الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحالفات السياسية بين المنظور والمُنتَظَر

صادق إطيمش

2018 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


التحالفات السياسية بين المنظور والمُنتَظَر
تمخضت سياسة المحاصصات المقيتة التي انتهجتها احزاب الإسلام السياسي والقوى القومية الشوفينية الداعمة لها في العراق خلال الأربعة عشر سنة الماضية عن فشل وتخلف في كافة المجالات التي تتناول حياة المواطن العراقي وتراجع رهيب عن كثير من القيم الأخلاقية التي انتشرت بين هذه الأحزاب ومؤيديها والراكضين وراء امتيازاتها في سرقة المال العام وتزوير الوثائق وانتشار الجريمة المنظمة وكل انواع الفساد وعلى كافة الأصعدة . كما تمخضت هذه السياسة عن بروز ظاهرة الشك وعدم الثقة بين القوى السياسية المتنفذه التي اصبح همها الأساسي ليس خدمة المواطن وانقاذه مما خلفته دكتاتورية البعثفاشية السوداء، بل خدمة جيوب العاملين في هذه الأحزاب وتضخيم حساباتهم المصرفية داخل وخارج الوطن وتوسيع مساحات عقاراتهم وما يملكون ويخزنون من غنائم لصوصيتهم ، حتى اصبح اعضاء الحزب الواحد في شك من امرهم تجاه من يتعاملون معه يومياً سواءً على المجال الحزبي او المجالات الأخرى الخاصة والعامة .
وانطلاقاً من هذا الشك واجواء عدم الثقة بين الفرقاء المتسلطين على الساحة السياسية العراقية ، انبثقت التحالفات الجديدة التي اخذت مسارين اساسيين . يتعلق المسار الأول بتحالفات تكونت نتيجة الإنشقاقات التي المت باحزاب الإسلام السياسي وما تبلور عن هذه الإنشقاقات من تكتلات جديدة سعت لأن تلم شمل ما تبقى من هذه الأحزاب في تحالفات جديدة لم تخرج عن النهج العام الذي ساد احزابها الأم قبل انشقاقاتها وتبعثرها إلى تجمعات مختلفة . اما المسار الثاني فيتعلق باحزاب وتجمعات قديمة وجديدة لم يساهم بعضها في النكبة التي خلفتها سياسة المحاصصات المقيتة على الساحة السياسية العراقية ، بحيث اتجهت هذه الأحزاب الى مواجهة تشظيها هي الأخرى بتجمعات تواجه بها قوى الإسلام السياسي من خلال خلق تحالفات تريدها ان تكون على طرف نقيض من تحالفات الإسلام السياسي التي لم تتخل عن نهجها الطائفي وسياسة المحاصصات .
واستناداً إلى هذا الواقع تناولت كثير من وسائل الإعلام على الساحة السياسية العراقية ما جرى من تطورات في الأيام الأخيرة الماضية على مستوى التحالفات الإنتخابية استعداداً لخوض الإنتخابات البرلمانية القادمة في هذا العام. وإذا ما اخذنا بمؤشرات العمل الديمقراطي الذي يتيح المجالات المختلفة لممارسة مثل هذه النشاطات الإنتخابية ، فقد يبدو الأمر وكأنه يقع ضمن التوجه الطبيعي الذي تسعى النظم الديمقراطية لبلورته على الواقع العملي للساحة السياسية . وبغض النظر عن ماهية النهج السائد على ارض هذا الواقع الذي انتجته سياسة المحاصصات الطائفية والمحاور القومية العنصرية والإنتماءات العشائرية والإصطفافات المناطقية التي وسمت الوضع السائد في العراق وكل ما رافقه من تخلف وانحطاط على مختلف المجالات ، بحيث اصبح الشعب العراقي ، خاصة الطبقات التي ترسخ تحت اجواء الفقر والعوز ، والتي تشكل اكثر من نصف المجتمع العراقي ، فإن الذي ينبغي تناوله بكل جدية واهتمام هو ذلك التحالف الذي يمكن وصفه كنتيجة للعمل الجماهيري المشترك لمخططي ومنفذي االحراك الجماهيري الذي بدأ صيف عام 2015 كردة فعل على الخدمات المنحطة في مجال الطاقة الكهربائية التي ابتلعت عشرات المليارات من خزينة الدولة العراقية إلا انها لم تنتج إلا بمقدار نسبة ضئيلة جداً لا تتناسب ابداً مع المبالغ الهاءلة المصروفة عليها . وحينما شملت الإحتجاجات الجماهيرية شرائح واسعة جداً من الشعب العراقي وعلى مدى اشهر عديدة متواصلة تبلورت فيها المطالب الجماهيرية بحيث شكلت نهجاً يدعو للدولة المدنية العلمانية الديمقراطية ، انعكس هذا النهج على الساحة السياسية العراقية وبين الجماهير الذي تبنته حتى اصبحت القوى السياسية الفاعلة في المشهد العراقي مضطرة للرضوخ ، ولو شكلياً ، للمطالب الجماهيرية المشروعة ومنها التأسيس للدولة المدنية الديمقراطية . وتحت هذه الأجواء لا يمكن الجزم بمدى القناعة الفكرية لكثير من القوى التي تبنت الشعارات الجماهيرية للدولة المدنية، خاصة تلك القوى التي ساهمت في التأسيس للإنقسامات الطائفية والتي عملت على تنفيذ سياسة المحاصصات القومية الشوفينية والدينية الإنعزالية وانتجت دولة عراقية بعيدة عن سيادة القانون ، تتجاذبها المصالح الحزبية للأحزاب الحاكمة في تكتلات الإسلام السياسي والتعصب القومي ، وتنخر في قيمها الإجتماعية الأعراف العشائرية التي ازاحت قوانين الدولة جانباً لتتصدر واجهة حل النزاعات بتلك الأساليب البالية المتخلفة التي قضى عليها الشعب العراقي حينما الغى قانون دعاوى العشائر الذي ساد حقبة العهد الملكي البائد. فإلى جانب القوى العراقية السياسية التقدمية التي يشكل نهج الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية ركناً هاماً من اركان سياستها اليومية ويعكس افكارها التي تلتزم بها مبدئياً لتحقيق هذا النهج في وطننا العراق ، برزت بعض قوى الإسلام السياسي لتنسحب من التجربة التي مارستها مع القوى المماثلة لها في توجهاتها الدينية ولتعلن تبنيها للمطالب الجماهيرية وما تسعى الى تحقيقه في الدولة العراقية المدنية الديمقراطية الجديدة ، وكأنها ابدت توبتها عما جنتها وتبنتها من سياسة كانت لحمتها وسداها توجهات الإسلام السياسي وكل ما جرته على الشعب والوطن من ويلات ونكبات . ولا ندري إن كنا نستطيع ان ندرج هذه التوبة تحت توبة ابن آوى او توبة الحر بن يزيد الرياحي ؟
لا احد يشك في امكانية التطور التي قد تؤدي في العمل السياسي إلى اكتساب قناعات جديدة والتخلي عن قناعات قديمة اثبت التاريخ فشلها وتخلفها عن الركب الحضاري الذي يسعى للحاق به كل مجتمع من مجتمعات القرن الحادي والعشرين هذا الذي نعيشه اليوم. ولا احد ينكر ايضاً امكانية شمول الفكر الديني بهذا التطور إذا ما كان هدفه الحقيقي تحقيق مجتمع العدالة والسلام الإجتماعي ، وجعل الدين ضمن قناعات الحرية الشخصية وليس ضمن تجليات الدولة المدنية الديمقراطية . والسؤال الذي يظل مطروحاً ، يتعلق بمدى استمرارية هذا التطور في الفكر الديني على مدى هذه المسيرة الطويلة نحو الدولة المدنية الديمقراطية إذا ما تعلق الأمر بالجانب العبادي الذي يشكل توجهات ذاتية لا علاقة لها ببناء الدولة الحديثة التي تتسم بالشمولية القائمة على اساس المواطنة اولاً واخير وليس على اساس الإنتماء الديني مهما كثر او قل اتباع هذا الدين او ذاك . وهنا تبرز اهمية العمل المشترك مع التجمعات والأحزاب الدينية الراغبة بالمشاركة في المسيرة لبناء الدولة العلمانية المدنية الديمقراطية ، بحيث تسعى التحالفات نحو تحقيق هذا الهدف السياسي الإجتماعي ، دون ان يكون لأطراف التحالف اي شأن في القناعات الفكرية للطرف الآخر سواءً السياسية والإجمتاعية والإقتصادية والثقافية او الدينية العبادية طيلة الفترة التي تتعامل فيها اطراف التحالف مع بعضها البعض بحيث تظل الإستقلالية السياسية والفكرية والتنظيمية المنصوص عليها في برامج المتحالفين واقعاً لا يجوز التعرض له او المساس به بأي حال من الأحوال . اي بمعنى آخر يجب ان تُصاغ نصوص التحالفات إنطلاقاً إما من استمرار المسيرة المشتركة استراتيجياً بكل ما تتطلبه هذه المسيرة من اجراءات تؤدي إلى بلوغ الهدف الأساسي ، او تكتيكياً يجري الإتفاق على مضمون التحالف باتجاه تحقيق مرحلة معينة من هذه المسيرة ، ليظل امر الإستمرار بالتحالف او عدمه مرتبطاً بمدى ايجابية التجربة التي تحققت في زمنها المنظور .
وإنطلاقاً من قناعة القوى المدنية العلمانية الديمقراطية العراقية من اهمية استمرار الزخم الجماهيري على الشارع العراقي الذي تبلورت من خلاله مفاهيم الدولة المدنية الديمقراطية بعد الفشل الذريع الذي منيت به الأحزاب الحاكمة في العراق سواءً الدينية منها او القومية الشوفينية والتي لم تستطع الإتيان باحسن مما اثقلت به البعثفاشية المقيتة الشعب العراقي سواءً بحروبها العبثية او باجراءاتها القمعية ، نرى انه لابد من التصدي الى كل المحاولات الرامية إلى إبعاد احزاب وتجمعات ومنظمات القوى المدنية الديمقراطية عن مواصلة المسيرة نحو تحقيق هدفها المنشود في الدولة المدنية الديمقراطية ، سواءً كانت هذه المحاولات من الحلفاء انفسهم او من المتربصين للصيد بالماء العكر بهدف الإنتقاص من دور وفاعلية وتوجه قوى التنظيمات المدنية الديمقراطية او التنكر لمبادءها الرئيسية. وفي هذا المجال لابد لنا من الإتعاض بالنتيجة المؤلمة التي تمخضت عن اىفكاك التيار الديمقراطي العراقي بعد ان بُذلت جهود كثيرة مضنية ووقت طويل نسبياً على بلورة تنسيقياته سواءً في داخل الوطن او خارجه ، وعلى تثبيت مفاهيمه واهدافه بين اوساط كثيرة من الجماهير العراقية . ومن ثم تبعثر قوى " تقدم " التي شكلت الأمل الواعد بتجمع منظمات التوجه المدني الديمقراطي نحو الدولة العراقية الجديدة المنشودة. ولابد من سعي كل العراقيين العاملين على التغيير في العراق الجديد لجعل البوصلة الأساسية لجميع التحالفات القادمة تشير إلى الوجهة التي تحقق الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على اساس المواطنة العراقية وليس على اي اساس آخر.
الدكتور صادق إطيمش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث