاء ألقاصر) تميّز ألبداية، ألذي سيدوم عشر سنوات وأثنائها يتصل ألإمام ألغائب عدة مرات مع ألمبعوثين، ولأنّه لم يعيّن خليفة فقد بدأ ألغيبة الكبرى، أو ألتأريخ ألسري للإمام ألثاني عشر.
إنّ إختفاء ومعاودة ظهور ألمهدي في نهاية الزمان لعب دورا بارزا في ألتدين الشعبي وفي ألأزمات ألألفية. فعند بعض ألمذاهب (ألكيسانية) سيكون محمّد أبن ألحنفية، وهو أبن ألإمام علي بن أبي طالب من زوجته ألأخرى (غير فاطمة بنت ألنبي محمّد) وحسب معتقدهم هو دائما حي يرقد في قبره على قمّة رضوي حيث ينتظر ألمؤمنون عودته.
كما في ألتقاليد، فإنّ قرب نهاية ألزمان يتميّز بإنحطاط جذري للبشر وبعلامات مميّزة:
فالكعبة ستزول، وأجزاء ألقرآن ستصبح صفحات بيضاء، ومن سيلفظ إسم ألله سيتم قتله .....إلى آخره من ألعلامات.
إنّ ظهور ألمهدي سيدشن، بألنسبة للمسلمين، عصرا من ألعدالة وألرخاء لا مثيل له حتى ذلك الحين على ألأرض. وسيدوم حكم ألمهدي خمس أو سبع أو تسع سنوات.
إنّ إنتظار ظهور ألمهدي يبلغ حدته أثناء عصور ألكوارث. لقد جرّب ألعديد من ألرؤساء ألسياسيين ألحصول على ألسلطة ( وحصلوا عليها في كثير من ألمرات) بإعلانهم أنفسهم أنهم ألمهدي، وافضل مثال على ذلك مهدي السودان ألذي أنتصر عليه أللورد كيتشز سنة 1895 ميلادية.
خاتمة:
رجل الدين ومؤسسوا ألمذاهب والطرق الدينية يلعبون دورا مرسوما بدقة في دين الجماعة المؤسس منذ القدم على قواعد ثابتة، وما عليهم الّا السير على مسالك من ما سبقهم من رجال الدين، فطريقة مؤسس الديانة تغدو نمطا لكل الجماعة ولكل من يجيء بعده خليفة.
ولكن ألأفكار وألمعتقدات ألدينية محكومة بقانون ألتطور فكما تطور ألكائن الحي من خلية واحدة إلى أنواع عديدة من ألكائنات الحية التي يقف ألإنسان في قمة مراحل تطورها فألأفكار وألمعتقدات ألدينية تطورت وتشعبت بنفس ألصيغة بتأثير ألبيئة وتطور ألثقافة وألعلم ونتيجة ألاحتكاك بحضارات أخرى.



4. ألحلّاج- ألصوفي وألشهيد:

" ألقرآن، كما ألتوراة وألإنجيل، كلمات لم تكشف عن سر ألنبوة.. هذا إذا كانت في حقيقتها معنيَّة بموضوع ألكشف. ولذلك لا أليهود يعرفون، ولا ألمسيحيون ولا ألمسلمون، معنى ألنبوة، لو كان اليهود يعرفون معنى أنّ ألنبوة تشرّد، لما صلبوا يسوع ألمسيح. ولو عرف ألمسيحيون أنّ كون ألنبوات عظيمة لا تتعارض مع احتوائها على ألجريمة، لما أعرضوا عن نبوّة محمّد. ولو عرف ألمسلمون معنى أنّ النبوة باب لا يحق لأحد إغلاقه، لما كذَّبوا ألحلّاج ومن ثم صلبوه" .... سعدون محسن ضمد - من إعترافات آخر متصوفة بغداد.

ولد ألحلّاج (حسين بن منصور) في سنة 244 هجرية في ألجنوب ألغربي من إيران وتلّقى تعليمه من معلمين روحيين قبل أن يلتقي في بغداد، مع ألشيخ ألشهير ألجنيد ويصبح تلميذه في سنة 274 هجرية.
حجّ ألحلّاج إلى مكّة حيث مارس ألصوم وألصمت وعرف أنتشاءاته ألصوفية ألأولى:
"مزجت روحي بروحه مثل مزج ألمسك بألعنبر وألخمر مع ألماء ألزلال".
بعودته من ألحج، أُبعِد من قبل ألشيخ ألجنيد، وقَطَع ألعلاقات مع غالبية ألصوفيين في بغداد، وترك مدينة بغداد خلال تلك ألسنة.
عندما بدأ ألحلّاج تبشيره ألسياسي فيما بعد، لم يثر ألتقليديين فحسب، وإنّما أثار ألصوفيين أيضا وهؤلاء أتهموه بكشف (ألأسرار) لغير ألمتلقين، وقد أُتهم كذلك بصنع ألمعجزات كألأنبياء وذلك لمعارضة شيوخ آخرين لم يظهروا قدراتهم إلّا للمتلقين، وعندئذ طرح ألحلّاج ثياب ألتصوّف، لكي يختلط بحرية مع ألشعب.
أكمل ألحلّاج حجه ألثاني مصحوبا ب 400 من تلامذته في سنة 291 هجرية، وذهب بعدئذ في سفرة طويلة إلى ألهند وتركستان ووصل حتى حدود ألصين.
بعد ألحج ألثالث لمكّة، حيث بقي في مكّة سنتين، أستقر ألحلّاج نهائيا في بغداد وذلك في سنة 294 هجرية ونذر نفسه للتبشير ألعلني ( أنظر كتاب عشق ألحلّاج .. للمؤلف ماسينون) وأعلن أنّ ألهدف ألكامل لكل كائن بشري هو ألإتحاد ألصوفي مع ألله، ألمنجز بألحب (ألعشق)، وفي هذا ألإتحاد يتم تقديس وتأليه أفعال ألمؤمنين.
في حالة وجد تلفظ ألحلّاج بألكلمات ألشهيرة "أنا ألحقيقة = (ألله) – وألتي سببت له ألإدانة. وهذه ألمرّة، أثار ألحلّاج فقهاء ألشريعة ووحدهم ضده وهؤلاء أتهموه بألإلحاد، وكذلك أثار ألسياسيين، ألذين أتهموه بإثارة ألأضطراب في ألمجتمع، وأثار ألصوفيين أيضا.
مما يدعو للدهشة هو رغبة ألحلّاج بأن يموت ملعونا (أراد ألحلّاج تحريض ألمؤمنين لإنهاء هذه ألفضيحة لإنسان يتجاسر بألقول أنّه توحد مع ألألوهية ليقتلوه، وهتف في ألمؤمنين في ألجامع ألمنصور:
"إنّ ألله أحلّ لكم دمي: فأقتلوني... لا يوجد واجب في ألكون بالنسبة للمسلمين أكثر من إماتتي".
إنّ هذا ألتصرف ألغريب من ألحلّاج يُذَكِر بألملاماتية (ألملاماتية هم ألذين لم يظهر على ظواهرهم مما في بطونهم أثر ألبتة)، والملاماتية هم جماعة من ألحالمين ألذين من أجل عشقهم لله، بحثوا عن الملامة من رفاقهم، هم لم يرتدوا لباس التصوف، وتعلموا إخفاء تجاربهم ألصوفية، وما هو أكثر من ذلك، حرضوا ألمؤمنين ضدهم بسلوكهم ألمنحرف وألكافر بشكل واضح (دفعت إزدراء بعض مجموعات ألملاماتية للمعايير إلى تطبيق ألتهتك)، وهذه ألظاهرة كانت من جهة أخرى معروفة عند بعض ألرهبان ألمسيحيين في الشرق بدءا من ألقرن السادس ألميلادي ولها مثيلاتها في ألهند ألشمالية.
في سنة 301 هجرية أُوقِف ألحلّاج وأُودِع ألسجن لمدة تسعة أعوام ثمّ أُعدِم في سنة 309 هجرية، وقد روى بعض ألشهود أنّهم سمعوا هذه الكلمات ألأخيرة من هذا ألمُعذَب:
"إنّ ما يحسب بألنسبة للإنتشائي هو أنّ ألواحد يُرجعه للوحدة".
إنّ أعمال ألحلّاج ألمكتوبة قد حفظ قسم منه فقط، كمقاطع من تفسير ألقرآن، وبعض ألرسائل، وعدد من ألحِكم وألقصائد، وكتاب صغير (كتاب ألطواسين) ويعالج ألحلّاج فيه ألوحدة ألإلهية وعلم ألنبوة، وألقصائد مشبعة بحنين حاد للإتحاد ألكامل بألله، ونصادف أحيانا عبارات مستعارة من ألعمل ألكيميائي أو ألرجوع للمعنى ألسري للأحرف ألهجائية ألعربية.
ومن كل هذه ألنصوص ومن بعض ألشهادات، ألتي أحصاها ونشرها وحللها بطريقة وافية لويس ماسينون، يستخلص سلامة إيمان ألحلّاج وتمجيده للرسول محمّد.
إنّ طريقة ألحلّاج لا ترمي لتحطيم ألشخصية البشرية، إلّا أنّه بحث عن ألمعاناة بهدف معرفة "ألحب ألمشبوب بألعاطفة" أي ألعشق وبألنتيجة معرفة جوهر ألله وسر ألخليقة.
إنّ عبارة ألحلّاج "أنا ألحقيقة" لا تقتضي ألإلحاد، مطلقا (كما أتهمه بعضهم بذلك)، لأنّ ألحلّاج أشار دوما لتصاعد ألله، وأنّه في تجارب وجدية نادرة فقط، تستطيع روح ألمخلوق أن تكون موحدة مع ألله (تيولوجيا ألحلّاج حُلِلت من قبل ماسينون بتولوجيا صوفية عقائدية).
إنّ مفهوم (ألإتحاد ألمتحوّل) ألمعلن من قبل ألحلّاج جرى تلخيصه بدقة من قبل لاهوتي خصم رغم تقديمه له بنية سيئة، فبحسب قول هذا أللاهوتي:
"إنّ ألحلّاج قال: إنّ ألذي يروّض جسده بإطاعة ألشعائر يشغل قلبه بأعمال فارغة، ويعاني من ألحرمان من أللذات ويمتلك روحه بألإمتناع عن ألرغبات- سيرتفع بنفسه هكذا حتى محطة (أولئك ألمقربين من ألله).
وتبعا لذلك لا يتوقف عن هبوط درجات ألمسافات، حتى تصبح طبيعته مطّهرة من كل ما هو جسدي، ومن ثمّ تنزل به هذه ألروح من ألله، ألتي منها ولد يسوع، أبن مريم، وعندئذ يصبح:
(ذلك ألذي يطيعه كل شيء، أي مطاع، إنّه لا يريد شيئا سوى ما يضعه أمر الله موضع ألتنفيذ، فكل تصرّف منه منذئذ هو تصرّف ألله، وكل أمر منه هو امر ألله".
بعد إستشهاد ألحلّاج، لم تكف قداسته عن ألتنامي في كل مكان من ألعالم ألإسلامي، كذلك فإنّ تأثيره على ألصوفيين وعلى بعض ألعلوم ألدينية ألصوفية كان مهما جدا.

5. بعض أعلام ألصوفية ألإسلامية من ذي ألنون حتى ألترمذي:

" النبوة تجربة تقوم على عقيدة تؤمن بقدرة الإنسان على تخطي ممكناته البشرية، ولأنها كذلك يعتقد النبي أنّ له الحق بأن (يتألهن) خارجاً من قيد الإنسانية إلى إطلاق الإلوهية. وهكذا يسعى بكل جهده لتحقيق هذا (التألهن)، لكن حلم (الألهنة) لا يمكن تحقيقه، الأمر الذي يضطر النبي في النهاية إلى الإقرار بأن طوق البشرية محكم عليه بصورة مطلقة، شأنه شأن بقية البشر، وهكذا ينهار الإله فيه ويبقى الإنسان فقط. النبي يستخدم كلام الرب فقط، لكنه لا يستطيع استخدام سيفه ولا قوته ولا جبروته، هو يسعى لذلك، لكن سرعان ما يكتشف بأن الأمر مقتصر على الكلام، ما يدفعه بعد ذلك للتشكيك حتى بهذا الكلام، وربما الكفر به" .... سعدون محسن ضمد - من إعترافات آخر متصوفة بغداد.

إنّ ذو النون المصري، ثوبان بن إبراهيم، هو أحد أعلام التصوف فى القرن الثالث الهجرى، ومن المحدثين الفقهاء، ولد فى أخميم فى مصر سنة 179 هـ، وتوفى سنة 245 هـ.
لقد سبق ذو النون المصري أن أخفى تجاربه ألصوفية: " يا إلاهي علنا أدعوك سيدي، ولكن عندما أكون لوحدي أدعوك ياحبي". وحسب ألتقليد فإنّ ذا ألنون كان أول من صاغ ألتعارض بين ألمعرفة ألحدسية (ألتجربة) لله وألعلم ألإستدلالي (ألغير ألحدسي):
" مع كل ساعة تمضي يصبح ألعارف (ألغنوصي) أكثر تواضعا، لإنّ كل ساعة تقرّبه أيضا من ألله، إنّ ألعارفين ليسوا ذاتهم، وإنّما في ألمقياس ألذي يوجدون في ألله. إنّ حركاتهم مثارة من قبل ألله، وكلامهم هو ألكلمات ألتي نطقها ألله بلسانهم".
وتقتضي ألإشارة هنا إلى عبقرية ذي ألنون، حيث أنّ تراتيله ألممجدة لعظمة ألرب أفتتحت ألتقييم ألصوفي للشعر.
إنّ ألفارسي أبو يزيد ألبسطامي ألمولود سنة 188 هجرية في بسطام في بلاد خراسان ويلقب بسلطان العارفين وله اسم فارسي " بايزيد " وعرف باسم " طيفور " وكان جده مجوسياً ثم دخل الاسلام . ويعد ابو يزيد البسطامي من أعلام التصوف في القرن الثالث الهجري وقد روى البسطامي عن اسماعيل السدي وجعفر الصادق .
وهو واحد من ألصوفية ألذين كثر معارضوهم ومنتقدوهم في ألإسلام، لم يكتب كتابا ولكن تلامذته نقلوا ما هو أساسي في تعاليمه تحت شكل قصص صغيرة وحكم.
ألبسطامي بتنسكه ألقاسي وتأمله ألمركّز على جوهر ألله حصل على ألفناء وهو أول من صاغ إنعدام ألذات، كما كان أول من وصف تجاربه الصوفية في عبارات من ألمعراج ( ألصعود ألليلي للنبي محمّد إلى ألسماء)، ولقد حقق ألتوحد مع ألله مؤقتا. وكذلك أعتقد ألبسطامي بالوحدة ألمطلقة بين ألمحبوب وألمحب والحب.
في إنتشاء تلفّظ ألبسطامي (بتعابير طوباوية) ومتكلما كأنّه إله:
" كيف وصلت إلى هنا؟ إنني متجرد من ذاتي كحية تسلخ جلدها، ثمّ تأملت جوهري. وكنت أنا هو "
وأيضا : " إنّ ألله راقب كل ألضمائر في ألعالم ورأى أنّها فارغة منه، ماعدا ضميري حيث يرى نفسه في طوبى ".
لقد فسّر ألمستشرق زهنر، بعد مستشرقين آخرين تجربة ألبسطامي ألصوفية كمحصلة لتأثير هندي، وبصورة دقيقة تأثير ألفيدانتاشاتكريان.
مع رؤية ألأهمية ألمعطاة للتنسك ولتقنيات ألتأمل، يرد ألتفكير في اليوغا، ومهما يكن من أمر، فإنّ بعض معلمي الصوفية شككوا في أنّ ألبسطامي حقق ألأتحاد مع ألله. وحسب رأي ألجنيد البغدادي: " ألبسطامي بقي في ألبدء، إنّه لم يدرك حالة ألتمام أو ألمطلق وألنهاية ".
أمّا ألحلّاج فاعتقد بوصول ألبسطامي إلى عتبة الصيغة ألإلهية وظنّ أنّه من ألله أتته هذه ألكلمات. ولكن ألطريق كان مرصوفا بالعقبات من أناه:
" مسكين أبو يزيد لقد قال إنّه لا يعلم ألتعرف أين وكيف يجب توحيد ألروح مع ألله" .
إنّ أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز القواريري، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثالث الهجري، أصله من نهاوند في همدان (مدينة اذرية)، ومولده ومنشؤه ببغداد.
ولد سنة نيف وعشرين ومئتين للهجرة وتوفي سنة 297 هـ.
صحب جماعة من المشايخ، وأشتهر بصحبة خاله سري السقطي، والحارث المحاسبي. ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو ابن عشرين سنة.
كان ألمعلم الحقيقي لصوفية بغداد. وقد ترك ألعديد من الرسائل في أللاهوت والتصوف ألثمينة وبخاصة من اجل تحليل ألتجارب الروحية ألمتوجبة لإمتصاص ألروح في ألله.
يشير ألجنيد في تعليمه لأهمية القناعة ألتي يضعها في مقابل ألسكر الروحي ألمطبّق من قبل ألبسطامي. فبعد التجربة الوجدية التي تعدم الفرد، يقتضي ألحصول على (الزهد ألثاني) عندما يرجع الإنسان واعيا لذاته وتعاد إليه صفاته، متحولا إلى روح في حضرة ألإله. إنّ الهدف الغائي للتصرف حسب ألجنيد ليس هو (ألفناء) وإنّما حياة جديدة في ألله (ألبقاء).... " وهو الذي يبقى ".
إنّ ألجنيد وهو مقتنع بأنّ التجربة ألصوفية لا يمكن صياغتها في لغة عقلية، حظّر على تلامذته ألكلام أمام غير ألمسارين (ألمتلقنين).
إنّ رسائل ألجنيد ومحرراته دونت في نوع من أللغة ألسرية ألغير ألمفهومة للقاريء ألغير متآلف مع تعليمه.
هنالك معلم إيراني آخر هو محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، السلمي الترمذي (209 هـ - 279 هـ)، مصنّف كتاب الجامع المعروف بسنن الترمذي، حافظ للحديث، ولد في مدينة ترمذ، ثم ارتحل لطلب الحديث فذهب إلى خراسان، والعراق، والحجاز، ولم يرحل إلى مصر والشام، وحدّث عن جمع كبير من المحدثين، وتفقه في الحديث، لقّب بالحكيم (الفيلسوف) لأنّه ألأول بين ألصوفيين أستعمل ألفلسفة ألهيلنستية.
ألترمذي مؤلف غزير ألإنتاج (نحوا من تسعين كتيب)، وقد عرف ألترمذي بصورة خاصة في (خاتم ألولاية). وقد طوّر فيه لغة صوفية كما أستعملت منذئذ.
إنّ زعيم ألتراتبية ألصوفية هو(القطب) أو (الغوث)، ولا تشكل درجات القداسة ألتي وصفها ألترمذي تراتبية للحب، إنّها ترجع للعرفان وإشراقات القديس، ومع الترمذي يصبح ألتأكيد على ألعرفان أكثر وضوحا ومُهيئا الطريق إلى تعليمات دينية صوفية متاخرة.
لقد أكد ألترمذي على معنى ألولاية (الحب الإلهي) كمسارة روحية، وميز فيها بين درجتين:
ولاية عامة معطاة لكل ألمؤمنين، وولاية خاصة محفوظة لنخبة روحية (خلّص لله)، يتعاملون ويتواصلون معه، لانّهم معه في حالة إتحاد فعّال ومتصاعد. وعليه يلاحظ هنري كوربان " بأنّ ألمعنى للولاية ألمزدوجة هو في ألمحل الأول قد وضع وأقيم بواسطة ألنظرية الشيعية ".
بتحليل علاقات ألولاية وألنبوة يستخلص ألترمذي سيادة الولاية، لأنّها دائمة وليست مرتبطة بلحظة تأريخية كالنبوة.
وفي ألواقع، فإنّ دورة ألنبوة تكتمل مع ألنبي محمّد، بينما دورة ألولاية تتمدد لآخر الزمان، ويلاحظ تشابه هذه ألنظرية مع نظرية ألعلم ألنبوي ألشيعية.

6. جلال ألدين ألرومي – موسيقى - شعر ورقصات:

"بعد لقائه بشمس ألدين ألتبريزي أصبح ألقانوني وأللاهوتي ألشهير واحدا من كبار ألصوفيين وربما ألشاعر ألأكثر عبقرية في ألإسلام".

ولد محمد جلال ألدين الرومي، ألمعروف خاصة بإسم ألرومي، في 30 أيلول سنة 1204 م في بلخ، وهي مدينة من خوارستان، وقد كان والده أللاهوتي وألمعلم ألصوفي قد ترك ألمدينة في 1219 م خوفا من غزو المغول وذهب حاجا إلى مكة، وأستقر أخيرا في قونية.
بعد موت والده، وكان عمر جلال الدين آنئذ 24 سنة، درس ألرومي في حلب ودمشق وبعد سبع سنوات عاد إلى قونية وخلال ألفترة بين 1240-1249 م علّم ألإجتهاد وألشريعة ألقانونية.
في 29 نوفمبر 1249 وصل إلى ألمدينة شمس ألدين ألتبريزي درويشا هائما وكان عند وصوله في ألستين من عمره.
تشير بضعة نصوص إلى لقائهما، وكل واحدة من هذه أللقاءات تروي بطريقة مأساوية، قلّت أو كثرت، قصة إهتداء ألرومي: وبذلك أصبح ألقانوني وأللاهوتي ألشهير واحدا من كبار ألصوفيين وربما ألشاعر ألأكثر عبقرية في ألإسلام.
سافر شمس ألدين ألمضطهَد من قبل تلامذة ألرومي ألذين حسدوه لهيمنته على معلّمهم إلى دمشق ثم رضي بألرجوع، إلّا أنّه في 3 كانون أول سنة 1247 أختفى، مغتالا بشكل سري.
بقي الرومي لفترة طويلة حزينا وقد ألّف مجموعة من ألأناشيد ألصوفية ألتي تحمل إسم معلّمه ( ديوان شمس التبريزي ) وهي "اناشيد جديرة بألتقدير وألحب وألاسى" وهذا ألعمل ألثري مكرّس بكامله لهذا ألحب ألأرضي في ظاهره، ولكنه في حقيقته أقنوم للحب الإلهي، وإضافة إلى ذلك فإنّ ألرومي أسس ألنغم ألروحي (ألساما) على شرف شمس.
حسب قول ولده (سلطان ولد): " لم ينقطع لحظة عن ألإصغاء للموسيقى وعن الرقص،، ولم يسترح ليلا ولا نهارا، لقد كان عالما، فاصبح شاعرا، وكان ناسكا فاصبح منتشيا بالحب، "ليس من خمرة العنب فألروح ألمستنيرة لا تشرب إلّا من خمرة ألنور".
حوالي نهاية حياته، أختار ألرومي حسام ألدين شلبي لإدارة تلامذته وبفضل ألشلبي، ألّف ألمعلّم مؤلفه ألأساسي "ألمثنوي" وحتى موته في سنة 1273م أملى ألرومي على ألشلبي ألثنائيات (بيتان متكاملان في الشعر) أحيانا وهو ماشي في ألشوارع، أو حتى عندما يكون في حمامه.
ألثنائيات تتعلق بملحمة صوفية مكونة من خمسة وأربعين ألف بيت تقريبا محتذيا فيها نصوص ألقرآن وألسنة ألنبوية وكذلك خرافات وطرائف وأساطير وجمل من ألفولكلور ألشرقي وألمتوسطي.

لقد أسس الرومي أخوية صوفية (كونفريرية) وهي الطريقة المولوية، لأنّه كان يُدعى من قبل تلامذته ورفاقه بمولانا، وعرفت ألجماعة في ألغرب تحت إسم "ألدراويش ألدوارين" لأنّه أثناء حفلة ألساما يدور ألراقصون أكثر فأكثر سرعة على ذاتهم وحول ألقاعة.
يقول ألرومي:
"في إيقاعات ألموسيقى يختبيء سر، إذا كشفته فسيقلب ألدنيا". وفي ألواقع، إنّ ألموسيقى توقظ ألنفس جاعلا إياها تتذكر جزءها ألحقيقي وتُذكِرها بنهايتها ألأخيرة، وكلنا نشكل جزءا من جسد آدم- وأصغينا لهذه ألأنغام في ألجنة، ولكننا لم نعد نتذكر سوى ألقليل.
وكالموسيقى وألشعر ألمقدسين، فإنّ الرقص ألوجدي كان مطبقا منذ بدايات ألصوفية، وحسب بعض ألصوفيين فإنّ رقصهم ألوجدي كان يستنسخ رقص الملائكة.
في الطريقة ألمجددة من قبل الرومي ( ولكن المنظمة بصورة خاصة من قبل أبنه سلطان ولد) فإنّ للرقص صفة كونية ولاهوتية معا.
في هذا الرقص يلبس الدراويش ألثياب ألبيضاء (ترمز للكفن) مغطاة بمعطف أسود (رمز القبر) ويكونون معممين بقبعة طويلة من أللباد (صورة حجر ألقبر) ويمثل الشيخ البرزخ (ألوسيط بين السماء وألأرض).
أثناء ألرقص يعزف ألموسيقيون على الناي ألمصنوع من ألقصب ويقرعون الطبول وألطبلات.
ترمز ألفرقة حيث يدور الدراويش إلى العالم، والدراويش إلى ألأجرام ألدائرة حول ألشمس وحول ذاتها، والطبول تذكّر بالناقورات في ألدينونة الأخيرة، وتكون دائرة الراقصين مقسمة إلى نصف دائرة، أحدهما يمثل قوس الهبوط أو إنغماس الروح في المادة، وألآخر قوس صعود ألأرواح نحو ألله.
عندما يصبح ألإيقاع سريعا جدا يدخل ألشيخ في ألرقص ويدور في وسط ألحلقة لأنّه يمثل ألشمس " وهذه في أللحظة العليا للإتحاد ألمحقق". يضاف إلى ذلك أنّ رقص ألدراويش لا يصل إلّا فيما ندر إلى رعدات عصابية وهذه قد تحدث في بعض ألأجزاء ألهامشية.
إنّ دور ألرومي في تجديد ألإسلام لا حد له، فمؤلفاته قُرئت وتُرجمت وفُسرت من طرف لآخر في ألعالم ألإسلامي، وهذه ألشعبية ألفريدة تثبت أيضا ألأهمية للإبداعية ألفنية وبخاصة ألشعر في تعميق ألحياة ألدينية وكما هو لدى كبار ألصوفية فألرومي مع حمية مؤلهة وقوة شعرية لا مثيل لها لم ينقطع عن تمجيد ألحب ألإلهي:
"بدون ألحب سيصبح ألعالم بدون حياة"...(ألمثنوي 7-38).
إنّ ألشعر ألصوفي للرومي مغرق في رمزيات مستعارة من اجواء ألرقص وألموسيقى، وبألرغم من بعض ألتأثيرات ألأفلاطونية ألمحدثة فإنّ لاهوته معقد إلى حد كبير، فهو في آن واحد شخص تقليدي وجريء.
يصر الرومي على ضرورة ألوصول أو إدراك غير ألكائن لكي يُستطاع ألوصول والكينونة وهذا ما يحمل ألعديد من إشارات ألحلّاج.
إنّ ألوجود البشري يتطور تبعا لإرادة ومخطط ألخالق. فألإنسان كان مكلفا من قبل ألله لأن يصبح وسيطا بينه وبين ألعالم.
"ليس من ألعبث أنّ ألإنسان قد "ذهب من ألبذرة حتى العقل" (مثنوي 3-975)
" من أللحظة ألتي تأتي فيها إلى هذا ألوجود، هناك سلّم وضِع أمامك لكي يسمح لك بألهرب". وفي ألواقع إنّ ألإنسان في ألبدء كان معدنيا، وبعد ذلك نباتيا، ثم حيوانيا.
" ثم تكونت إنسانا موهوبا بألمعرفة وألعقل وألدين" وفي ألنهاية سيصبح ألإنسان ملاكا، وستكون إقامته في ألسماء، ولكن ليست هذه هي المحطة ألأخيرة:
"تجاوز حتى ألشرط ألملائكي، أدخل في هذا ألمحيط (ألوحدة ألإلهية) من أجل أن تستطيع قطراتك من ألماء أن تصبح بحرا". وفي مقطع شهير من ألمثنوي (2-53) يوضح الرومي ألطبيعة ألأصلية ألثيومورفية للإنسان ألمخلوق على صورة ألله:
" صورتي تبقى في قلب ألمليك: قلب ألمليك سيكون مريضا بدون صورتي. نور العقول يأتي من فكري، وألسماء خلقت بسبب طبيعتي الأصلية.... أملك ألعرش ألروحي..... لست أبدا ألمجانس للمليك..... ولكني أتلقى منه نوره في ظهوره.

7. ألغزالي وألتوفيق بين علم ألكلام وألصوفية:

"تجربة ألنبوّة هي تجربة ذوقية خاصَّة جداً ولا يمكن سردها، وبألنتيجة لا يمكن أن تَعْرِف معنى أن يكون إنسان ما نبياً، إلّا إذا صادف وكنت أنت نبياً.. كل ألكتابات وألدراسات وألبحوث ألتي حاولت أن تقترب من فكرة النبوّة وتوابعها لم تفلح، كل ألمقاربات ألنفسية وألإجتماعية وألأنثروبولجية، كانت بعيدة عن سر ألنبوّة ورحمها ألخافق بألسحر. ألنبوّة تجربة ذاتية يعجز صاحبها عن ألكشف عن كوامنها فكيف بغيره؟ وإذا أراد ألنبي أن يسرد نبوّته فإنه سينتهك براءة هذه ألنبوّة، ذلك أنّ إعلان سر ألنبوّة بمثابة قتل له في ألحقيقة، وليس أدل على ذلك مما أفعله أنا بهذه الاعترافات، فلست أفعل شيئاً أكثر من تعريض تجربة خاصَّة من تجارب ألنبوّة للتهكم وألسخرية وألإستخفاف.. ألنبوّة سر يجب كتمانه، ليس لأنها شأن يستحق ألكتمان، بل لأنها أمر لا سبيل لإعلانه.
ليست النبوّة نعمة، وهذا لا يعني بأنها نقمة بأي حال من ألأحوال، لكن من ألضروري ألإلتفات إلى أنّها دوامة وعي يغرق بها فكر الإنسان وقد لا يخرج منها إلا مُعاقاً. فألنبوة إذن هي تجربة وعي .... سعدون محسن ضمد - من إعترافات آخر متصوفة بغداد.

إنّ مقتل ألحلّاج، كان له نتائج من بينها نتيجة ألزمت ألصوفيين على ألبرهان أنّهم لا يناقضون في مظاهرهم ألعامة ألتعاليم ألأصولية، وقد موّه بعضهم تجاربه ألصوفية وأفكاره أللاهوتية في سلوك شاذ، وتلك كانت حالة الشيخ الزاهد أبو بكر دلف بن جعفر بن يونس الشبلي ألذي ولد في سامراء عام 247 هـ وتوفي سنة 334 هجرية، وكان أبوه من رجال دار الخلافة في سامراء، وهو تركي الأصل من قرية شبلية من أعمال أشروسنة.
ألشبلي كان صديقا للحلّاج وعندما كان ألحلّاج معلقا على ألمشنقة سأله حول معنى ألوحدة ألصوفية، وقد عاش ألشبلي بعد ألحلّاج 23 سنة.
ألشبلي بتناقضاته وبوحه بعواطفه ألشاعرية، وفّر لنفسه " أمتياز ألحصانة " وقد قال:
" من يحب ألله من أجل أفعاله من ألنعمة فهو مشرك " وطلب ألشبلي مرّة من تلامذته أن يتركوه، لأنّهم أينما تواجِدوا، سيكون معهم وسيحميهم.
وهناك صوفي آخر وهو ألعراقي محمد بن عبد الجبار بن حسن النفري الملقب بالنفري، ولد ببلدة نفر في العراق وإليها ينسب وتوفي عام 354 هـ. كان من كبار الصوفية وتنقل كثيرا بين العراق ومصر، ومن أشهر كتبه كتاب المواقف والمخاطبات. ومن فرط تواضعه لم يكتب ما كان يقول، إنما كان يؤلف كتابه شفهيا لمريديه، ويكتفى بذلك. من أشهر ما ذكر عنه أنَّه قال:
"كلما اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة." وألذي أستعمل كذلك ألتناقض ولكنّه تجنّب حذلقة ألشبلي، وعلى ألأرجح كان أول من أعلن أنّ ألصلاة هي عطاء إلهي. " إنني أنا ألذي أعطي، وإذا لم أجب على صلاتك، فلن أحضّك للبحث عنها ".
في ألقرن ألتالي بعد مقتل ألحلّاج، أظهر عدد من ألمؤلفين ألمذهب وألمماراسات ألصوفية.
لنتناول ألآن ألنظرية ألتي أصبحت تقليدية للمقامات وألأحوال وألطريقة، ويمكن تمييز ثلاث مراحل أساسية فيها:
مرحلة ألمريد (ألمبتديء) ومرحلة ألمتقدم (ألصالح) ومرحلة (الكامل).
بناء على نصيحة شيخه يجب على ألمبتديء تطبيق تمارين تقشفية عديدة، مبتدئا بألتوبة، ومنتهيا بألقبول ألصادق لكل ما يحصل له. ويشكل التنسك والتعليم معركة داخلية مراقبة بعناية من قبل ألمعلّم. وفي حين أنّ ألمقامات (محطات) هي ألنتيجة لجهد شخصي فإنّ (ألأحوال) هي منحة مجانية من ألله (إنّ عدد ألأحوال مختلف، من بينها ألحب، ألخوف، ألأمل، ألرغبة، ألهدوء في ألسلام، ألتأمّل، أليقين).
في ألقرن الثالث هجري، كان الصوفي ألمسلم يعرف ثلاث نظريات عن ألإتحاد ألإلهي:
1- ألإتحاد ألإلهي مفهوم كإتّصال أو وصال يستبعد فكرة وحدة الروح مع ألله.
2- ألإتحاد الإلهي مفهوم كإتحاد ألذي يكشف بذاته معنيين مختلفين: أحدهما، مرادف للوصال ألذي يستبعد فكرة وحدة ألروح مع ألله، وألثاني مثير لإتحاد في الطبيعة.
3- ألإتحاد الإلهي مفهوم كحلول: اي أنّ روح الله تسكن بدون إختلاط ألطبيعة، ألروح ألمطهرة للصوفي.
لم يقبل فقهاء ألإسلام ألرسمي سوى ألإتحاد بمعنى ألإتصال (أو مماثلة ألمعنى ألأول للإتحاد)، ولكنهم رفضوا بحماس، كل فكرة للحلول.

إنّ أللاهوتي ألشهير ألغزالي، هو ألذي بفضل إحترامه، نجح في أن يجعل ألصوفية مقبولة من ألاصوليين (ألارثودكس).
ولد أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري، أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، (450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م) ودرس علم ألكلام واصبح مدرسا في بغداد، واتقن فيما بعد طرائق ألفارابي وأبن سينا ألمستوحاة من الفلسفة أليونانية وذلك كي يستطيع نقدها ولطرحها في رفضه للفلسفات (تم رفض كتابه ألتهافت من قبل أبن رشد).
على أثر أزمة دينية ترك الغزالي ألتعليم في 1075 ميلادية وسافر إلى سورية، وزار ألقدس وجزءا من مصر، ودرس اليهودية وألمسيحية، وقد تعرّف ألباحثون في فكره ألديني على بعض التأثيرات ألمسيحية.
خلال سنتين من وجوده في سورية، أتّبع طريق الصوفية، وبعد غياب عشر سنوات رجع الغزالي إلى بغداد وإستعاد التعليم لوقت قصير، إلّا انّه أنتهى بألإنسحاب مع تلامذته إلى مسقط رأسه حيث أسس مدرسة وديرا للصوفيين، وقد جعلته مؤلفاته الكثيرة مشهورا منذ زمن طويل، ولكنه أستمر في الكتابة، وكان موضع إحترام مُجمَع عليه.
من غير المعروف من هو الذي كان الدليل الروحي للغزالي، وما هو ألنموذج للتلقين ألذي تلّقاه، ولكن مما لاشك فيه أنّه على أثر تجربة صوفية أكتشف عدم كفاية أللاهوت الرسمي (علم الكلام)، وكما كتب بدعابة:
" أولئك الذين هم علماء باحثون في بعض أشكال نادرة من الطلاق، لا يستطيعون أن يقولوا لك شيئا في موضوع ألأشياء الأكثر بساطة للحياة الروحية مثل معنى الإخلاص تجاه الله أو ألثقة به ".
بعد إهتدائه، كتب الغزالي سيرة ذاتية روحية – ألمنقذ من الظلال - ولكن بدون كشف تجاربه ألصحيحة، ولقد ألحّ بصورة خاصة على نقد ألفلاسفة.
بعد إعتناق ألغزالي للصوفية وتكريسه متصوفا، عرف ألغزالي أنّ تعليم ألصوفيين لا يجب أن يبقى سرا محصورا بنخبة روحية، ولكن يتوجب أن يصبح مقبولا من كل المؤمنين.
إنّ رسمية ونشاط تجربته ألصوفية أقرتا في كتابه ألأكثر أهمية (إحياء علوم ألدين) ألمؤلف من اربعين فصلا، درس فيه الغزالي تباعا المسائل ألشعائرية والعادات ورسائل ألنبي " الأشياء التي تقود للهلاك " والاشياء ألتي تقود للخلاص، وفي هذا القسم الأخير نوقشت بعض مظاهر ألحياة الصوفية، ومع ذلك جهد الغزالي للحفاظ دائما على الوسط الصحيح مكمّلا الشريعة والسنة بتعليم الصوفية، ولكن بدون ان يعطي الافضلية للتجربة الصوفية.
وبفضل هذه الوضعية تبنّى علماء أللاهوت الاصوليون إحياء علوم الدين فحصل على سلطة لا مثيل لها.
إنّ ألغزالي كمؤلف موسوعي غزير ألمادة، كان ايضا مجادلا كبيرا، وقد هاجم ألإسماعيلية بدون إنقطاع كما هاجم ألإتجاهات ألغنوصية (ألعرفانية)، ومع ذلك فإنّه في ألبعض من كتاباته، يستوحي تعاليمه الصوفية حول ألنور بُنيّة غنوصية.
حسب رأي عدد من ألعلماء، فإنّ ألغزالي قد خاب في قصده (إعادة إحياء) ألفكر الديني للإسلام. " مهما كان متالقا لم يفلح ابدا بمنع تصلّب ألمفاصل ألذي سيجُمِد إلى قرنين أو ثلاثة تالية الفكر ألإسلامي (النقد العنيف للغزالي كان من قبل – زهبر- ولكن – كوربان أظهر أنّ ألإبداعية ألفلسفية لم تنقطع مع موت أبن رشد سنة 1198 ميلادية وقد استمرت الفلسفة بالتطور في الشرق وبصورة خاصة في إيران في ألتقاليد لمختلف المدارس إضافة للسهروردي).

8. ألنبوة وألولاية:

" إنّ إحتجاج أبن سبعين على حديث لانبي بعدي يشف عن نفس تواقة للنبوة".

ألنبوة في ألفتوحات ألمكية لمحي ألدين أبن عربي (ألباب 73) نبوتان: نبوة ولاية ونبوة تشريع. فألولي نبي ولكنه بلا شريعة. وألإستثناء لازم لئلا يصل الولي إلى نسخ ألشريعة. وأبن عربي ضد ألنسخ. لكن نبي ألشريعة يتعلم من نبي ألولاية، فألولي معلم ألنبي. وأستند فيها إلى قصة موسى مع ألخضر. وموسى نبي وألخضر ولي. وألقرآن ينص صراحة على أنّ علم ألخضر أعلى من علم موسى (مالم تحط به خبرا).......ألآية 68 - سورة ألكهف.
وفي ألفصوص إختراق عجيب من مسألة ألخلافة. ألمعروف عند غير ألشيعة أنّ ألنبي لم ينص بألخلافة إلى أحد. ويأخذ أبن عربي من ذلك تفسيرا لإستمرار ألنبوة. يقول في ألفص ألداوودي :
" مات رسول ألله وما نص بخلافة عنه إلى أحد ولا عينّه، لعلمه أنّ في أمته من يأخذ ألخلافة عن ربّه فيكون خليفة عن ألله مع ألموافقة في ألحكم ألمشروع. فلما علم ذلك صلى ألله عليه وسلم لم يحجر ألأمر ".
على أنّ ألخلافة عن ألله قد لا تكون هي ألنبوة بألمرادفة، لأنّه في مكان آخر يذكر حديث: " لا نبي بعدي " فيقول: هذا ألحديث قصم ظهور أولياء ألله ( ألفص ألعُزيري ) لأنّه قطع عليهم طريق ألنبوة.
وسيحتج أبن سبعين فيما بعد على ألحديث لنفس ألإعتبار: " لقد تحجر ابن آمنة عندما قال: لا نبي بعدي ".
إنّ إحتجاج أبن سبعين على حديث لانبي بعدي يشف عن نفس تواقة للنبوة. إلّا أنّها نبوة المثقف لا نبوة ألنبي. فأبن سبعين ونظراؤه في ألتصوف يجدون في أنفسهم من طاقات ألفكر وعمقه وتوغله في ألأبعاد ما يستصغرون معه ألكتب ألمنزلة وليس من شك أنّ ثقافتهم ألواسعة لا تقاس بها ألثقافة ألمتواضعة للأنبياء.
فألأنبياء ليسوا فلاسفة ولا علماء ولا حتى مثقفين بالشرط ألذي يكونه ألمثقف بألمعنى ألأصطلاحي بل هم بين مناضل أجتماعي كالمسيح ومؤسس دولة وحضارة كموسى ومحمد وحامل رسالة أخلاقية كبوذا.
وهذه الصفات لا تصح على المتصوفة فهم مثقفون حصرا، وألمثقف لا ينهض بمهام ألنبي. أما ألنبوة ألتي يتوقون إليها فتتقوم بألتجاوز ألفكري للعقائد ألتي جاء بها ألأنبياء لأنّ مقاسات عقولهم تجعل من ألعسير عليه تقبّل مصادارات العقائد، وهذه نقطة يشتركون بها مع ألفلاسفة.
لكن ألفلاسفة لم يفكروا بألنبوة، لأنّ ألنبوة تطلع وجداني – غيبي يصدر عن نفس متروحنة تتماهى بالحدس وألإلهام لا بالعقل ألخالص وترتهن عادة برسالة يحملها النبي إلى بلده أو قومه تنقلهم من حال إلى حال في حياتهم الأجتماعية وألسياسية وألأديولوجية.
وألنبوة بهذا ألمعنى أقرب إلى مجال حركة المتصوف لإشتمالها على عنصر إجتماعي إصلاحي، مما لا شأن به للفيلسوف ألمعني أساسا بقضايا ألفكر.
وبناءا على ذلك يمكننا ألنظر إلى متصوفة كالحلاج أو ألبسطامي أو ألجيلي أو أبن عربي او أبن سبعين على أنّهم أنبياء. وهكذا ايضا بخصوص فلاسفة ألتاو الكبار. وأيضا لبعض فلاسفة العصر الحديث مثل كارل ماركس ولينين. وهذا من جهة كونهم حملة رسالات – أجتماعية أكثر منها ثقافية.
على أنّ أبن عربي يحاول فتح ألطريق بتفريقه بين نبوة ألولاية ونبوة ألتشريع. ثم أدركه ألطمع في هذا ألموضع فقال:
" إنّ ألله لطف بعباده فأبقى لهم ألنبوة ألتي لا تشريع فيها وأبقى لهم ألتشريع في ألإجتهاد في ثبوت ألاحكام وأبقى لهم ألوراثة في ألتشريع، فقال " ألعلماء ورثة ألأنبياء " . وما ثم ميراث إلّا فيما أجتهدوا فيه من ألأحكام فشرعوه ".
فألولي قد يرث نبوة ألتشريع. وألمستفاد بوجه عام أنّ ألمتصوفة أرادوا النبوة ألتي يخرجون بها من قيد ألعقيدة. ولم يلتفتوا كبير إلتفات إلى مسألة ألشريعة، فهذه كانت شغل ألإسماعيلية ألذين قالوا بنسخ ألشريعة فنسخوها في معاقلهم في دولة ألإحساء وقلاع ألشام وإيران.
وحقيقة ألحال في ألنسخ أنّ ألشريعة كانت لازمة لضبط سلوك ألحكام وردعهم عن ألظلم من نهب للأموال وقتل كيفي وركوب ألهوى وألفساد كما يلزم تقييد ألدول ألمعاصرة بألدستور وتقنين سياساتها وفقا لأحكامه.
فإذا أريد المضي إلى مدى أبعد في ألتحرر الإجتماعي وحل المشكلات المعيشية للجماهير فإنّ نسخ ألشريعة لازم للتمكين من ذلك. وهذا ما جرى في دولة ألقرامطة شرقي ألعربيا حين تجاوزوا حكم ألزكاة ألمقرر في ألشريعة وأستولوا على ألثروات ألعامة والخاصة لإعادة تنظيم ألإقتصاد بطريقة تضمن حصول ألناس على حقوق متكافئة فيه.
ومع هذا التنظيم الجديد للإقتصاد نسخوا أحكاما أخرى غير ملائمة لمعشرهم منها ألزواج ألضرائري ( تعدد ألزوجات ) لإقامة نظام العائلة ألأحادي مع عدم ألتسري ( إتخاذ ألجواري ).
وألمتصوفة نسخوا من ألشريعة بعض ألأحكام عملا لا أدلجة بأمتناعهم عن ألزواج بأكثر من واحدة وعدم ألتسري وعدم إتخاذ العبيد من جهة أكثريتهم. وكذلك خروجهم من حد ألأكتناز ألمباح في ألشرع ( لأنّ حكم ألزكاة نسخت آية ألإكتناز فألمتصوفة يرون بأنّ ألزكاة لاتكفي لمنع اكتناز ألثروات لدى قلة من ألأغنياء وحرمان ألأكثرية الفقيرة منها ) . وقد ينظرون لإبطال حكم ويمارسونه كألحج فهم متفقون تقريبا على بطلانه كما في ترجمان ألأشواق لأبت عربي:
تطوف بقلبي ساعة بعد ساعة بوجد وتبريح وتلثم أركاني
كما طاف خير ألرسل بألكعبة التي يقول دليل ألعقل بنقصان
وقبّل أحجارا بها وهو ناطق وأين مقام ألبيت من قدر إنسان
لكنه حجّ مرتين. على أنّ ألمتصوفة وقعوا في ألنسخ ألأكبر بدعوتهم إلى " إطعام ألدنيا للجياع " ففيه إبطال لحكم ألزكاة وتوسيع لحكم تحريم ألإكتناز بإشاعة ألأموال مما يعني إجراء تعديلات جوهرية على فقه ألمكاسب كما فعل القرامطة. ولو أنّهم لم يحكموا لنرى ماذا كانوا سيفعلون لتحقيق دعوتهم في دولتهم.

9. شطحات صوفية:

" وددت لو أن رزقي حصاة أمصها.... فقد مللت من كثرة ألتردد على ألخلاء " .... ألمتصوف مالك بن دينار.

• يرى بعض اهل الباطن ان الاولياء اقل كلفة من الانبياء. وقد يتحدثون عن جهات الارض التي لم تختصها السماء بالنزول فيقولون إنها بإستغنائها عن الوحي استغنت عن كثير من التعب والعناء. وعن هذا يقول احد مشايخنا " ان الرسل طولت الطريق الى الله ". يريد بذلك تكاليف الظاهر التي فرضت على المؤمنين لكي يصلوا الى الله وهي الاعباء الي يتحملها ذو الدين لتكون شرطا لدخوله ملكوت السماء ((أو ألجنة)). على ان فينا نبيا واحدا انتبه الى هذه المفارقة فاوقفها. وهذا هو عيسى.
• " وددت لو أن رزقي حصاة أمصها.... فقد مللت من كثرة ألتردد على ألخلاء " .... ألمتصوف مالك بن دينار.
(( نقد للتصميم الذكي، لو كان الامر بيد المتصوفة لأنشأوا خلقا آخر )).
• " كنت اطوف حول البيت اطلبه فلما وصلت اليه رأيت البيت يطوف حولي " .....أبو يزيد ألبسطامي.
(( الانسان ارقى من الجماد وعبثية الطواف حول البيت- الكعبة - )).
• " خرجت الى الحج فاستقبلني رجل في المتاهات فقال: ابا يزيد الى اين؟ فقلت الى الحج فقال: كم معك من الدراهم ؟ قلت معي مئتا درهم فقال: فطف حولي سبع مرات وناولني المئتي درهم فإن لي عيالا فطفت حوله وناولته المئتي درهم " .... ابو يزيد ألبسطامي.
(( الحكاية تتضمن حكما بإيفاء حقوق الفقراء بدلا من إنفاق المال على الحج )).
• " اللهم إن كان في سابق علمك أنك تعذب احدا من خلقك في النار فعظّم خلقي ( جسمي ) حتى لا تسع (جهنم) معي غيري ".... ابو يزيد ألبسطامي.
(( اشفق ألبسطامي على الكفار ايضا لانه لم يقل لأدفع عن المؤمنين بل قال معي غيري )).
• " إن لله عبادا لو بزقوا ( بصقوا ) على جهنم لاطفأوها " ... ألشبلي.
(( إستخفاف بنار جهنم فالشبلي والبسطامي يهدفان الى إنقاذ البشر من الفقر والذل في الدنيا، ومن العذاب في الآخرة، كما انهما يضعان صورة للعدل مغايرة لما وضعته الاديان، فالتفاوت في الرزق بين الناس في الدنيا غير عادل ولا معقول، وتعذيبهم في الآخرة خارج ايضا عن مقتضى العدل والعقل، ونجد هنا سرا من اسرار تفضيل الولي على النبي. ان الولي يعدّل حقائق الوحي لينفي من الباري- مطلق الصوفية- صفة الجلاد والتاجر، الجلاد الذي يعذب الناس يوم القيامة والتاجر الذي يقسمهم الى مالك ومحروم في الدنيا)).
" لون الماء لون إنائه "... الجنيد البغدادي.
(( الإله هو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري او بتقليده وهذا الإله يتنوع حسب الإستعداد الذاتي للمحل اي لصاحب الإعتقاد )).
في هذا الصدد يقول محي الدين ابن عربي:
• " لكن هذا الإله ليس هو نفسه " الإله المطلق " الذي لا يسعه شيء لأنه عين الاشياء وعين نفسه (وحدة الوجود) وهو لعدم محدوديته لا يدخل في قلب المؤمن لان اللامحدود لا يدخل في المحدود وهو بالتالي غير معروف لاهل الدين إذ انه غير متحدد وغير متشخص وغير مصنوع.
ونخلص من ذلك وجود إلهين، إله الاديان المصنوع المحدود الذي يدخل قلوب المؤمنين به. والإله المطلق الذي اوجد الموجودات بالتجلي لها اي بالإندماج فيها، وليس لهذا الإله دين ولا مؤمنون يعبدونه. وفيما يبدو ان إله الاديان ليس هو الخالق الحقيقي للعالم ".
• " لقد تحجر ابن آمنة عندما قال: لا نبي بعدي "... عبدألحق بن سبعين.
• " في حديث: لا نبي بعدي، قصم ابن آمنة ظهر الاولياء " محي الدين أبن عربي.
(( لأنه منعهم من إعلان نبوتهم )).

10. ألتصوف وألنبوة:

" إنّ التصوف أعم من النبوة، والنبوة لا تحدث خارج إطار آليات التصوف في تحصيل المعرفة." .... هتك الأسرار - تحولات فكرية في العلاقة بالدين والمقدس - سعدون محسن ضمد.

هل كان محمّد يعتقد ويدرك بأنّ الله أختاره نبيّا وأرسل إليه جبريل بألوحي أم لا؟
في مقالة سابقة (ألمقالة 39 من هذا الكتاب) تحت عنوان " هل كان بعض الصحابة والتابعين لمحمّد يعلمون أنّ القرآن من تأليف محمّد؟ " ذكرت هذا التساؤل والإجابات المحتملة عليه وسأدرج الإحتمالات كمقدمة لحلقات بحث " ألتصوف وألنبوة ".
للإجابة على هذا التساؤل هنالك ثلاثة احتمالات :
الاحتمال الاوّل هو أنّه كان يتوّهم بأنّه نبي والدليل على ذلك ما ورد في السيرة النبوية من احاديث حول الرئي الذي كان يتراءى له منذ صغره ومنها حادثة شقّ صدره وكان لا يتراءى له الّا وهو في حالة غير اعتيادية بأن تأخذه نوبة عصبية لا يغيب فيها عن الحس الخارجي غيبوبة تامّة رغم ما يأخذه فيها احيانا من الإغماء، وهذه الحالة كانت تنتابه أثناء نزول الوحي.
لقد بقي محمّد مدّة من الزمن لا يعلم ماهي هذه الرئي الذي يراه أهو ملك ام شيطان، حتّى لقد ظنّه تابعا من الجن كالتابع الذي يكون للكهّان ولكنّه صار اخيرا يعتقد مايراه ملكا لا شيطانا، ثمّ صار بعد هذا الاعتقاد يسمّيه بإسرافيل، واخيرا صار يسمّيه بجبريل، والفضل لحصول هذا الاعتقاد لمحمّد يرجع إلى خديجة فإنّها هي التي ثبّتته وازالت خوفه وجعلته يوقن بانّ ما يراه ملك لا شيطان وزاد يقينه بعد تعرّفه على الملك جبريل عن طريق ألراهب ورقة بن نوفل .
الاحتمال الثاني هو أنّه كان يدرك بأنّه ليس نبيّا وإنّما أراد أن يوحّد عرب الجزيرة العربية ليكوّن منهم دولة تدين لها الفرس والروم، لقد صرّح محمّد بغايته هذا يوم الخندق ففي السيرة الحلبية وكذلك في سيرة ابن هشام عن سلمان الفارسي قال:
ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ ورسول الله قريب منّي، فلمّا رآني اضرب وشدّة المكان عليّ، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برْقَة ثم ّضرب به اخرى فلمعت تحته برقة اخرى ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اخرى، فقلت بابي انت وامّي يا رسول الله ماهذا الذي يلمع تحت المعول وانت تضرب؟
قال: اوقد رأيت ذلك ياسلمان؟ قال قلت: نعم، قال: فأمّا الاولى فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها اليمن، وأمّا الثانية فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها ألشام والمغرب، وأمّا الثالثة فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها المشرق.
الاحتمال الثالث هو أنّه كان يتوّهم بأنّه نبي في بداية دعوته في مكّة، ولكن بعد هجرته الى المدينة ادرك عكس ذلك بدليل وجود فروقات جوهرية في اسلوب وتشريعات القرآن المدني عن المكي، فالتأمل وحيدا في غار حراء مختلف عن واقع يثرب والصراعات الموجودة فيها مابين الاوس والخزرج وصراعاتهم مع يهود المدينة.
وفي تلك المقالة ذكرت ما يلي :
" بأعتقادي بأنّ اقرب الاحتمالات الى المنطق هي ألإحتمال الأول ، أي أنّه كان يتوّهم بأنّه نبي من البداية حتى النهاية ".
بعد إطلاعي على كتاب " هتك الأسرار – تحولات فكرية في العلاقة بالدين والمقدس " للكاتب المبدع سعدون محسن ضمد، الذي يتناول فيه إعترافاته بعد رحلته التصوفية والعلاقة بين التصوف والنبوة، توصلت إلى قناعة بأنّ محمدا كان يتوّهم بأنّه نبي بعد فترة تأمله وإنعزاله في غار حراء ولكنه أدرك بعد رحلته التصوفية عدم أمكانية الفناء في المطلق وتراجع عنه إلى مرحلة البقاء.
النبوة – بل التصوف كله - أشبه ما تكون بصحراء قاحلة جدا لا يمكن قطع مجاهيلها بغير إستخدام آلية التوهم في الوعي، فتجارب الوعي تعمل على تشكيل صورة ذهنية عن موضوع لا تتوفر عنه أية معطيات واقعية ( خارج الذات ).
كتبت إحدى ألقارئات تعليقا على مقالة نشرتها، ولعلاقتها بموضوع توهم الأنبياء أنقلها بألنّص، تقول ألقارئة في رسالتها:
" إنَّ العائلة الابراهيمية مُصابة بنوع مِن الفصام يُصاب به نسلها وتظهر عليهم اعراض النبوَّة حين تكون الحاجة ماسة الى وجود حل لمشاكل بدو لا يعرفون سوى الإغارة على بعضهم، وقد وجد في الدراسات النفسية عند اخضاع المصابين بالهلوسة الى أجهزة خاصة يُظهرون نشاطا في منطقة السمع في دماغ الانسان وكأنهم يسمعون صوتا حقيقيا،وهناك حقيقة علمية اخرى تقول أنَّ ألهلوسة يُصاب بها مَنْ ينقطع عن الناس لفترة طويلة لدرجة ان دماغه يقترح الاصوات كنوع من الدفاع عن آلية عمل الدماغ القائم على وجود الانسان كحيوان اجتماعي، وهذا ما حدث للرسول محمد حين انقطاعه في الجبل ".
النبوة تعني الإخبار عن الله، بمعنى أنّ النبي يعتقد بأنّه يسمع كلام الله بطريقة أو باخرى، وبأنّه مسؤول عن إيصاله إلى الناس. وليس هناك من سبيل يجعل الإنسان قادرا على مثل هذا الإدعاء إلا سبيل الفناء بالله الذي هو حال يختبر فيه الصوفية شعورا طاغيا بفناء ذواتهم بذات المطلق وذلك بعد تجاوزهم مراحل التوحيد الثلاث ( توحيد الأفعال وتوحيد الصفات وتوحيد الذات ).
إنّ الإنتقال من حال الفناء بالله إلى حال البقاء به لا يتم دون أن يكتشف الفاني بأن فناءه عبارة عن فكرة غير واقعية، خاصة بعد أن تضطره حاجاته الإنسانية إلى الإقرار بأن الالوهية شأن لا يمكن بلوغه. ومن هنا يعترف بحجم الوهم الذي أوقعه بالفناء الذي أوصله لإدعاء الألوهية.
وهكذا يخرج من فكرة فناءه بالله، ولكنه لا يستطيع أن ينكر بقاءه به. بعبارة اخرى لا يبقى بحال الفناء إلا وعي غير سليم ويعاني من خلل كبير.
إنّ التصوف أعم من النبوة، والنبوة لا تحدث خارج إطار آليات التصوف في تحصيل المعرفة.
لا يختبر الصوفي مقامات الحب الإلهي إلا بعد أن يقطع رحلة طويلة ومكلفة من رحلات تطويع البدن على الخضوع لإشتراطات التأمل في (الحقيقة) والإنقطاع للبحث في أسرارها، مارا بمرحلتين من مراحل التطويع، مرحلة تطويع الجسد، وتبدأ هذه المرحلة بمقامات التوبة وتنتهي بمقامات الزهد.
ومرحلة تطويع الوعي حيث يعبر المريد – خلال هذه المرحلة من مراحل الترويض – مقامات : ( التوكل، التسليم، التفويض، واخيرا الفناء ).
إنّ حال الفناء وإن كانت قصيرة جدا فإنّها تفتح الباب على رحلة خطيرة جدا من رحلات الوعي، إذ يشعر الإنسان خلالها بنحو من أنحاء التألهن، ويطغى عليه شعور غريب بأنّه أقرب إلى الله منه إلى الإنسان.. وهنا أيضا تتأسس القاعدة التي يمكن أن تكون منطلقا لإدعاء النبوة فيما بعد.
ومن خلال هذه الحال وتحت وطأة ضغطها الشعوري على الصوفية فضحوا أنفسهم من خلال ما سميت ( شطحات الصوفية ) والتي تكشف أغلبها عن التحقق بالربوبية ومنها هذه الحادثة المروية عن أبي يزيد البسطامي :
" دق رجل على أبي يزيد البسطامي باب داره فقال له : من تطلبه؟ فقال : أطلب ابا يزيد. فقال مر ! ويحك ! فليس في الدار غير الله ".




أنسنة ألله :
عندما يبلغ الصوفي ذروة فنائه تحدث محنته، محنة جميع ( الصوفية / الأنبياء )، فبعد هذه الذروة تنعطف رحلة التصوف إنعطافتها الأخطر وذلك يوم يسأل الصوفي نفسه عن إستحقاقات حال الفناء، بالاحرى يسال نفسه عن مدى واقعية الجملة السحرية التي يرددها بينه وبين نفسه : ( إنني أنا الله )؟
إنّ اليقين بتحقق الفناء يوجب إختبار هذا الفناء، فيسعى الصوفي أو النبي لتحقيق إلوهيته، أو التحقق من واقعية شعوره بها، لكن كيف يمكن التحقق من الألوهية؟
لكن الإستغراق بحال الفناء التام لا يدوم طويلا، ومهما كانت سكرة الصوفي ونشوته قوية فإنّها لا تستطيع أن تلغي شعوره بإستقلاله وحضور أناه المستقلة عن المطلق إلى النهاية. وهنا تبدأ الازمة، أزمة الخوف من الإنفصال، فلا شيء يخيف الصوفي أكثر من خسارته هذه الحال وتلك النشوة، وعودته لإنسانيته.
لكن الخوف على حال الفناء لا يتأتى فقط من عودة الإحساس بالذات، بل من محاولات الإختبار التي يُعرّض فيها الصوفي إلوهيته للإختبار.
إنّ طبيعة القلق المركوزة بالإنسان تجعل الصوفي يتجنب إختبار إلوهيته إختبارات قوية ومباشرة بل هو يتجه أول الامر نحو البحث عما يؤكد حال الفناء لديه، فيبحث عن أية إشارة تؤكد هذه الحال كالأحلام الصادقة التي يعاملها معاملة النبوءات، أو الرغبات والأماني التي صادف أنّها تحققت.
وإذا تحدّثنا عن علاقة النبي محمد مع عالم الأحلام والرؤى فقد بدأت في وقتٍ مبكّر من عمره ، فقد كانت أولى علامات صدق نبوّته ومبعثه ، كما قالت عائشة : ( أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح )، متفق عليه .
وكذلك قول النبي : ( الرؤيا الصادقة من الله ) رواه البخاري.
إنّ التطمينات التي يحصل عليها المتصوف من تجميعه لبعض الأحداث والمصادفات ستجعله على يقين تام من إلوهيته، ما يدفعه تجاه قبول بتعريض هذه الألوهية للإختبارات المباشرة، وهنا تقع الأزمة، فهذه الألوهية ولأنّها وهمية غير قابلة للإختبار وخاصة الإختبارات غير الممكنة، كما هو الحال عندما يسعى الصوفي ( المتألهن ) إلى خرق نواميس الطبيعة فلا يفلح، وهنا تتصدع الإلوهية شيئا فشيئا، ويعود الإنسان لإدراك حقيقة ضعفه ومقدار الوهم الذي وقع فيه وهو يعتقد بأنّه ألله، ما يوقعه بحزن كبير، وقلق عارم.
وحتى لو أنّ الصوفي ( ألمتألهن ) لم يُعرض إلوهيته للإختبار فإنّ حال ( التألهن ) هذا لا يمكن له أن يستمر إلى ما لا نهاية، ولابد من أن ينتهي، لأنّ ضغط الواقع يمنع أي إنسان صحيح الذهن من أن يعيش داخل خياله ومهما كان هذا الخيال جامحا.
فيخرج الصوفي من غيبته في ألله التي لا يرى فيها لا الوجود ولا نفسه، إلى بقائه في ألله حيث يرى كل الأشياء ولكنه يراها في ألله وهو ما يُسمى بوحدة الوجود.
وأغلب الظن أنّ حال وحدة الوجود تحصل للصوفي عندما يبدأ يصحو من غيبته عن العالم، وقبل أن يعود إلى أرض الواقع تماما. وفي هذه الحالة لا يكون الصوفي ( باقيا ) في شهوده ألله وحده، ولا في شهود العالم وحده، بل في شهودهما معا، فيرى ألله في كل شيء، ويرى كل شيء في ألله، ثم ما يلبث أن تتلاشى رؤيته لله تدريجيا بمقدار ما تزيد رؤيته للعالم، حتى يحط على أرض الواقع تماما ويعود إلى حياته اليومية.
بعد التحقق بحال البقاء، يعود الصوفي إلى الإيمان بأهمية فعالياته، ولذلك يتحول الكثير من الصوفية تجاه الإصلاح الإجتماعي، ومحاولة التأثير بالناس مستخدمين المعارف التي حصلوا عليها والتي تكشف لهم مقدارا كثيرا من الأوهام الدينية التي يقع بها الناس بسبب أخطاء الفقهاء بفهم الأديان.
مرحلة العودة إلى الفعاليات الإصلاحية، هي التي دفعت الأنبياء إلى التبشير برسالاتهم، بإعتبار أنّ الرسالات جميعها محاولات لإصلاح ما فسد من الأديان السابقة.
لكن يبقى هنالك سؤال يحتاج إلى إجابة شافية، هذا السؤال يقول :
ما سر إنقلاب النبي على دين التصوف الذي هو دين مقاطعة الناس وإنتقاله إلى دين النبوة الذي هو دين الإتصال بهم؟ ما الذي يجعل الصوفي ينزل من كونه إلهاً إلى كونه نبيا؟ أليس في إدعاء الألوهية نحو من أنحاء الرفعة على النبوة؟ فما الذي يجعل الصوفي إذن ينزل من كونه إلهاً إلى كونه نبياً؟
إرتداد الوعي :
لا يتخيل الصوفي أنّ طريقه الذي هو سائر عليه سيقوده رغما عنه إلى النبوة. وأنّ تلك النبوة ستقتل جميع أسئلته الصاخبة. فالصوفي لا يعرف مغزى النبوة إلا بعد أن يتوحد مع الحقيقة وينطق بإسمها، متدرجا بأحوال التوحيد الثلاثة، توحيد الأفعال، توحيد الصفات، توحيد الذات.
وعندها سيؤمن بأنّ الحقيقة واحدة، وأن ليست هناك مشاهد عدَّة، بل مشهد واحد وفاعل واحد وذات واحدة. هذه المعرفة خطيرة ومتعبة وصادمة بنفس الآن.
لذلك لا يسمع الصوفي ومهما تكاثرت من حوله الأصوات إلا صوت الحقيقة التي سيجد بأنها تكلمه من خلال جميع الموجودات، البشر الحيوانات الجمادات .. كلها تتكلم بكلام واحد، كلام ألله، الكلام المنطلق من ذات تجاوزت الإختلافات لتقع على سر التشابه الذي يؤدي إلى الوحدة الكاملة.
وهكذا تنطلق النبوة أول ما تنطلق.
بعبارة أخرى : للتوحيد مغزى آخر، فعندما يسقط الصوفي بحال التوحيد وتتحد أمامه الموجودات، فهنا سيتعين عليه أن لا يفرق بين موجود وموجود، لا تعود هناك مستويات في الوجود ولا أجزاء، بل كلٌ متحد يظهر بمظاهر مختلفة، فإذا حدث وأن سمع هذا الصوفي وهو مستغرق بأحد مستويات الفناء خطابا ما فإنّه سيعتبره خطابا من ألله، فليس ثمة أمامه غير ألله يقول ويفعل ويريد.
" فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ... الانفال 17.
هذه أولى عتبات النبوة، فإذا تحقق هذا المستوى سيتبعه ولا شك مستوى آخر وهو مستوى الإنتقال من الخطاب الخارجي إلى الخطاب الداخلي. بعبارة أخرى : إذا آمن الصوفي بأنّ أحاديث الآخرين هي أحاديث ألله، فمن باب أولى أن يؤمن بأنّ أحاديثه هو نفسه تجل لأحاديث ألله.
وهكذا يتدرج بالإنطواء على ذاته والإستماع لصدى تأملاته والتعامل مع هذه التأملات بإعتبارها إلهامات أو إيحاءات ربانية.
"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" .... النجم : 3-4.

ألمصادر:
• هذا ألكون ما ضميره .... عبدألله ألقصيمي.
• مهزلة ألعقل ألبشري .... علي ألوردي.
• الطوطم والحرام .... سيجموند فرويد.
• ألغصن الذهبي (دراسة في ألسحر وألدين) .... جيمس جورج فريزر.
• دين الإنسان .... فراس السواح.
• القرآن.
• ألأحاديث النبوية.
• الشخصية المحمدية او حل اللغز المقدّس..... الشاعر العراقي معروف الرصافي.
• قصة الحضارة ..... ول ديورانت.
• ويكيبيديا.... الموسوعة الحرة.
• الجينة الأنانية ..... ريتشارد داوكينز.
• العلم والحقيقة.... تأملات عن الأمل والأكاذيب والعلم والحب.... ريتشارد داوكينز.
• عشر أساطير حول التطوّر.... إصدار Skeptics Societ.
• ألأساطير وألأحلام وألأسرار.... ميرسيا إلياد.
• نشأة ألإنسان وألأنتقاء الجنسي.... تشارلس داروين- ترجمة وتقديم مجدي محمود ألمليجي.
• ألمقدّس وألمدّنس...... ميرسيا إلياد – ألمترجم / ألمحامي: عبدألهادي عباس.
• تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية.... ميرسيا إلياد - ألمترجم / ألمحامي: عبدألهادي عباس.
• مغامرة العقل الأولى.... فراس السوّاح.
• لغز عشتار- ألألوهة ألمؤنثة وأصل الدين وألاسطورة.... فراس السوّاح.
• ألحب والحرب والحضارة والموت... سيجموند فرويد.
• ألتوراة.
• ألإنجيل.
• ميلاد ألشيطان.... فراس السوّاح.
• كتاب ألأحلام.... مصطفى محمود.
• السيرة النبوية .... لأبن إسحاق.
• تفسير ألجلالين ..... للامامين الجليلين العلاّمة جلال الدين محمد بن احمد المحلّي والعلاّمة جلال الدين عبدالرحمن بن ابي بكر السيوطي.
• ا لرائيلية محاولة للتزاوج بين ألدين وألعلم .... كامل علي.
• ثورة الشك .... كامل علي.
• الإسلام المبكر .... دار نشر شيلر برلين 2007 - مقالة بقلم دانيل بيرنشتيل - ترجمة علي مصباح.
• نصان يهوديان حول بدايات ألإسلام .... إعداد نبيل فياض.
• رؤيا أبوكاليبتية للتاريخ ألإسلامي .... بقلم برنارد لويس.
• ألرواية السريانية للفتوحات ألإسلامية .... ألكاتب تيسير خلف.
• بيزنطة والفتوح ألإسلامية - لولتر كيغي - تعريب نقولا زيادة - دار قدمس - دمشق 2002 م.
• تاريخ الرهاوي المجهول - الجزء الثاني - تعريب ألبير أبونا – بغداد.
• تاريخ الرهاوي المجهول - بالسريانية - طبعة دير مار أفرام السرياني في هولندا 2004 م.
• تاريخ الزمان لأبن العبري - تعريب أسحق أرملة - دار المشرق - بيروت 1986 م.
• تاريخ الزوقنيني المنحول لديونيسيوس التلمحري - سهيل قاشا - منشورات المكتبة البولسية - بيروت 2006 م.
• تاريخ الكنيسة - يوحنا الآسيوي - تعريب صلاح عبد العزيز محجوب إدريس - المجلس الأعلى للثقافة - القاهرة 2000 م.
• تاريخ ميخائيل الكبير - الجزء الثاني - تعريب مار غريغوريوس صليبا شمعون - دار ماردين - حلب 1966 م.
• بحوث تاريخية لاهوتية روحية - للبطريريك أغناطيوس زكا الأول عيواص 3 أجزاء - دير مار يعقوب. البرادعي - لبنان 1988 م - 1999 م - 2000 م.
• هكذا تكلّم ابن عربي .... للدكتور نصر حامد ابوزيد.
• من تاريخ الإلحاد في ألإسلام .... عبدالحمن بدوي.
• لباب ألنقول في أسباب ألنزول .... جلال ألدين ألسيوطي.
• أسباب ألنزول .... ألواحدي.
• معرفة الناسخ والمنسوخ .... ابو عبدالله محمّد بن حزم.
• مغامرة العقل ألأولى .... فراس السوّاح.
• أساطير ألأولين .... كامل علي.
• موقع الامم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
• مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي.
• أعترافات آخر متصوفة بغداد .... سعدون محسن ضمد.
• مدارات صوفية .... هادي العلوي.
• هتك الأسرار – تحولات فكرية في العلاقة بالدين والمقدس .... سعدون محسن ضمد.
• ألأحلام .... مصطفى محمود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل جميل
على سالم ( 2018 / 1 / 14 - 21:57 )
شكرا للسيد الكاتب على هذا التحليل الشامل


2 - صمت الالهة
ايدن حسين ( 2018 / 1 / 15 - 07:19 )
تحية للكاتب الرائع الصديق كامل علي
هناك مشكلة لدينا جميعا .. و هو اننا نتكلم عن اله يشبه الانسان .. ان لم نقل في كل شيء .. ففي بعض الاشياء
تصور كائنات موجودة في مجرات بعيدة .. كيف ستتواصل معنا اذا ارادت ذلك .. هل بالصوت .. طبعا لا .. بالاشعة السينية بالاشعة الكونية الخ
كذلك فان تواصل الاله مع الانسان .. هذا ان وجدت .. طبعا ليس بالاصوات و لا بالحروف
هناك مشكلة اخرى
انا موجود و انت موجود .. الوجود قد يكون صفة للموجودات و ليس لواجد الموجودات
تماما كما ينزه المتدين الهه عن الزمان و المكان .. فانا انزهه عن الوجود و الحياة و كل صفة يمكن ان نتصف بها نحن البشر
و احترامي
..


3 - تعليق ألصديق علي سالم
كامل علي ( 2018 / 1 / 15 - 07:51 )
سرني إطرائك وسأحاول أن أكون عند حسن ظنكم
تحياتي


4 - تنزيه ألإله والتواصل معه
كامل علي ( 2018 / 1 / 15 - 07:59 )

عزيزي آيدن
في تعليقك تقول - كذلك فان تواصل الاله مع الانسان .. هذا ان وجدت .. طبعا ليس بالاصوات و لا بالحروف-
في مسلسل ستار تريك 1966 يتواصل الكابتن كيرك وطاقمه مع الكائنات الموجودة في المجرات البعيدة عن طريق حاسبة ألكترونية متطورة ألتي تقوم بمهام ألترجمة وهذا الحل منطقي.
بالنسبة للإله على فرض وجوده وعلى فرض أنّه خالق للكون وكلي ألقدرة فأعتقد بأنّ تواصله يكون بألإيحاء – ألتليباثي _
وتقول - فانا انزهه عن الوجود و الحياة و كل صفة يمكن ان نتصف بها نحن البشر-
تنزيه ألإله عن الوجود ألا تعني عدم وجوده؟ أرجو أن توضح هذه ألإشكالية.
تحباتي

اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53