الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان، الوادي، العيون، الآبار في دوار بني كرزاز/ بنسليمان / المغرب (1 )

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 1 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعتبر وادي نهر النفيفيخ المجرى الأهم في دوار بني كرزاز، ينبع من مكان يسمى بالنجود العليا شرق قبيلة أولاد محمد المزابية، ويبلغ طوله حوالي 76 كلم، ويصب شمال المحمدية بالقرب من قرية المنصورية التي تتموقع على الضفة اليمنى للوادي، أما على أرض بني كرزاز، فيقطع الوادي من الشرق الى الغرب حوالي 4 كيلومترات، من 《الجردة》 التي كانت حقلا لليمون والعنب إبان الاستعمار الفرنسي حيث هناك الحدود مع دوار البيض إلى ساكنة الجبيل في الغرب على الحدود مع دوار أولاد البهلول، ويجتاز الوادي هذه المسافة تاركا عدة كلتات (بحيرات) تفصل بينها 《مشاريع 》أي ممرات أو مقاطع يمر منها الرعاة والمسافرون وأهم مشرع في بني كرزاز هو القنطرة التي شيدها الفرنسيون والتي صارت مشرعا للطريق الجهوية رقم 305 وتربط بين بوزنيقة وراس العين ومن الكلتات الموجودة في بني كرزاز كلتة الرحماني والبير وبوغابة وكلتة الكرم والقنطرة وكلتة رقية ورزوق والصنادق وغيرها من الكلتات (البحيرات )، يمر الوادي على أرض بني كرزاز ويجتاز تربة خصيبة يسميها الكرزازيون بالتيرس، بينما هؤلاء الأهالي يطلقون على أنفسهم 《بموالين الواد 》 أي أصحاب الوادي أو الأوصياء عليه أو المكلفون به، إن معنى الولاية يفيد الوصاية، لكن بحكم ارتباطي بهذا الوادي وطفولتي التي قضيت هناك لم ألاحظ أي وصاية أو احتكار من لدن الأهالي الكرزازيين، بل كان الوادي ملكا مشاعا للجميع، إذ كان الغرباء يأتون من مكان بعيد ويصطادون طائرا جميلا يوضع في الأقفاص ولديه أصوات شجية ينتشر بكثرة جانب الوادي يسمى باللغة المحلية 《بصطيلة》والأنكى من ذلك كان يحق للغرباء اصطياد السمك على طول الوادي، كانوا يستعملون العجين و الذوذ للإيقاع به، ثم كانوا أيضا ينصبون الحجر ويشعلون النيران من خشب الخرواع ونبات 《الدفل》والطلح الذي ينتشر على ضفاف الوادي، ويقومون في النهاية بشيه، إن كل زائر كان بإمكانه أن يلاحظ الأنصاب الحجرية التي تذكرنا بالعصر الحجري البعيد وقصة الإنسان الأول الذي استعمل حجر الصوان لاشعال النار، لقد ظل الوادي محجا لكل الدواوير المجاورة وخاصة خلال الصيف، إذ دأب الكرزازيون وشباب الدواوير الأخرى على السباحة في جميع الكلتات المتفرقة على طول مجرى وادي نهر النفيفيخ، بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه: من أين جاءت تسمية 《موالين الواد》؟ من المفترض أن هذه التسمية جاءت من التحيز المكاني لهؤلاء الأهالي جوار الوادي أي أنهم استقروا بالقرب منه وارتبطت حياتهم به، فالوادي هو مورد ماشيتهم خلال كل الفصول وخاصة أثناء الصيف، ومنه يجلبون المياه التي يحتاجون إليها في حياتهم اليومية، لطالما لاحظت الكثير من《 الزكاية 》 فيما مضى يتهافتون على الوادي وهم يمتطون صهوة حميرهم ودوابهم، كانوا يضعون على متن الحمار 《البردعة》 المصنوعة من الدوم والمخيطة بأكياس بلاستيكية أو 《الشمرتل》يركب 《الزكاي》 عليها وتقبع تحته خيوط من الدوم المفتولة تشد القوارير 《البادن》 فيما بينها، وتسير خلفه جمهرة من الكلاب التي تحرسه من الأخطار أو تحمي القطيع الذي يسير أمامه متوجها إلى الوادي، لقد ظلت مياه الوادي ذات قيمة كبيرة بالنسبة للأهالي الكرزازيين، إذ كانت تستعمل للتوريد والاستحمام سواء في المنزل أو في الوادي كما كان يحصل منذ زمن بعيد، وبالتالي كانت مياه الوادي أداة للتدبير اليومي للحياة المنزلية أي أن الوادي شكل عصب الحياة الكرزازية، لقد دأبت الساكنة التي تتحيز بعيدا عن الوادي الهجرة نحوه بشكل موسمي في إطار ما يسمى 《بالعزيب 》 وهو نوع من الترحال الموسمي يقوم به الأهالي الذين يسكنون بمنطقة 《الشعيبات، الساحل، ..》 نحو التيرس أو جوار الوادي لما يوفره هذا الأخير من المياه.
كان الأهالي يسمون الوادي 《بخير ربي》 فعلا لقد كانت المياه مدرارة ولا تتوقف عن الجريان، ولا يقتصر 《العزيب》 أو الهجرة على السكان المحليين، بل يلاحظ أن 《العزابة》 يتوافدون من دواوير أخرى، بل حتى من قبائل بعيدة كالرحامنة، من ينسى الراعي الرحماني عبد الجليل الذي احتسيت معه كأس شاي ذات صيف بعيد؟ لا أريد أن أتحدث عن علاقة الكرزازيين عموما بالغرباء والتي شابها الكثير من الحيف والعنصرية، فذلك موضوع طويل يمكن العودة إليه لما سيأتي من أبحاث، إلا أنه من الضروري القول أنه خلال سنة 2000 أي في السنة التي ضرب فيها الجفاف المنطقة، كنت ألاحظ تبرما من طرف الأهالي من جراء العزابة الرحامنة الذي توافدوا على مراعي الدوار إلى حد صار إلقاء التحية أمرا مرفوضا على أي أجنبي، إذ أصبح الخوف من الغريب أكثر شيوعا، من يذكر ذلك الرحماني الذي لا يعرف السباحة وغرق في الوادي ؟ بلاشك طقس الموت خلق وشيجة وعلاقة متينة بين السكان المحليين والغرباء و لوحظت النساء يذرفن الدموع ويولولن ويبكين، لكن على الرغم من ذلك، فالذي مات يبقى أجنبيا دخيلا، بيد أنه من اللافت القول أن من أسعفه كان محليا، والمكان الذي غرق فيه الرحماني سماه الأهالي 《بكلتة الرحماني》 أي بحيرة الرحماني، ومنذ ذلك الحدث المأساوي لم يعد أحد يسبح فيها، إذ صارت منبعا للخوف والرهاب، إنه الخوف من الغريب، من الموت، من الأجنبي والدخيل، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه: ما ذنب هؤلاء الرحامنة الذين حكمت عليهم الظروف الطبيعية بأن يرحلوا عن ديارهم ؟ ألا يؤمن الأهالي بالقدر والمصيبة ؟ فلماذا هذا الاستعداء الفظيع للأجنبي ؟ مازلت أذكر أن مجلس الدوار انقسم على نفسه بين القبول بالرحامنة أو رفضهم ! لكن الأساسي هو أن هؤلاء الأفراد الذين نزحوا من نواحي بن جرير أي من بلاد الرحامنة شيدوا 《قياطنهم》ووضعوا أغراضهم وبنوا زرائبهم وكوانينهم على أرض التيرس، إلا أن بعض شيوخ الدوار قام بطردهم وحرمانهم من الوادي كلما اجتازت مواشيهم أرضه، مازلت أذكر رجلا طاعنا في السن كان يقول: 《اللي بغا الرحامنة يعطيهم بلادو》بينما البعض الآخر فضل أن يتساهل مع الرحامنة مقابل الحصول على أجر شهري، ربما هذا هو الذي أغاض المجموعة الأولى، وفرض إعادة النظر في عرف كرزازي قديم وهو أن الأرض الكرزازية المجاورة للوادي والتي تسمى بالتيرس كانت مفتوحة لجميع الرعاة وليست ممنوعة 《محرزة》على أحد سواء داخل الدوار أو من الدواوير الأخرى المجاورة خلال فصل الصيف أي بعد فترة وجيزة من موسم الحصاد، عكس الأراضي الأخرى الموجودة بالساحل أو بالشعيبات، غير أن دخول الرحامنة أثار هذا الشرخ والانقسام وطرح سؤال الملكية نفسه بقوة، لكن منذ تلك الفترة لم يرجع أي رحماني إلى الأرض الكرزازية، وظل الوضع على حاله.
يتبع
عبد الله عنتار/ 22 يناير 2018/ بنسليمان - المغرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي