الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخاجة.. رأى الفنون كما يرى الطائر المحلق الأرض

عبدالله المدني

2018 / 1 / 19
سيرة ذاتية


في تاريخ البحرين الثقافي المضيء توجد شخصيات يحتار المرء في كيفية تصنيفها. ومبعث الحيرة هو أننا أمام رجالات امتلكوا مواهب متعددة، ونشطوا في حقول ثقافية وفنية متنوعة. هذا الكلام أكثر ما ينطبق ينطبق على «يوسف قاسم الخاجة» الذي عرفه بحرينيون وخليجيون كثر، مصورًا ورسامًا ونحاتًا وعازفًا، ومفتونًا بالأسفار والابتكار والمسرح، والتمثيل والإخراج وأشغال الديكور والإضاءة وغيرها.
المحزن في حكاية هذه الشخصية العبقرية الموسوعية ليس رحيله عن دنيانا بصمت وهدوء، وإنما أيضا عدم تسليط ما يكفي من أضواء على سيرته، هو الذي كان ذات حقبة سيد الفلاشات بلا منازع.
بحثت طويلاً، علني أجد توثيقًا لحياته الحافلة بالنجاحات والإبداعات والمغامرات، فلم أعثر إلا على مقال يتيم كتبه عنه حسين المحروس ونشره في موقع «جهات الشعر»، من وحي حوارات دارت بينهما من مارس إلى مايو 2001 في مكتب الخاجة بالرفاع الشرقي.
لذا فإن حديثنا فيما يلي من أسطر عن المرحوم الخاجة سوف يكون اعتمادًا، بالدرجة الأولى، على ما كتبه المحروس، مع تطعيمه بمعلومات استقيناها من أناس عاصروه أو عملوا معه.
ولد الخاجة بالمنامة عام 1924، ابنا لأسرة سنية المذهب نزح أجدادها الى البحرين قديمًا من الضفة الشرقية للخليج العربي. وكان ميلاده ونشأته في فريج الفاضل العريق. وهذا الحي، لمن لا يعرفه من غير البحرينيين، كان وقتذاك، الحي الأشهر في العاصمة، والأقرب إلى البحر والفرضة والأسواق، والأكثر تنوعًا لجهة العائلات التي تسكنه. فقد كان مثلاً مكانًا لسكنى عائلات تجارية وشخصيات بحرينية مثقفة معروفة، مثل الفاضل والوزان وآجور وكانو والزين وأحمدي والمؤيد وبهزاد ورفيع والمردي والحمر والشتر ويتيم والنعمة، كما كان الفريج يحتضن منازل كبار التجار النجديين، مثل الذكير والبسام والعجاجي والقصيبي، ناهيك عن احتضانه لمساكن بعض العائلات التجارية الهندية والفارسية، وبعض العائلات من الطبقة البحرينية الفقيرة والمتوسطة.
وأستطيع أن أجزم أن أجواء «فريج الفاضل» بتعدديته الإثنية وتنوعه الثقافي، لعبت دورًا في التكوين الأولى لصاحبنا، فنشأ عاشقًا للحرية والجمال، محبًا للجميع، كارهًا للانغلاق، نابذًا للعنف، مهيأً لدخول العوالم المجهولة وتجربتها دون رهبة. أما ساحل البحر القريب من «فريج الفاضل»، وفضاءاته الواسعة، واللهو في مياهه، وانعكاس أشعة الشمس عليه لحظة الغروب، والنخيل الأخضر الجميل المحاط به، فقد خلق في داخله مشاعر رومانسية جميلة ساعدته فيما بعد على حسن الاختيار والتذوق الفني وابتكار الأشياء.
درس الخاجة في الكتاتيب التقليدية فختم القرآن الكريم في سن الرابعة، وأجريت له الطقوس المعتادة في مثل هذه المناسبة، مثل ارتداء الجبة والغترة والعقال والتمنطق بالسيف والسير بهكذا منظر في موكب احتفالي داخل الأزقة وحول البيوت.
