الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة الآن: البؤس الاقتصادي والإفقار

مازن صلاح العجلة

2018 / 1 / 21
الادارة و الاقتصاد


لم تعد المصطلحات الاقتصادية قادرة على تقديم وصف دقيق لحالة التردي الاقتصادي في قطاع غزة، لذلك استخدمنا كلمة البؤس الاقتصادي فهي تجمع بين شدة الفقر والبلاء والمشقة ونفاذ القدرة على التحمل واشتداد الحاجة. ورغم أن البؤس الاقتصادي العميق قد أنهى العام 2017 بحالة شديدة من الركود الاقتصادي أودى بالقليل الذي تبقى لدى الأُسر والتجار من إمكانيات للتكيف مع التردي المتواصل للنشاط الاقتصادي، إلا أن هذا العام وُلد من رحم سابقهِ وهو يحمل تركة ثقيلة من تراكم الهموم والقهر الاقتصادي والاجتماعي كخلاصة لعقد أسود ضاعت فيه جهود التنمية السابقة فضلا عن سُبل العيش وكرامة الناس.
لقد قامت منظومتي الحصار والانقسام معاً، إضافة لثلاث اعتداءات عسكرية اسرائيلية مدمرة، بعملية منظمة ومتتالية لإفقار القطاعات الرئيسية في الاقتصاد.، وخاصة القطاع العائلي وقطاع الأعمال (القطاع الخاص)، بينما اقتصر دور القطاع الخارجي على توفير واردات استهلاكية لم تؤدِ دورها المأمول في زيادة النمو الاقتصادي في ظل غياب شبه كامل للصادرات. أما القطاع الحكومي والمتمثل بالسلطة الوطنية الفلسطينية فقد اقتصر دوره على تمويل الإنفاق العام دون امتلاك القدرة على وضع السياسات فضلا عن تنفيذها. في الوقت الذي قامت فيه سلطة الامر الواقع بحملة جباية مالية متزايدة ومستمرة حتى تاريخه، رغم أن قدرات المواطنين الذين انهكم الفقر المدقع والإهمال تتآكل جنباً الى جنب مع قطاع الأعمال الذي فقد قدرته، أيضاً، على مواصلة دوره في النشاط الاقتصادي، بل لم يستطع وقف تدهور هذا النشاط.
إفقار القطاع العائلي:
تعتبر البطالة التي توطنت في النسيج الاقتصادي والاجتماعي المدخل الرئيسي للفقر والإفقار، لم يعد سوق العمل بفعل التشوهات الهيكلية قادراً على توليد حتى الحد الادنى من فرص العمل، لذلك زاد عدد المتعطلين من 85 ألف متعطل عام 2007 الاسود الى 250 ألف عاطل عام 2017، بزيادة نسبية قدرها 194%، ناهيك عن أن أكثر من نصف الفئة الأعلى انتاجية ضمن القوى العاملة (الفئة العمرية 18- 34) عاطلون عن العمل. غالباً ما يدخل جموع العاطلين بوابات الفقر المشرعة في غزة، لكن الحديث عن معدل الفقر العام فقط لم يعد مجدياً، فقد بات البؤس أكثر اتساعاً رأسياً وافقياً، حيث حدث حراك اجتماعي خطير داخل كل من الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة وبينهما. مع تراكم عملية الإفقار انتقلت الفئة الدنيا من الطبقة الوسطى (الفئة المعرضة للفقر) والمقدرة بحوالي 10% من عدد السكان تدريجياً الى الطبقة الفقيرة، بالتزامن مع استفحال الفقر بين الأسر الفقيرة نفسها لتبلغ نسبة الأسر التي تعاني من الفقر المدقع والشديد والشديد جداً حوالي 83% من الأسر الفقيرة، والأكثر خطورة ان هناك 53% منهم يعيش تحت خط الفقر المدقع وفقاً لأحوالهم السكنية والتعليمية والصحية. ومن ثم فقد انكمشت الطبقة الوسطى في القطاع الى حوالي 20% فقط من السكان.
وهناك عوامل أخرى ساهمت في عملية الافقار، مثل تراجع مستوى الأُجور النقدية والحقيقية سواء بفعل زيادة العرض من القوى العاملة أو تخفيضا للتكاليف المتزايدة بفعل الحصار وتزايد الجبايات المالية غير القانونية، أو بسبب التضخم أو نتيجة الخصم من الرواتب. والأخطر من ذلك تزايد حجم الديون الاستهلاكية التي لجأت اليها الأسر كآلية لتمويل احتياجاتها الاساسية غالباً. وتشير الاحصاءات أن حوالي 75% من الاسر في غزة تشتري ما يلزمها للمعيشة اليومية بالدين. لقد زاد حجم الدين الخاص للأسر خلال العقد السابق بنسبة 226%، وزادت نسبته الى الناتج المحلي من 16% عام 2007 الى 35% عام 2017. كل ذلك أدى الى تخفيض انفاق الاسر لسداد الديون، ومن ثم تراجع قوتها الشرائية بشكل تراكمي تمهيداً للوصول الى حافة الانفجار بعد أن فقدت القدرة على تدبير الأمور المعيشية لانعدام البدائل امامها، وهي الحالة الراهنة التي يعيشها الناس في غزة الآن.
إفقار قطاع الاعمال:
نعني بهذا التوصيف فقدان هذا القطاع لقدرته على توفير السلع والخدمات وتوفير فرص العمل وتطوير النشاط الانتاجي بالاستثمارات والابتكارات. تراجعت حصة قطاع الاعمال في الناتج المحلي من 83% الى 69% خلال نفس الأعوام المذكورة، وتراجعت قدرته على استيعاب القوى العاملة. وكذلك قدرته على الاستثمار بكل انواعه. منذ الانقسام وما تبعه من حصار وقطاع الاعمال مكبل اليدين فهناك قائمة من السلع الوسيطة والاستثمارية ممنوع من استيرادها بفعل الاحتلال، في نفس الوقت الذي مُنعت فيه الصادرات وبعد تخفيف المنع وصلت فقط الى 15% من مستواها عام 2006. أضف الى ذلك حجم الجبايات المالية الباهظة التي فرضتها حماس طوال العقد السابق في ظل سياسات متضاربة وغامضة هدفها الجباية فقط. وتزايَدَ حجم تكاليف الانتاج نتيجة تكاليف الكهرباء البديلة لمواجهة عدم توفر الكهرباء لساعات طويلة، وخلال العام 2017 ونتيجة تراكم أنواع البؤس والقهر جاء التراجع الحاد للقوة الشرائية للقطاع العائلي ليوجه الضربة القاصمة لإمكانية استمرار قطاع الاعمال في الوجود، فلم يعد هناك دورة اقتصادية تكتمل حلقاتها بين القطاعات الرئيسية. إن من أبرز مؤشرات هذا الانهيار زيادة عدد الشيكات الراجعة بعملة الشيكل بنسبة 75% عام 2017 مقارنة بعام 2016. من الأهمية بمكان الإشارة هنا الى تراجع قدرة عنصري الانتاج الرئيسيين وهما رأس المال البشري ورأس المال المادي، الأول بفعل بطالة القوى العاملة التي تطاول عهدها وزاد انتشارها ومن ثم تراجعت المهارات والقدرات، والثاني نتيجة ما لحق به من تدمير جراء الاعتداءات العسكرية الاسرائيلية الثلاث، وضعف قدرة قطاع الاعمال على زيادة الاستثمارات فضلا عن تأهيل وصيانة ما هو موجود.
ماذا أيضاً؟
تعزيزاً لحالة الإفقار، حدث تراجع خطير في حجم المساعدات الخارجية، فقد أوقف برنامج الغذاء العالمي مساعداته لآلاف الاسر من الفقراء غير اللاجئين يوم 25 ديسمبر 2017، وانتهى العام أيضاً بتراجع كبير في حجم المساعدات الموجهة للسلطة لدعم الموازنة بنسبة 26% مقارنة بالعام 2016، الذي شهد بدوره انخفاضاً حاداً فيها، ثم انتهت هذه السلسلة بحجب امريكا لمبلغ 65 مليون دولار من مساعداتها وتجميد 45 مليون دولار اضافية من المساعدات الغذائية للاونروا التي تقدم الرعاية والإغاثة للاجئين الفلسطينيين.
ماذا بعد؟ مناشدة للرئيس
لا بد من كسر هذه الدائرة الخبيثة من حلقات الإفقار في أضعف حلقاتها التي يمكن اختراقها لكي تستأنف الدورة الاقتصادية عملها، وتتمثل هذه الحلقة في زيادة القوة الشرائية، وهو حل فوري للمدى القصير جداً. هذا الأمر يحتاج لإطار سياسي وطني تفتقده غزة. وعليه، فإن وجود السلطة الوطنية الفلسطينية في سدة الحكم في غزة، من خلال وحدة وطنية نافذة، هو الشرط اللازم لهذا الحل، كما كان غيابها هو السبب في تراكم حالة البؤس والافقار. ولا يوجد لديَّ خيارات إلا مناشدة الرئيس ابو مازن الذي هو الملاذ الوحيد والشرعي، للتدخل العاجل لانقاد مواطنيه في القطاع، وعدم تركهم ضحايا لأجندات غير وطنية وتفتقر للنزعة الانسانية.
* جميع الاحصاءات الواردة في المقال من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة النقد الفلسطينية
* باحث ومحاضر في الاقتصاد [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة


.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام




.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با