الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاجهزة الامنية والعسكرية في اقليم كوردستان وكيفية تحويلها إلى مؤسسة وطنية كوردستانية مستقلة

نجم الدين رشيد خورشيد
(Najmadeen Rashid Khorsheed)

2018 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


الاجهزة الامنية والعسكرية في اقليم كوردستان وكيفية تحويلها الى مؤسسة وطنية مستقلة
لا أحد ينكر أهمية وجود الاجهزة الأمنية كمؤسسة وطنية في بلد ما لحفظ الأمن والسهر على حماية المواطنين فيها، ولسنا ضد وجود هذه الاجهزة الأمنية شريطة ان تكون وطنية وتعمل من اجل خدمة المواطن وحماية حقوقه، ففي كل دول العالم هنالك اجهزة أمن وجيش تناط بها مهام تنفيذ القوانين ذات الصلة بحماية امن البلد والحفاظ على حقوق المواطنين. نرى ان مهمة الاجهزة الأمنية الرئيسية بمختلف صنوفها، من شرطة وامن واستخبارات ومخابرات وقوات مكافئة الارهاب والقوات النظامية المتمثلة بالجيش بمختلق صنوفها، تكمُن في حماية أمن البلاد القومي وليس في حماية نظام بعينه او شخص بذاته، وبالاخص حينما تكون الأنظمة فاقدة للشرعية أو فاسدة. وعليه فإن الأجهزة الأمنية والعسكرية يجب أن تكون هدفها فقط حماية الوحدة الوطنية والمصالح القومية وحقوق وأمن الأفراد، وأن لا تكون أداة بيد الأحزاب الحاكمة لترويع المواطنين والفتك بالمعارضين وقتلهم وتصفيتهم كما يحصل في أغلب الدول العربية ودول العالم الثالث، من ضمنها أقليم كوردستان.
- الخلفية تاريخية للأجهزة الأمنية والعسكرية في الاقليم وكيفية نشأتها
ان الفترة التي بنيت بها الاجهزة الامنية والعسكرية في اقليم كوردستان العراق تعود الى فترى النضال المسلح ضد الحكومات العراقية المتعاقبة، والتي تسمى بفترة نضال الجبل. كل حزب من الاحزاب الكوردية في تلك الفترة كانت لها اجهزتها العسكرية والامنية الخاصة بها، وكانت مبنية بحسب العقيدة او الايدلوجية التي كانت تؤمن بها. بعد انهيار القوات العراقية في حرب الخليجية الثانية في 1991، حصلت انتفاضة في كوردستان العراق (شمال العراق) وكذلك في جنوب العراق بقيادة الاحزاب الشيعية الدينية. نجحت الاولى وفشلت الثانية لاسباب كثيرة لانود الخوض فيها في هذه المقالة.
في 1992 جرت اولى الانتخابات البرلمانية تشكلت حكومة ائتلافية بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحادي الوطني الكوردستاني. لم تستطع تلك الحكومة ولا الحكومات اللاحقه من توحيد تلك الاجهزة الامنية والعسكرية التابعة لتلك الاحزاب، فظلوا محتفظين بقواتهم العسكرية والامنية. حصلت الاقتتال الداخلي بين ذلك الحزبين الكبيرين في (1994-1998)، نجم عنها تشكيل ادارتين في كوردستان، ادارة تابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني والتي تضم اربيل ودهوك، وادارة تابعة للاتحاد الوطني الكوردستاني والتي تشمل كل من سلميانية وحلبجة ومناطق وكرميان بالاضافة الى كويسنجق. على اثرها اصبحت هنالك تعددية في الاجهزة العسكرية والامنية في كوردستان، منقسمة بين الحزبين الكبيرين، بحيث وجدت في الاقليم العشرات من الأجهزة الأمنية والاستخبارية السرية والعلنية تعمل خارج رقابة البرلمان. لقد أدت هذه الظاهرة، في ظل عدم وضوح صلاحيات كلا منها وغياب قيادة مؤسساتية مركزية مع غياب قانون واضح منظم لإعمالها، في تحويلها الى أجهزة حزبية تابعة لمسؤوليها ومركز نفوذ لتلك الاحزاب. بل تجاوزت في ولائاتها الحزبية الى ولائات شخصية داخل هذه الحزبين، كل مجموعة مرتبطة مباشرة في قراراتها وولائها لقيادي او لشخص مسؤول داخل الحزب.
بعد 2003، غيرت بعض الاحزاب الكوردستانية من توجهاتها، ومن شكل نضالها ففككت اجهزتها العسكرية، مثلا الحركات الاسلامية المسلحة، الحزب الشيوعي، والحزب الاشتراكي نسبياً، بينما ظل الحزبين الكبيرين محتفظين بقواتهم وأجهزتهم الأمنية. بحيث أقتصرت كل الاجهزة الامنية والعسكرية في كوردستان على الاعضاء المنتمين لهذين الحزبين الكبيرين. فاصبح من المستحيل قبول اي شخص في تلك الاجهزة دون جلب كتاب تأييد من احد فروع هذين الحزبين كل في منطقته المسيطرة. بعد ظهور حركة التغيير المعارضة (حركة گوران) بقيادة نوشيروان مصطفى في عام 2009 بعد استقالته من حزب الطالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني)، ومشاركتها في الحكومة الائتلافية، جرت بعض المحاولات لدمج قوات البيشمركة وجعلها قوات وطنية كوردستانية. الا ان كل تلك المحاولات باءت بالفشل، فعلى ارض الواقع مازالت قوات البيشمركة منقسمة بين الحزبين الكبيرين.
يتضمن الاجهزة الأمنية والعسكرية في الاقليم الشرطة، قوات مكافحة الاجرام، الاسايش (الامن) باراستن وزانياري (المخابرات العامة)، هةوالكري (الاستخبارات العسكرية)، قوات مكافحة الارهاب، قوات البيشمركة أو حرس الاقليم بمختلف صنوفها وتشكيلاتها. هذه الاجهزة ليست موحدة بل موزعة على الحزبين الرئيسيين وولائها لهذين الحزبين. ومن الصعب تقدير حجم هذه القوات الأمنية، فلا توجد إحصائيات دقيقة حول عددها، لان هنالك نسبة يطلق عليهم بالفضائيين اي لايخدمون بشكل فعلي، بل هم مجرد منتسبين يحصلون على رواتب كونهم اشخاص حزبيين.
وعليه يمكن القول ان الأجهزة الأمنية في اقليم كوردستان ليست مستثناة من نماذج الأنظمة البوليسية السائدة في العالم العربي والعالم الثالث. فهيمنة وسيطرة الحزبين الحاكمين في كوردستان منذ 1991 على كل مرافق الحياة في الاقليم جعلت منهما سلطتين فاسدتين، قمعيتين تقفان بوجه كل من يحاول ان يضع حدا لفسادهم ولطغيانهم. ففي الاقليم كل الاجهزة الامنية والعسكرية بدون استثناء تابعة للحزبين الحاكمين، حتى الشرطة التي تحرس الدوائرة الخدمية كشرطة الكهرباء مثلا يجب ان يكون منتمياً لاحدى هذين الحزبين.! اي لايمكن لاحد ان يعين في جهاز الشرطة دون ان يقدم كتاب تأييد من احد الحزبيين الحاكمين. فلا يوجد في الاقليم شرطي اوعسكري او رجل امن تابع لغير هاذين الحزبين ضمن صفوف تلك الاجهزة الامنية! مع استثناء بعض الشرط التي تحرس مقرات الاحزاب الاخرى والذين هم اعضاء تلك الاحزاب ولكن عنوانهم الوظيفي هو شرطي منتسب في وزارة الداخلية، هؤلاء اعدادهم قليلة، والاحزاب حصلت على هذا الامتياز من خلال مساومات واتفاقيات سياسية.
وعليه يمكن القول بأن هنالك تعددية في الاجهزة الامنية والعسكرية في الاقليم بشكل كبير تجاوزت كونها أجهزة حزبية. فلاتوجد مركزية في التحكم بقرارات تلك الاجهزة حتى داخل الحزب الواحد!. فمثلاً الاجهزة الأمنية والعسكرية وبالاخص التابعة للأتحاد الوطني الكوردستان هي موزعة في ولائها وخاضعة لقيادات مختلفة ومتصارعة فيما بينها. اذاً فهي ميليشيات حزبية بل شخصية مرتبطة بشخص معين بصورة كلية، الا أنها في مواردها المالية معتمدة بشكل مطلق على ايرادات الأقليم وميزانيته.
بعد أحداث 16/10/2017 وسيطرة قوات الحكومة الاتحادية بالتعاون مع الميليشيات الشيعية على مدينة كركوك والمناطق المتنازعة الاخرى تبين بشكل جلي ضعف وهشاشة ومدى انقسام تلك الاجهزة الامنية والعسكرية وفشلها في الدفاع عن تلك المدن والصمود بوجه القوات المركزية. ففي تلك الليلة قرر جناح داخل الاتحاد الوطني الكوردستاني المتمثل بعائلة الطالباني وبالأخص ابنه بافيل وابن عمه لاهور الطالباني اللذان يقودان قوات مكافحة الارهاب وغيرها من القوات التي تدين لهم بالولاء، قرروا عدم قتال القوات العراقية والميليشيات الشيعية والانسحاب من كركوك والمناطق المتنازعة الاخرى دون قتال. بل وصل الحد الى ترك القوات التابعة للقيادي في الاتحاد الوطني الكوردستاني كوسرت رسول علي في مواجه الموت دون سابق انذار لهم على الانسحاب وعلى ما اتفقوا عليه مع قيادات الحشد وقاسم سليماني على تسليم تلك المناطق دون قتال.
اذاً اصبح لكل من هذين الحزبين أجهزة أمنية وعسكرية حزبية لها صبغة ميليشياوية، ولاتوجد مؤسسة أمنية وعسكرية وطنية كوردستانية مستقلة خارج نفوذ وهيمنة هذين الحزبين الحاكمين. فالشرعية الثورية التي يدعونها تمنحهم الحق بالاحتفاظ بتلك القوات باعتبارها امتداد لنضالهم المسلح ضد الحكومات العراقية المتعاقبة. هذين الحزبين الحاكمين قد جعلا من تلك الاجهزة الامنية والعسكرية أذرعة أو أدواة ضاربة لحمايتهم وحماية فسادهم المستشري في الاقليم، وليس لحماية أمن الوطن والمواطن الذي تتهدده المخاطر من كل الاتجاهات. وعليه فإن الاقليم كان ومازال يعتبر كياناً هشاً لايتمتع باستقرار حقيقي، فهو معرض للاقتتال الداخلي كما حصلت في سنوات التسعينان من القرن الماضي.

- أنتهاكات الاجهزة الأمنية والعسكرية في ألاقليم ومدى التزامها بالدستور ومباديء حقوق الانسان
كما هو معلوم لدى الجميع إن علاقة الأجهزة الأمنية في البلدان التي تحكمها الأنظمة البوليسية مع مواطنيها، وخصوصاً مع الناشطين السياسيين والمدنيين، هي علاقة متوترة؛ وأن هذه العلاقة تزداد توتراً وتتجه نحو الأسوء في أيام الاحتجاجات والتظاهرات التي تخرج ضد الأحزاب الحاكمة التي تستحوذ على ولاء هذه الأجهزة والتي تعتبرها جزءاً من منظومتها الأمنية التابعة لها والمسخرة للدفاع عنها وعن مصالحها. إن أسباب هذا التوتر تكمُن في المقام الأول في الدور الذي أناطته السلطة الحاكمة بتلك الاجهزة؛ وهو دور قمع التطلعات المشروعة لشرائح المجتمع. كما ان من أسباب هذا التوتر الرئيسية هو تورط العديد من عناصر تلك الأجهزة الامنية في ممارسات تتعلق بعمليات خطف المعارضين، وسوء المعاملة كالتعذيب والإهانة واستغلال السلطات، الخ؛ تجاه من يعتقلونهم او يختطفونهم. بل ويصل في بعض الأحيان الى اغتيال الناشطين السياسين وقتلهم بصورة سرية او علنية، بشكل مباشر او عن طريق اشخاص مأجورين يعملون لصالح تلك الأحزاب الحاكمة او الأجهزة الأمنية التابعة لها. السلطة السياسية في كوردستان ليست أفضل حالاً من تلك الأنظمة المتسلطة في العالم الثالث.
إن ممارسات الحزبين وقياداتهم في الماضي وفي الوقت الراهن هي عامل مهدد لوحدة وأستقرار الاقليم وامنها الوطني. لقد جعل هؤلاء من الاقليم ساحة كبرى للصراع بين مكونات الشعب الواحد؛ وادخلوها في حرب اهلية راحت ضحيتها الآلاف من الشباب الكورد في التسعينات. بحيث مزقت النسيج الوطني وفتح الباب امام التدخلات الاقليمية والاجنبية. كما قام هذا النظام بنهب ثروات الاقليم من النفط والغاز وبيعها استعمال تلك الاموال لمصالحها الحزبية الضيقة بل وحتى الشخصية وتقوية تلك الاجهزة الامنية. ان فشل سياسات الحزبين المهيمنين الاجتماعية وسياساته المتخبطة قد اسائت لسمعة الأقليم ومكانته وأصبحت مهدداً رئيسياً لأمن المجتمع واستقراره وتطوره.
لقد كانت ومازالت الأجهزة الأمنية والعسكرية الأداة والوسيلة المرعبة في يد الحزبين الحاكمين في الاقليم والذي تم استخدامها لترسيخ أسس حكمهم وفرض سيطرتهم على جميع مرافق الاقليم الحيوية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية ، وكذلك للتخلص من خصومهم وكل من يقف بوجههم حتى لو كانوا نشطاء او صحفيين مستقليين لاينتمون لاي حزب معارض.
قامت الاجهزة الامنية في اقليم كوردستان في السنوات الماضية بالعديد من الممارسات التي تخالف أبجديات حقوق الانسان، فلها صلاحيات مطلقة وهي فوق القانون. فلها ان تقوم بالاعتقالات العشوائية وعمليات الدهم والتفتيش والاستجواب الحجز دون محاكمة لشهور بل لسنوات لكل معارض للسلطة أو ناشط سياسي او مدني دون الرجوع إلى السلطات القضائية. بل لايعطى المحتجزون الحق في توكيل محام خلال فترة الحجز، الى غير ذلك من الانتهاكات. وعلى فرض قيام تلك الاجهزة بمحاكمة شخص ما من قبل المحكمة، فان تلك الاجهزة نفسها كانت وربما ما زالت تقوم بتجديد الحبس حتى بعد الافراج عليهم من قبل القضاء، كل هذه الممارسات ليست لها شرعية في الدستور وفي القوانين التي تنظمها ان كانت هنالك قوانين. اضافة الى عمليات خطف المعارضين وكل من يرونه انه معارض ويتجاوز على الزعيم او العائلة الحاكمة مثلاً لاشهر ولسنوات، بل وصل الامر في كثير من الاحيان الى تصفية الخصوم من خلال اغتيالهم. وهذا ما حصل ضد الكثير من المعارضين والناشطين السياسيين والاعلاميين لمجرد كتابة مقالة او لكلامٍ اعتبرته السلطات الكوردية أنها تجاوزاً للخطوط الحمر التي تقوم تلك الاجهزة بالسهر على حمايتها!. بالإضافة إلى منع أسر المعتقلين من زيارة المعتقلين من ابنائهم ومعرفة مصيرهم ومكان حجزهم. واهانة الأسر واعتقال الاقارب من الدرجة الاولى كضمانة لتسليم المطلوبين أنفسهم لتلك الأجهزة. وكذلك التجسس على المكالمات والمراسلات الخاصة والعامة للمعارضين او لأي شخص دون موافقات قضائية مسبقة، فيقومون بعمليات ابتزاز المعنيين من خلا ما ينتج عن هذه المراقبة من أشرطة فيديو وصوت قد يتم تسريبها أو انتهاكها من قبل تلك الاجهزة.
هذه الاجهزة الامنية وعلى راسها جهاز الامن (الأسايش) والمخابرات العامة (الباراستن التابع للحزب الديمقراطي الكوردستاني، والزانياري التابع للاتحاد الوطني) وأجهزة مكافئة الارهاب لديها سجون ومعتقلات سرية غير قانونية لاترتبط بوزارة العدل، بل حتى المنظمات الدولية كمنظمة الصليب الاحمر لاتستطيع الوصول اليها لزيارة المعتقلين. معتقلات داخل فروع الحزب، مثال على ذلك السجن الموجود داخل الفرع الثاني للحزب الديمقراطي الكوردستاني في اربيل. حيث كانت هنالك سجن انفرادي داخل هذا المقر، يقع في الجزء الخلفي من البناية، خافية عن اعين الناس. هذا السجن هو تابع لجهاز المخابرات (الباراستن) كانت تتم فيه اعتقال أناس بدون مذكرات أعتقال بتهم مختلفة أغلبها سياسية لأشهر أو لأسابيع بشكل اِنفرادي وتعذيبهم بشتى أنواع التعذيب لنزع أعتراف مثلاً في قضية ما، ثم بعد ذلك كان ينقلون الى سجون سرية أخرى في أماكن اخرى داخل مدينة اربيل او في مدن أخرى. حسب علمي وتجربتي الشخصية، كانت هنالك سجن سري خلف الأسايش العامة (الامن العامة) في اربيل. كان يتم التعامل مع المساجين في هذه السجون بطرق وحشية وغير اخلاقية لأجبارهم على الاعتراف على أمور معينة او تهم موجه اليهم، ربما في كثير من الاحيان لم يرتكبوه اصلاً. ماذكرته هو فقط مثال واحد على وجود سجون سرية تابعة لهذين الحزبين.
وعليه نتيجة سياسات النظام الحاكم، ونتيجة عدم وجود مؤسسات حقيقية وعلى رأسها الاجهزة الامنية، الاقليم ككيان دستوري شبه مستقل يسير نحو التفكك والانهيار؛ وذلك من خلال محاولات هيمنة السلطة المركزية على المرافق الحساسة في الاقليم ومن خلال تمسك الحزبين بتلك الاجهزة وعدم تحويلها الى مؤسسات وطنية حقيقية. وعليه يمكن القول إن الاجهزة الامنية اوالقمعية والعسكرية في الوقت الحالي في كوردستان لا يقوم بدوره في حماية الأمن الوطني والمصالح القومية لكوردستان وحماية حقوق الانسان المنتهكة في الاقليم من قبل الاحزاب الحاكمة. كان الاولى بتلك الاجهزة ان يستهدف اساطين الفساد في الاقليم من الساسة الذين نهبوا ثروات الاقليم واستحوذوا على مقدراتها. بل على العكس من ذلك اصحبت عمل تلك الاجهزة حماية أمن نظام فاقد للشرعية قائم على الفساد والاستبداد وسرقة وتضييع ثروات الاقليم والمواطنين.
وعليه القوة القمعية لهذه الأجهزة التابعة للاحزاب الحاكمة يجعل فكرة التحرك الشعبي الواسع كالمظاهرات والأحتجاجات ضد سلطة هذين الحزبين مستبعدة او صعبة، لانها سوف تواجه ادواة النظام القمعية المتمثلة بتلك الاجهزة التي لا تتورع عن القيام بأي عمل لخدمة هذين الحزبين وتاريخها الحافل بالتجاوزات المشينة ضد مواطني الاقليم، مما يجعل فكرة التخلص من المعارضين والمحتجين امر وارد في كل حدث يحصل في الاقليم. وهذا ما حصل في كانون الاول 2017 حينما حصلت بعض الاحتجاجات والمظاهرات في مناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكوردستاني، بسبب الفساد وسوء الاوضاع الاقتصادية وتردي الخدمات وعدم حصول الموظفين على رواتبهم. نجم عنها حرق لمقرات الأحزاب الكُردية جميعها تقريباً حتى المعارضة منها. وقد تم قمع المظاهرات حيث اعتقلت القوات الامنية المئات من المحتجين وقتل ما لايقل عن ستة شباب وجرح المئات ممن خرجوا مطالبين بحقوقهم المسلوبة من قبل الحزبين الحاكمين.
ما اود التأكيد عليه هو انه لابد من إعادة بناء هيكلية الأجهزة الأمنية والعسكرية في الاقليم وتوحيدها وفقًا لرؤية وطنية واضحة تنطلق من سياسة أمنية وطنية مقرة من برلمان الاقليم الممثل الشرعي للشعب، وتعتمد على المهام والواجبات والوظائف المطلوب من الأجهزة الأمنية القيام بها، حسب الدستور والقوانين ذات الصلة. هذا الامر يتطلب إعادة بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية في الاقليم في المرحلة الجديدة للمحافظة على النظام والأمن العام داخل المجتمع الكوردستاني في اطار وطني تقوم على احترام سيادة القانون ومبادئ حقوق الانسان. هذه المسألة هي غاية أساسية يجب السعي لتحقيقها. فمن خلال التعاون بين احزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وبالتعاون مع المنظمات الدولية والسلطة المركزية في بغداد يمكن القيام ببعض الخطوات التي قد تخفف من حدة الانتهاكات الدستورية والقانونية التي تمارسها تلك الاجهزة بحق المواطنين وبحق احزاب المعارضة في الاقليم.

- سبل إصلاح الأجهزة الأمنية في الاقليم وجعلها مؤسسات وطنية
مما لاشك فيه إن إصلاح الأجهزة الأمنية يعد من أكبر التحديات في الانظمة السياسية الاستبدادية. ان تغيير تلك الاجهزة الأمنية، من الناحية الوظيفية والهيكلية يعتبر من أهم المواضيع التي تتطلب جهود موضوعية تُراعي الظروف التي نشأت وتقوت فيها تلك الاجهزة، والعوامل القومية والامنية المحيطة بكوردستان. فلابد من الاعتراف بان اصلاح هذه الاجهزة ليس بالامر اليسير في ظل سلطة ونفوذ هذين الحزبين. لان اي خطوة نحو اصلاحها وجعلها مؤسسات واجهزة وطنية هي في النهاية اضعاف بل وانهاء لهيمنة هذين الحزبين. فكل اصلاح لتلك الاجهزة سوف تواجه معارضة شديدة من قبل الاحزاب التي تملك تلك الاجهزة والتي تعتبر هي القيادة المركزية لها. وهذا ماتم التأكيد عليه حتى من قبل قيادات هذين الحزبين في الكثير من المناسبات. فقبل أيام صرح القياد في الاتحاد الوطني الكوردستاني ملا بختيار في برنامج في قناة روداو الفضائية حيث قال نحن لدينا قوات (عسكرية وأمنية) لايستطيع احد ان يسلبنا هذه القوات، بغض النظر عن نتائج اية انتخابات تحصل في الاقليم، فنحن سوف نبقى الرقم الصعب في اية معادلة سياسية في المنطقة.
اذاً أنها عملية معقدة لابد من مراعاة واقع الاقليم والعراق، بحيث لاتؤدي الى انهيار امني وانتشار الفوضى وكذلك التأكيد على مأسستها وجعلها خارج نفوذ الحزبين الرئيسيين. وعليه ينبغي أن تستند إجراءات التغيير بالسلاسة، خشية تداعيات التغيير المفاجئ بحيث لاتؤثر سلباً على الاستقرار الامني في الاقليم، مع ضمان جعل تلك الاجهزة مؤسسات وطنية خاضعة لسلطة القانون.
مع ذلك لابد من القيام بالاجراءات التالية كخطوة نحو اعادة هيكلة هذه الاجهزة على النحو التالي:
1- على أية حكومة مستقبلية مشلكة من قبل المعارضة اذا ما نجحت في الانتخابات القادمة في الاقليم ان تعمل شراكة مع الوكالات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومركز جينيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة، وغير ذلك من المنظمات الدولية. هذا الامر يعتبر من اكبر التحديات التي سوف تواجه اية حكومة مستقبلية نحو بناء دولة المواطنة سيادة القانون.
2- التغيير لابد ان يكون مبني على اتفاقات سياسية نابعة من ارادة سياسية حقيقية تعمل على مأسسة تلك الاجهزة. إن أي القيام بأي اصلاح، كما تزعم الحكومة او الحزبين الرئيسيين، لا يُرافقها تغيير منهجي في أداء تلك الاجهزة ستكون اصلاحاً شكلياً لن يُسهم في ترسيخ الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
3- وضع حد لظاهرة تعدد الاجهزة الامنية المتنافسة التابعتين للحزبين الحاكمين. والعمل بشكل فعال على توحيد تلك الاجهزة مع اخضاعها لرقابة البرلمان والقضاء.
4- اخضاع الاجهزة الامنية للمساءلة ولرقابة مجلس النواب وسن القوانين اللازمة التي تؤهلها لان تكون اجهزة وطنية ولائها لكوردستان وان لا تكون أدوات بيد الدول الدول العالمية والاقليمية. وكذلك سن تشريعات واضحة لكل أوجه عمل تلك الاجهزة، بالإضافة إلى إلغاء القوانين الاستثنائية او القمعية التي عملت بموجبها تلك الاجهزة.
5- لابد من التأكيد على تعزيز بنية جهاز الشرطة المدنية كجهاز قوي وفعال من خلال اختيار العناصر الكفوءة في هذا السلك وابعاد كل من له سمعة سيئة او تاريخ سيء.
6- ينبغي أن يتركز الاصلاح على إعادة هيكلة كافة الاجهزة الامنية بمختلف تشكيلاتها وصنوفها من خلال حظر تدخل تلك الاجهزة في الحياة السياسية، ومنع ممارسة النشاطات الحزبية داخل تلك الاجهزة، بل منع اي شخص من الانتساب لأي حزب سياسي طيلة فترة عمله في تلك الاجهزة.
7- هناك حاجة لتغيير ثقافة منسبي تلك الاجهزة من ثقافة التعذيب والانتهاكات إلى ثقافة حكم القانون وتوعيتهم بقوانين حقوق الانسان، والمعاهدات الدولية المتعلقة بهذه المسائل.
8- الشفافية في التعيينات واختيار ذوي الكفاءات من المنسبين مع التأكيد على ان يكون الشخص مستقلا ولايمارس اي منصب حزبي خلال فترة عمله في السلك الامني.
9- انهاء ظاهرة السجون والمعتقلات السرية التابعة لاجهزة المخابرات والامن التابعة للحزبين الكبيرين، وجعلها سجون تابعة لوزارة العدل تعمل وفقاً للقوانين والاجراءات الدستورية خاضعة لرقابة القضاء.

- الخاتمة
وعليه في نهاية هذه المقالة لابد من التأكيد على اهمية مأسسة الاجهزة الامنية والعسكرية في الاقليم بشكل فعلي وحقيقي وليس فقط من خلال سن قوانين غير فعالة على ارض الواقع. اي لابد من جعل تلك الاجهزة مؤسسات وطنية مستقلة خارج نفوذ وهيمنة الاحزاب الحاكمة. وكذلك التأكيد على تفعيل مباديء حقوق الانسان واحترامها في تعامل تلك الاجهزة مع المواطنين في الحالات العادية او الاستثنائية. بالاضافة الى اتباع الاجراءات القانونية بحق المتهمين او المدانيين منذ المراحل الاولى لاعتقالهم وكذلك داخل السجون التي لابد ان تكون تحت رقابة واشراف وزارة العدل. مع التأكيد على ان عملية اصلاح تلك المؤسسات وجعلها قادرة على القيام بواجباتها المتمثلة بخدمة مصالح المواطنين بدلاً من خدمة مصالح النظام، بما يتماشى مع سيادة القانون واحترام حقوق الانسان ليس بالامر السهل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر