الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنافسة الوجودية بين الاوراسية الروسية والاتحاد الاوروبي الاطلسي

جورج حداد

2018 / 1 / 24
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تمتاز السياسة الروسية حيال اوروبا عامة واوروبا الغربية خاصة بالرغبة في الانفتاح والتعاون بكل اشكاله. وفي المقابل فإن دول اوروبا الغربية تتعامل مع روسيا وكأنها ليست بلدا اوروبيا. وبالرغم من وجود تناقضات في السياستين الاميركية والاوروبية، فإن اوروبا الغربية تشكل مع اميركا "كتلة اوروبية غربية ـ اطلسية" معادية على العموم لروسيا وللشرق بأسره.
ومن ابرز الامثلة على ذلك:
ـ1ـ شنت المانيا النازية "الحرب الصاعقة" على الاتحاد السوفياتي (وقلبه روسيا) في 22 حزيران 1941، وألحقت به خسائر فادحة في الارواح ودمارا لا مثيل له. ولكن الشعب الروسي، ومعه الشعوب السوفياتية الاخرى، قاوم ببسالة منقطعة النظير. ووقفت الدول الاوروبية الغربية ومعها اميركا تتفرج عمليا، وكأنما كانت تنتظر ان يقوم هتلر بذبح البقرة الروسية، وبعد ذلك اما ان تتفاهم الكتلة الغربية مع هتلر على تقاسم الحصص والمصالح في البقرة المذبوحة او ان تشن الحرب على المانيا النازية بعد استنزاف قواها في المعركة ضد روسيا. ولهذا اخذت اميركا والدول "الدمقراطية" الاوروبية الغربية تماطل في فتح "الجبهة الثانية" للتخفيف عن "الجبهة الشرقية" التي تقودها وتتحمل اعباءها روسيا. ولكن بعد تغير مجرى الحرب وهو ما ظهر للعيان في الهزيمة الساحقة للهتلريين في معركة ستالينغراد الشهيرة التي استمرت 6 اشهر وانتهت في 2 شباط 1943، فكرت الكتلة الغربية في فتح "الجبهة الثانية" ضد المانيا النازية وذلك في عملية الانزال الخجولة في النورماندي بفرنسا في 6 حزيران 1944 اي بعد ان اخترق الجيش السوفياتي الحدود الالمانية وخشيت الكتلة الغربية ان يجتاح الجيش الاحمر كل اوروبا لكنس النازيين والفاشيين منها.
ـ2ـ في 1946 قام ونستون تشرشل بزيارة الى الولايات المتحدة، والقى خطابا امام الطلاب في احدى الكليات الحربية قال فيه ان الكتلة الغربية ارتكبت خطأ في انها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لم تتابع الحرب ضد الاتحاد السوفياتي. واعتبر ذلك الخطاب بمثابة تدشين للحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي.
ـ3ـ في اعقاب الحرب العالمية الثانية طرحت اميركا في 1947 ما سمي "مشروع مارشال" لتقديم المساعدات المالية والعينية لاوروبا الغربية (بما فيها المانيا الغربية) من اجل اعادة النهوض في اقتصاداتها المدمرة بنتيجة الحرب. ومع ان الاتحاد السوفياتي كان اكثر البلدان تضررا ودمارا ماديا وبشريا بسبب الحرب، ويعود له الفضل الاول في الانتصار على النازية والفاشية، فقد استثني من مشروع مارشال ومن اي شكل من اشكال المساعدة، بل عومل كبلد معاد لاميركا واوروبا. واتحدت الدول "الدمقراطية" الغربية والدول النازية والفاشية السابقة، بزعامة اميركا، في معاداة روسيا والاتحاد السوفياتي بكل الاشكال.
ـ4ـ وفي نيسان 1949 تم تشكيل حلف"الناتو" (منظمة حلف شمالي الاطلسي) الذي توسع بالتدريج الى ان اصبح يضم الان 29 دولة اورروبية بالاضافة الى اميركا التي تتزعم هذا الحلف العسكري. وقد ضم الحلف في صفوفه المانيا النازية السابقة وايطاليا الفاشية السابقة. والهدف الرئيسي للحلف هو مواجهة الاتحاد السوفيتي بحجة محاربة الشيوعية. ولكن حتى بعد انهيار النظام السوفياتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي فإن الحلف الاطلسي وسع لاحقا دائرة "اهتماماته" واصبح حلفا غربيا معاديا ليس فقط لروسيا بل ولكل دولة لا ترضى عنها اميركا والكتلة الغربية من صربيا الى ايران.
ـ5ـ في 1951 تأسست ما تسمى "السوق الاوروبية المشتركة" التي ضمت في البدء المانيا الغربية بالاضافة الى 5 دول اوروبية اخرى، وذلك من اجل التعاون الاقتصادي فيما بين هذه الدول. واخذت "السوق الاوروبية المشتركة" تتوسع بالتدريج وتعمق اشكال التعاون فيما بينها. وفي سنة 1992 تحولت "السوق الاوروبية المشتركة" الى ما يسمى "الاتحاد الاوروبي" الذي اصدر عملة اوروبية موحدة هي اليورو وتحول الى ما يشبه الفيديرالية الاوروبية وله "برلمانه الاوروبي" الخاص و"لجنته الاوروبية" التي هي شبه حكومة اوروبية موحدة. والهدف السياسي الاساسي للاتحاد الاوروبي هو عزل روسيا والوقوف ضدها. وبالرغم من وجود تعارضات بين مختلف دول الاتحاد الاوروبي وبينه وبين اميركا، فإن الاتحاد الاوروبي يسير على العموم في ركاب السياسة الاميركية ضد روسيا وضد اي دولة اخرى لا ترضى عنها اميركا.
وفي السنوات الاخيرة طرحت القيادة الروسية فكرة انشاء اتحاد اقتصادي اوراسي للتعاون بين القارتين الاوروبية والاسيوية. ولكن هذه الفكرة وجدت مقاومة شديدة من قبل الاتحاد الاوروبي واميركا.
ومقابل الطرح الروسي لاقامة مدى جيوبوليتيكي واقتصادي اوراسي واوروبي متكامل وموحد، فإن الكتلة الغربية طرحت مفهوم اقامة مدى اوروبي غربي ـ اطلسي بزعامة اميركا.
وهناك فارق جوهري بين هذين المفهومين يتمثل في:
ـ1ـ ان مفهوم اقامة مدى اوراسي ـ اوروبي يعني تجاوز المرحلة الاستعمارية القديمة والتعاون البناء والتكامل بين البلدان الاستعمارية السابقة والبلدان المستعمرة السابقة، بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية والمتخلفة، بين البلدان المنتجة للخامات والبلدان الصناعية، واخيرا لا آخرا بين الشرق والغرب.
ـ2ـ اما مفهوم المدى الاوروبي الغربي ـ الاطلسي (الاميركي) فيعني تكتيل الدول الصناعية الاستعمارية السابقة بوجه روسيا والصين والهند وجميع الدول النامية (المستعمرة وشبه المستعمرة السابقة) بكل ما يحمله ذلك من مخاطر التوتر والصدامات والمؤامرات والحروب الاقليمية وربما حربا عالمية ثالثة.
ـ3ـ ان مفهوم المدى الاوراسي ـ الاوروبي يقوم على قاعدة التعددية القطبية ستراتيجيا والتعددية الثقافية والسياسية والاقتصادية في العالم. اما المدى الاوروبي الغربي ـ الاطلسي فهو يقوم على قاعدة الاحادية القطبية لاميركا وهو ما سقط تاريخيا حتى على ايدي شعب صغير وفقير هو الشعب الكوري الشمالي البطل الذي ينصب الان صواريخه الباليستية المحملة بالرؤوس النووية والموجهة ضد جميع اراضي الولايات المتحدة الاميركية. فاذا كانت اميركا سقطت في الامتحان ضد كوريا الشمالية، فهل ستنجح في مواجهة روسيا والصين والهند والعالم العربي الاسلامي وكل شعوب ودول اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية؟
وتجدر الاشارة انه انطلاقا من المفهوم الاوراسي بادرت روسيا الى تأسيس "الاتحاد الجمركي الاوراسي" الذي ضم في البدء روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، وكانت مرشحة للانضمام اليه اوكرانيا في آخر عهد الرئيس السابق يانوكوفيتش. ولكن المعسكر الاميركي ـ الاوروبي الغربي نظم الانقلاب ضد يانوكوفيتش في شباط 2014 وآل مصير اوكرانيا الى ما هو عليه الان.
والان فإن مصير اوروبا الغربية كلها، كمصير اوكرانيا، سيؤول الى التفكك والانهياراذا تابعت السير في ركاب اميركا. وسيأخذ مجراه التاريخي الى التطبيق القول المأثور "ان اوروبا + روسيا هي كل شيء، ولكن اوروبا بدون روسيا هي لا شيء".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية