الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطوير التعليم في الأردن

فتح عبدالفتاح كساب

2018 / 1 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


تطوير التعليم في الأردن
تم طرح مسألة إصلاح التعليم في الأردن على المستوى الرسمي بالتزامن مع الأزمات السياسية في الإقليم حيث تم تسطيح التطوير ليكون مقصورا على صفحة هنا أو آية أو إسم هناك. وتم الإلتفاف على المشروع عبر صراعات بين بعض القوى الرسمية بالتحالف مع بعض تيارات الإسلام السياسي والقوى المجتمعية المتمثلة بالقوى العشائرية المستفيدة من الحالة الموجودة.
إن استخدام مصطلح تطوير- من وجهة نظري- لمعالجة الاختلالات الكبيرة التي أصابت التعليم في الأردن هو استخدام تجميلي يهدف إلى أمرين:
الأمر الأول هو إخفاء كمّ العطب الهائل في المنظومة التعليمية برمتها بدءا من رياض الأطفال ووصولا إلى الدراسات العليا في الجامعات الرسمية والخاصة، وهذا الهدف يتم تبنيه من الجهات الرسمية المشرفة على تلك المنظومة لإظهار أن الخلل بسيط ويمكن التعاطي معه بسهولة ويسر لإخراج المنظومة التعليمية بحُلِّة جديدة تدفع بها إلى الأمام.
والأمر الثاني هو إبقاء المنظومة التعليمية ضمن الأطر الفكرية الحالية – إن جاز التعبير- لإفراغ التطوير الحقيقي من محتواه، وإبقائه دائرا في حلقة التلقين المشابه لتعليم الكتاتيب لمنع أي بوادر تحديثية ترجِّح العقل على النقل، وللإبقاء على حالة التخلف التي يعيشها المجتمع والحرص على استمرارها ضمن هالة برّاقة بحيث يتم نقلها على شكل شهادات علمية ليس لها من العلم إلّا الاسم.
والمصطلحان "تطوير" و "إصلاح"، مصطلحان مخادعان عند الحديث عن التعليم في الأردن: فالأول يوحي بأن التعليم لم يخرج من روح عصره، وأن ما يحتاجه هو المواكبة فقط؛ لأنه ليس بعيدا عن ما تم إنجازه في العالم من قفزات نوعية نشهد مخرجاتها في المنظومات الأكثر تطورا.
أما المصطلح الثاني فهو يشير إلى حالة تراجع أو عطب بسيط يمكن تداركها عبر تنظيم مؤتمرات نخبوية تضع الإصبع على موطن ذلك العطب البسيط للبدء بمرحلة إصلاح ذلك العطب الموجود في جانب من جوانب المنظومة.
الأرجح – من وجهة نظري – هو استخدام عبارة " إعادة بناء التعليم"، لأن التعليم قد وصل إلى حالة من العطب والتردي تستعصي على التطوير أو الإصلاح، فالناظر إلى العالم يلحظ فورا وبدون شرح أننا في ذيل الأمم من الناحية العلمية، ولا تَصلُح منظومتنا التعليمية إلا لتكون مثالا أو شاهدا على حالة التحجر أو التخشب الفكري والثقافي للأمم في عصور ما قبل اختراع الحرف أو اكتشاف المنطق.
من ناحيتي الشكل والمضمون: المنظومة التعليمية بشكل عام منظومة متكاملة تقوم على عدة ركائز:
أولاها البنى التحتية المُعَدّة من أجل استقبال الطلبة والمعلمين فيها؛ وهي تشمل الغرف الصفية والمكتبات والمسارح والمختبرات والمشاغل وقاعات الموسيقى والفنون التشكيلية والحدائق والساحات. وإذا ما وضعنا معيارا لتقييم تلك البنى في الأردن؛ نجدها تفتقر لأدنى المتطلبات التي تقدمها أي دولة تحترم التعليم لمتلقي الخدمة وهو الطالب والقائمون على العملية التعليمية من معلمين وإداريين.
ثاني هذه الركائز هو المعلم المؤهل للتعليم والمتقبل للتطوير المستمر لمعارفه الأكاديمية ومهاراته الفنية ومهارات التواصل مع كافة أطراف العملية التعليمة، والذي يعمل على تفجير طاقات الطلبة العقلية والبدنية تمهيدا لوضعهم في الحياة العملية؛ ليكونوا مؤهلين معرفيا وأكاديميا ونفسيا لمواكبة أي تطور علمي أو تكنولوجي في بيئتهم المحلية أو عالميا.
ثالثة هذه الركائز هي المنهاج المبني على العقل والحوار والشك والتساؤل المستمر بعيدا عن المُسلّمات الساذجة التي تبقي الطالب ضمن منظومة مغلقة تقود إلى مزيد من التخلف والدوران في دوائره اللانهائية. والمنهاج اللائق بالعصر هو الذي تتساوى فيه المعارف النظرية من جهة والتطبيق العملي من جهة أخرى بحيث يخلق إنسانا متحركا لا جامدا، فالتعليم القائم على التساؤل والشك هو الذي يقود إلى مزيد من التساؤل والبحث، وهو الكفيل بخلق جيل متوازن مندمج في عصره وعالمه.
وعند النظر المُدقِق نجد أننا أبعد ما نكون عن "المنظومة التعليمية" السليمة في العالم المحيط بنا.
ما المطلوب لتطوير التعليم؟
أولا: يجب البدء بوضع خطط شاملة تعيد النظر في البنى التحتية الموجودة حاليا، فبعضها متهالكة وآيلة للسقوط ولا تصلح لأن تكون أماكن لاستقبال إنسان نعول عليه ليكون منتجا في المستقبل. كما أن الجديد منها لا يُفعِّل المرافق المدرسية المكمِّلة للغرفة الصفية، مثل المكتبات والمختبرات ....إلخ. إن الجانب التطبيقي هو الذي يجعل من العملية التعليمية التعلمية فعلا جاذبا ممتعا، وهو الكفيل بإطلاق طاقات الطلبة العقلية والبدنية وغير ذلك تبقى المدارس كتاتيب ذات جدران وسقوف فقط لا غير. ويجب كذلك التركيز على الدور المجتمعي الريادي للمدرسة المتفاعلة مع مجتمعها، فهي تقوم بتنمية شخصيات الطلبة إبداعيا وتضع المعلم قائدا ثقافيا محركا للتغيير الإيجابي الفاعل.
ثانيا: البدء الفوري بإعادة النظر في المناهج بحيث تكون ذات أساس علمي منطقي متدرج حسب الفئات العمرية، تطلق روح المبادرة والتفكير بعيدا عن تلقين المسلّمات الميتافيزيقية التي لم نجنِ منها سوى القصور العقلي والتخلف. على أن تتضمن تلك المناهج إطلاق روح الإبداع الفردية وتكريس العمل ضمن فريق للإنجاز، وأن تكون مواكبة لآخر ما تم التوصل إليه في الجانبين النظري والتكنولوجي في العالم، ويجب ألّا يغفل واضعوا المناهج عما يجعل الطالب والمعلم مساهمين في تطوير وتحديث العلوم التي بين أيديهم بحيث لا يبقيا مستهلكين وحسب، وبعبارة أخرى نحن بحاجة إلى تعليم منتج لا تعليم مُستَهلِك. كما أن عليهم ألا يُغفلوا مسألة التناقضات التي تحتويها المناهج الحالية من مثل التعارض بين التفسير العلمي للظواهر والتفسير الميتافيزيقي، والذي يخلق شخصية فصامية متضادة في الفرد المتعلم. وكذلك التركيز على الحوار الهادئ بعيدا عن ردات الفعل العنفية. فبالحوار العقلي يمكن التوصل لحلول للمشاكل وغير ذلك يكون عملنا حراثة في ماء.
ثالثا: بعد إعادة بناء المناهج يجب البدء فورا - أو بمسار متلازم - بعملية تأهيل المعلم الذي سيقود هذه الثورة في الميدان؛ فالمعلم المؤهل علميا والمؤمن بالعقل والحوار أساسا للتعلم والحريص على تطوير ذاته أكاديميا وتكنولوجيا سيكون هو القائد الميداني للثورة التعليمية في المجتمع، وسيعود له دوره الريادي في المجتمع كقائد للتطوير والتغيير الاجتماعي والثقافي. إن التركيز على المعلم المؤهل هو روح التثوير لأنه سيكون المسؤول عن المُنتج التعليمي الذي سيقود مستقبل أي أمة؛ فهو القادر على اكتشاف ميول الطلبة وتنمية قدراتهم الإبداعية وتوجيههم للإبداع في المجالات التي يميلون إليها.
لقد ثبت أن التعليم وحده بعيدا عن التغيير الهادئ والمتزن للمنظومة الثقافية للمجتمع، لم يُنتج أي تطور، وبالتالي يجب أن يكون المعلم مقتنعا بما يقوم به وبخاصة في مجال التطوير العقلي حتى نحصل على مُنتج صالح لإدخالنا في زمان عصرنا.
من المسؤول عن هذه العملية؟
إن هذه المهمة الكبيرة تشبه إلى حد ما السلسلة المترابطة؛ فالمسؤولية لا تقع على جهة بعينها، إنما هي مشتركة بين العديد من الجهات:
1- الجهات الرسمية المتمثلة بوزارة التربية والتعليم، فالمفروض في الوزارة كونها صاحبة الولاية القانونية، أن يكون لديها برامج وخطط تطويرية لمتابعة مسألة تحديث وتطوير المنظومة التعليمية، وأن ترصد لذلك موازنات تدفع بالتحديث إلى الأمام، وأن يكون قرار التطوير المستمر قرارا مؤسسيا لا مزاجيا فرديا بحيث نعود إلى المربع الأول بعد كل تعديل وزاري.
2- مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة بالنقابات وعلى رأسها نقابة المعلمين المعني الأول بالتحديث والمواكبة والجامعات والمراكز البحثية والأندية والجمعيات؛ فكل هذه المؤسسات معنية بالتعليم؛ لأن قادتها المستقبليين سيكونون من نواتج المؤسسات التعليمية.
3- البرلمان والأحزاب: للبرلمان والأحزاب دور تشريعي ورقابي مباشر عبر البرلمان أو غير مباشر عبر الأحزاب وأذرعها الشعبية لممارسة الضغوط على السلطة التنفذية للدفع باتجاه التطوير المستمر ومواكبة العصر.
معوقات المشروع.
كما في كل المشاريع التنويرية والإصلاحية هناك قوي شد عكسي أو حرس قديم يحاول بشتى الطرق عرقلة أي محاولة جادة للتغيير أو تمييعها أو إفراغها من محتواها، وعند الحديث عن تحديث المنظومة التعليمية يبرز سؤال مهم وهو: هل الطرف الأقوى في المعادلة – الطرف الرسمي – معني بتطوير التعليم تطويرا حقيقيا ضمن رؤية وطنية هدفها الأسمى خلق فرد مبدع مبادر قادر على مواجهة العصر معرفيا ونفسيا ومهنيا؟ إنّ المؤسسة الرسمية هي القادرة على البدء بعملية التحديث وهي القادرة وبكل أدواتها الرسمية والمجتمعية على إقناع الجميع بجدوى التحديث والتطوير إن أرادت ذلك؛ لكن هل ستقبل طوعا بالمبادرة لتطوير حقيقي إن تعارض ذلك مع مصالح مراكز النفوذ والقوى فيها؟
إضافة إلى المؤسسة الرسمية هناك مؤسسات تقليدية محافظة لن تتوانى عن وضع العراقيل أمام أي مشروع تحديثي، وهي قوية بما يكفي للقيام بالكثير من المنع أو التعطيل إن رأت أن ذلك المشروع قد يطيح بمكتسباتها وامتيازاتها على المدى المتوسط أو البعيد، وأهم هذه المؤسسات هي المجتمعية المتمثلة بالعشائرية والسياسية المتمثلة بحركات الإسلام السياسي؛ فهي ستتحالف دون أدنى تردد ضد المشروع مع الجهات الرسمية إن رأت أن المؤسسة الرسمية غير جادة أو غير راغبة في السير نحو تحديث حقيقي للمنظومة التربوية؛ فهذه الجهات تستطيع تثوير المجتمع ضد هذا التحديث، وبالتالي تضع القائمين على المشروع أمام مواجهة متعددة الأطراف لا قبل لهم بمواجهتها.
آخر هذه المعيقات هي الموازنات المالية اللازمة لإنجاز المشروع، وقد تلجأ الجهات الرسمية إلى حجة عدم توفر الموازنات بسبب المديونية التي تثقل كاهل الموازنات الحكومية والتي تتضخم عاما بعد عام، أو قد يُضطر القائمون على المشروع إلى القبول- مع الجهات الرسمية – بمنح أو قروض محكومة بأجندات سياسية قد لا توصلنا إلى الهدف النهائي وهو التعليم المُنتِج.
إن من واجب مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها نقابة معلمين قوية مُمَكنة البدء بإطلاق المشروع ضمن رؤية واضحة تتشارك فيها مع كل المعنيين من خبراء وأكاديميين وفاعلين مجتمعيين، لتكون البداية قوية نضمن معها السير بالمشروع لأبعد مدى ممكن.
فتح كساب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط