الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقدارنا الجغرافية*: (محاولة بدائية لفهم الاختلافات البشرية) (ج/1) معركة النور والظلام الأبدية!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 1 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في تراثنا العربي والإسلامي ـ وربما في تراث كثير من الأمم ـ كان يثار دائماً سؤال خطير مفاده :
هل أن الإنسان مسير أم أنه مخير، في حياته وفي إرادته وفي صنع مصيره؟
وكانت الإجابة على هذا السؤال تختلف دائماً من شعب إلى شعب، ومن دين إلى دين ومن مذهب إلى مذهب، ومن جيل إلى جيل وحتى من شخص إلى شخص آخر!!
منهم من قال إن الإنسان حــر ومــخــيــر.. كما قالت المعتزلة!.
ومنهم من قال إنه عــبــد مــســيــر.. كما قالت الجبرية!.
ومنهم من اتخذ موقفاً وسطاً قائلاً إن الإنسان ((لا جبر ولا تفويض .. فالأمر بــيــن بــيــن)) .. أي أنه حالة وسطية بين الجبر والتفويض!!
ومع كل هذه الإجابات المختلفة والمتباينة والمتناقضة أحياناً، كان من المفترض أن يبقى ذلك السؤال الخطير سؤلاً فكرياً محضاً، يجيب عليه كل حسب قناعته وثقافته ومعتقده ومصلحته!.

لكن الكارثة الكبرى كانت :
عندما نزل ذلك السؤال الفكري المحض ـ أو أنزله ضعفاء الحجة ـ إلى الجماهير الشعبية..فأصبحت هي التي تجيب عنه وتتحكم بمساراته، وليس ذوي الاختصاص من المفكرين والمثقفين والمتفقهين.. فتحول ذلك السؤال الفكري نتيجة لهذا ـ في تراثنا وفي واقعنا لاحقاً وحالياً ـ إلى عقائد بشرية ومذاهب دينية ومعسكرات طائفية، ثم تحول إلى خنادقٍ وبنادق تتقاتل فيما بينها قتالاً شديداً ـ بأشكال وطرق وصور مختلفة ـ قتالاً كلامياً في بعض الأحيان، وقتالاً دموياً في أغلب الأحيان، منذ ذلك التاريخ البعيد إلى يوم الناس هذا!.
فكانت المعتزلة وأبن رشد وأخوان الصفا :
في الماضي وأشباههم في الحاضر، ومعهم جميع أصحاب العقول المضيئة والمتنورة في تاريخنا القديم وحضارتنا المضيئه وواقعنا الحالي، هم ضحايا ذلك السؤال الفكري، وهم أكثر ضحاياه عدداً في الماضي وفي الحاضر وحتى في المستقبل المنظور!!
وبالنتيجة :
كانت المجتمعات العربية والإسلامية برمتها ـ بتخلفها وماضويتها وتعصبها ـ هم ضحايا ذلك السؤال الحقيقيون والأبديون، أمس واليوم وغداً.. وربما إلى الأبد!.
ولأن (جواب الجبر) على ذلك السؤال هو الذي انتصر عندنا على (جواب التفويض) :
فالأول كان هو الوجه الآخر( للعبودية)!!
بينما كان الثاني يمثل الوجه الآخر (للحرية) التي تطلق طاقات الإنسان وتكمل إنسانية الإنسان!!
فأدخلتنا نتيجة لتلك المعركة ـ منذ ذلك التاريخ ـ في خصومة شديدة مع التطور والتقدم، ومن ثم دخلنا في خصومة أشد مع العصور الحديثة والأفكار الحديثة والمؤسسات الحديثة!!
****
فلقد بدأت خصومتنا مع التطور ومع العصور الحديثة ومع الفكر الحديث، إثر آخر المعارك الشهيرة والفاصلة التي خاضها ذلك السؤال الخطير: [هل أن الإنسان حر مخير .. أم أنه عبد مسير؟] والتي وقعت ـ تاريخياً ـ بين فلسفة (عبودية الإنسان) التي مثل جذرها أبو حامد الغزالي في كتابه الشهير " تهافت الفلاسفة" مع فلسفة (حرية الإنسان) التي مثل جوهرها أبن رشد في كتابه الأشهر " تهافت التهافت "!!
ولو أننا تتبعنا أقدامنا :
التي كانت تسير بين دروب الحياة والحضارة أنذك، لوجدنا أنها بعد تلك المعركة الحاسمة قد أخذت تبتعد عن مسارات التقدم والتطور والتحضر، وتغوص في برك الخرافات والأساطير والتقديس الأعمى للأشخاص والأحداث والأماكن..فحتمت تلك الأساطير على أقدامنا أن تصل مرغمة في نهاية مطافها إلى نتيجتها المنطقية!.
أي، إلى حاله التخلف الحضاري والجمود الفكري والضياع الاجتماعي والتخبط السياسي التي نعيشها اليوم، وهي التي أوصلت أقدامنا التائه بالنتيجة إلى القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام........الخ

ومعروف أن الغزالي :
ـ ومعه أشباهه وتلامذته الكثيرون ـ :قد انتصروا في مشرق العرب والمسلمين، فأوصلهم بسفينته التائهة " تهافت الفلاسفة " وأشباهها من السفن المعطوبة، إلى أبن لادن والزرقاوي والبغدادي والقاعدة وداعش وبوكو حرام...........الخ
ومعروف أيضاً أن أبن رشد :
ـ وتلامذته الكثيرون من بعده ـ قد انتصروا في الغرب المسيحي، فأوصلهم هو الآخر بسفينته " تهافت التهافت " ومثيلاتها من السفن العقليه، إلى نيوتن وبيكون وكوبرنيكوس والمعرفة والعلم اليقيني بجوهر الأشياء، ومن ثم أوصلهم إلى الذرة والإلكترون والقمر والفضاء الكوني الأبعد من الخيال!!
****
ولن ينفعنا اليوم ـ بسبب هذه النتيجة الكارثية ـ القول : ليت الماضي قد دفن بين طياته المظلمة ذلك السؤال الخطير، كما دفن الكثير من منجزاتنا الحضارية والفكرية والإنسانية الباهرة ـ التي أنكرها المتعصبون علينا ـ وكما دفن ذلك المذهب العقلي المعتزلي الرائد ومريديه وأنصاره وأشباهه في تاريخنا، ودفن معهما جميع تلك العقول المضيئة والمتنورة عبر تاريخنا الطويل.. ومن ثم دفن المستقبل كله معه!.
فأصبحنا من بعد كل هذا الخراب الشامل كالعميان :
نتخبط في ظلامنا الدموي الدامس هذا والذي يلفنا اليوم من كل اتجاه، بعد رحيل تلك والأفكار والرؤى التقدمية المتنورة عنا، وقطيعتنا معها، التي أدت إلى هجرتها واستيطانها عند أمم أخرى!.
فما نعيشه اليوم من دماء ودمار :
هو نتيجة منطقية لانتصار (جواب الجبر) على (جواب التفويض) لذلك السؤال القديم نفسه.. وبالنتيجة :
كان هو انتصاراً للعبودية على الحرية، والمحافظة على الانفتاح، والتقليد على الاجتهاد، والرجعية على التقدمية، والهمجية على الحضارة والمدنية.. وكان لابد لهذا لفكر العبودي الذي انتصر في هذه المعركة الحاسمة، أن يوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من دمار شامل، لأن انتصاره مَثَل انتصاراً لفكرة العبودية على فكرة الحرية، التي هي أساس كل حياة ومهماز كل تطور ورقي وتقدم!.
لأن الأولى ـ فكره الجبر ـ : اعتبرت الإنسان عبداً مسيراً وفاقداً للأهلية والإرادة الحرة الواعية!!
بينما الثانية ـ فكره التفويض ـ : اعتبرته حراً يمتلك قراره وإرادته ، وليس عبداً ولا رقاً ذليلاً فاقداً لكل إرادة وحرية اختيار وقدره على الإبداع!.
فكانت الأولى (فكرة الجبر):
باعثة على اليأس والقنوط والخرافة والأسطورة والتواكل والكسل وعدم الثقة بالنفس، وقاتلة للطموح والإبداع ولكل أشكال الإنتاج الفكري والأدبي والمادي!!
فتحولت حياتنا ومجتمعاتنا ـ بنتيجة انتصار فكرة الجبر هذه ـ إلى مجتمعات عبيد وأرقاء فعلاً..وارتكبت ـ بنتيجتها ـ ضدنا أكبر مجزرة في تاريخ البشرية، منذ ذلك التاريخ ولا زالت مستمرة معنا إلى اليوم على شكل: أفكار ورؤى رجعية وتنظيرات واجتهادات أسطورية، وحركات ومنظمات إرهابية، وتنظيمات دينية فاشية متطرفة أشد التطرف!.
وكانت الثانية (فكرة التفويض):
على العكس منها باعثة على الإيمان بالإنسان وقدراته على صنع المعجزات الفكرية والعلمية والمادية.. ولهذا استطاعت أوربا والغرب عموما ـ بابن رشد وفكره المستنير ـ من خط طريق معاكسة لطريقنا، فوصلوا بها إلى جوهر أفكاره: وهي فكرة التفويض والحرية التي انتصرت عندهم.. فرفعتهم وارتفعوا هم بها إلى ما هم عليه اليوم من تقدم وتطور يفوق الخيال والتصور!!
*****
فجواب الجبر القديم :
الذي انتصر عندنا على (جواب التفويض) هو الذي طبع مذاهبنا الدينية ونظمنا الاجتماعية وسلطاتنا الإسلامية الحاكمة والسلاطين وخلفاء المسلمين وجميع المتسلطين والمستبدين بطابعه، وهو نفسه الذي رجع إلينا اليوم من جديد بـوجوه جديدة وأسماء جديدة..كـ : القاعد ، داعش ، النصرة ، بوكو حرام ، وجميع مسميات طيور التخلف والظلام الأخرى التي ملأت من جديد سموات وأرضين وحياة أمتنا العربية والإسلامية: دماءً ودماراً وانتحاراً!.
وكانت هذه جميعها نتيجة منطقية لانتصار فكره العبودية على فكره الحرية!!

فهئولاء جميعهم وبمختلف مسمياتهم :
ما هم إلا بقايا أرتال وفيالق جيش الجبر الظلامي العرمرم، الذي دحر جيوش التفويض والحرية، ودحر معه جميع جيوش العقل والمنطق والتقدم والتطور في حياتنا ومجتمعاتنا وواقعنا، وأطفأ فيها جذوة العقول وتقاليد الحرية وأنوار الإسلام المتنور!.
وكان من الطبيعي أن يَشَلَ تفكير العرب والمسلمين ويدمر حضارتهم وحياتهم، ويوصلهم جميعاً إلى ماهم فيه اليوم من ضياع!.

ولقد مثل هذا الانتصار في أحد جوانبه :
انتصاراً للبداوة البدائية على الحضارة والمدنية.. وهو انتصار كانت له علاقة جذرية بالجغرافية والبيئات الأرضية!.
لكن كيف كانت هذه العلاقة؟؟ ...لنرى!!
[email protected]
[يـــــــتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــــــع]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في الحقيقة سبق مقالنا هذا مقال لنا بعنوان مقارب هو: (أقدارنا الجغرافية) نشره لنا (المركز العربي الأوربي) في تاريخ سابق على الرابط التالي: http://www.aec-center.com/archives/4455 .. وهو يعتبر مقدمه تمهيديه لسلسله المقالات هذه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر