الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة لينين الى المؤتمر/ اضواء على الوقائع التاريخية الكاملة(2-2)

ماجد الشمري

2018 / 1 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


"لايوجد طريق للاشتراكية الا عبر الديمقراطية والحرية السياسية"
- لينين-

رأى لينين في ايامه الاخيرة التشوهات السياسية والاخلاقية لستالين،في:الرابكرين،القضية الجيورجية،احتكار التجارة الخارجية،شتم وتعنيف كروبسكايا،وغيرها من قضايا،المعدن الحقيقي لستالين،بعد ان ذابت القشرة البلشفية الهشة،وبان الوجه الاناني المخاتل،والذي يبطن المكر والغدر والفظاظة،ونزعته البيروقراطية التسلطية،رأى لينين في كل ذلك ماسيتفاقم ويؤدي الى كوارث مهولة على الحزب والدولة العمالية الفتية.ولم يخطيء القائد القدير في نبؤته المخيفة حول تمركز السلطة بيد الامين العام.وفي الجانب الاخر كان تروتسكي ايضا يثير قلق لينين،فالمشكلة لاتكمن بثقة تروتسكي المتضخمة بنفسه،بل تكمن في تعقده السياسي والنفسي،وميله الشديد للاستقلال الفردي،وتاريخ"لابلشفيته"الطويل في المنفى قبل عام1917،كل ذلك لابد وان يترك اثرا واضحا من التصدعات في اسلوبه السياسي وصراعاته.فالحزب كله يعرف عدم تواضعه ونرجسيته،وتطرفه اليساري قاد لاصطدامه ولمرات عديدة مع اللجنة المركزية بأكملها.وكما اعتقد لينين،فقد اعتبر تروتسكي عرض لينين عليه بأن يكون له نائباعام1922مهينا وغير مقبول!.وايضا كما اعتقد لينين،كان تروتسكي يطمح لموقع ومركز خاص به يليق بمكانته.ورغم ظهوره الدائم ومنذ انتفاضة اكتوبر كالزعيم الثاني بين القادة بعد لينين،ولكنه كان مبهورا بعبقريته لدرجة الاعجاب والغرور-ذكاءه وفكره يبرران ذلك-.وقد ذكر اسحق دويتشربأن:"تنفيذ وصية لينين بتنحية ستالين كان لابد وان تؤدي بتروتسكي الى موقع قائد الحزب،هو(تروتسكي كان مقتنعا بذلك)".
ولكن لينين وهو يقترح تنحية ستالين من منصب الامين العام،لم يطرح ايضا شخصا بديلا له.وهنا تتجلى حكمة وحنكة والافق الواسع لفكر لينين الفذ.فهو لم يحدد او يقترح احدا ما،لسبب بسيط يدل على فطنة تميزت بها ممارسات لينين العملية المتفردة.فلو كان قد اوصى بشخص محدد لبدا ذلك،وكأنه توريثا او الزاما يخرق النظام الداخلي وآليات الانتخاب الحزبي وصلاحيات المؤتمر كاعلى سلطة في الحزب.وما كان لقائد الحزب ان يتجاوز او يقدم على فعل لاديمقراطي،وخارج نظام واجراءات وقرارات المؤتمر.-ولكن في المقبل من الايام سيكون شخصا واحدا هو كل الحزب ولاصوت يعلو على صوته!!-..فلينين كان يعتمد على حكمة الحزب ولجنته المركزية والمؤتمر في اختيار ووضع الرجل المناسب في المركز الخطير،بدلا من ستالين،الذي خيب ظن لينين،لعجزه وعدم كفاءته في الامانة العامة،وليس بالضرورة ان يكون الشخص البديل،وفقط،من النواة-كما سيقترح ستالين في المؤتمر الثاني عشر ليحل بدلا منه!-.ولو عدنا من جديد لقراءة تقويم لينين لابرز قادة الحزب،فسنجد ان لااحدا منهم سيسد موقع قائد الحزب-فبالنسبة الى تروتسكي فقد ابدى لينين تحفظه،وشرطه ليكون تروتسكي اهلا للقيادة دون ان يثير صراعا او احتجاجا في قيادة الحزب-...
ومن هنا نستطيع ان نستنتج،بأن لينين كان يميل ويحبذ ان تكون قيادة الحزب"جماعية"من نخبة القادة الستة الذين ذكرهم في رسالته:تروتسكي،زينوفييف،وكامينيف،بوخارين،بياتاكوف،ستالين.-وسيجري قطع رؤوس الخمسة من قبل سادسهم،الاخ الكبير!!!-منعا للتنافس والصراع،وليس ضروريا ان يكون احدهم موهوبا ام لا،طالما ستكون القيادة جماعية،لتسيير الحزب بنظام ديمقراطي،لما فيه مصلحة الشعب والدولة والحزب.،ولتجنب الصراعات وتمركز السلطة،ولتجنب احتكار المراكز الهرمية في الحزب.-لكن ستالين سيتمكن بمكره ودهاءه في ما بعد،وبمساعدة اغبياء من "الحرس القديم"من التربع على هرم السلطة،ويبني ليس نظاما ديمقراطيا كما الح لينين على ذلك،بل شيد صرحا مسخا من الاستبداد والبيروقراطية،واباد رفاقه جسديا الواحد بعد الاخر!-
قبل المؤتمر الثاني عشر بشهرين،عقد اجتماع عام للجنة المركزية،ناقش فيه بندا خاصا للمسألة التنظيمية على جدول اعمال المؤتمر،واستجاب الاجتماع لمقترح لينين بتوسيع اللجنة المركزية من27عضوا الى40عضوا-كان هذا اقل من طموح لينين بكثير-وان يقدم المكتب السياسي بشكل دائم ثلاثة يمثلون اللجنة المركزية للمراقبة،وهؤلاء الثلاثة،-كما كتب لينين مقترحا في مقال له-عليهم ان لايدعوا احدا"لاالامين العام،ولا اي عضو اخر من اعضاء اللجنة المركزية يعيقهم عن التحقيق والتحقق من الوثائق ومعرفة حقيقة الامور،والتأكد انها تسير كما يجب".
ولم يعتبر لينين مراقبة المؤتمر لاعمال الهيئة العليا المنتخبة كافيا،فبين المؤتمرين يجب ان تعمل لجنة خاصة لمراقبة اعمال اللجنة المركزية والمكتب السياسي.وافق الاجتماع العام للجنة المركزية على رأي واقتراح لينين،واقر توسيع اللجنة المركزية للمراقبة،وتوحيد العلاقة مابين اجهزة المراقبة الحكومية والحزبية.(ولكن من كان يتصور ان دور اللجنة المركزية للمراقبة سيتقلص ويذوي في المستقبل الى مجرد شكلية صرف وهي تسجيل الملفات الحزبية؟!ومن سيلغيها،ويفرغها من مضمونها؟!وهل هناك غيره!!انه الاخ الكبير،وهو في طور مركزة نفوذه وسلطته الواحدية!!).
وحول القضية الجيورجية التي كانت محتدمة في تلك الفترة وتداعياتها تتفاعل،فقد كلف المكتب السياسي،اورجينيكدزه،بترؤس لجنة لحل الاشكال الذي ظهر في قيادة الحزب الشيوعي الجيورجي،ولكنه لم يفشل في مهمته فقط،بل وممازاد الطين بله!ضرب اورجينيكدزه لمديفاني احد اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجيورجي!.وقد كتب لينين غاضبا:"اي استفزاز او اهانه لايبرر الضرب بالايدي على الطريقة الروسية،وان الرفيق دزيرجنسكي ارتكب ذنبا لايغتفر لانه لم يعر اهتماما خاصا لهذا الضرب".في هذه المشاحنة لم يقف ستالين منها موقفا مبدئيا مطلوبا،مما جعل لينين يلاحظ ان الامين العام لايتميز فقط ب"التسرع وحب العمل الاداري"بل وهذا مهم جدا-كان يرى فيه:"الحقد"في حل المسائل السياسية.ولم تغب تلك القضية عن اهتمام لينين،وهذا ماتشهد عليه"يوميات سكرتيرات لينين المناوبات".حيث توجد ملاحظات"فوتييفا"والتي اكدت فيها ان لينين امر بأحضار مواد اضافية حول هذه"الحادثه"ولكن ستالين رفض تزويدها بتلك المعلومات،مدعيا بأنه لايجوز ازعاج القائد!!!.لكن لينين اصر على ذلك،وقد استطاعت كربسكايا تزويده بتلك المعلومات عن طريق جمعها دون علم ستالين،وهذه واحدة من اسباب حقد ستالين على كروبسكايا،بعد ان عرف ذلك.وقبل خمسة ايام من النوبة الجديدة التي افقدت لينين القدرة حتى على الكلام.املى في5/3/1923 رسالة الى تروتسكي على الهاتف قال فيها:"الرفيق تروتسكي المحترم:-اطلب منكم بألحاح ان تقوموا بالدفاع عن قضية جورجيا في اللجنة المركزية،القضية الان "يحقق بها"ستالين ودزرجنسكي،ولكني لااضمن موضوعيتهما،بل على العكس تماما".لينين لايثق بتاتا في نزاهة وموضوعية ستالين!هذا هو موقف لينين من ستالين(ذلك القوقازي العجيب الذي فتن لينين بسحره!!)
في نفس اليوم الذي املى فيه لينين رسالته الهاتفية الى تروتسكي والتي طلب منه فيها الدفاع عن قضية جيورجيا امام اللجنة المركزية،وهو يوم5/3/1923،املى رسالة اخرى،ولكن هذه المرة الى ستالين.قد تبدو تلك الرسالة،وكأنها تتعلق بمسألة شخصية،ولكن هذا فقط على السطح،وظاهر الرسالة،فدلالات نص الرسالة اعمق من الواجهة،ففيهااكتشف بالكامل التشوه الشخصي لستالين.رغم انه شخص ندوب ستالين الاخلاقية في رسالته الى المؤتمر،الا انه في هذه الرسالة اصدر حكما وكان يمهد لقطيعة وابعاد لستالين لو كان الوقت اسعفه،وحضر المؤتمر لكان هناك شخص اخر في منصب الامين العام ،ولاتخذ التاريخ ميلا صحيحا في سيرورته،وغير الكثير من المصائر!.
لنقرأ الرسالة اولا ،يقول لينين فيها:"
الرفيق ستالين المحترم،لقد كنت وقحا عندما طلبت زوجتي على الهاتف وانبتها بالرغم من انها وافقت على نسيان ماقلت،الا انها ابلغت زينوفييف وكامينيف بهذا الموضوع،انا لاانوي نسيان مايفعل ضدي بهذه السهولة،ولا حاجة لاقول ان مايقال لزوجتي اعتبره ضدي ايضا،لذلك اطلب منكم ان تفكروا في الامر وتقرروا:ان كان لديكم الاستعداد للآعتذار وسحب ماقلتموه،او تفضلون قطع العلاقة بيننا..مع الاحترام"..
لينين
5/3/1923
لقد كان لهذه الرسالة اسبابها ودواعيها،وخلفياتها،وكما جرت،ففي كانون الاول1922 املى لينين على كروبسكايا عدد من الرسائل المهمة لمستقبل جمهورية السوفييتات والحزب،ومنها تلك الرسالة الموجهة الى تروتسكي والمتعلقة بأحتكار التجارة الخارجية-والتي وقف ضدها ستالين!-.ساءت صحة لينين في ليلة22-23كانون الاول1922فقد شلت ذراعه اليمنى وساقه.عرف اعضاء المكتب السياسي بذلك صباح اليوم التالي،اتصل ستالين بكروبسكايا،وبشكل فظ ووقح شتمها وعنفها وانبها على"الاخلال بنظام حياة القائد المريض"وكان سمجا وسوقيا في الفاظه لاقصى حد،فقد نعت كروبسكايا ب"العاهرة"!!.فجعت كروبسكايا لفظاظة الامين العام وجلافته،وفي نفس اليوم كتبت رسالة الى كامينيف قالت فيها:"ليو برويسوفتش،بالنسبة الى الرسالة القصيرة التي املاها علي فلاديمير اليتش،كانت بعد ان سمح له الاطباء بذلك،ولكن ستالين سمح لنفسه البارحة ان يكون قليل التهذيب معي الى ابعد الحدود،انا لم التحق بالحزب يوم امس،خلال السنوات الثلاثين لم اسمع من اي رفيق اية كلمة غير لائقة،مصلحة الحزب واليتش لاتهم ستالين اكثر مما تهمني.احتاج في هذه الظروف الى التحكم بأعصابي للحد الاقصى،انا اعرف اكثر من اي طبيب عن مايجوز وعن مالايجوز التحدث به مع اليتش لانني اعرف مايزعجه وما لايزعجه،وعلى كل حال اعرف اكثر من ستالين".رسالة كروبسكايا المؤلمة والتي تشكو فيها،والتي طالبت فيها ان يجنبها الامين العام:"التدخل الفظ في الحياة الخاصة والشتائم المنحطة والتهديدات..انا لااشك بقرار لجنة المراقبة بألاجماع الذي يسمح لستالين لنفسه ان يهددني به،لكنني لااملك القوة ولا الوقت لاضيعهما في التفكير في هذه المسألة السخيفة،انا ايضا انسانه واعصابي متوترة جدا"..-كروبسكايا-...-اذا كان ستالين فظا مع نساء الحزب،فكيف سيكون سلوكه مع رجاله؟!-..
وفقا لقرار المكتب السياسي،كان ستالين،وفي الظاهر!"يبعد"التوتر عن القائد المريض،لكنه في الحقيقة كان يسعى ويقصد عزل لينين في الوصول والحصول على المعلومات التي تدينه،ويطمح للحد من تأثير لينين في القرارات والتوصيات على الحزب!.كان هذا هو بالضبط هدف ستالين وغايته،وما كان يخطط له من استحواذ وسيطرة على جهاز الحزب!.فقد كان ستالين يلعب دوره بخبث والزمن يتسارع،لكي يستغل فرصته التي لن تتكرر،لتعزيز نفوذه بغياب القائد،وتوظيفه لمرض لينين ليحذر من سطوته وهيمنته على المكتب السياسي!.
لم يعلم لينين بحادثة تقريع وشتم ستالين لكروبسكايا الا بعد مرور اكثر من شهرين،ومن فم كروبسكايا ذاتها،وقد رأى لينين بتصرف ستالين،ليس امرا شخصيا فقط،بل ابعد من ذلك بكثير،وبعد حديثه مع زوجته،استدعى لينين فولوديتشيفا واملى عليها رسالته المذكورة الى ستالين.وبالرغم من ان ستالين كتب رسالة اعتذار الى كروبسكايا،مفسرا سلوكه بحرصه على راحة اليتش،ولكنها معدومة الصدق،وتفتقر للامانة،امانة الامين العام الميتة.فلم يكن تعامل ستالين مع الاخلاق الا بطريقة برغماتية بحت!.فلم يكن يهمه الوسيلة بقدر الغاية التي يروم الوصول اليها!.فقد كان على استعداد لفعل المستحيل ويعتذر للشيطان!اذا ما شعر بأن ذلك الفعل يخدم مصلحته ويحقق اغراضه،ويصب في صالحه ويبعد الخطر عنه!-كما فعل في اتفاق الجنتلمان مع تروتسكي في المؤتمر الثاني عشر،وخانه بنذالة!!-.كان هذا واحدامن وجوه ستالين المتعددة والمقنعة بالخبث والرياء!!.ومما يدعو للاسف ويثير الاسى،هو ماجرى لاحقا في السنوات المقبلة،من ان الاخلاق لم تعد تعني شيئا لستالين،فهي لاشيء!مقارنة بالبرغماتية السياسية،والميكيافلية القذرة،وتسليع قيم الثورة!.فكل شيء سيكون مطية وسلم للصعود لهرم السلطة البارد والموحش،ولكن الاكثر اغراءا وجذبا!.لقد بدأ ذلك ولينين مازال حيا!اما بعد موته فستقبل الكوارث جحافل سوداء!!.
في اليوم التالي6/3/1923 املى لينين اخر رسالة في حياته،وقد ورد فيها اسم ستالين،قال فيها:"للرفيقين مديفاني وموخارادزه،ونسخة للرفيقين تروتسكي وكامينيف،ايها الرفاق المحترمون:اتابع قضيتكم بكل جوارحي،واستاءت لفظاظة اورجينكيدزه،وتغاضي ستالين ودزرجنسكي،انا اعد لكم ملاحظات وكلمة،مع احترامي...لينين-6/3/1923.لم يمهل المرض لينين ليحقق ذلك مع الاسف.فبعد اربعة ايام افقدته نوبة جديدة ليس فقط القدرة على الكتابة،بل والكلام ايضا،فلن يستطيع بعد الان ان يملي شيئا....
كان سلوك ستالين في"قضية جيورجيا"قد اكدت صحة وصواب استنتاجات لينين في"الرسالة الى المؤتمر"ولم يكن سهلا على لينين قبوله واقتناعه بخيبة امله من تنصيب الامين العام،واختيار اللجنة المركزية لذلك في نيسان1922وبتدبير من كامينيف ورغبة شديدة من ستالين!.لقد اخطأمن عمل وسعى وقبل ستالين لمنصب الامين العام،بمافيهم هو-لينين-،فقد احرق جميع الحرس القديم-البلاشفة -بجحيم ستالين المرعب!!.
لقد وضع لينين الاساس لبناء الحزب وجمهورية العمال،لكنه لم يملك الوقت لترسيخ خطواته العملية،فقد كان احد وجوه الديمقراطية التي اقترحها لينين هو:التبديل الدوري للقادة،ولو كان النظام الداخلي للحزب قد حدد فترة زمنية لاشغال المناصب القيادية،لما كان مهما عدم تنحية ستالين من منصب الامين العام في تلك الفترة،حيث ينهي مدته ليحل بدله مرشحا اخر،وكان ذلك سيعيق حتما ولادة عبادة الفرد!قد نفهم ولا نعترض مثلا على بقاء الامبراطورة كاترين الثانية او امبراطور اليابان او شاه ايران على رأس الدولة والعرش لعقود-فهذا حكم سلالات الاباطرة والملوك!-اما بقاء ستالين على قمة الحزب والدولة لتلك الفترة الطويلة-ثلاثة عقود!-وتحكمه المطلق بالشعب والحزب،فلابد ان يقود وبالضرورة والحتم الى التسلط والبيروقراطية.فلينين اكد في اقتراحاته للمؤتمر الثاني عشر على ضرورة تجديد اجهزة الحزب القيادية،والحد من نفوذ اجهزة اللجنة المركزية والسوفييتات،لكن احدا لم يهتم بسقي براعم الديمقراطية الفتية،وبدلا من ذلك فقد سحقت بقسوة بعقب الدوغماتية والبيروقراطية،وعبادة القائد العظيم التي مورست، لم تكن ابدا مجرد صدفة،فهي تتكرر على الدوام في كل الانظمة المستبدة والشمولية..
كان الامل بتصحيح ذلك الخطأالشنيع القاتل،وعدم السماح بقبول رجل بلا اخلاق،وذو وجوه متعددة،وقادرا على الوقاحة والحقد والنميمة والثأر على اكثر الناس قربا من لينين،ناهيك عن الاخرين،في قمة هرم الحزب،يشكل خطرا على قضية الثورة والحزب-ان يبقى ذلك الرجل على رأس جهاز اللجنة المركزية-ذلك الامل مات ودفن مع تلك الرسالة المهملة والمضيعة والتي لفها النسيان!!!.
اشارة لابد منها:(اخذ البعض من حواري سوسو القوقازي الجدد يخرجون من جحورهم،وتفوقوا حتى على السيد النمري الوديع المثير للشفقة والاسى وهو يكرر نفسه يوميا،تجاوزوه بترهات اكثر شططا في خرقها للمنطق والمعقول.فهم ينبشون حاليا في ركام قمامة مدرسة التزوير لعلهم يجدون ماينفع في تفنيد التاريخ والوثائق!.بعد ان استعصى عليهم دحض او خدش ماجاء في"الرسالة الى المؤتمر"تلك الوثيقة التي املاها لينين بكل وضوح وبساطة،فخرجوا علينا ببدعة جديدة صلعاء مغلفة بالتضليل والتشويش لتعكير النبع الصافي لنص لينين الذي يشكل لعنة تطاردهم عبر الاجيال.تلك الفذلكة المدجلة الجديدة هي:رفض رسالة لينين بالكامل!والتشكيك بنسبتها الى لينين!وتلك طامة كبرى،وحجة كسيحة لاتصمد امام الوثائق.فبدلا من حل العقدة قطعوها كما فعل الاسكندر بسيف الريبة والشك!.ولم يكتفوا بالتشويه والتحريف والتأويل المتعسف،وتفسير الهوى على طريقة الفقهاء والكهنوت في تعاملهم مع الاحاديث والنصوص.فمن اجل المطابقة مع عقديتهم المحنطة،وايمانهم الاعمى لوثنهم الحجري،يحاولون دون جدوى لي عنق الحقيقة الدامغة!.وادخلونا في متاهة الغموض والاسرار والتأمر!.وكأننا نقرأ رواية اجاثا كرستي"مصيدة وفئران"..انه زعم هزيل،وادعاء متهافت لايستحق المناقشة.فأخر ما في جعبة الحاوي:ان الرسالة مفبركة ومنحولة ولاتمت بصلة للينين!.ومن قام بهذا التأمر والوقيعة وكتب الرسالة؟!لاتضحكوا اعزائي القراء!انه تروتسكي:الرجيم المنبوذ،المنشفي الوضيع،الجاسوس،المخرب،عدو الموجيك والبروليتاريا،والمشبوه في تعامله مع الجستابو وfbiعميل الامبريالية والميكادو!!.وكل مافي قاموس الرذائل والابلسة من مفردات.تروتسكي لاغيره مفجر انتفاضة الكتوبر المجيدة هو من قام بهذا الفعل الاجرامي وبتعاون مع كروبسكايا طبعا!.انها فنتازيا ابعد بكثير من الشطح الصوفي!وتحتاج لجلسات من تحضير للارواح لنعرف من كتب الرسالة؟!.انه البؤس والسفه الفكري والسياسي والاخلاقي بأجلى صوره ومعانيه.وكل ذلك من اجل ماذا؟فقط لتلميع هالة العصمة والقداسة لحبر البلشفية وقديسها المزيف،وبكامل نقاءها الكنسي الارثوذوكسي البيروقراطي!.فتأملوا اعزائي القراء درك الحضيض الفكري الرث الذي هبط اليه ايتام جنكيز خان العظيم!!!).....

نعود الى مقالنا....
من المعروف والثابت تاريخيا ان"الرسالة الى المؤتمر"طبعت بخمسة نسخ،وحفظت في ثلاث مغلفات:نسخة لآمانة سر لينين،وثلاث نسخ الى كروبسكايا،والنسخة الخامسة الى لينين،وقد طلب لينين من الكاتبة فولودتيشيفا ان تكتب على المغلفات:لينين وحده يحق له فتح المغلف،وبعد وفاته-كروبسكايا-.وفقط الجزء المتعلق ب(توسيع اللجنة المركزية)سلم الى ستالين في المؤتمر الثاني عشر للحزب.وقد قدم ستالين موضوع توسيع اللجنة المركزية،وكأنه اقتراحه المحض،ومساهمة تنظيمية واجتهاد فكري منه!!ولينين مازال حيا،ومغلفاته لم تفتح بعد-ياللصلافة والجرأة!-.
وافق اعضاء المؤتمر بالاجماع على عضوية لينين في اللجنة المركزية الجديدة(وهو الامر الوحيد الذي حضى بالاجماع في ذلك المؤتمر)
في3آذار1923 تعرض لينين لنوبة جديدة وحادة من مرضه،ومنذ ذلك الحين لم يعد له اي تأثير مباشر على اوضاع الحزب،وذهب ايضا ماجاء في اقتراحاته وتوصياته ادراج الريح!.سلمت كروبسكايا الى اللجنة المركزية في18ايار1924 رسالة لينين الموقعة في ليلة25/11/1922 والملحق الموقع في4/1/1923 بعد ان اعادت طباعتها.وقبل خمسة ايام من انعقاد المؤتمر الدوري الثالث عشر للحزب الشيوعي الروسي(بلشفيك).وكتبت كروبسكايا بخط يدها وفي محضر خاص يثبت تسليم تلك الاوراق المهمة:"سلمت ما املاه علي فلاديمير اليتش اثناء مرضه مابين الثالث والعشرين من كانون الاول(ديسمبر)وحتى الثالث والعشرين من كانون الثاني(يناير)وهي ثلاثة عشر تدوينا،لاتشمل ما سجل عن المسألة القومية(الموجود الان في حوزة ماريا اليتشنا)-شقيقة لينين،م.ا-لقد تم نشر تلك التدوينات عن(رابكين وسوخانوف)ومن بين تلك التدوينات التي لم تنشر بعد هناك وثائق من ليلة الخامس والعشرين من كانون الاول(ديسمبر)عام1922 والرابع من كانون الثاني(يناير)عام1923 تتضمن وصفا لبعض اعضاء اللجنة المركزية.لقد عبر فلاديمير اليتش اكثر من مرة عن رغبته الاكيدة ان يطلع المؤتمر الدوري للحزب على هذه التدوينات بالذات".
وبهذه الطريقة فقدت وثيقة مهمة وثمينة وتاريخية حظها من التنفيذ،وحقها في ان تكون خطوة اساسية لبناءجديد للحزب،ولتثبيت المعايير الديمقراطية في الحزب ومؤسسات الدولة،وجعلها مدخلا لتغييرات تنظيمية في قمة هرم الحزب وتحطيم الفساد البيروقراطي الذي بدأيشوه الحزب،وترشيح وجها جديدا اخر،وبديل لمنصب الامين العام.ولكن كل ذلك ضرب في عرض الحائط!.فلم تأخذ رسالة لينين حيزا مهما من اهتمام المؤتمر،فقد همشت،بأختيار اشخاص مختارين ومعينين لاطلاع مندوبين محددين من الوفود على جوانب من تلك الرسالة.ونفذ هذا الدور المخزي والانتهازي وبجدارة فائقة كامينيف بالذات،فلم يترك مجالا للمناقشة او الجدل حول ماجاء في تلك الرسالةّ.وبهذا طويت صفحة الرسالة،وتعرضت تلك الوثيقة التاريخية المهمة للاهمال،ولم يجري حتى الالتزام بالحد الادنى من مضمونها الحافل بالاقتراحات والارشادات البالغة الثراء والعمق.كان قد مر عام ونصف على كتابة تلك الرسالة،وعندما كان الصراع محتدما بين تروتسكي من جانب،والثالوث:ستالين ،زينوفييف،كامينيف،من الجانب الاخر.فقد هاجم تروتسكي صعود البيروقراطية في الحزب والنيب واجهزة الدولة،وانتقد ستالين هجوم تروتسكي،وهو يدافع عن نفسه،فقد كان هو قطب تلك البيروقراطية التي اخذت تستفحل كسرطان داخل التنظيم خصوصا.كان الاعتقاد السائد لدى اغلبية البلاشفة بان تنحية ستالين كان يعني بالتبعية صحة كلام تروتسكي،وهذا مالم يكونوا ليطيقوه قطعا!.
قدم ستالين استقالته(المحسوبة)و(الاستعراضية)عندما علم برسالة لينين،وطبعا كانت تلك الاستقالة مجرد تمثيل مصطنع وغير جاد اصلا!.فقد كان ستالين واثقا جدا،وعلى يقين من عدم قبولها،وككمبارس محترف بدأ يتقن ادوار البطولة بالتجربة والممارسة!ولوجود حليفين له يرجحان كفته في المكتب السياسي وهما:زينوفييف،وكامينيف،واللذان عملا المستحيل اثناء المؤتمر الثالث عشر للحزب لابعاد شبح ازاحته عن منصب الامين العام،وفقا لاقتراح لينين،وكان سلوكهما هذا هو اكثر صفحات تاريخهما السياسي حقارة وانتهازية،واكثر سوءا بكثير من موقفهما المشين من قرار الانتفاضة في اكتوبر1917،فقد اقنعا ستالين-وكأنه كان صادقا وجادا في تقديمه الاستقالة!!-بالعدول والتراجع عن استقالته_ولكنهما لم يعرفا في ذلك الوقت،بانهما يردان الاعتبار،ويمنحان السلطة المطلقة لمن سيدفنهما في المستقبل!!!-.واخذا على عاتقهما تأويل اراء واقتراحات لينين للوفود،والتي كانت تجهل الجزء الاكبر من حقيقة الرسالة،وسعيا بدأب للتخفيف من التوصية الواضحة والمباشرة والحادة بتنحية ستالين من منصبه كأمين عام للحزب.اختفت رسالة لينين الى المؤتمر عن الانظار لعدة عقود،ولم تنشر في مجموعة الاعمال الكاملة للينين!رغم ان ستالين وعد بتحقيق ذلك!-فياله من وفاء وامانة للقائد،ولللينينية التي كان يتشدق بأنه الوحيد الامين والحريص عليها وعلى تراث لينين!!-.
استخدمت اجزاء من الرسالة في الصراعات الحزبية الداخلية في منتصف العشرينات،كما نشرت ايضا في البيان رقم(30)للمؤتمر الخامس عشر للحزب(اكثر من عشرة آلاف نسخة)موجهة"لاعضاء الحزب الشيوعي لعموم روسيا فقط"!وارسلت ايضا الى لجان حزبية،والى اللجنة التنفيذية المركزية،واتحاد العمال لعموم روسيا،ونشرت منها مقتطفات في جريدة البرافدا في نوفمبر1927.وعليه يمكن القول ان الحزب كان على العموم يعرف شيئا عن تلك الرسالة،ولكن لكون الرسالة لم تنفذ،ولم تؤخذ على محمل الجد والاعتبار،فقد بات تنفيذها مستحيلا بعد مرور الوقت وتقادمها،خاصة وان ستالين جذر نفوذه ومد ووسع من دائرة الموالين والمؤيدين له والمتحالفين معه من بطانة المكتب السياسي واللجنة المركزية.فقد اصبح ستالين بنظر اللجنة المركزية هو المناضل الاول والاوحد ضد المعارضة والحريص جدا على وحدة الحزب،ولكن بقيادته طبعا!.في حين لم تكن المعارضة تطالب بأكثر من التعبير عن وجهات نظرها وطرح بدائل واجراءات مختلفة ومغايرة لطروحات الامين المعصوم الارادوية والبيروقراطية،يدفعها اخلاصها للحزب والبيروليتاريا الروسية،ولكن ستالين ومنذ تلك الفترة بعد وفاة لينين،بدأ هو ومثالثيه:زينوفييف،وكامينيف يعتبرون كلمة"معارضة او"اختلاف" او اي"رؤية"مخالفة لما يطرح الاخ الكبير!بمثابة هرطقة وخروج عن السراط المستقيم،وبمثابة مرادف للعداء للحزب ورغبة في التخريب وتكتل مرفوض وخيانة للحزب!ومن الواجب والضروري قمع تلك الاصوات سياسيا وتنظيميا اولا،ثم تصفيتها جسديا فيما بعد،فقد اصبح ستالين هو الحزب والحزب هو ستالين لافرق!!.ومضى النظام في التمركز والتبقرط الصارم والتفرد بالقرار والاستبداد..
كان هيجل يعتقد بأن القدر تلك القوة الباطشة والغاشمة العمياء وكلية القدرة والسيطرة على مصائر البشر والاشياء فهي التي تحدد مستقبلهم وفناءهم ايضا،بعد وفاة لينين بدلا من ان يترك ستالين هرم القيادة ليشغل مفوضية اخرى تليق بقدراته المحدودة،وحسب ما ارتأى ونصح لينين قائد الحزب،تغلب ستالين على هيجل وانتصر على القدر واخضعه له!.فمن كان يتوقع بعد تحذير لينين وجبن وانتهازية الحرس البلشفي القديم عن استلام دفة الحزب بقيادة جماعية،من كان يتصور ان يتصدى ستالين الكومبارس الهامشي للدور الاول والوحيد في لعبة ومسرحية السلطة الرهيبة كأول امين عام للحزب البلشفي في التاريخ!!!
لقد نبذوا اله السماء الوهمي ذو التطلب الرمزي من الاضاحي وخلقوا الها ارضيا لايرتوي الا بالدم والقرابين البشرية!!!
..........................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا