الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صرخة متألم

جميل حسين عبدالله

2018 / 1 / 20
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


صرخة متألم
بعد إخبار الطبيب لي بأن زوجتي تحتاج إلى ترويض مستمر، وأن ذلك لا يمكن أن نجد عيادته إلا في مدينة الدار البيضاء، وهو غالي التكلفة، كتب هذه الصرخة، وأوجها إلى كل إنسان في الكون، ومهما كانت ديانته، أو ثقافته.
أجوب الدروب بحثا عن كوة ينفذ منها نور إلى قلبي، وأتوه ساعات بين مشي يجر ذاتي إلى قصود غير واضحة، وفكر مشتت بين متاهات غامضة، ولا أدري إلى أين المسير.؟ وما هو المصير.؟ شيء ما هو متعب لي، لا يفارقني تفكيره، ولا يصارمني تدبيره، ومهما سعيت إلى أن أنسى سواده، وأزيح عني غلالته. وكيف لي أن أنساه، وقد بترت سيقاني الممتدة إلى الرياح العاتية، ولم يبق لي إلا رأس محمول على كتف نخرته الأمراض الفاتكة، والأعراض الفاسدة.
قد يكون صوتي حزينا عند من امتلك في روحه نغمة السماء، أو عند من جارى ناموس الأخلاق بصفاء، لكن، من سيمنحني جَناحه الفسيح بآيات الكمال، لكي أشعر في شقائي بعطفه، وحدبه.؟ فالأبواب مغلقة، والأقفال صدئة، والنفوس تحن إلى عبادة ما يبرق من عين عجل السامري، والعقول خربها طول الأمد المتمدد على فروة الأماني الكسيرة، والقلوب هزمها الانكسار بين وديان الطلب، والجلب.
هنا، وفي واقع فقد بوصلته، وفي وضع ضاعت وجهته، لم أجدني إلا فسيلة بين مسام صحراء قاحلة، لا تغريها وحدتها، فتشعر بأن كامن سعادتها في خمود غربتها، ولا تطربها ألحان فؤادها، فتسمعها من أفواه ابتلعت سر الإنسان، وقدسية وجوده الأمثل، لكي يبقى هجينا بين ديار يلفها الكمد، ويهدها البدد، ولا ينعشها ما تلبسه من إزار يغطي وجهها القبيح لونه، والبغيض سنخه، ويكشف عورتها في أسواق النخاسة، ومتاجر الوضاعة.
شيء يتلف الكيان المحتدم بنوازع النزاع، ويهدد حقول الذات المتعاركة مع جنود الإخفاق، ويوقف قدمي عند منعرج يجرني إلى نيران استعرت بنزوة الاستسلام لغارات الزوال، وحروب الفناء، لأنني لم أدرك في حياتي شيئا يمكن لي أن أتشبث به بين هزائم يومي، وأستوثق منه في حصر رغبات غدي، وأجعله دليلا على وصل العلة برجائها المأمول به برئُها، والمرغوب شفاءها، فيكون ذلك نفَسا في روح تاهت حول الحمى، فلم تر إلا مراما يشد عضد الأمنيات إلى الحضيض، ويقط حبل الوصل بخدع الإنسان، وغدر الزمان، وخيانة المكان.
فالإخوان، وهم من طينة وجدت من بؤبؤها، وتفرعت من جؤجؤها، لم يكونوا أشقاء لي بالحظ الوافر، بل جئت الحضن كزهرة تائهة بين ضفتي إخوان للأب، وإخوان للأم، وهما مجبران بحكم التنشئة على حفر خندق البعاد، وطمس معالم الوداد. وأنا في البداية، والنهاية، لست إلا غريب المولد، ووحيد المورد، وبعيد الدار، وقريب الغار. كلا، بل من فجع الزمن أن ما اشتركناه من صلات، وما التقطناه من هبات، لم يكن رسمه جامعا لنا على قصد واحد، فيدفع بنا إلى طي مسافات الأحقاد، ونشر لواء الرحمات، وإنما كان لما بيننا مفرقا، ولما عندنا مشتتا، وهو الهين في العطاء، واللين في الوفاء. وأنى له أن يزول عنه أثر التاريخ الذي غرس الضغائن بين الضرات، واللدات.!
والأصدقاء، وهم قلة، قد كانوا بالأمس ناصحين، وفي اليوم صاروا عاجزين، إذ الأفق الذي يريح الذوات مسود، والفضاء الذي نحلق في صفائه مربد، وهم ما بين حسرة، وحيرة، أو ما بين أنين، وحنين. وأنى لهم أن يرتقوا مراتب هذا الدرج القلقة، فيستخبروا عن الذات التي دفنت تحت صقيع المدن المطلية بالبؤس، والضياع، وكأنها في هوج صراخها، أو في هوس ندائها، لا تحاكي إلا ما انطوى عليه الباطن من علل الأيام، وحيل الأنام.! ولو فعلوا، فبأي حبل سيصلون به ما انقطع من حبالي، وأنا غريق بين برك آسنة، تشرق عليها الشمس باكية، وتروح عنها عابسة، وكأنها تعاند ما نزل على الأحجار والأشجار من لؤم، وشؤم.؟ لو فعلوا، فماذا يفيدني أن أكون عالة على فتات مخضرم النيات، وقد كنت بالأمس شاهرا سيف الإباء.؟ لكن، ماذا أطيق، وأنا شلو ممزق الأحشاء، وممزع الأوصال.؟
والواقع الذي يدبرنا بآلامه الجائرة، هو عينه الذي يدبرهم بأوضار طلائعه الشاحبة، وما ننتظره من خزي الطالع، ونحس القادم، هو الذي ينتظرونه بحذر، ووجل. وأنى لهم أن يكونوا بلسما في حياتي، وترياقا لعلتي، وهم لا يملكون يدا طويلة يمدونها إلى مكامن الجراح، فيفقئون عين ما تراكم في جوفها من قيح، وما تكون في قعرها من فحيح. وإذ ذاك، يحق لي أن أتعالى بما أسبلوا من إزار على نبع مأساتي، فيصير صوتهم شفاء لأورام نتآلف حولها بالسوية، وهي كل سبب يشلنا باسوداد الأمل بين ميادين غادرها بهاءها، ونقاءها، وصارت حكاية تحكى على الأطلال، والخراب.
والمتعاطفون معي بقلوب مشفقة، وهم كل إنسان عرفت صدقه من نبله، وعفته من عطفه، قد حال بيني وبينهم ما فقدته بما أبرم من قرار لم يرحم خمسا وعشرين سنة مضت في سبيل التضحية بالفتوة، والصولة. فلو ساعدوني ليوم، أو ليومين، فماذا يمكنهم أن يفعلوا مع ما يتواتر في سوحي من حروب الأمراض، وغارات الأوجاع، وأنا بعيد عن الدارة، ومتناء عن الهالة، وليس بيننا إلا ما يربطنا من سمعة كانت محل قبول في لحظة من اللحظات.؟ فهل ستكون كما هي فيما يأتي به عجز الحظ، وغباء القرار.؟
هذا القرار الذي نزلت صاعقته علي، هو هادم لكياني، ولأسرتي، ولأحلامي، ومن شدة ضغطه، تركني في غابة العوز صريعا، أواجه عللا عظيمة، وأرزاء جسيمة، فأنا أعاني من مرض مزمن، وزوجتي صارت بأثر الصدمة بين أمرين اثنين: إما علاج لازم، ولازب، وهو مكلف من الناحية المادية، وإما انتظار لمعجزة تأتي من عالم السماء، لتزيل هذا المرض المسمى مينيير، وهو إعاقة مزمنة، تؤدي إلى نوبات هبوط شديدة، ومفاجئة، تنتهي بسقوط المريض بدون إشعار، وفقدانه للوعي بغشيان كثيف يلف عقله، وابني مصاب بنوبة صرع مزمنة، وقد انقطع عن تناول دواء "ديباكين"، لظروف حدثت، وأوزار ألمت.
كل هذه العلل، وهي خطوب، وكروب، وندوب، وما تبعها من تكاليف الكراء، وغلاء الأسعار، وتأزم الأوضاع المعيشية، وضيق الأفق في كل مجالات الحياة، لا يضع قدمي إلا على حافة النهاية، وهي موشكة الحدوث، وقريبة الحضور، لأنني لست مطمئنا إلى ذلك المستقبل الذي يغرد به كل عصفور جذلان، ولا منتظرا لشيء يطيق أن يحول الحال إلى حال أخرى، لأن ما سببه المرض، والدنف، هو أزمة "الكل" مع المشفيات الشاحبة، وزفير الجميع المتعاوي مع أوضاعها البائسة، وما سببه ضيق الحال، والتوقف عن العمل، وهبوط المرض، وانعدام مورد الرزق، فهو أزمة اجتماعية، وإنسانية، أشارك فيها كل المتأزمين بأوضاع الإمبريالية المتوحشة، والمتألمين بسعار الأنانيات الجشعة. وهنا فقدنا جزءا من الكينونة، وهي المحددة لآليات الحركة، والموجهة للجهد المبذول من أجل تحسين الوضعية المردية، أو التخفيف من آلامها المضنية، لأن ما هو حادث اليوم، لم يأتنا في لحظة كنا نملك في الكيس مزيدا من الطاقة المسعفة على مجابهته، ومواجهته، بل جاءنا حين ثقل الحمل، وضعف التحمل، وغادرتنا بهجة الحياة الباسمة، ونغمة الآمال الحانية. وما تبقى فينا من عظام نخرها سوس الحزن، فهو في حقيقة الأمر، يجب أن يكون متمتعا بالحصيد، ومنتشيا بالرصيد. لكن حين فصلوني عن تاريخي العتيد، وغمسوني في عفن التشريد، لم أعثر بين يدي إلا على أحلام زائلة، وأوهام قاتلة. فما أغباني حين ظننت أنني كنت في مسيري كيانا حر الطبيعة، ومستقل الحقيقة، كلا، بل ما كنت إلا آلة صماء، وأداة بكماء، وما زلت وإلى لحظتي صرخة عجماء، لأني، وغيري، وكل البائسين في كون وجدوا عليه للاستمتاع، والاستطلاع، لن نجد أذنا واعية، تصغي إلى ما يتهامس في عمقنا من بكاء، ورثاء، وإذا وجدناها، فلا محالة، سنحس بأن ما فقدناه، لم يكن إلا جميلا في يد من سلبه منا بعدما أعطاه.
فلا عجب إذا وجدت هذه الأفكار التي غنينا بها زمنا طويلا سبة، وهذه الأنظار التي أرخيناها في المدى المظلم عارا، وهذه الآراء التي نافحنا لأجل استمرارها شنارا، وهذه المواقف التي ضحينا في سبيلها نشازا. فهل يمكن لأولئك الذين أوقفوني عن الشغل، وهم يدبرون المحال، ويراهنون على تسيير اليومي الذي يخشون أن ينفجر منه ما يربك السير، ويعطل المصير، أن يحسوا بهذه الأزمة التي أحدثوها في حياتي، وهم لا يبرحون مكيفات مكاتبهم إلا للاستجمام على أسرة العاج، والذهب.؟
لا، وألف لا، لأن هؤلاء، ومهما أظهروا أنهم طبقوا القانون الذي يحمي الدائرة، فإنهم قد غابوا عما يحمله فحوى القرار من مأساة إنسانية، لأنهم في صريح ما يقولون، يزفون إلينا خبر انتهاء زمن الفواصل والفوارق الاجتماعية. فهم وإن أبانوا عن نزاهة القرار الذي أصدروه بلا اعتبار لما يسببه من دمار لشخص لا يملك مورد رزق سوى ما يتقنه من ضروب الخطاب، وأفانين الكلام، فإنهم لم يكتشفوا أننا لم نكن إلا ضحايا لتخبط تعيشه الحقيقة في ظل الأوضاع المتأزمة الفكر، والغاية، ومخدوعين بكلمات معسولة، لا تستلهم من الإنسان إلا ما يتقوى به من مادته الصلدة، إذ الغاية من قربه، هو ما ينزف به من قوة باطشة، هي المرادة في المقاصد الملتزمة بالحشد، وجنون اللحظة.
أجل، قد أنهوا حياتي بما أبرموه من سبب المأساة الكأداء، ودفنوني حيا بين رماد النسيان، وهم في نزوة القوة أقدر على فعل ما هو أكثر حرجا مما اجترحوه في سبيلي، واقترفوه في حق من وصمته الأقدار بشنار التخطئة، ولم يستكنه طالب طعنه ما وراءه من دوافع كانت أملا في انحسار المراد عن الرغبة القديمة، لكنهم لو قطعوا وريد الروح، وفصلوا الرأس عن الجسد، ومزقزني إربا، إربا، وقبروني حقيقة، لكان أرحم بذاتي، وألطف بأسرتي، إذ لا أملك قوة أواجه بها هذا الغد الذي يطل علي من مستشرفات الخراب، وكأنه يتهددني، ويتوعدني، وأنا لا أملك في قاعي ما يعيده سويا، لاسيما وأنهم قد بتروا حبل وصالي به، ونسفوا قلاع أملي، وبطشوا بما أفنيت في طريقة زهرة عمري، وحرموني مما أذهب ملحة وجهي، وغضارة كبدي، وجعلوا نواله في حقي ممنوعا، ومحظورا.؟
أجل، قد فقدت حقيقتي الذي كنت موصوفا بها، وضاع معها كل رجاء راودني في زمن الانتشاء بالانتساب، والانتماء. فأنى لي أن أكون في يوم ما سعيدا بما حصل، وقد أودى بي المرض، والفقر، والألم، والحزن.؟ أليس من لؤم الزمن أن تنفصل عما رضعت ثديه، وصار لك فيه حظ، ونصيب.؟ ألم يكن حريا بهؤلاء أن لا يقطعوا شطن الوصال، ولو أبلاه تكالب الإرادات النيئة عليه، لئلا نمتشق العناء بين الدروب السوداء.؟ فهنيئا لإخواني الذين ينتظرون شتاتي، وهنيئا لأعدائي الذين يترجون زوالي، وهنيئا لكل من أراد أن أكون عبرة لغيري، لئلا يشمخ أنف لحر في يوم من الأيام، فيظن أنه قادر على فعل شيء، وما هو بفاعله، ما دام ما يأكله على خوانه، أو ما يشربه من نميره، لا قوة له على جعله ملكا له بالوراثة. وهنيئا، هنيئا، وتحياتي.
هذا ندائي الإنساني
صرخة إلى كل الفضلاء والفضليات في الكون الإنساني
هذه صور الكشوفات التي أجريتها ليلة أمس لزوجتي، بعد غيبوبتها عن الوعي بسبب ارتفاع في الضغط الدموي، وقبل أن نكتشف بأن مرضها هو "مينيير". (والصور كلها موجودة بصفحتي التي تحمل اسمي) والأغرب أننا ما زلنا وإلى هذه اللحظة الآسرة لنا بغلوها، وعنفها، لم نعثر على علة ضررها، ولا دواء لمرضها، وها نحن اليوم، الجمعة 5- 1- 20018 سنتحول بين الأطباء، بحثا عن علاجها. أليس هذا مؤلما لإنسان فقد وظيفته بتوقيع لم يراع أدبيات الزجر، والتوبيخ، والتأديب، وصار شلوا ممزعا بين دهاليز المشفيات، وبدون تأمين صحي، أو مساعدة طبية تسعفه بحقه في العيش الكريم.؟ ألم يفكر هؤلاء الذين وقعوا على قرار إعفائي أنهم صنعوا مأساة إنسان، وهم في قصارى الجهد مطالبون بأن يكونوا بلسما وترياقا في حياة الذين خدموا مشروعها لسنوات طوال.؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعترضتها شرطة الأخلاق.. امرأة تفقد وعيها وتنهار خارج محطة مت


.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب




.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة


.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات




.. المحتجة إلهام ريدان