كان ختم الطفل للقرآن آنذاك شرطًا لقبوله في «المدرسة الجعفرية». لكن هذه المدرسة كما غيرها من مدارس تلك الحقبة كانت مذمومة، يتجنب الناس -المتعصبون تحديدًا- إرسال أولادهم إليها بدعوى أنها مدرسة «إلحادية» تعلم طلبتها أشياء قد تودي بأبنائهم الصغار إلى الكفر، مثل «كروية الأرض»، و«أصل الإنسان»، وغيرهما.
والد الخاجة، لحسن حظ صاحبنا، لم يكن من بين هؤلاء المتعصبين، مع أنه كان قليل التعليم ومجرد بائع للكيروسين المستخدم في الطبخ. فالأمي الفقير قد يكون أحيانًا أكثر جرأة وإقدامًا وانفتاحًا من المتعلم الغني؛ لأن ليس لديه ما يخسره. وهكذا وجد الخاجة نفسه طالبًا في مدرسة تغير فيها اسمه من «يوسف جاسم» إلى «يوسف قاسم» بسبب نطق بعض المدرسين المصريين للفظ «جاسم».
عن هذا المنعطف في حياته قال: «في المدرسة بدأت الدروس المكثفة، بعد أن تأكد مديرها المصري -الذي لا يفارقه الطربوش الأحمر- أنّنا لن نغادر المدرسة للغوص، أو لأي عمل آخر. كان المنهج يحتوي على الفقه، والتفسير، والعبادات، وتاريخ لا يمجد سوى الدولتين الأموية والعباسية، وقرأنا كتاب (القراءة الرشيدة)، وبعض مبادئ الحساب. وبعصاة غليظة طويلة اسمها (سَمْحَانة) أُعدت للكسالى من التلاميذ كان الأستاذ المرحوم سالم العريّض يدرسنا اللغة الإنجليزية ويحملها معه أينما حلّ، ويحمل إلى عقولنا لغة نتعرف عليها للتو».
أكثر ما استهوى الخاجة من دروس هو درس الموسيقى على يد الأستاذ «أجدان» الإيراني الذي أحضرته الشرطة لتعليم طلبة المدرسة الموسيقى صباحًا، لكنه كان يتطوع من تلقاء نفسه ويعطي دروسًا إضافية للراغبين عصرًا. على يد هذا الإيراني تعلم الخاجة الضرب على طبل الترانبيت، وتعلم أيًضا العزف على بعض الآلات الموسيقية الأخرى مثل آلة الكورنيت، فصار مهيئًا للمشاركة مع آخرين في العزف خلال المواكب والاحتفالات المحلية. كانت هذه بمنزلة الخطوة الأولى لانخراطه لاحقًا في عوالم العزف على العود وقيادة الفرقة الموسيقية التابعة لـ«أسرة هواة الفن الموسيقي».
لم تكن الموسيقى هي وحدها ما شغل باله آنذاك، وإنما أيضًا الفن المسرحي الذي أدخله المدرسون السوريون إلى مدرسته الابتدائية، فعشقه سريعًا بدليل انضمامه إلى فرقة المدرسة المسرحية التي بدأت نشاطها بعرض مسرحية مجنون ليلى. «في هذه المسرحية كنتُ ممثلاً وجمهورًا.. ممثلاً لأوّل مرّة يشترك في تمثيل مسرحية، وجمهورًا لأوّل مرة أيضًا يرى مسرحية في حياته. هنا انتقلتُ بمسرحي الطفولي من ساحل البحر وأمواجه إلى خشبة المسرح. لكن المسرح لم يستطع وحده إرضاء حرارة المغامرة في دمي وشبابي وحيويتي وذاتي. بحثت عمّا يشبع جزءًا من تلك المغامرات في المدرسة، فلم أجد غير الفرقة الكشفية التي اشتركت بها في سنتي المدرسية الثالثة».
بعدما أنهى دراسته الابتدائية، التحق بمدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، وكان أول ما تلقاه فيها علقة ساخنة من مديرها سالم العريّض (معلم الإنجليزية في مدرسته الابتدائية سابقًا) باستخدام عصاته المخيفة المسماة «سمحانة». كان سبب العقوبة شقاوة بريئة تمثلت في استعراض مواهبه المبكرة في الرسم من خلال رسم مدرس مادة الدين الأستاذ عبدالله بوبشيت بعمامته على السبورة قبل لحيظات من دخوله الصف، ويبدو أن موهبة رسم الأشخاص بصورة (كاريكاتيرية) استولت عليه في هذه الفترة من حياته، بدليل أن مدرسين آخرين لم يسلموا من ريشته، مثلما لم تسلم صفحات كراريسه وكتبه المدرسية من صرير أقلامه.
هذه الموهبة قادته للالتحاق بدورة لتعلم الرسم بإشراف «متولي أحمد متولي» أحد مدرسي البعثة التعليمية المصرية، مقابل 25 روبية. وفي هذا السياق أخبرنا ما مفاده أنه كان يذهب إلى المحرق لحضور الدورة على ظهر دراجته الهوائية، عابرًا بها جسر الشيخ حمد، وأن البيت المخصص للدورة بالقرب من نادي المحرق كانت به خادمة «كنا نطلب منها الجلوس أمامنا لرسم وجهها فقط». وهكذا تعلم صاحبنا كيفية نقل كتلة الوجه إلى الورق، وعند عودته إلى المنامة كان يجلس في ساحة البيت بالقرب من بقرتهم الصامتة ليبدأ في رسم أقدامها، لكنه يلخص قصته مع الرسم في عبارة «هذا الأستاذ المصري خلخل أمنيتي في الرسم ثم أزالها». فهل فعلاً ترك الرسم كليًا؟ أم أنه تخلى عنه مؤقتًا ليرتبط بفن مشابه له؟ سوف نرى لاحقًا.
بعد الرسم اتجهت أبصاره، المحدقة دائمًا في ما حوله بعين الطائر المحلق، إلى فن صنع المجسمات والتماثيل. ففي أحد أيام الجمع وجد نفسه وحيدًا في البيت بسبب ذهاب أفراد العائلة إلى عين «أبوزيدان» في قرية الخميس، فاستغل خلو البيت للإقدام على مغامرة جديدة لم تكن سوى الاقتراب من كيس من الأسمنت الأبيض (الجص) كان والده قد أحضره إلى البيت للقيام ببعض الترميمات. تفاجأ الخاجة بأن الأسمنت بعد سكب الماء عليه صار عجينًا متماسكًا، الأمر الذي أغراه بصنع تمثال لجسد امرأة من منتصفها حتى الرأس مع إبراز الصدر محددا ومميزا لجنس التمثال. قال عن هذه الواقعة: «انتهيت من العمل وانتهت رحلة أهل الحي عند المغرب. لم أنسَ ضرب أمي حتى الصباح. كان ذلك بعض الجزاء. والجزاء الآخر تكسير أمي للتمثال».
قلنا إن الرجل عشق المسرح، فهل انتهت علاقته بهذا الفن الراقي؟ الإجابة كلا! ذلك أنه حول ساحة البيت، حيث كانت أمه تربي الماشية، إلى أول مسرح في «فريج الفاضل» بمساعدة أصدقائه خليل زباري، وجاسم زباري، وعلي تقي الذين ساعدوه في صنع ستارة المسرح من أغطية (المراقد)، وكانوا يختارون النصوص التمثيلية من كتاب «القراءة الرشيدة» المقرر عليهم مدرسيًا، ويمثلونه أمام جمع من الأطفال ونسوة فريج الفاضل اللواتي كانت أم يوسف تدعوهن إلى المشاهدة. وقد أخبرنا الخاجة أنه إذا ما صادف حضور إحدى السيدات قبل نهاية العرض، كانت أمه تصرخ به قائلة: «ابدأ من الأول يا يوسف لأن فلانة ما شافت»، فنبدأ!
وبطبيعة الحال كان هذا قبل سنوات من بروزه في عالم المسرح بوصفه مهندس ديكور ومصمما مبتكرا لا يشق له غبار، وصاحب فضل كبير في نجاح مسرحية «عبدالرحمن الناصر» التي أخرجها محمود المردي وعُرضت سنة 1947 على مسرح النادي الأهلي بالمنامة، وتعد علامة بارزة في تاريخ الحركة المسرحية البحرينية.
فطبقًا للشاعر قاسم حداد، فإن النجاح يرجع إلى التجسيد الحي للمناظر المسرحية الأندلسية التي نفذها الخاجة. إذ قام الأخير بصنع تماثيل من الجبس لإبراز قصر الحمراء، كما قام بصناعة تماثيل لأسود تخرج المياه من أفواهها. ولأن المياه لم تكن موصلة وقتذاك، أي في عام 1947، قام الخاجة بعقد اتفاق مع السقايين لجلب ما يكفي من المياه لتخزينها ثم دفعها إلى أفواه الأسود من خلال أنابيب بلاستيكية صنعها بنفسه من بقايا الحقن الشرجية المستعملة. أما الأسود فقد صنعها -طبقًا لما رواه الباحث البحريني مبارك الخاطر في كتابه «المسرح التاريخي في البحرين»- من الطين الناعم المستخدم في صناعة الأواني الفخارية بعد أن جلبها الخاجة من الرفاع وخلطها بشعر الماعز، قبل أن يُطليها باللون الأبيض. وبهذه الرؤية كان الخاجة قد استجاب موضوعيًا وفنيًا لمتطلبات هندسية حتمها النص المسرحي ذاته.
ذكر الخاجة أن المسرح جعله عاشقًا للتمثيل، وأنه بمجرد قراءته لإعلان منشور في «روز اليوسف» المصرية عن طلب ممثلين يمتازون بالوسامة رغب في الذهاب إلى مصر لدراسة التمثيل وهو لم يتجاوز سن الـ15، لكن ما وقف ضد تحقيق طموحه هو انعدام المال. وهنا يخبرنا أنه حاول التغلب على المشكلة بالاستعانة بفن الرسم الذي هجره، فيقول -ما مفاده- إنه رسم بالقلم الرصاص صورة لمستشار حكومة البحرين البريطاني «تشارلز بلغريف»، وعمل لها إطارًا، وأخذها إلى بيت المستشار بالمنامة، علَّ الأخير يرحب بموهبته ويمنحه بعثة لدراسة التمثيل أو يكافئه ببعض المال، غير أن ما حدث هو أن سكرتير المستشار لم يصدق أنه صاحب اللوحة، بل توعده بالعقاب بتهمة الكذب. وهكذا لم يتحقق له ما أراد من وراء العودة إلى فن الرسم الذي ظل يأتيه بينما هو يصد عنه هاربًا إلى التصوير، على اعتبار أن التصوير والرسم أخوان خرج أحدهما من ضلع الآخر، على حد قوله.
بعد إكمال دراسته في الهداية الخليفية أراد العمل في شركة النفط، فلم يوفق. لكن من حسن حظه أنه طرق باب مستشفى الإرسالية الأمريكية. وفي أعقاب امتحان صعب في اللغة الإنجليزية نجح في اجتيازه، تم قبوله عاملاً تحت التدريب براتب شهري قدره 18 روبية. كانت تلك بمنزلة نقلة في حياته، إذ تقابل فيها مع أصدقاء جدد من أمثال عبدالنبي سبكار، وخليل ترابي، وعبدالحسين سبكار، وتعلم خلالها أشياء جديدة بحكم نظام المستشفى القائم على نقل الموظفين من قسم إلى آخر كل ستة أشهر (على اعتبار أن ذلك يؤمن للمستشفى غطاءً عمليًا في حال غياب موظف ما عن قسم من الأقسام). وقد طُبق هذا على الخاجة، فتنقل ما بين أقسام المختبر والصيدلة والتمريض، لكن القسم الذي وجد هوى في نفسي كان قسم الأشعة والتصوير، إذ كان يترأسه خليل ردباري، حيث التقى بأحماض التظهير وشاهد للمرة الأولى ما يحدث للصورة بعد التقاطها، ورأى كيف يحمض ردباري صورًا خاصة به.
في هذه الفترة قام مستشفاه بإرساله في دورة تدريبية إلى مستشفى «ميمورال» في «رانيبت» بالهند، وبعد انتهاء دورته انتقل إلى بومباي، حيث التقى بالبحرينيين عبدالله اليماني وحامد اليماني اللذين أخذاه إلى ستوديوهات إنتاج الأفلام الهندية، حيث عمل متدربًا لأكثر من شهر ونصف، فتعلم الكثير من أسرار صناعة الفيلم السينمائي.
بعد عودته من الهند، قرر الخاجة المهووس بالتصوير آنذاك أن يبني غرفة تصوير مظلمة في بيته، وأن يستخدم الكاميرا ذات الجسم الخشبي، وأن يحمض صوره في مكان عمله بالمستشفى. أما طباعة الصور فكانت تحتاج إلى ورق خاص، وهذا كان يشتريه من محل البحريني اليهودي «فيكتور مراد» الكائن حينذاك في الموقع الحالي لتشارترد بنك بشارع الحكومة.
وهكذا تحول صاحبنا إلى مصور فوتوغرافي يأتيه الناس إلى بيته ليلتقط لهم صورًا، فكان يقوم بتصويرهم في بادئ الأمر باستخدام أشعة الشمس، قبل أن تصل الكهرباء إلى فريج الفاضل، فيستخدم مصابيح الإضاءة ويتفنن في توجيه الفلاشات وتكوين الظلال وإخفاء أجزاء الوجه غير المرغوب ظهورها. وسرعان ما شعر الخاجة، وهو في سن الـ17، أن إمكانات كاميرته أقل من طموحاته، فاستدان 90 روبية من الطبيب إستورن -على أن يسدده من راتبه بالمستشفى- دون أن يخبره بدوافع الاقتراض التي لم تكن سوى شراء كاميرا متطورة من محل جينجرا الكائن في الموقع الحالي لفندق العاصمة بالمنامة. وبعد أن دربه جينجرا على تقنيات الكاميرا الجديدة، افتتح الخاجة محلاً للتصوير سماه «ستوديو أوال»، قريبًا من محل جينجرا، وليس بعيدًا عن فرضة المنامة التي كان يصلها رعايا الكويت وعمان وإيران والسعودية وغيرهم ممن فرضت عليهم حكومة البحرين آنذاك تأشيرة دخول لممارسة الغوص وصيد اللؤلؤ عليها صورهم الفوتوغرافية.
بدأ الخاجة عمله في محله الجديد بشغف، وراحت مداخيله المالية تكبر وزبائنه يكثرون، خصوصًا بعدما تزود بآلات تصوير أكبر واستحوذ على مصابيح الإضاءة الكبيرة المعروضة للبيع من قبل الجيش البريطاني المرابط بالمحرق، ناهيك عن تصميمه لخلفيات جميلة لمكان التصوير. غير أن كثرة زبائنه وزيادة أعبائه جعلته يغيب عن عمله الأصلي في المستشفى الأمريكي، أو لا يلتزم بالدوام. ولم يمضِ وقت طويل حتى عرفت إدارة المستشفى سبب تغيبه المتكرر، وهو ما جعل رئيسه الطبيب إستورن يغضب ويطلب منه ترك التصوير، والعودة إلى عمله. وتشاء الصدف في تلك الفترة أن يسافر مسؤول التصوير بالمستشفى، خليل ردباري، فيطلب إستورن من الخاجة الحلول مكانه.
لبى الخاجة طلب إستورن، فيما استمر «استوديو أوال» يعمل بنجاح قبل أن يقرر صاحبه إغلاقه. عن أسباب الإغلاق أخبرنا الخاجة أنه لم يتعرض قط لضغوط بشأن اشتغاله بالتصوير إلا من شخص واحد كان يحترمه كثيرًا، هو التاجر حسين يتيم «الذي يقع مكتبه في شارع الأستوديو نفسه. كان حسين يتيم يخرج من مكتبه ويقول (يوسف اترك عنك هالتصوير.. بنات يأتون إليك.. وأنت رجل شريف.. ولد ناس.. ولد أوادم.. بتخرب سمعتك.. لا تضيع نفسك في مثل هالأمور)».

لكن بإغلاق محله في المنامة، هل هجر التصوير؟
كلا! لقد هجر المكان ولم يهجرحرفته. وملخص الحكاية أنه تعرف خلال دراسته في الهداية الخليفية على البليونير السعودي سليمان العليان الذي كان وقتذاك تلميذًا معه. والمعروف أن العليان عمل في «بابكو» بعد تخرجه لبعض الوقت ثم التحق بشركة أرامكو بالظهران وتدرج في وظائفها قبل أن يستقيل منها كي يعمل مقاولا منفذا لمشاريع الشركة نفسها من الخارج. أحب العليان البحرين لأنها علمته الإنجليزية (مفتاح الولوج إلى عالم الأعمال والوظائف)، وعرفته على الحياة المنفتحة والأفكار الخلاقة، فكان يتردد عليها باستمرار، بل كان يحرص في كل مرة أن يزور زميله الخاجة ليغني له بالعود أغنيته المفضلة «الجندول» لمحمد عبدالوهاب.
وذات مرة أخبره الخاجة بموضوع إغلاق «ستوديو أوال»، فعرض عليه العليان أن يأتي إلى الظهران ويفتح محل تصوير بالقرب من المكتب الذي يستخرج منه المواطنون السعوديون العاملون في أرامكو هوياتهم الحاملة لصورهم. وبالفعل سافر الخاجة إلى الخبر ومنها إلى الظهران، حيث افتتح هناك أول ستوديو للتصوير في تاريخ المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية تحت اسم «ستوديو الظهران». وحول عمله هناك قال الخاجة -ما مفاده- إن الحياة وقتذاك (بدايات الخمسينات) كانت صعبة ومرهقة، لكن الأعمال كانت كثيرة ومربحة، خصوصًا مع حصوله على الكهرباء مجانًا من أرامكو. ولذلك استخدم أرباحه في افتتاح فرع لاستوديو الظهران في الدمام وآخر في الهفوف، وقام باستقدام الكثيرين من زملائه البحرينيين للعمل معه، كما قام بجلب المزيد من آلات وأجهزة التصوير والإضاءة الحديثة من البحرين والعراق ولبنان، ونشر بين الناس فنونًا وخدعًا في التصوير لم يعرفوها من قبل. لكن الخاجة -طبقًا لاعترافه- أصيب بالإحباط حينما تعرض لمضايقات في الدمام من بعض المتشددين الذين عدّوا التصوير أمرًا منكرًا ومخالفًا للدين، فقرر بيع محليه في الظهران والدمام، وإهداء فرع الهفوف لأحد أصدقائه السعوديين، والعودة إلى البحرين ليتوفى بعد سنوات طويلة فوق أرضها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE