الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام والفخ الامريكي /غزو الكويت وحرب الخليج الثانية / الحلقة الرابعة

حامد الحمداني

2018 / 1 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


صدام والفخ الامريكي
غزو الكويت، وحرب الخليج الثانية
الحلقة الرابعة
حامد الحمداني 25/01/2018

سابعاً: تصاعد التوتر بين العراق والكويت:
بدأت العلاقات بين العراق والكويت تأخذ مجرى خطيراً، فالكويت تصّر على سياستها النفطية، وزيادة إنتاجها، متخطية حصتها المقررة بموجب قرارات الأوبك والعراق يطالبها بالالتزام، والعمل على رفع الأسعار، وكانت الولايات المتحدة تعمل في الخفاء على إذكاء الصراع بين البلدين، وإيصاله نحو الذروة، لدفع صدام حسين إلى المخاطرة باجتياح الكويت، وقد نصبت له فخاً محكماً عندما أبلغته السفيرة كلاسبي أن الولايات المتحدة لا تتدخل في الخلافات بين الدول العربية، وفي تلك الأيام انعقد مؤتمر الأوبك مرة أخرى لبحث الوضع المتأزم بين العراق والكويت، ومسألة الأسعار، وضرورة الالتزام بحصص الإنتاج لكل دولة.

ومرة أخرى أصر الوفد الكويتي على تجاوز حصته من الإنتاج، بدفع من الولايات المتحدة، مما دفع صدام حسين إلى إرسال رسالة إلى أمير الكويت، الشيخ جابر الأحمد الصباح يطالبه فيها باتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على مستوى معقول لأسعار النفط، والتقيد بحصص الإنتاج، لكن الرسالة لم تغّير مواقف الحكومة الكويتية، والتي هي إرادة الولايات المتحدة بالطبع، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين الطرفين.

حاولت كل من السعودية والأردن التوسط بين الطرفين، لكن المحاولة لم تثمر، بل على العكس من ذلك ظهرت أشياء جديدة أخرى على سطح الأحداث. فقد أخذ صدام حسين يتحدث عن حمايته لأمن الخليج بحربه مع إيران طيلة 8 سنوات!!، ودفع العراق ثمناً غالياً من دماء مئات الألوف من أبنائه، وردت الكويت على دعاوى العراق بأنها قد ساعدت العراق، حيث قدمت له بعد أسابيع من بداية الحرب قرضاً بمبلغ 5 بلايين دولار، وأنها كانت تصدر لحساب العراق 125 ألف برميل من النفط يومياً للإيفاء بالتزامات العراق المالية المتعاقد عليها مع الدول الأخرى لغرض التسلح.

أما صدام حسين فقد رد على حكام الكويت قائلاً: { إن الأموال هي أرخص تكاليف الحرب، وإن القرض هو دين علينا أن نرده، وأن العراق خسر مئات البلابين، ومئات الألوف من أرواح أبنائه دفاعاً عن الخليج}!!.
وردت حكومة الكويت بأنها هي أيضاً تعرضت لنيران الحرب، حيث جرى قصف منشآتها النفطية، وناقلاتها، واضطرت لشراء الحماية من الدول الكبرى لناقلاتها.
وجاء الرد العراقي متهماً الكويت بأنها لم توافق على إعطائه تسهيلات في جزيرتي [بوربا، وبوبيان]، وأن الكويت لو فعلت ذلك لاستطاع العراق تحرير الفاو منذ زمن طويل.

وردت حكومة الكويت بأنها لو أعطت تلك التسهيلات للعراق، لتمسك بها، ورفض الخروج منها، ولم يكد صدام حسين يسمع الجواب حتى بادر إلى القول بأن الجزيرتين عراقيتان، وسارع حكام الكويت إلى الرد بأن النظام العراقي بدأ يكشف عن أطماعه في الكويت.

وهكذا تصاعدت لهجة حكام البلدين إلى درجة تنذر بعواقب وخيمة، فقد اتهم العراق حكام الكويت باستغلال انشغال العراق في الحرب، للزحف داخل الأراضي العراقية، وتغير الحدود، وسرقة نفط حقل الرميلة الجنوبي، وأن الكويت باعت نفطاً من هذا الحقل ما مقداره[ 2000 مليون دولار].

وردت حكومة الكويت بأن العراق يرفض تثبيت الحدود بين البلدين، وأن له أطماع في الكويت، وأن ادعاء حكام العراق عن زحف مزعوم للحدود الكويتية تجاه العراق، وسرقة نفط حقل الرميلة الجنوبي لا أساس له من الصحة.

وفي واقع الحال كان العراق يتهرب دائماً من مسألة تثبيت الحدود بين البلدين بشتى الوسائل والأعذار، مدعياً بأن العراق منشغل في حربه مع إيران، وأن الوقت غير مناسب للبحث في هذا الموضوع.

وعندما انتهت الحرب، وعاد السلام إلى المنطقة، أرادت حكومة الكويت فتح باب الحدود من جديد، وتوجه ولي العهد الكويتي [ سعد العبد الله الصباح ] إلى بغداد، في 6 شباط 1989 لتقديم التهنئة للحكومة العراقية على انتهاء الحرب، ولفتح ملف الحدود.

وفي يوم وصوله، نشرت صحيفة القادسية ـ لسان حال وزارة الدفاع ـ مقالاً حول مسألة الحدود، قبل أن يطرحها الشيخ سعد، وكانت المقالة أشبه بعاصفة إعلامية، فقد أتهم المقال حكومة الكويت بقضم أراضٍ عراقية، وأعاد إلى الأذهان أن جزيرتي بوربا وبوبيان عراقيتان.

أثار الشيخ سعد، في أول لقاء له مع السيد عدنان خير الله نائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، موضوع الحملة الصحفية، التي قيل آنذاك أن صدام حسين نفسه، هو الذي أملى المقال على الصحيفة، وأشار الشيخ سعد بأنه فكر في قطع الزيارة، والعودة إلى الكويت، وكان رد الوزير العراقي، أن قطع الزيارة ليس في صالح العلاقات العراقية الكويتية، وهكذا
رضخ الشيخ سعد للواقع، وعقد لقاءات مع طارق عزيز، وزير الخارجية، وعزت الدوري، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وجرى خلال اللقاءات نقاش حول الحدود.
ثم حان وقت لقاء الشيخ سعد بصدام حسين، وتحدث صدام مع الشيخ سعد، وكأنه لا يعرف شيئاً عن الموضوع، وطلب من الشيخ سعد أن يلتقي مرة أخرى بطارق عزيز ويبحث معه الأمر، وأبلغه بأنه مخول بكل شيء، ثم التفت صدام إلى طارق عزيز قائلاً له:
{لابد وأن تحلوا هذا الموضوع، شكلوا لجنة على أعلى مستوى، ودعونا ننتهي منه}.

أقترح طارق عزيز أن تكون اللجنة بمستوى الجانب الكويتي، أي أحد نواب رئيس مجلس قيادة الثورة، بالإضافة إلى وزيرا خارجية البلدين.
وفي نهاية أيلول 1989، قام أمير الكويت بزيارة رسمية إلى بغداد، غير أنه لم يجر التطرق خلال الزيارة إلى مسألة الحدود، إلا أن أحد الوزراء المرافقين للأمير سأل رئيس الوزراء سعدون حمادي عن إمكانية عقد معاهدة عدم اعتداء بين البلدين، على غرار المعاهدة العراقية السعودية، وقد أجابه سعدون حمادي بأن الوقت غير مناسب، قبل الانتهاء من مسألة تثبيت الحدود.

وهكذا عاد أمير الكويت إلى بلاده دون أن يحقق شيئاً، وبعد شهرين من تلك الزيارة اشتدت الخلافات بين البلدين حول موضوع الالتزام بحصص الإنتاج وسقفه، وحول مسألة الأسعار، واتهم صدام حسين كل من الكويت والإمارات العربية بتخريب اقتصاد العراق.

وفي كانون الثاني 1990، توجه سعدون حمادي إلى الكويت، وأجرى مباحثات مع وزير الخارجية صباح الأحمد الصباح، وطلب من الحكومة الكويتية قرضاً بمقدار [10 بلايين دولار]، وقد أجابه الشيخ صباح بأن الحكومة سوف تدرس الموضوع وترد على العراق فيما بعد.
وبعد شهر تقريباً من تلك الزيارة قام الشيخ صباح الأحمد بزيارة إلى بغداد، وأجرى لقاءات مع المسؤولين العراقيين، ولمح خلال الاجتماع إلى الديون الكويتية على العراق، وأبلغهم أن الكويت لا تستطيع أن تقرض العراق أكثر من 500 مليون دولار]، تضاف إلى الديون السابقة، مما أثار غضب صدام حسين، وجعله يصمم على غزو الكويت.

ثامناً:المخابرات الأمريكية تراقب التحركات العسكرية العراقية

في السادس عشر من شهر تموز 1990 كشفت المخابرات العسكرية الأمريكية عن تحرك عراقي يضم 3 فرق عسكرية كاملة الاستعداد نحو الجنوب، باتجاه البصرة والكويت، وهذه الفرق هي [فرقة حمو رابي] و[فرقة المدينة المنورة ] و[فرقة توكلنا على الله] .
وعلى الفور أستدعى رئيس أركان الجيش الأمريكي [كولن باول] الجنرال [شور تزكوف]، قائد القيادة المركزية المخصصة للتدخل السريع في الشرق الأوسط ، حيث أكد له حقيقة تلك التحشدات.
وفي 30 تموز، كشف [والتر لانج] مسؤول المخابرات العسكرية في الشرق الأوسط، أن الحشد العسكري العراقي يبدو معداً للهجوم، وعلى أثر ذلك التقرير عن التحركات العراقية، أقترح رئيس أركان الجيش الأمريكي على وزير الدفاع أن توجه الحكومة الأمريكية تحذيراً للعراق، وقد طلب وزير الدفاع منه مهلة لأخذ رأي الرئيس بوش، ولما تم لقاء وزير الدفاع بالرئيس، عرض عليه اقتراح كولن باول. إلا أن الرئيس سارع للقول بأنه لا يرى ضرورة لتوجيه تحذير!!. (16)

لقد كان واضحاً أن الولايات المتحدة كانت تريد بالفعل أن يقدم صدام حسين على غزو الكويت لكي تجد المبرر الذي تريده لتوجيه ضربة قاضية للعراق، وتجرده من كل أسلحة الدمار الشامل، وتحطم بنية العراق الاقتصادية، وتعيده خمسون عاماً إلى الوراء.

تاسعاً:خطاب صدام حسين، ورسالته للجامعة العربية:

في 17 تموز 1990، وبمناسبة ذكرى انقلاب 17تموز 1968، ألقى صدام حسين خطاباً نُقل عبر الإذاعة والتلفزيون، تعرض فيه للوضع المتأزم في منطقة الخليج، وتدهور العلاقات العراقية الكويتية، والعراقية الأمريكية، وكان أهم ما ورد في الخطاب قول صدام:

{ أن الولايات المتحدة تستخدم دولاً عربية في تنفيذ مخططاتها تجاه العراق، عن طريق إغراق الأسواق العالمية بفائض الإنتاج من النفط، لكي يؤدي ذلك إلى خفض وتدهور الأسعار، وقد سعت إلى حث دول الخليج على عدم الالتزام بسقف الإنتاج، ونظام الحصص، وذلك بغية خنق العراق اقتصاديا}.

لم يحدد صدام حسين أسم الدول المعنية، إلا أن طارق عزيز، وزير الخارجية، قدم فيما بعد رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، أثناء انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في تونس، لبحث مسألة هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل، وتضمنت الرسالة شكوى العراق من السياسة التي تتبعها حكومة الكويت، والإمارات، وما تسببه من أضرار للعراق.

وذكرت الرسالة أن الكويت كانت قد استغلت انشغال العراق في حربه مع إيران، وقامت بزحف تدريجي مبرمج نحو الأراضي العراقية، وأقامت المنشآت العسكرية، والمخافر فيها، واستغلت حقل الرميلة الجنوبي باستخراج النفط منه، وبيعه في الأسواق العالمية، بما يتجاوز 2400 مليون دولار.
وبسبب ظروف الحرب فقد سكتت حكومة العراق آنذاك، مكتفية بالتلميح، فيما استمرت الكويت على إجراءاتها المذكورة، كما أشارت الرسالة إلى أن الكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة، قد خرقتا نظام الحصص، الذي أقره مؤتمر الأوبك، وقامتا بزيادة إنتاجهما من النفط، وإغراق السواق العالمية بالنفط، مما سبب في انخفاض أسعاره إلى أدنى
مستوى يصله منذُ عام. فبعد أن كان قد وصل سعر البرميل الواحد إلى 29 دولاراً، عاد وهبط إلى مستوى 11 دولار، وقد أضّر هذا العمل بمصالح العراق الاقتصادية بشكل خطير.

وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة يمر بها العراق، بعد حربه الطويلة مع إيران، فقد خسر العراق خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين عامي 1981ـ 1990 حوالي[89 مليار دولار] وإن العراق يعتبر عمل الكويت والإمارات بمثابة عدوان عليه.

وقد ردت الحكومة الكويتية بمذكرة رسمية وجهتها إلى الجامعة العربية، ورفضت فيها الاتهامات العراقية، واتهمت العراق بأنه هو الذي أعتدى على أراضيها، وحفر آباراً فيها، واستولى على نفط كويتي، واختتمت المذكرة الكويتية بطلب إلى الأمين العام للجامعة لتشكيل لجنة تابعه تتولى تسوية النزاع مع العراق على الحدود. أما حكومة الإمارات العربية المتحدة فقد أنكرت ما ورد في مذكرة العراق، وأعربت عن استغرابها لهذا الاتهام.

وفي تلك الأيام، كانت تقارير الأنباء تشير إلى قيام العراق بحشد قواته في الجنوب واستطاع أحد الملحقين العسكريين الغربيين أن يشاهد طابوراً من المركبات العسكرية وقد جاوزت[ 2000 مركبة]، وكانت الملحقات الغربية، ودول الخليج تتابع بقلق أنباء التحشد العسكري العراقي، ووصل الأمر بالسفير الكويتي إبراهيم الدعيج أن يرسل برقية إلى حكومته قال فيها:
{ إنني لا أريد التسبب في إثارة ذعرٍ لا مبرر له، ولكني تلقيت معلومات كثيرة عن تحرك قوات عراقية كبيرة إلى الجنوب، وإنني لم أشأ أن أسأل الحكومة العراقية عن أسباب ذلك التحشد، فأنا واثق بأن جواب الحكومة العراقية سيقول بأن المقصود بذلك إيران وليس الكويت، ولكن هذه التحركات تثير الشكوك}. (17)

أراد السفير الكويتي التأكد من تحركات القوات العراقية، عن طريق السفيرة الأمريكية [إريل كلاسبي]، حيث أقترح عليها زيارة الرئيس صدام حسين، للتأكد من نواياه تجاه الكويت.
ولم يدرك حكام الكويت في بادئ الأمر ما كانت تخططه الولايات المتحدة، ولا عن الفخ الذي نصبته للنظام العراقي، وتشجيعها له، بصورة غير مباشرة للإقدام على مغامرته في اجتياح الكويت، لكي تجد المبرر الضروري لتوجيه ضرباته القاضية للعراق، والتخلص من أسلحته ذات الدمار الشامل، وكافة مصانعه الحربية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة