الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماض وحاضر

رفعت عوض الله جاد الرب
(Refaat Awadallah Gadelrab)

2018 / 1 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ماضي وحاضر
منذ اسابيع كنت أقرأ المقال الاسبوعى بجريدة الاهرام للشاعر المفكر احمد عبد المعطي حجازي ، والذي جاء تحت عنوان " الاسلام والسلطة الدينية " والمنشور بعدد يوم الاربعاء 20 / 12 / 2017
ذكر الكاتب مقطع من اوبريت للعبقري الموسيقي المصري سيد درويش ،وا سم الاوبريت "قولوله "
يقول المقطع المُشار إليه :
إن كنت صحيح بدك تخدم
مصر ام الدنيا وتتقدم
لا تقول نصراني ولا مسلم
ولا يهودي يا شيخ أتعلم
اللي اوطانهم تجمعهم
عمر الاديان ما تفرقهم
تأملت هذه الابيات الجميلة التي تنضح وطنية وحبا في مصر وطن كل المواطنين ، هذه الابيات قالها المصريون في عشرينيات القرن العشرين ، في اعقاب او أثناء ثورة المصريين الخالدة في مارس 1919 والتي رفعت شعار " الدين لله والوطن للجميع.""
كانت مصر مجرد ولاية من ولايات دولة الخلافة العثمانية والتي حكمت كل بلدان الشرق الادني بأسم الدين لأربعة قرون متواصلة ، فيها ساد الظلام والجهل والاستغلال وتغييب العقل ،وتدني حياة المصريين في كافة الاصعدة الاقتصادية والدينية والثقافية والاجتماعية.
في نهاية القرن 18 م جاءت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت . هذه الحملة التي يُنظر إليها علي انها استعمار ، هي في الحقيقة كانت طاقة نور فُتحت في جدار كهف الظلام والانعزال الذي أدخل فيه العثمانيون مصر والمصريين.
لأول مرة في التاريخ الحديث يطلع المصريون علي الحداثة والحضارة الحديثة ،اثمر وجود الحملة الفرنسية وما حملته معها من ادوات التكنولوجيا ومن جاء معها من علماء ، وما تم من دراسات لمجمل احوال مصر والمصريين ،اثمر عن نشوء وعي مصري جديد ،ونزوع للخروج من عباءة السلطنة العثمانية.
وتجلي هذا في تنصيب السياسي الداهية محمد علي بإرادة شيوخ وعلماء الامة واليا علي مصر وخلع الوالي المعين من قبل الخليفة العثماني ،علي ان يحكم وفقا لإرادة المصريين.
شرع الوالي الجديد الطموح في بناء وتأسيس اركان الدولة المصرية الحديثة ،فاحدث نهضة زراعية وصناعية وتعليمية ،واسس جيشا قويا عصريا.
نتج عن هذا بزوغ الوعي المصري القومي . واصل حفيد محمد علي اسماعيل طريق النهضة الذي بدأه محمد علي ،
بعد هوجة عرابي تمكن الانجليز من دخول مصر وسيطروا علي مقاليد الامور ، بعد ان انتهت ا لحرب ا لعالمية الاولي " 1914 _ 1918 " طالب المصريون برحيل الانجليز من مصر . تشكل الوفد المصري برئاسة سعد زغلول لحضور مؤتمر الصلح بباريس لعرض مطالب المصريين لجلاء الانجليز عن مصر.
رفض الانجليز سفر سعد ورفقاءه وقبضوا عليهم وصدر قرار بنفيهم . ثار المصريون ثورة شاملة من اقصي مصر لأقصاها ، وخرج كل المصريين من كل الطبقات، والتحم المصريون من مسيحيين ومسلمين بل حتي اليهود المصريون شاركوا.
وهكذا تنامي الشعور القومي المصري وساد ،ونتج عن هذا تأسيس المملكة المصرية الدستورية ،وامتلك المصريون دستورا حديثا يعكس قيم الحداثة من ديمقراطية وليبرالية ،وامتلك المصريون مجلس وزراء يحكم نيابة عن الملك ،ومُراقب من قبل مجلس النواب.
وهكذا صارت مصر دولة حديثة منفتحة علي الحضارة وقيمها ،معولة علي ترسيخ مفهوم المواطنة . من هنا رأينا مشار كة المصريين المسيحيين والمصريين اليهود في كافة مجالات الحياة المصرية.
ورغم وجود الاصولية الإسلامية الطامحة لإعادة دولة الخلافة بعد سقوطها المدوي في تركيا علي يد العظيم مصطفي كمال أتاتورك ،ورغم نشوء جماعة الاخوان المسلمين ،ورغم تعاطف قسم كبير من المصريين مع دعوي تلك الجماعة ،ومع بريق حلم دولة الخلافة ،إلا ان تيار الحداثة والقومية المصرية اشتد عوده.
انعكس هذا علي حياة المصريين المشتركة فكاد ان ينعدم التوتر الطائفي ،بل صار المصريون قريبين من مفهوم ان الدين علاقة خاصة بين الفرد وربه.
في هذا الجو الجميل انشد المغنون في اوبريت العظيم سيد درويش "قولوله " الابيات الجميلة التي سبق ذكرها والتي تعلي من شان مصر الوطن الحاضن لكل المصريين.
حين اتامل هذا الماضي الجميل الواعد بامال كبار ،وانظر إلي واقعنا المر المظلم في ظل تنامي الاصولية الإسلامية المفرقة بين المواطنين ،والمكفرة للمختلفين دينيا ،والمعرضة بالعقائد غير الإسلامية ،والتي اتبا عها في القري والمدن والمناطق الشعبية والعشوائية يمنعون المصريين المسيحيين من العبادة ،ومن بناء الكنائس ،بل يعتدون عليهم في ظل صمت من قبل الدولة واجهزتها التي تزعم انها دولة مدنية.
في وضع مصر الراهن يشتد عود الدولة الدينية التي لا تقيم للوطن أعتبارا وتتراجع الدولة المدنية دولة المواطنين.
منطق التاريخ هو التقدم ،بمعني ان اليوم افضل وارقي من الامس ،وعلي هذا كان من المفترض ان نكون ونحن في القرن الحادي والعشرين في وضعية افضل عن ما كنا عليه في بداية القرن العشرين وحتي منتصفه ،ولكن للأسف الواقع المعيش يقول بخلاف هذا.
أحلم بترسيخ جديد للقومية المصرية ،احلم بترسيخ جديد لقيم الحداثة من علمانية وليبرالية وديمقراطية ،احلم بسيادة مفهوم المواطنة ،احلم بتطهير عقول المصريين من ظلامية الإسلام السياسي ، وتلميعه لدولة الخلافة.
احلم بترديد المصريين لما جاء باوبريت الخالد سيد درويش : "اللي اوطانهم تجمعهم عمر الاديان ما تفرقهم."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص