الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعتزلة والخطأ المدمر!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


للحقيقة والتاريخ - وكما سأثبت في مقالة بحثية لاحقًا إن شاء الله - فإن المعتزلة (فلاسفة المسلمين) هم من بدأ هذه الفتنة الشعواء المسماة (فتنة خلق القرآن)(*) التي لازلنا ندفع ثمنها حتى اليوم، فيما يتعلق بالكلام في صفات وتصرفات وأفعال الله!!، وذلك أنهم - بالرغم من أنهم قوم يزعمون أنهم أهل العقل والعدل بل ودعاة الحرية ونفاة الجبرية والحتمية!! - فإنهم - وفي سبيل فرض رؤيتهم الفلسفية للعقيدة - لم يتورعوا عن ممارسة أقصى درجات الإقصاء والديكتاتورية!، فهم من بدأ فتنة خلق القرآن ظنًا أنهم يخدمون دين الله ويحمون حمى التوحيد!!، وهذا حال كل الفرق الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي فهي على الدوام تنبعث بدعوى حماية حمى العقيدة وتطبيق الشريعة حتى ليصدق عليها القول المأثور والمشهور (إن الطريقَ إلى جهنم معبدٌ بالنوايا الحسنة والشعارات النبيلة!!)، وأما الخلل الخطير والخطأ الكبير الذي وقع فيه فلاسفة المسلمين وعلى رأسهم المعتزلة ومن نهج نهجهم هو أنهم أرادوا تحويل (الدين) إلى (فلسفة) وهي أكبر الطوام التي شوّهت وأفسدت العقيدة لدى النصاري (!!) فالمعتزلة لم يكتفوا بإخضاع الدين للفلسفة بل سعوا إلى فرض استنتاجاتهم ونظرياتهم ومصطلحاتهم الفلسفية على الخطاب الديني بقوة السلطان!!، وهو لعمرالله خلط كبير وغلط خطير ما كان على المعتزلة أن يقعوا فيه!، فالفلسفة فلسفة والدين دين!، وأنا لست ضد الفلسفة فهي أم العلوم وهي ذات فوائد جمة للناس ولكن حينما تتحول إلى إيديولوجيا دينية أو إيديولوجيا سياسية تصبح خطرًا وتصبح كالقطار الذي خرج عن مساره!!، فالمعتزلة سيسوا الأمر - مسألة خلق القرآن وكذلك مسألة فهم صفات وتصرفات الله - واستقووا بالسلطان لفرض عقائدهم الفلسفية على المسلمين بإعتبارها هي الدين الصحيح!؟؟ - أي ربما كما تفعل بعض طوائف السلفية أو ربما حتى بعض طوائف الصوفية اليوم!! - ، فهذا الغلو والاستبداد المعتزلي الفلسفي هو ما أدي إلى ظهور طائفة (الحنابلة) برئاسة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - والتي أصبحت تُسمي نفسها لاحقًا بالفرقة (السلفية) كردة فعل عنيفة وشديدة ضد تغول الفلاسفة وتطرف فرقة المعتزلة!، حيث لم يذهب (الحنابلة/السلفيون) في حربهم ضد المعتزلة وردة فعلهم العارمة إلى تحريم وتجريم الفلسفة وحسب ووصفها بأنها زبالة وحثالة عقول البشر!!، بل ذهبوا في تطرفهم إلى حد معاداة (العقل) والنظر إليه بشك وارتياب بل بخوف ورهاب مع أن (العقل) هو أداة فحص وتمحيص (النقل) سندًا ومتنًا !، وهو أداة فقه الشريعة!!، بل هو مناط التكليف والتشريف للإنسان بل بالرغم من وجود آيات قرآنية تحث على العقل وتمتدح من يعقلون وتذم من لا يعقلون من الناس حيث يقول أهل النار وهم يعضون أصابع الندم: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}!!، وهو تطرف سلفي أثري عنيف جاء كرد فعل على تطرف عنيف آخر، فالعنف يولد العنف!، والتطرف إلى أقصى اليسار كما هو معلوم يُوّلد تطرفًا نحو أقصى اليمين وقلما ينجو الناس من هذه (الحالة)!، وهو ما نشاهد اليوم ما يشبهه في صراع العلمانيين والاسلاميين فكلاهما يتطرف في رد فعله ويغلو في خصومته أحيانًا كثيرة لحد الفجور!، إلى درجة أن بعض المتدينين باتوا يُعادون (العلم) ومنجزاته التطبيقية حالهم حال فرقة (الأميش) النصرانية التي اعتزلت في أمريكا كل نتاج العلم والتمدن بدعوى أنها من عمل الشيطان (!!) أو أنها لم تكن موجودة على عهد نزول الإنجيل وسلفهم الصالح!، فذاك التطرف المعتزلي الفلسفي الرافع لراية (العقل والعدل والحرية) وما ترتب عنه من التطرف الأثري السلفي الرافع لراية (النقل والسلف والأحادية والشمولية) هو التطرف الذي لازلنا ندفع ثمنه حتى اليوم منذ (فتنة خلق القرآن)!، تمامًا كما هو الحال في أننا لازلنا ندفع ثمن (فتنة ثورة جمهور من المسلمين ضد الخليفة عثمان) وإصراره - رضي الله عنه - على عدم التنحي عن السلطان، لدوافع وأسباب نفهمها ونتفهمها (!!) ولكنها - في تقديرنا - زادتِ الأمر سُوءًا وقدّر الله ما شاء، وما شاء كان!، ولعليّ أتطرق لذلك بالتفصيل وبالعرض والتحليل في مقالة خاصة إن شاء الله.
*************
سليم الرقعي
2018
(*) ما هي مسألة وفتنة (خلق القرآن)!؟
هي مسألة علقت في عقول المعتزلة وفلاسفة المسلمين بسبب جدالهم مع فلاسفة النصارى في زمانهم!، فالنصارى يقولون أن المسيح هو كلمة الله - وهو ما نقوله نحن المسلمين أيضاً - وأن كلام الله قديم وليس مخلوقًا - وهو ما يقوله الاشاعرة والسلفيون أيضًا أي عموم أهل السنة - وبالتالي فإن ما يترتب عن هاتين المقدمتين والمُسلَّمتيْن الإثنتين هو أن تكون النتيجة المنطقية للجمع بينهما هي أن (المسيح - كلمة الله - قديم) !!، ومصطلح (قديم) عند الفلاسفة جميعًا يعني (أزلي أبدي أي بلا بداية ولا نهاية) مثل (الله الخالق)!، وبالتالي مادام المسيح كائن (قديم) أي أزلي أبدي فهو غير مخلوق أي أنه إله أو على الأقل ابن اله!!!!، هكذا كان منطق فلاسفة النصارى وبهذا عَلِقَ فلاسفة المسلمين في هذا الفخ الشائك أو هذه المتاهة!!، وانطلقوا يصرون على أن (كلام الله مخلوق) ويروجون لذلك أي أن المسيح - باعتباره كلمة الله - كائن مخلوق وكذلك بالتالي القرآن - باعتباره كلام الله - مخلوق!!، وهكذا أصبح هذا الأمر أي القول بأن (القرآن مخلوق) عقيدة عند المعتزلة لأن القول بأن القرآن غير مخلوق سيعني أن كلام الله غير مخلوق وبالتالي فالمسيح غير مخلوق أي أنه قديم أزلي أبدي أي أنه إله!!، ولكن (الحنابلة) - السلفيين لاحقًا - وقفوا ضد هذا التوجه المعتزلي الفلسفي المتطرف بشدة وقوة ولكنهم - للأسف الشديد - بدل أن يقولوا : (نحن نقول أن القرآن هو كلام الله وكفى، ولا نزيد ، لا نقول هو مخلوق أو غير مخلوق!) وأن (فتح النقاش في هذه المسألة هو بدعة وسفسطة وفلسفة لا ينبغي توريط عامة المسلمين فيها)، بدل أن يقول الحنابلة ذلك، ذهبوا بعنادهم وتشددهم إلى أمر آخر يكرهه المعتزلة ويستبشعونه أشد الاستبشاع وهو القول بأن (القرآن غير مخلوق)!!!، وهذا يعني عند المعتزلة وفق منطقهم العقلي ومنهجهم الفلسفي بأن كلام الله غير مخلوق وبالتالي المسيح الذي هو كلمة من كلام الله غير مخلوق أي أنه قديم أبدي أزلي وهذا يعني تعدد القدماء في الكون أي تعدد الآلهة وهذا بالطبع شرك!!، وهكذا أخذ المعتزلة - وهم يعتقدون أنهم يدافعون عن التوحيد - يحاربون أتباع الإمام أحمد في قولهم (القرآن كلام الله وكلام الله غير مخلوق) لأن هذا شرك عند المعتزلة، فيما أخذ (الحنابلة) يحاربون المعتزلة الذين يريدون فرض مقولتهم (القرآن كلام الله وكلام الله مخلوق)!!........... هذا هو جوهر المسألة ومنطلق تلك الفتنة، ولو ظلت المسألة في ميدان الجدل العقلي والشرعي والفلسفي لهان الأمر فهناك غيرها من الاختلافات في فهم العقيدة في بعض صفات وأفعال الله، ولكن الطامة أن المعتزلة في غمرة حماستهم للدفاع عن عقيدة توحيد الله - حسب فهمهم للتوحيد - تجاوزا حد الجدل والنقاش الفكري واستعانوا بقوة السلطان (الخليفة العباسي) وانطلقوا يمارسون بما يشبه (محاكم التفتيش)(!!) فيُلقون القبض على من خالفهم من مشائخ الدين ويحققون معه ويعذبونه بالسوط حتى يقر معهم أن (كلام الله مخلوق)، وخضع الكثير من رجال الدين للضغوطات ولسوط السلطان وأقر للمعتزلة وللخليفة العباسي بما يشتهون! إلا الأمام (أحمد بن حنبل) الذي ظل يجاهر بالقول أن (القرآن كلام الله ، وكلام الله غير مخلوق!)، وهي مقولة كفرية وشركية عند المعتزلة أي حسب فهمهم لتوحيد الله!!، فأصبح الأمام أحمد هو زعيم المعارضة وحامي حمى العقيدة (السنية/السلفية!!) في زمانه ذاك، وكعادة العامة فقد تعاطف الناس معه معجبين أشد الاعجاب بصموده وصبره على ظلم وبغي السلطان وتحديه للمعتزلة دون اللجوء للخورج المسلح على السلطان المعتزلي فالحنابلة الغالب عندهم عدم الخروج على السلطان مهما طغى وظلم إلا أن يأتي بكفر بواح!، وظل الأمر كذلك حيث الغلبة بقوة السلطان للمعتزلة إلى أن دار الزمان وتغير السلطان وجاء من ناصر الحنابلة ضد المعتزلة فتبدلت الأدوار وأصبح القوي بالأمس ضعيفًا والضعيف قوياً!، ولله في خلقه شؤون !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي