الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثليين بين الإضطهاد التاريخي وعُقم النظرة *الأخلاقية* :

معتز نادر

2018 / 1 / 20
حقوق مثليي الجنس


مما لا شك فيه أن النظرة الأوروبية الحكومية للمثليين وتوصيفهم الرسمي في سياق تطورحركة المجتمعات الإنسانية والأنظمة السياسية -قد أخذ منحى تقدميّا من حيث منح أصحاب الميول الجنسية لغير جنسهم حقوق تسهل عليهم الإستمرار في عيشهم وفق ميولهم الجنسية وقد تُرجم هذا فعليّا بالسماح لهم في الكثير من دول أوروبا بممارسة حياتهم الطبيعية من خلال السماح لهم بالزواج الرسمي، الأمر الذي يعد بعيد كل البعد عن ذهنية الإنسان الشرقي عموما والعربي خصوصا الرافض لأي شكل من أشكال إنخراط المثليين بحركة المجتمع مما سيؤدي حسب إعتقاد هذا المجتمع إلى إنهيار منظومة القيم الاخلاقية القائمة وبالتالي التأثيرعلى الجنوح النفسي للأجيال الناشئة ، ولست هنا بصدد تقييم النظرة الشرقية للمثليين بقدر محاولة فهم هذا الإختلاف النفسي بطريقة صبورة وأكثر تفهما
عمليا حتى أوروبا نفسها لم تتخلص من إرث رفض المثليين في مجتمعاتها إلا في الأونة الأخيرة على المستوى الرسمي (العشر سنوات الأخيرة) في فرنسا والمانيا وسويسرا وبريطانيا والبرتغال ودول أخرى لاتينية كالأرجنتين والبرازيل عبر سن قوانين يمنحهم حيز من الحرية إذ لم يعد من المخجل قانونيا إشهار المرء للعلن بأنه مثليّ ولو أنه لم يتم حسم المسألة تماما على الصعيد الإجتماعي وإنما على نطاق واسع ، إذ لا زالت فئات بالمجتمعات الأوروبية ترفض إنخراطهم بالحياة الرسمية كمنحهم وظائف أو جعلهم متساوون مع الأشخاص الطبيعين جنسيا من حيث الحقوق، وإذا ما أردنا التطرق للمثلية على إعتبار أنها حقيقة واقعة بكل دول ومناطق العالم وبنسب مختلفة تعود لإمكانية جواز ظهورها للعلن أو بقاءها متخفية في الظل بسبب الخوف من نبذ المجتمع وإضطهاده -فسنجد أنفسنا أمام رفض مجتمعي ممنهج من ناحية ، ومن ناحية اخرى سيتبدى لنا سوء فهم لمعنى المثلية والتي تختلف عن حالات الإنحراف الجنسي كحالة المخنثين أو ممارسة الجنس العشوائي مع القاصرين والتي تعد إنتهاكا صارخاً للقانون ،
إذ ينظر الكثيرون في العالم العربي والشرق الأوسط عموما للمثليين وهذه النظرة مغلوطة من الناحية العلمية والحياتية بأنهم مجردون من القيم والأخلاق والحواجز الذاتية - فيما يؤكد إختصاصيون نفسيون غربيين بأن الدافع النفسي للسلوك المثلي هو فيزيولوجي وليس مكتسب وهذا سبب رئيسي لتوقف العيادات النفسية بأوروبا الغربية تحديدا ومنذ سنوات عن محاولة علاج اشخاص مثليين وسط قناعة بأن هذا الأمرغير قابل للعلاج النفسي وبالتالي يجب تقبل وجود مثل هذه الحالات بالمجتمع وتأمين مناخ خاص لهم يمنحهم حرية الإختلاط فيما بينهم والنظر إليهم بطريقة تفصل سلوكهم المهني والإبداعي عن طبيعتهم النفسية التي لاذنب لهم فيها بطبيعة الحال وهذا ما تبنّته الحكومات الغربية ومازال يرفضه العالم العربي والشرق أوسطي وغالبية دول أسيا وإفريقيا حكومات وشعوبا على إختلاف مستوياتهم الثقافية
ولأن من المبالغة التحدث في العالم العربي عن حقوق المثليين لسبب جوهري ورئيسي مفاده أن المجتمعات العربية تعاني عموما من أزمة حقوق إنسان شاملة يعاني منها * الشخص المثلي والعادي على حد سواء* بسبب تداعيات الظروف السياسية والأمنية التي تحيق بالمنطقة العربية بأسرها ، ومع ذلك ربما سيكون من الإيجابي التطرق لموضوع المثلية من جانبه الواقعي الموجود في الحياة .
أما إذا ما أردنا التحدث من الناحية التاريخية فإننا سنجد أشخاصا أَثَرُوا مجتمعاتهم بقيم مهمة ومفصلية بينما كانوا مختلفي الميول، إذ يبدو من المفاجئ للوهلة الاولى أن نعلم بأن الموسيقار العالمي الشهير( بيترتشايكوفسكي) صاحب باليه بحيرة البجع وكسّارة البندق كان مثليّ الجنس وهذا ما جعله يواجه مشاكل مجتمعية عديدة - ولمّا أصبح مراهقا أدرك تشايكوفسكي ميوله الحصري تجاه صديقه الشاعر اليكسي إبووتكيني
وفي عام 1877 تعرف تشايكوفسكي على أنتونينا ايفانوفا ميليوكوفا وتزوجها، ولكن النتيجة كانت كارثية لأنه شعر بنفور عميق تجاهها
في حالة اخرى من المؤكد أن عالم الرياضيات وعبقري الحاسوب البريطاني ألان تورنغ كان مثلي الجنس ومات منتحرا في سن41 سنة 1954بسبب رفض المجتمع البريطاني له ولأن المثلية كانت تعتبر مرضا نفسيا في حينها في إنكلترا
أما عن مبدعي العصر في القرن العشرين فقد جاهر المخرج السينمائي الإيطالي المعروف لوتشينو فيسكونتي (1906 -1976) صاحب فيلم الموت في البندقية – الفهد – روكو وإخوته وغيرها من الروائع السينمائية بمثليته الجنسية
ومؤخرا وبسبب الإنفتاح على مسألة المثليين إعترف الممثل الأمريكي -كيفن سبيسي- أخيرا بميوله الجنسية المثلية الأمر الذي عرضة لإنتقاد شديد من معجبيه على صفحات التواصل الإجتماعي ونفور الكثير من شركات الإنتاج السينمائي منه حسب ما أفادت التقارير المتعلقة بكيفن
و عدم إعتراف سبيسي بمثليته لسنوات طويلة يؤكد خوفه من رفض المجتمع له وبالتالي تدنّي مكانته لدى محبيه
في حقيقة الأمر أن مثل النماذج السالفة المبدعة وإرتباطها بالمثليّة تضعنا أمام تساؤل ضخم وبديهي حول طبيعية الإختلاف النفسي ومستوى علاقته بعملية الإبداع عندما يتعلق الأمر بالاشخاص النوعيين والمختلفين مقارنة بالأناس التقليديين
بالنسبة لي ومن خلال مناقشات مع الأصدقاء والمعارف -أرى أن أرضية طبيعة الإنسان النفسية قريبة جنسياً من أحاسيس مزدوجي الجنس في حدها الأدنى والتي يعمل الكثير من الناس في كافة المجتمعات على إخفائها من دون أن أقصد هنا أنه يجب ان يُطلق عليهم صفة مثلييّن- .
وما أعنيه هنا أن مشاعر الجنوح النفسي الجنسي الغير إعتيادية موجودة في نفس أي كائن بشري ومن المحتمل أن تظهر في لحظات كَبت معينة أو في لحظات أخرى تعانق شرخ نفسي معين ، أدرك أن هذا موضوع أخر لكنه يحاكي ما نتحدث عنه .
بالمحصلة الشخص الِمثلي هو شخص يعيش بيننا ونشترك معه بالعديد من التفاصيل النفسية والعصبية أي أنه ليس كائن من كوكب أخر
حياتيّا ووجوديّا هو ليس مختلف عنّا، إننا نقابل الكثير من الأشخاص في العمل والشارع دون أن نعرف أنهم مثليو الجنس فلماذا نرفضهم بحسمًٍ وكره عندما نعرف بأنهم مثليون ، وبالتالي يجب على الوعي الإنساني المعاصر الفصل كليّا والإبتعاد عن الإسقاط الديني- الأخلاقي لمشاكل السلوك النفسي والنظر إليه من منظار مختلف يواكب حق أي إنسان على كوكب الأرض بالتعبير والعيش عن ذاتيته طالما لا يؤذي الأخرين .
**********.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا