الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية والتعليم في العراق ... جمود فكري وتخلف حضاري

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2018 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ازداد اهتمام الامم والشعوب بشؤون التربية والتعليم في العصر الحديث ازديادا كبيرا لم يسبق له مثيل لأن التربية والتعليم ركنان اساسيان يقوم عليهما كل اصلاح وتقدم في المجتمع , وان اي اصلاح في النظام التربوي والتعليمي, لابد من ان تنعكس نتائجه على حركة المجتمع وتطور مؤسساته المختلفة . لذا لابد من تحديد هوية النظام التربوي والتعليمي وفلسفته في بلادنا الذي يجب أن تستند الى عدد من المصادر الفكرية التي نوجز أهمها بالاتي:
1- التراث الحضاري لبلاد الرافدين.
2- الهوية الوطنية العراقية.
3- التعددية الثقافية والدينية والقومية والطائفية العراقية.
4- التسامح الديني ونبذ كل اشكال الحقد والكراهية والعنف بين ابناء الشعب.
5- الفكر التربوي العالمي واتجاهاته الحديثة.
6- التفاعل الانساني مع حضارات الامم والشعوب الاخرى.
7- التنمية المعرفية المستدامة.
ذلك ان اهداف نظم التربية والتعليم تعكس قيم الامم والشعوب وطموحاتها بهذا القدر او ذاك ,ففي الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال يقوم النظام التربوي والتعليمي على تنمية روح الاستعلاء والهيمنة والتسلط وحب الذات لدى الفرد الامريكي , وأنماء شعور التفوق على بقية شعوب العالم من منطلق أن الولايات المتحدة الامريكية هي القوة العظمى في العالم ,وان على شعوب العالم الاخرى تقديم فروض الطاعة للسيد الامريكي الاعظم بهذه الدرجة او تلك ,وفي احسن الاحوال ان لا تعارض تلك الشعوب ما تعده الولايات المتحدة حقا من حقوقها, او كما تطلق هي عليه مصطلح مصالح الامن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة. لذا تؤكد الخطط التربوية والتعليمية في الولايات المتحدة الامريكية على بناء التقنية المتقدمة والصناعة العسكرية المتطورة بما يضمن لها الهيمنة المطلقة على مقدرات الشعوب الاخرى. ولم تقف الولايات المتحدة عند هذا الحد بل راحت التربية تعزز قيما جديدة, الا وهي توكيد الشخصية الامريكية المثالية المتفوقة ذات النزعة الاحادية التي لاتسمح في الوقت نفسه للبلدان الاخرى بولوج ابواب العلم والتقنية المتقدمة ,وذلك لتوكيد الذات الامريكية المتسلطة ولربط عجلة التصنيع في تلك البلدان بعجلة التصنيع والتبعية الامريكية, وما العدوان الامريكي على بلادنا الا دليل ناصع على ذلك اذ جن جنون الولايات المتحدة من ان بلدا صغيرا بمقايس الحجوم الجغرافية كالعراق يختط لنفسه نهجا مستقلا في التنمية العلمية والتقنية وتوظيفها لمصلحة تقدم امته ورفاهية شعبه, لذا راحت تفتعل الحجج والذرائع الواهية، لشن اكبر عدوان عسكري في العصر الحديث على بلد امن وشعب مسالم بهدف تحطيم ارادته وتدمير مرتكزات نهضته العلمية والتقنية وتخويف الامم والشعوب الاخرى التي قد تفكر بالخروج على الارادة الامريكية التي تسميها زورا وبهتانا بالارادة الدولية تحت لافتة النظام الدولي الجديد وتحت غطاء الامم المتحدة المسلوبة الارادة.
فماذا حصل في العراق في أعقاب غزوه وإحتلاله عام 2003, قام المحتلون وأعوانهم بتدمير النظام التربوي والتعليمي برمته في العراق , هذا النظام المشهود له بالجودة والتمييز على صعيد البلدان العربية وعموم منطقة الشرق الأوسط, على الرغم مما إعتراه من تشوه في بعض مفاصله بسبب الحصار الظالم الذي فرض على العراق وشعبه لأكثر من عقد من الزمان دون وجه حق , تمهيدا لغزوه وإحتلاله في مطلع القرن الحادي العشرين بعدما أنهكت قواه ودمرت كل مقومات الحياة الكريمة فيه. كانت أولى خطواتهم السماح للرعاع بنهب ممتلكات المدارس والمعاهد والكليات والجامعات لتصبح بين ليلة وضحاها مبان صماء تحت مسمع ومرأى قوات الإحتلال الغازية .
لخص تقرير اليونسكو " التعليم في اطار الهجوم" الصادر في 20 شباط/ فبراير 2010, بأن " على الرغم من تحسن الوضع الامني في العراق, ان الحالة التي تواجهها المدارس والطلاب والاكاديمون لاتزال خطرة". كما نشر مدير جامعة الامم المتحدة معهد القيادة الدولية تقريرا بتاريخ 27 ابريل/ نيسان 2005 يشرح بأن منذ بدء الحرب سنة 2003, تم حرق و نهب و تدمير (84% ) من مراكز التعليم العالي في العراق. اضافة الى ان العنف المستمر دمر العديد من المدارس العراقية وان ربع المدارس الابتدائية العراقية بحاجة الى حملة اعادة تأهيل كبرى. منذ مارس/ اذار 2003, تم قصف اكثر من( 700 ) مدرسة ابتدائية, و تم حرق( 200 ) منها ونهب اكثر من( 3.000) مدرسة . اما نسبة المدرسين في بغداد قد هبطت بنسبة (80%) خلال الفترة بين مارس/ اذار 2003 و اكتوبر/ تشرين الاول 2008.
وبعدها شنت المليشيات وعصابات الجريمة المنظمة حملة إغتيالات طالت مئات التدريسيين ,وإجتثاث آلاف أخرى في إطار سياسة الإجتثاث سيئة الصيت بدعوى إنتمائهم لحزب البعث العربي الإشتراكي , في الوقت الذي كانوا يبشرون فيه ببزوغ عصر جديد قائم على الإنفتاح والتسامح والديمقراطية وحرية الرأي والمعتقد , وإذا بهم يحرمون الناس من لقمة عيشهم لا لذنب إرتكبوه , بل بتهمة إنتمائهم لفكر معين لا يروقوا لهم دون أن يكلفوا أنفسهم بالتحقق من صحة معلوماتهم أو حتى إتاحة الفرصة لبيان موقفهم , متجاهلين مقولة النظام الذي أسقطوه أن جميع العراقيين بعثيون وإن لم ينتموا, بمعنى أن جميع العراقيين الذين لم يغادروا العراق في ظروفه الصعبة ولم يعارضوا سياسة النظام , كانوا ضمن مسيرة الحزب دونما حاجة لضمهم لصفوف الحزب . وبذلك أفرغ المحتلون وأعوانهم العراق بعامة وقطاع التعليم العالي بخاصة من كوادره العلمية من ذوي الكفاءات والمؤهلات العالية والخبرة الواسعة التي تراكمت لديهم عبر سنين طويلة بالجهد المخلص والمثابر , لتحل محلها كوادر تدريسية ضعيفة التأهيل وقليلة الخبرة لتولي المناصب القيادية في الكليات والجامعات ومركز الوزارة , ليسهل عليها فيما بعد إنتهاج سياستها الطائفية المقيتة , حيث قامت بتسليم قطاع التربية لمكون طائفي معين , وتسليم قطاع التعليم العالي إلى المكون الطائفي الآخر , ليبث من آلت إليهم قيادة هذين القطاعين الحيويين, سمومه الطائفية فيهما دون رقيب أو حسيب , وتدوير قيادة القطاعين بين الحين والآخر بين هذين المكونين لتعم الفوضى أكثر بمحاولة كل وزير إجتثاث ما زرعه سلفه , وإستنبات منهجه الطائفي المعاكس.
سعت وزارتي التربية والتعليم العالي لغرس مفاهيمهما الطائفية في المناهج وأساليب التدريس وتكريس وجودها في جميع مفاصلها , وإبعاد العناصر القليلة المتبقية ممن لا تدين لها بالولاء من أية مواقع قيادية , وإسناد مواقع العمداء والمدراء العامين والمستشارين ووكلاء الوزارة وورؤساء الجامعات إلى عناصر أقل ما يقال عنها أن لا خبرة كافية لها ولا يمتلك الكثير منها المواصفات المطلوبة لإشغال هذه الوظائف , وبعضهم لم يمض على تخرجه سوى مدة قليلة , وآخرين لا علاقة لهم بسلك التعليم الجامعي إطلاقا , وقد لا يحمل البعض منهم أي مؤهل جامعي من جامعات رصينة معترف بها.ولتجنب الإجراءات القانونية التي يستلزم إتباعها لإشغال الوظائف القيادية حسب الأصول , فقد تم تعيين معظم العمداء والمدراء العامين والمستشارين ووكلاء الوزاة ورؤساء الجامعات "وكالة" بأوامر وزارية,ليكونوا جميعا ضمن حصة الوزير وتحت تصرفه كأداة طيعة لتنفيذ أوامره والتستر على فساد المؤسسات التعليمية التي باتت رائحتها تزكم الأنوف .ولا عجب أن نرى الجامعات اليوم باتت مسرحا للفساد بكل أنواعه وأشكاله من تزوير شهادات وبيع أسئلة إمتحانية ومناقشة رسائل ماجستير وأطاريح دكتوراه لا رصيد علمي لها , والأدهى من ذلك توجيه وزارة التعليم العالي إلى الجامعات تعيين حملة شهادات الماجستير والدكتوراه للأشخاص الحاصلين عليها من معاهد الحوزة الدينية في إيران ممن لم يحصلوا على شهادة الإعدادية العراقية التي تؤهلهم للدراسة الجامعية الأولية .كما لم يعد الحرم الجامعي حرما آمنا ومحرابا للعلم , فقد تناقلت وسائل الإعلام قبل مدة قليلة نشوب صراع عشائري مسلح بين مجاميع من الطلبة في أحد المعاهد التقنية ببغداد راح ضحيته بعض الطلبة, والله أعلم ما يحصل في معاهد وجامعات المحافظات البعيدة عن أنظار الوزارة.
ولأن أيا من هذين القطاعين لم يستقر بأيدي مكون واحد , لذا راح القطاعان يتذبذبان مرة بإتجاه مفاهيم هذا المكون ومرة أخرى بإتجاه المكون الآخر , بينما يتطلب النظام التربوي والتعليمي التكامل والوضوح والإستقرار لتلبية حاجات المجتمع ومواكبة التطورات العلمية والتقنية العالمية وإعتماد طرائق التعليم وتقنيات التربية المتطورة , وغرس روح حب العمل وتعزيز الهوية الوطنية ونبذ كل أشكال العنف والحقد والكراهية والعنعنات الطائفية والأثنية. ولا عجب أن نرى الفوضى العارمة تضرب أطنابها في جميع مفاصل التعليم العالي الرسمي والأهلي على حد سواء , إستحداث معاهد وكليات وجامعات دون دراسات جدوى فنية وعلمية وإقتصادية ,ودون توفر أبسط مستلزمات إستحداثها البشرية والمادية , وفساد مستشري في كل مكان وإنحدار أخلاقي وقيمي , وشهادات مزورة والقاب علمية مزيفة بات يتحدث عنها القاصي والداني, وكليات وجامعات أهلية لا هم لها سوى جني أرباح طائلة ومنح شهادات جامعية بدون أي رصيد علمي أو حتى تفرغ للدراسة.
ولما كان النظام التربوي والتعليمي في أي بلد من البلدان يسهم في بناء القاعدة العلمية والتكنولوجية واعداد الكوادر البشرية التي يحتاج اليها كي يتبوأ موقع الصدارة في ركب الحضارة الانسانية حيث التنافس على اشده لامتلاك ناصية العلم وحلقات التكنولوجيا المتطورة، اذن لابد من ايجاد نظام تربوي وتعليمي راق يتسم بالجودة والمرونة والقدرة على اكتشاف الموهوبين والمبدعين وتهيئة سبل النجاح والتقدم لهم. وبما ان الجامعات تمثل الريادة والقيادة في حركة المجتمع لما لها من تأثير وفاعلية في بناء الانسان العلمي القادر على استلهام التقنية الحديثة وتوظيفها لتحقيق اهداف المجتمع وفتح آفاق اوسع لتطوره وتنمية قدراته في جميع المجالات.لذا ينبغي الاهتمام البالغ بالجامعات لأنها ليست مراكزا للتعامل مع الموجود وانما هي مركز للبحوث والتصور الذي ينقل الموجود الى حالة افضل كي تستطيع الجامعات تسخير نفسها لخدمة القضايا الوطنية بفاعلية اكبر في مجالات زيادة الانتاج والطاقات الغذائية واختيار التقنيات وتوفير الحاجات الاساسية والتغلب على مشكلات التنمية وايجاد البدائل للمواد المصنعة في خارج القطر والتوصل الى انماط ثقافية وتعليمية في مواجة التصنيع وبناء القاعدة التكنولوجية ليس لردم الفجوة التكنولوجية بين قطرنا واقطار العالم المتقدمة فحسب، وانما لكسر احتكار هذة الدول لبعض حلقاتها المتقدمة ومحاولتها عوق الدول الاخرى لامتلاكها. وبذلك نضمن لبلادنا السير بخطا ثابتة في المسيرة العلمية العالمية وتأمين مستقبل اجيالنا في الحياة الحرة الكريمة. ولا يمكن للمنظومة التعليمية أن تحقق هذه الأهداف ما لم يتم إصلاحها إصلاحا جوهريا في الشكل والمضمون , وهذا أمر لا يمكن تحقيقه بمعزل عن إصلاح المنظومة السياسية برمتها التي تدير مقاليد الأمور في البلاد .ويحدونا الأمل أن تتضافر الجهود المخلصة لإنتشال منظومة التربية والتعليم من مأزقها في القريب العاجا إن شاء الله بعد أن طفح الكيل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج