الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكامة الجيدة من خلال البعد الإقتصادي

نبيل العتاوي/حسن البياضي

2018 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بقلم كل من الطالبان الباحثين في ماستر سوسيولوجيا التنمية المحلية:

نبيل العتاوي/حسن البياضي.

أمام التحولات العالمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في السنوات الأخيرة ، وجدت الدولة المغربية نفسها مدعوة فقط لمتابعة جهودها في مجال التنمية وتطوير التجهيزات الأساسية, ومن ذلك تقوية الإدارة وخصوصا الشق المتعلق باللاتمركز والهيئات التي يتشكل منها، لكي تتحقق تنمية شاملة ومستدامة.
من أجل تحقيق هذا الهدف، وجب على الدولة المغربية القيام بالعديد من الاصلاحات وسن العديد من الاستراتيجيات ، ذلك باتباع سياسة محلية متكاملة وشاملة قوامها اللامركزية، مع مواجهة مختلف الاشكالات التي تعاني منها التنمية والتحديات التي تواجهها.
منذ ما يزيد عن عقد من الزمن أصبح مفهوم الحكامة الجيدة متداولا على الصعيد الدولي، كآلية جديدة لتدبير أنشطة الشأن العام والخاص للدول باعتبارها فاعلا أساسيا في التنمية الاقتصادية من جهة والتنمية السياسية والاجتماعية من جهة أخرى .
ومن هنا فإن الإشكال القائم هو لماذا نجحت هذه الحكامة الجيدة في مجتمعات دون أخرى؟
هذا التساؤل يحيلنا لطرح تساؤلات أخرى وهي:
- ماهي الاكرهات والتحديات التي تواجه النشاط الاقتصادي للدول النامية؟
- ماهي المحددات الأساسية للحكامة الجيدة من أجل إقلاع اقتصادي جيد؟
- كيف استفادت الاقتصاديات العالمية من منطلق التدبير الجيد المؤسس على مفهوم الحكامة الجيدة؟
قبل الخوض في صلب الموضوع لا بد من تقديم عن دواعي استعمال الحكامة الجيدة ومفهوم الحكامة الجيدة من المنظور الاقتصادي.
1:دواعي اللجوء لمقاربة الحكامة الجيدة ؟
مما لا شك فيه أن مصطلح الحكامة الجيدة دخل بقوة في أدبيات قاموس السياسة وأصبح متداولا على ألسنة أصحاب القرار ورجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والادارة،إن على الصعيد الدولي من متحدثين باسم الهيئات والمنظمات الدولية والجهوية والاقليمية،أو على الصعيد الداخلي، مسجللا بذلك نقلة نوعية في الانتشار حيث انتقل من التداول دوليا إلى التداول داخليا.ولعل أول من استعمله بكامل حمولته هو البنك الدولي الذي استعمله كورقة ظغط في مواجهة الدول السائرة في طريق النمو والتي تلتجئ إلى البنك المذكور للحصول على قروض لتمويل برامجها التنموية، إذ كان يفرض عليها تبني سياسات التقويم الهيكلي في مخططاتها الإصلاحية سواء في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإداري ، أملا في ضخ دماء جديدة في مسلسل التنمية الذي تعطل أواخر السبعينيات في معظم الدول السائرة في طريق النمو.
عير أن آثار محدودية الآثار الناجمة عن تطبيق برامج التقويم الهيكلي وتواضع معدلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى تأزم الأوضاع الاجتماعية في الدول السائرة في طريق النمو، كلها عوامل أدت بالبنك المذكور أدت بالبنك المذكورإلى التركيز على عامل جديد اعتبره كمعيق أساسي في وجه انطلاق التنمية، ألا وهو الجانب المؤسساتي المتمثل في إشكالية تطبيق نظام الديمقراطية وغياب الشفافية في التدبير وإصلاح الإدارة ومحاربة ظاهرة الفساد والرشوة، واعتبارا لضعف تأثير تلك المقترحات على انطلاق التنمية، نأى البنك بنفسه عن الخوض في الجانب السياسي للدول المذكورة لسببين رئيسيين:
أولهما يتمثل في التزام الحياد اتجاه الاختيارات السياسية لكل بلد باعتبارها مسألة داخلية تخص كل دولة.
وثانيهما وهو أكثر أهمية ويرجع إلى المقاربة الاقتصادية الضيقة لقضايا التنمية باعتبارها عملية لا دخل للعوامل السوسيوسياسية والثقافية والثأتير عليها.
وهكذا اكتفى خبراؤه بتبني سياسة ليبرالية اقتصادية وآليات السوق الحرة لبلوغ أهداف التنمية.
غير أن التحاليل الميدانية تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الوقائع الملاحظة التي اعتمدت من طرف الخبراء فرضت عليهم إدماج بعض من تلك العوامل ولو بصورة غير منسجمة في تحاليلهم أملا في تجاوز فشل كل الجرعات التي وصفوها للبدان السائرة في طريق النمو للنهوض بأوضاعها المالية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن هذا المنطلق اقترحوا مقاربة جديدة ، ألا وهي الحكامة الجيدة أو الحكم الرشيد انطلاقا من تحديد معايير دقيقة لها وإلزام الدول التي تطلب قروضا منه على التقيد بها وبناءا عليه فالحكامة لكي تؤدي الدور الذي وجدت له فقد حدد الداعون لها مبادئ ومعايير يجب احترامها والالتزام بها في تدبير الشأن العام سواء منه السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو المالي أو الإداري أوغيرها.
لذلك فالحكامة الجيدة في مجتمع من المجتمعات أو دولة من الدول أو مؤسسة أو منظمة حكومية أو غير حكومية تبقى من أهم القضايا الأساسية لإنجاح مشاريع وبرامج وخطط التنمية الشاملة.
2:مفهوم الحكامة الجيدة من المنظور الاقتصادي:
في كل بحث تدعو الضرورة إلى تقديم المفاهيم والمصطلحات لتوضيح مفاتيح عنوان الموضوع وما ترمي إليه حتى يتعرف المتتبع مند البداية على دلالاتها وعمقها. لذلك فخطوة تحديد المفاهيم تكتسي أهمية كبرى في علم الاجتماع لتفادي الوقوع في نسق الأحكام المسبقة والجاهزة، وعليه فمرحلة تحديد المفاهيم المستخدمة في أي موضوع نتناوله هي أمر أساسي، وذلك لضرورتها في تحديد الموضوع والمتطلبات النظرية والمنهجية التي يستخدمها الباحث، كما أنها تمكنه من إيجاد مفاتيح لفهم الموضوع البحث بطريقة سليمة وموضوعية، وفي موضوعنا هذا سنقتصر فقط على مفهوم:
عاود مفهوم الحكامة بالظهور في الحقل الاقتصادي مع رونالد كاوسي سنة 1937، والذي استعمله في مؤلفه "The Nature of the Firm"، مؤكدا فيه على أن الرجوع إلى التنسيق التراتبي له الدور الأساسي في توطيد علاقات التعاون الداخلي للمقاولة، مما يسمح لهذه الأخيرة بأن تصبح أكثر نجاعة بالنسبة للعديد من أنواع التبادل وحيث يعمل السوق على التنويع من تكاليف المعاملات (البحث عن المعلومات المرتبطة بالمنتوجات وخلق التنافس بين الممونين، التفاوض و إبرام العقود، مراقبة الجودة، الافتحاص والتدقيق، المعالجة المحاسباتية، المصاريف المالية...)، وحيث فعالية نظام الحكامة من خلال المساطر الداخلية للمقاولة، تنافسيتها المندمجة مع الرجوع إلى المقاربة السيستمية للسوق.
وبعد أربعين سنة من ذلك، سيحرص ويليام سان على تطوير نظرية "تكلفة المعاملات" التي تعاملت مع مصطلح الحكامة كمجموع ميكانيزمات التنسيق الهادفة إلى تنظيم النظام الداخلي للمقاولة (حكامة المقاولة) ، وكذا تنظيم العلاقة بين المقاولة وشركاؤها القارين (حكامة البنيات)، مما يسمح للعلاقات التعاقدية بالتقليص من حجم تكاليف المعاملات المالية، بما فيها عبئ التنظيم الترابي.

3:الاكراهات والتحديات التي يواجهها النشاط الاقتصادي للدول النامية:
نعلم على أن المجتمع المغربي شهد العديد من الأزمات الاقتصادية والمالية، وذلك راجع لسببين رئيسيين يتعلق أولهما بالإطار التنظيمي الذي يتميز بالتقيد الصارم بقواعد المخاطر التي تنص عليها اتفاقية بازل،بينما يتمحور ثاني الأسباب بضعف اندماج النظام المالي الوطني في النظام المالي العالمي،لاسيما وأن حصة إجمالي أصول البنوك المغربية لا تمثل إلا أقل من 4°/°،كما أن حصة غير المقيمين في رسملة بوصلة القيم،باستثناء المشاركات الاستراتيجيات تقل عن 1,8°/° في نهاية سنة 2007.
أما على المستوى الاقتصاد الحقيقي فقد تأثر بالركود الذي عرفه الشركاء الاقتصاديون الأروبيون وخاصة فرنسا واسبانيا.
وعلى العموم فقد تأثرت أربعة مجالات رئيسية من جراء الأزمة بشكل مباشر هي المبادلات التجارية، النشاط السياحي،تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
في سنة 2009، انخفض حجم التجارة الدولية بنسبة 11,9°/°.وقد أدى انخفاض هذا التطور إلى انخفاض حجم الصادرات المغربية من السلع والخدمات بنسبة 13,1°/°.
أما على المستوى النشاط السياحي، فيبدوا أنه الأقل تأثرا بالأزمة،فبالرغم من الارتفاع الطفيف الذي سجله عدد السياح سنة 2009 بنسبة 2°/°، فقد تراجع عدد المبيتات بمؤسسات الإيواء المصنفة بنسبة 1,4°/° وانخفضت نسبة السياحة بنسبة 5°/° ومع ذلك يظل هذا القطاع أهم مصدر للعملة الصعبة حيث بلغت مداخيله 53 مليار درهم سنة 2009.
أما بشأن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، فقد سجلت خلال الفترة الممتدة بين 2002 و2007، معدل سنوي متوسط بلغ 7,4°/° لتصل إلى 55 مليار درهم سنة 2007.
وقد بدأت هذه التحويلات تتأثر انطلاقا من الفصل الرابع من سنة 2008 بالركود الاقتصادي الذي عرفته أهم البلدان المستقبلة خاصة اسبانيا، فرنسا، ايطاليا.
إجمالا، تراجعت هذه التحويلات بنسبة 3,5°/° سنة 2008 وبنسبة 5,4°/° سنة 2009 مقابل الارتفاع ب15°/° سنة 2007.
أما فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر فيعتبر المغرب أحد أهم مستقطبها في افريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وقد استفاد المغرب خلال سنة 2000 من النمو الملحوظ لتدفقاتها على المستوى العالمي وذلك بفضل وجود إطار مؤسساتي ملائم والاستقرار الماكرو اقتصادي وسياسة تنموية طموحة. لكن الأزمة المالية عكست هذا الاتجاه مما أدى إلى تراجع قوي للاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 26,3°/° سنة 2008،و في نهاية شتنبر 2009 وشمل هذا التراجع أهم الدول المستثمرة في المغرب فرنسا 26,1-°/°،اسبانيا 57,2-°/° المملكة المتحدة 47,1-°/°.
باعتباره مستفيدا من ثلث الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب كان قطاع السياحة الأكثر تضررا من تراجع هذه الاستثمارات.
وإجمالا، فكل هذه الأزمات التي أثرت بشكل كبير على المجال الاقتصادي بمختلف قطاعاته(المبادلات التجارية، السياحة، الاستثمارات الأجنبية، تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج)أثر بشكل كبير على مستوى بنية المجتمع،والأمر راجع إلى غياب رؤية استراتيجية واضحة المعالم تقتضي التدبير المعقلن عوض التدبير العشوائي، بالإضافة ربط المسؤولية بالمحاسبة، والمشاركة الفعالة للمواطنين في هذا المجال،بالإضافة إلى المساواة بين الجنسين التي تعتبر حق إنساني ورهان تنموي،على الرغم من أن النساء يمثلن أكثر من نصف السكان في العالم، إلا أن المعيقات التي تحول دون مشاركتهن في النشاط الاقتصادي، وفي النمو تشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الازدهار المشترك والنمو فضلا عن أن الخسارة الاقتصادية، التي تترتب عن ذلك،والتي تختلف بحسب البلدان، ويمكن أن تصل إلى 27°/° من الناتج الداخلي، وفقا لتقدير صندوق النقد الدولي.
وبالموازاة مع ذلك، فإن الولوج المحدود للنساء إلى مناصب المسؤولية واتخاذ القرار يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي.
أما على الصعيد المقاولات التي تتضمن مجالسها الإدارية أعضاء من النساء، تسجل أداءات مالية جيدة في المتوسط. ومن شأن وجود تمثيلية أكبر للنساء في المجالس الإدارية إلى أن يؤدي إلى استقرار أكبر مقاومة أفضل أمام متطلبات السوق.
لقد كشفت العديد من الدراسات حول التأثير الماكرواقتصادي الناتج عن انعدام المساواة بين النساء والرجال ، عن وجود اختلافات في السلوك المتعلق بالإنفاق والاستهلاك.فالنساء يملن إلى تخصيص نصيب أكبر من موارد الأسرة لتلبية الاحتياجات المنزلية الأساسية(الصحة، التعليم، التغذية، وتطوير إمكانات تأهيل الأبناء، وعلاوة على ذلك، تفضل النساء الادخار والاستثمار في ممتلكات مستدامة(السكن على وجه الخصوص ووسائل الانتاج).
لكن مع الأسف يتضح أن مجتمعاتنا العربية عامة، والمجتمع المغربي خاصة لا تزال تتخلل بنيته الاقتصادية مايسمى بالاقتصاد الريعي الذي يتناقض مع مبدأ المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص.
بالإضافة إلى صعوبة إيجاد صيغ توافقية لإصلاح بعض القطاعات التي لها صلة وطيدة بالاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي للدولة مثل نظام المقاصة.
على العموم فكل هذه الإكراهات هي ما يعيق سير تقدم المجتمعات العربية والبحث عن وضع وطأة قدم مع الدول المتقدمة، وبالتالي فما يتطلب منا هو معرفة محددات ومعاييرالحكامة الجيدة وتطبيقها على أرض الواقع من أجل إقلاع اقتصادي جيد، ولما بناء مشروع مجتمعي متكامل من خلال ما اصطلح عليه بالحكامة الجيدة.
4:المحددات والمعايير الأساسية للحكامة الجيدة من أجل إقلاع اقتصادي جيد:
هناك اتفاق على أن التطبيق الجيد للحكامة يتوقف على مدى توافر ومستوى جودة مجموعتين من المحددات: المحددات الخارجية وتلك الداخلية، ونعرض فيما يلي لهاتين المجموعتين من المحددات بشيء من التفصيل كما يلي:
أ‌- المحددات الخارجية:
وتشير إلى المناخ العام للاستثمار في الدولة، والذي يشمل على سبيل المثال: القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي ( مثل قوانين سوق المال والشركات وتنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والإفلاس )، وكفاءة القطاع المالي ( البنوك وسوق المال ) في توفير التمويل اللازم للمشروعات، ودرجة تنافسية أسواق السلع وعناصر الإنتاج، وكفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية ( هيئة سوق المال والبورصة ) في إحكام الرقابة على الشركات، وذلك فضلا عن بعض المؤسسات ذاتية التنظيم التي تضمن عمل الأسواق بكفاءة ( ومنها على سبيل المثال الجمعيات المهنية التي تضع ميثاق شرف للعاملين في السوق، مثل المراجعين والمحاسبين والمحامين والشركات العاملة في سوق الأوراق المالية وغيرها )، بالإضافة إلى المؤسسات الخاصة للمهن الحرة مثل مكاتب المحاماة والمراجعة والتصنيف الائتماني والاستشارات المالية والاستثمارية. وترجع أهمية المحددات الخارجية إلى أن وجودها يضمن تنفيذ القوانين والقواعد التي تضمن حسن إدارة الشركة، والتي تقلل من التعارض بين العائد الاجتماعي والعائد الخاص.

ب‌- المحددات الداخلية:
وتشير إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل الشركة بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين، والتي يؤدى توافرها من ناحية وتطبيقها من ناحية أخرى إلى تقليل التعارض بين مصالح هذه الأطراف الثلاثة.
وتؤدى الحكامة في النهاية إلى زيادة الثقة في الاقتصاد القومي، وتعميق دور سوق المال، وزيادة قدرته على تعبئة المدخرات ورفع معدلات الاستثمار، والحفاظ على حقوق الأقلية أو صغار المستثمرين. ومن ناحية أخرى، تشجع الحكامة على نمو القطاع الخاص ودعم قدراته التنافسية، وتساعد المشروعات في الحصول على التمويل وتوليد الأرباح، وأخيرا خلق فرص عمل.

أما بالنسبة لمعايير الحكامة الجيدة فقد سعت العديد من الدول المتقدمة اشتراط احترام معايير الحكامة الرشيدة أو الحكامة الديمقراطية لربط تعاملها مع الدول الأخرى،وهناك أمثلة عديدة على أرض الواقع لهذا التوجه في المعاملات الدولية، ذلك أنه غالبا ما تلح الدول المتقدمة على اشتراط تطبيق الحكامة الجيدة على الدول السائرة في طريق النمو إذا أرادت الحصول على مساعدات أو قروض منها أو من المنظمات والمؤسسات المالية المتحكمة في تسييرها.
وعلى سبيل المثال حددت كل جهة معايير للحكامة الجيدة كالتالي:
• معايير البنك الدولي:الاستقرار السياسي،الاحتكام إلى القانون،فعالية الحكومة، التحكيم في الفساد، المحاسبة، طريقة تنظيم الاقتصاد، الشفافية، العدالة، المشاركة،تأمين فرص متساوية للاستفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة.
• برنامج الأمم المتحدة:حكم القانون، المشاركة في اتخاذ القرار، الاستراتيجية بعيدة المدى، حسن الاستجابة.
• معايير منظمة التعاون الاقتصادي:دولة الحق والقانون، حسن إدارة القطاع العام، السيطرة على الفساد، خفض النفقات العسكرية.
• معايير الاتحاد الأروبي:الانفتاح، المشاركة،المسؤولية، الفعالية،التماسك والتعايش.
كما أن هناك معايير أخرى لمنظمات دولية وإقليمية مختلفة كالوكالة الكندية للتنمية ومنظمة جنوب شرق آسيا، ومنظمة التعاون الاقتصادي وغيرها من المنظمات ولا نطيل في سرد معاييرها.
ومهما قيل عن جذور مفهوم الحكامة وتطوره عن معاييرها، فالمؤكد هو أنه أسس الحكامة الرشيدة ينظر إليها من زوايا مختلفة، وكلما مضى الوقت إلا وازداد التباين حول تلك الأسس اتساعا والاختلاف كبيرا، ذلك أن المعايير أو الأسس التي تضعها جهة من الجهات تختلف عن المعايير والأسس التي تضعه الأخرى حيث يزيد عددها أو ينقص كما تختلف نوعيتها حسب كل واحدة منها.
غير أن الشيء الذي يتعين التأكيد عليه في هذا الصدد وأن الحكامة لا تقوم إلا بتكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية إذ لا يمكن الحديث عن الحكامة دون تكريس مبادئ مثل المشاركة،المسؤولية،المحاسبة،الشفافية.
كما لا وجود لحكامة رشيد إلا في ظل الديمقراطية،فالباحثون يلحون على أن الحكامة تتطلب وجود نظام متكامل للمحاسبة والمساءلة السياسية والإدارية للمؤسسين عن ممارسة مهاهم،ومؤسسات المجتمع المدني ومسيري القطاع الخاص،كل في نطاق اختصاصاته، وأيضا القدرة على محاسبة كل مسؤولين عن تدبير الموارد العمومية الموضوعة رهن إشارته، وبالأخص فصل تدبير الموارد العمومية عن الخصوصية، وحماية الشأن العام من تعسف واستغلال رجال السياسة والإدارة معا .
5:استفادة الاقتصاديات العالمية من منطلق التدبير الجيد المؤسس على مفهوم الحكامة الجيدة:

إن التطبيق لمبادئ الحكامة الجيدة وقيام الأجهزة والهيئات الداخلية والخارجية بالدور المنوط بها على الوجه المطلوب، من شأنه أن يحقق مجموعة من النتائج التي في جميع القطاعات سواء الاقتصادي منها أو الاجتماعي والسياسي، لكن سنقتصر هنا فقط على الجانب الاقتصادي من خلال رصد الآثار الاقتصادية لحكامة الشركات .
أدى مفهوم الاقتصاد الحر الذي اتبعته معظم دول العالم، وظهور العولمة وتحرير الأسواق المالية إلى تحقيق الشركات أرباحا عالية، وخلق فرص استثمارية جديدة، وفرص عمل في الدول التي تعمل بها هذه الشركات، وحتى تحافظ هذه الشركات على تميزها فإنها تعمل على إيجاد هياكل سليمة تتميز بالحكامة الجيدة حتى تضمن مستوى معينا من الشفافية والعدالة والدقة المالية.
هذا فضلا على أن السمة الجديدة للاقتصاد جعلت هناك ضرورة ملحة للتعرف على الملامح الأساسية له والدور المحوري الذي يقوم به في سبيل الابتكار والتغيير التكنولوجي، وذلك في ظل إعادة صياغة هياكل الاقتصاد العالمي ؛ عبر مبادئ الحكامة الاقتصادية الجيدة من خلال نقل المعرفة لجعل النشاط الاقتصادي أكثر فاعلية وتأثيرا عبر كل هذه التطورات الاقتصادية والتفاعلات الجديدة التي عرضت الشركات للمنافسة الشرسة ولقدر كبير من التذبذبات الرأسمالية، مما نتج عنه سوء الإدارة، وانتشار الفساد نتيجة للممارسات الخاطئة، وبالتالي حدوث انهيارات اقتصادية في كبريات منشآت الأعمال الدولية، وافتقاد الشفافية في كل ما يتصل بالقوائم المالية والإجراءات المحاسبية في هذه الشركات.
وفي هذا الإطار، فإن الانتقال إلى مجتمع الحكامة الاقتصادية يحتم علينا أن نتعرف على أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر على التنافسية ومؤشرات الإنتاج، والتي تتمثل في:
أ) إدراك السمات المميزة لعصر المعلومات والمعرفة والاستجابة لها ؛
ب) تحديات التقدم العلمي والتكنولوجي وتوقعاته المستقبلية ؛
ج) التعامل مع الثورة التكنولوجية وثروة المعلومات والمعرفة ؛
د) الإمكانيات المتاحة للعمل الإقليمي والتعاون الدولي.
وتبعا لذلك، فإن الالتزام بتطبيق مفهوم حكامة الشركات ينعكس بشكل جيد على أداء الوحدات الاقتصادية بأبعاده المختلفة المالية والتشغيلية واستمرار النمو.
هذا علما بأنه على الرغم من الأبعاد المختلفة لعملية حكامة الشركات سواء القانونية أو التنظيمية أو الاجتماعية إلا أن الأبعاد المحاسبية تحظى باهتمام كبير.
ولا شك أن حكامة الشركات تعمل بشكل كبير على كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية ودعم تنافس الشركات بين الأسواق، كما تعمل على جذب المزيد من مصادر الأموال (التمويل المحلي والعالمي) لتعزيز نمو الشركة.
وفي هذا المجال فإن أهمية حكامة الشركات تكمن في تحقيق التنمية الاقتصادية وتجنب الوقوع في الأزمات المالية، خاصة وأنها تعمل على ضمان حقوق حملة الأسهم في أسواق المال العالمية.

 خلاصة:
إذا من خلال المعطيات السالفة الذكر، يتوضح أن الحكامة الجيدة بكل حمولتها هي الإطار الأمثل الذي يجب أن تعمل ضمن مبادئها كل الأجهزة المكونة للجهة إلى جانب إدارة عدم التمركز، وكل من القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ويلتزموا جميعهم بمعاييرها في تدبير المرافق والمصالح التي يشرفون عليها من أجل تحقيق التنمية الشاملة.
لكن في نظرنا وللأسف عامل مهم وحاسم في تحقيق هذه التنمية المفقودة في بلداننا العربية والأمر راجع إلى تغييب البحث العلم ويتجلى ذلك جليا من خلال الدعم التي تقدمه الدولة للبعض المؤسسات الجامعية.
ونعلم على أنه في القرن العشرون الماضي بتأكيد حقيقة جديدة في الميدان المتجلي في التنافس بين الدول والأمم، وفي ميدان صناعة شروط التقدم الإنساني، هي أن الثروة الحقيقية التي تستند إليها عملية التنمية والتقدم في المستقبل، ليست الثروة الطبيعية أو الصناعية على أهميتها، وإنما هي الثروة العلمية في المقام الأول.
فمثلا روسيا الفدرالية لا تعوزوه الموارد الطبيعية الغنية، ولا القدرة العسكرية الهائلة، ومع ذلك فقد تدحرجت في سلم التنمية في نهاية القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي...ونفس الشيء يقال عن كوريا الشمالية والهند وباكستان. في المقابل نجد بلدين مثل اليابان وألمانيا- دمرا عسكريا منذ سبعين عاما- لا يمتلكان قدرة حربية ومع ذلك فهما يمثلان أقوى قوتين اقتصاديتين في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وينتجان أزيد من خمس الإنتاج العالمي فيما لا يتجاوزان ديموغرافيا 4°/° من سكان العالم، لذلك لم يعد مستغربا إذ أن نقرأ ما يعنيه استثمار مئات المليارات من الدولارات في ميدان البحث العلمي في كثير من هذه الدول، ولا أن يستثمر بعض منها في هذا المجال أضعاف أضعاف ما يستثمره في البرامج الدفاعية المتعلقة بالأمن القومي، ذلك أن حقل التعليم والتكوين والبحث العلمي أضحى اليوم من غير جدال ميدان الاستثمار الرئيسي في صناعة المستقبل وحقل المنافسة الأول بين الدول والأمم، لأنه القاعدة التحتية لأي تقدم يمكن إحرازه في مجال التنمية بمعناها الشامل"التنمية الإقتصادية البشرية".
أما نحن في المغرب والعرب بصفة عامة فمازلنا تحت إشعار آخر بعيدين عن أي شكل من أشكال العناية أو حتى الاهتمام بهذا الموضوع الحيوي والمصيري.
إن هذا يرتب الحاجة إلى مراجعة شاملة لموقع البحث العلمي في منظومة الأهداف والاستراتيجيات العامة في المغرب والوطن العربي بصفة أعم، على النحو الذي نتلافى به أخطاء الماضي وندخل فيه عامل البحث العلمي ضمن منظومة عوامل البناء التنموي.
والسؤال هو هل حان الوقت لأي مسؤول عن الرجوع إلى الطريق الصواب والبعيد عن كل الشبهات،إن المسؤولية جسيمة والخطب صعب، كلنا أمل في أن نصل إلى اليوم الذي تطلع فيه الشمس وليس أي مسؤول مهما كان موقعه محط تساؤلات أو شكوك في تدبير المرفق العمومي الذي يشرف عليه، وأن يستشعر داخله أن المسؤولية هي تكليف وليس تشريف.

لائحة المراجع:

1:محمد موني،عماد أبركان،متطلبات الحكامة في التنمية الترابية بالمغرب،مدن الأبحاث في الاقتصاد والتدبير،العدد الرابع الجزء الأول شتنبر،2015،ص:98.
2: عبدالعزيز آشرقي،الحكامة الترابية(تدبير المرافق العمومية المحلية على ضوء مشروع الجهوية المتقدمة) ط،الأولى،2014.ص:21-22.
3: المندوبية السامية للتخطيط، أثر الأزمة العالمية على الاقتصاد المغربي،الرباط،30 يونيو2010.
4:تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،النهوض بالمساواة بين الرجال والنساء في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية،إحالة ذات رقم18/2014 مطبعة سيما ص 14-15.
5: الجمعية المغربية للعلوم الانسانية،ندوة وطنية حول موضوع من اقتصاد الريع إلى حكامة اقتصادية.
6: محمد حسن يوسف، محددات الحوكمة ومعاييرها مع إشارة خاصة لنظام تطبيقها في مصر يونيو2007، ص،5-6.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 8 شهداء و9 مصابين في قصف سيارة شرطة وسط غزة


.. 9 شهداء وعشرات الجرحى في القصف المتواصل على مخيم النصيرات وس




.. في اتصال مع بلينكن.. رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري شدد ع


.. انتحار القصر يثير القلق في تونس.. والأرقام تصل إلى 95 وفاة و




.. بالتعاون مع 50 دولة.. برنامج أميركي لمواجهة الجوائح والتصدي