الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقدارنا الجغرافية: (محاولة بدائية لفهم الاختلافات البشرية!) (الج/2): قبل العقل والتفكير.. كانت الطبيعة!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 1 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ما قبل العقل والتفكير.. كانت الطبيعة :
وكانت قوانينها الصارمة هي التي تسير موجوداتها ومخلوقاتها وكائناتها المختلفة، بما فيها الإنسان نفسه!!
فلقد كانت الطبيعة وبيئاتها وموجوداتها ومخلوقاتها المختلفة.. وكأنها قد خلقت لتوها!.
وكان الإنسان فيها (ماده خام) وصفحة بيضاء خالية من أية تضاريس عقليه أو نفسيه..إلا رهبه الطبيعة ووساوسها المخيفة!.
وكان التاريخ في (نقطة الصفر) لم يُخَط على أديمه سطر واحد بعد!.

وكانت الطبيعة طبيعتان :
طبيعة : خضراء معطاء مبهجة.. وطبيعة : غبراء مجدبة كئيبة!.
وكان الإنسان أجناس وألوان : أبيض وأسود وأصفر وأسمر وأشهب وأصهب وأحمر............الخ
وكانت الطبيعة والإنسان يتواجهان وجهاً لوجه في صراع قادم محتوم.. فلصالح أين منهما ستكون الغلبة؟

تواجه الطرفان الطبيعة والإنسان.. في ذلك الصراع المحتوم :
وفي تلك اللحظات الحاسمة التي تواجه بها الإنسان مع الطبيعة وجهاً لوجه، بدأ الإنسان يخط على صفحات التاريخ البيضاء أول آثاره، فبدأ التاريخ يغادر (نقطه الصفر) وبدأت الحضارة تسجل أولى خطوتها على أديمه، وبدأ التاريخ يسجل لكل شعب ما خطه على صفحات الطبيعة البيضاء، وما صنعه من الحضارات الأول ممهورة باسمه!.
وبعدها افترق الإنسان عن الإنسان.. وأصبح لكل منهم صفحة وعنوان :
فقسم من الإنسان : قد انتصر على الطبيعة وتجاوزها، وخلق فيها عوالماً جديدة أبعد من قدره الإنسان على تصورها قبلاً!.
وقسم من الإنسان : انتصرت عليه الطبيعة واحتجزته في أدغالها منذ الأزل وإلى الأبد، وأبقته في زواياها المظلمة كـ (مادة طبيعية خام) لا زالت تفوح من جسده رائحة الفخار الذي صنع الله من مادته أبينا آدم وأمنا حواء!.
وقسم ثالث من الإنسان : قد انتصر على الطبيعة في مكان وانتصرت هي عليه في مكان آخر..فبقي معلقاً بين سماء الحضارة وفخار الطين الذي صنع من مادته الأولية كل إنسان!!

وفي هذه الحالات الحضارية الثلاث للإنسان :
لم تكن هناك ميزه لإنسان على إنسان، إنما هي الطبيعة التي أعطت لإنسان ما لم تعطه لإنسان آخر!.
فالطبيعة هي (المادة الأولية الخام) التي تصنع من مادتها الحضارات، وبدونها لا توجد حضارات، فهي التي توفر مستلزماتها الأساسية وتضعها بيد الإنسان، ليخط فيما بعد على صفحاتها آثاره وينحت من جسدها عبقريته وتجربته ومعارفه وحكمته، ويصوغ من مجموعها حضارته!.
*****
ولو أننا تتبعنا خط سير الحضارة الإنسانية منذ خلقت.. سنجد :
أن الحضارة الإنسانية الأولى قد بدأت نشأتها في وادي الرافدين وبلاد الشام ووادي النيل، ومن هذه الوديان الخضراء امتدت إلى باقي أنحاء العالم وشكلت حوضاً حضارياً واسعاً، شمل بلاد فارس والهند والصين والعالم القديم بمجمله، وكانت بلاد اليونان آخر محطاتها من العالم القديم!.
ثم عادت الحضارة الإنسانية إلى مواطن نشأتها الأولى، وعاودت مسيرها مجدداً في وديان الرافدين والنيل وبلاد الشام ـ نعني الحضارة العربية الإسلامية ـ من جديد، ثم غادرتها إلى أوربا واستقرت فيها إلى الآن، فقدمت أوربا وبشرها إلى العالم إبداعات حضارية لم تسبقها إليها حضارة أخرى أو بشر آخر!.

وهذا ليس لأن الأوربيين كانوا أكثر ذكاءً من غيرهم من البشر الذين سبقوهم أو الذين لحقوا بهم .. إنما هذا راجع لسببين :
الأول : لأنهم ورثوا ووظفوا جميع انجازات العقل البشري والحضارات الإنسانية المتعاقبة التي سبقتهم ..منذ : سومر وأكد والنيل والشام وبابل وآشور وفارس حتى، حضارة بني العباس الباذخة!!
والثاني : لأن الطبيعة والجغرافية الأوربية، قد وضعت بين أيديهم جميع (المواد الأولية) الأساسية اللازمة لصنع الحضارة بسهوله ويسر..فالأوربيون في الحقيقة مدينون لكل من سبقهم من الشرق صانع الحضارات الأول، ولكل شعب من شعوب الشرق وبشرها المتحضر، حصة وافرة في حضارتهم الحديثة ومنجزاتها الفريدة!.
وعلى الأوربيين أن يتذكروا، وعلى العالم أن يتذكر معهم أن أوربا لم تقدم أبسط شكل من أشكال الحضارة الإنسانية، عندما كانت صحراء جليديه تغطيها الثلوج في العصور الجليدية.. فحتى الحضارة الوحيدة عندهم (الحضارة اليونانية) التي نفخوها وأرجعوا إليها كل فضيلة حضارية، كانت جذورها شرقيه..فاليونان كانت بلداً شرقياً أيضاً، والحضارة الرومانية وريثه اليونان كذلك.. وبالتبعية!!
*****
وكل هذا سنحاول بدورنا أن نوضح بعض أسبابه ومعالمه الجغرافية، والتي أدت بدورها لكل هذا الكبير الاختلاف بين البشر! وسنحاول أيضاً أن نبني من خلالها تصوراً مقارباً لحقيقة ما حدث للإنسان مسيرته الاجتماعية والحضارية الطويلة، وتشريح مجمل الجذور ذات الأصول الجغرافية المتباينة، والتي كانت هي المسببات الحقيقية لكل هذه التباين بين البشر، ووراء كل هذه التغيرات الحضارية والانقلابات الفكرية والاجتماعية العاصفة، والتي تكونت موضوعياً في البيئات الجغرافية المختلفة في بداية الحياة الإنسانية وبدائيتها، وقبل تَكَوّن (العقل والتفكير) عند البشر .

ولتوضيح مدى تأثير الجغرافيا في صنع نموذجي الحضارة والإنسان :
سنعقد مقارنة بسيطة ومقتضبة جداً، بين إنسان بخلفية جغرافية ملونة، وبأشكال لا تحصى من الموجودات الحية والجامدة في بيئته الطبيعية، وبين إنسان آخر صحراوي بخلفية جغرافية صحراوية جرداء، تنعدم فيها كل أشكال والحياة تقريباً..بحيث أدى هذا الاختلاف والتباين بين البيئتين الجغرافيتين المختلفتين والمتناقضتين، إلى أنتاج عالمين بشريين مختلفين تماماً!.
عالم منهما : ينتمي إلى بساط أخضر وثلوج بيضاء وجبال ملونه!!
وعالم الآخر منهما : ينتمي إلى بساط رملي أصفر أو جليدي أبيض أو جبال جرداء موحشة ورياح عاتية!!

والصحراء التي نقصدها هنا :
ليست هي الصحراوات الرملية فقط، إنما هناك صحراوات ثلجية وأخرى جبلية جرداء، بالإضافة إلى البيئات الصحراوية الرملية، وما يشابههما من بيئات طبيعية صحراوية مقاربة، وجميعها قد تؤدي إلى نتائج: اجتماعية وفكرية وسياسية وحتى حضارية مشابهة أو متشابهة!.
فالصحراوات الثلجية : يمكن أن نضرب لها مثلاً: بسيبيريا والاسكيمو وأراضي القطبين الشمالي والجنوبي!!
أما الصحراوات الجبلية : فيمكن أن تمثلها جبال أفغانستان الموحشة، وما شابهها من بيئات جبلية صحراوية!!
أما الصحراوات الرملية : فهي معروفه لدينا، لأنها تمثل أغلب بيئاتنا العربية!!
وما يعنينا في هذه الدراسة في المقام الأول هو :
الصحراوات الرملية : لأنها تشكل أغلب بيئتنا العربية، ولها تأثير حاسم ومباشر على حياتنا اليومية، وما آلت إليه في النهاية ـ بسببها ـ أوضاعنا المادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والحضارية!.
*****
وقد نعني بالصحراوات في بعض الأحيان ليس صحراء الجغرافيا الأرضية فقط، إنما نعني معها صحراوات فكرية وثقافية ومعرفية، قد تكون تخلقت في بيئات صحراوية في الأصل، لكن أصولها الصحراوية قد ضاعت في تلافيف المتغيرات الإنسانية والحضارية المتلاحقة في بيئات معينه!!

وستتناول هذه المقارنة المقتضبة :
الجوهريات والأساسيات في أربع مجلات حياتية بين البيئتين : الملونة والصحراوية..وهــــي :
تأثير البيئة الجغرافية فــــــــــي :
(1) القدرات الذهنية للطرفين :
(2) المعتقدات الدينية في البيئتين :
(3) النظم السياسية لدى الاثنين :
(4) قيمة الأرض (بمعنى الوطن) عند كل منهما:
وما يمكن أن تفرزه ـ بالإضافة إلى هذا ـ البيئات الجغرافية المختلفة.. من :
معتقدات دينيه وقيم حياتيه ومفاهيم اجتماعيه وتقاليد إنسانيه، وكذلك ما يمكن أن يتولد عن هذه المعتقدات والمفاهيم لاحقاً من :
قيم ثقافية ومنظومات معرفية وأنماط حضارية وسلطات سياسية وتنظيمات وتقاليد اجتماعية........الخ
[يـــــــتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــــــع]
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س