الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألم الوعي في رواية ،،ثرثرة فوق النيل ،، لنجيب محفوظ

حاتم بن رجيبة

2018 / 1 / 25
الادب والفن



هناك تشابه كبير بين رواية ،، ثرثرة فوق النيل ،، لنجيب محفوظ ورواية ،، الغريب,, لألبار كامو من حيث المحاور الوجودية المطروحة.رائعتان من الأدب العالمي الخالد .


الملخص :

تدور أحداث الرواية في مدينة القاهرة. أنيس زكي هو الشخصية الجوهرية :موظف في وزارة الصحة في قسم المحفوضات. درس الطب والقانون والعلوم لكن لم يسعفه الحظ والمال لمواصلة دراسته الجامعية. تحصل على الوظيفة بوساطة صديق طبيب. فقد زجته وابنته منذ عشرين سنة إثر مرض لم يذكر.أدمن على المخدرات جراء تلك المصيبة ويلاقي صعوبات في العمل جراء إدمانه. يجتمع مع خلانه كل ليلة فوق عوامة على سطح النيل . تضم الشلة ممثلين عن الطبقة البرجوازية المثقفة من الجنسين : من كاتب، محام، صحافي، مالك عقارات، فنان، مترجمة ...يجمعهم الحشيش والسخرية والامبالاة والعبث. أنيس يهتم بإعداد الجوزة مقابل السكن مجانا في العوامة أما عم عبده فيهتم بالعوامة حتى لا تغرق ويوفر المخدرات للشلة والعاهرات لأنيس .

يتغير مجرى الأحداث بظهور الصحفية سمارة التي تود التعرف على أفراد المجموعة من قبيل الفضول والرغبة في الصداقة في الظاهر لكن في السر لكتابة مسرحية تدور أحداثها حول ما يجري فوق العوامة.
تنشأ أزمة حادة صلب الجماعة إثر اصطدام السيارة بمار في طريق العودة بعد فسحة ليلية وفرارهم تاركين الجريح ينزف. سمارة رغبت في تحمل المسؤولية أى إسعاف المصاب لكن المجموعة رفضت خشية الفضيحة والعقوبة. قرر أنيس الإبلاغ عن الحادث لتنشأ معركة بينه وبين رجب . تنتهي الرواية دون أن نعلم هل ذهب أنيس أو سمارة للإبلاغ عن الحادث والجريمة.

الشخصيات :

أنيس زكي: الشخصية الرئيسية تروى الأحداث من طرفه ومنظاره. هو ،،موظف خائب، زوج سابق، أب سابق . صامت ذاهل ليلا ونهارا ! مثقف يقال ولا يملك من الدنيا إلا مكتبة دسمة. يخيل إلي أحيانا أنه نصف مجنون ، أو نصف ميت . نجح أن ينسى تماما ما يهرب منه . نسي نفسه ...يمكن أن تطمئن إليه كما تطمئن إلى مقعد خال ،،كما وصفته سمارة . بدأ الإدمان على الكيف منذ عشرين سنة أي منذ وفاة زوجه وابنته، في شهر واحد بمرض واحد ،، لم يعد للقلب ما يحمله منذ دفن في التراب أعز ما كان يملكه ... ولي أمر (أنيس منصور )عوامتنا حياته كلها لا معقولة مذ هاجر الدنيا من حوالي عشرين عاما ،، وقع الصدمة جعله ييئس ويفقد الأمل ليلتجئ إلى هجر الدنيا والعيش في عالم الحشيش و الهلوسة واللاوعي.

الشلة : تتكون من ممثلين عن البرجوازية أو الطبقة المتوسطة من محام وكاتب و صحفي ومالك عقارات ومترجمة ...طبقة ميسرة ماديا لا هي بصانعة القرار ولا بالكادحة المنشغلة بالصراع ضد الحاجة والفاقة. يجتمعون فوق العوامة لتناول الكيف والمزاح والسخرية وممارسة الجنس. جلسات مجون وبوهامية ،،فقال مصطفى راشد محركا تفاحة آدم : وفضلا عن ذلك فإن الدنيا لا تهمنا كما أننا لا نهم الدنيا في شيء ...نحن نعمل للرزق في النصف الأول، ثم نجتمع بعد ذلك في زورق ليسبح بنا في الملكوت . فسألت باهتمام حقيقي (سمارة بهجت ):ألا يهمكم حقا مما يدور حولكم؟- قد ينفعنا أحيانا كمادة لضحكنا...لعلك تقولين لنفسك إنهم مصريون، إنهم عرب، إنهم بشر، ثم إنهم مثقفون، أفلا يمكن أن يكون هناك حد لهمومهم ؟ الحق أننا لا مصريون ولا عرب ولا بشر، نحن لا ننتمي لشيء إلا هذه العوامة ،،

سمارة بهجت : صحفية جادة تزور الشلة قصد التعارف وكسب أصدقاء في الظاهر وفي الباطن لكتابة مسرحية حول ما يدور فوق العوامة يكون محورها الصراع بين الجدية والعبث،،ليكن الحق أنني أؤمن بالجدية!... إمرأة مزعجة تقتحم علينا بديهيات الحياة. ماذا تريد؟ وكيف يمكن أن ننسطل في مطاردة مستمرة حامية؟،، سمارة مختلفة عن الشلة فهي لا تشاركهم مجونهم بل تسعى لإقناعهم بالتخلي عن سلبيتهم ولا مبالاتهم وعبثيتهم مقدمة إيمانها بالجدية والمسؤولية كبديل ومحل أفضلية لتحتل تفوق أخلاقيا يجعلها تبرز كالواعضة ورمزا للفضيلة بينما الآخرون رمزا للإنحطاط إلى أن يحدث الحادث وينقشع القناع وتتنصل من المسؤولية بالفرار وعدم إسعاف المصاب وعدم الإبلاغ عن الحادث .سمارة هي رمز للوعاظ مثقفون ورجال دين وساسة يدركون الخير من الشر لكن ينسحبون من تحمل المسؤولية عندما تكون مصالحهم مهددة .

عم عبده:هو خفير العوامة يسهر على شد الحبال وتثبيتها حتى لا تغرق، ينظف ويرتب كما يقتضي الحشيش والكيف للجماعة والعاهرات لأنيس زكي متدين وورع يصعب تحديد رمزه في الرواية ، هل يرمز للشعب الكادح الساهر على إنتاجية المجتمع ولولاه لما قام المجتمع ،،هو عملاق حقا ولكنه لا يكاد يتكلم، يعمل كل شيء ولكنه لا يتكلم إلا فيما نضر، ويخيل إلينا كثيرا أنه غارق أبدا في لحظته الراهنة، ولكن لا يمكن الحزم في ذلك بشيء قاطع، وأعجب شيء أنه قد يصدق عليه أي وصف: فهو قوي وضعيف وهو موجود وغير موجود وهو إمام المصلى المجاور وهو قواد ،، تماما مثل الشعب فهو عملاق وقوي عندما يثور وينتفض لكنه أيضا ضعيف يمكن استغلاله وتضليله واستعباده ،هو المنتج للثروة لكنه فقير محتاج. هو محافظ ومتدين وفي نفس الوقت فاسق ويسعى وراء اللذات ما أمكن له سبيلا.

التحليل:

،،ثرثرة فوق النيل ،،رواية يتناول فيها نجيب محفوظ حسب رأيي جملة من القضايا الوجودية نوقشت في شكل جدل و،،ثرثرة،، مساطيل مع صحافية تدعي الجدية والتي كانت بمثابة الواعظ أو منشط النقاش. من أهم المحاور هي :1- معنى الحياة: بينما ترى الشلة أن لا معنى للحياة ،،وقال لنا حياة وقد أوغلنا في الفهم حتى أدركنا ألا معنى...الجدية أن يكون للحياة معنى فما المعنى؟،، بينما ترى سمارة أن إرادة الحياة هي الهدف والمعنى ،، فعلى أي أساس جديد نقيم المعنى ؟وقالت بإيجاز :-إرادة الحياة !...إرادة الحياة هي التي تجعلنا نتشبث بالحياة بالفعل ، ولو انتحرنا بعقولنا فهي الأساس المتين المتاح لنا ،،

2- العبث والسلبية ضد الجدية والمسؤولية : ترى المجموعة أن العبثية والسلبية هي نتيجة حتمية لحياة لا معنى لها ،،العبث هو فقدان المعنى ، معنى لأي شيء .انهيار الإيمان ، الإيمان بأي شيء . والسير في الحياة بدافع الضرورة وحدها دون اقتناع وبلا أمل حقيقي ،، بينما تؤمن سمارة بالجدية وما يتبعها من ضرورة المعنى والحقيقة والمسؤولية ،، الإنسان واجه العبث قديما وخرج منه بالدين ، وهو يواجهه اليوم فكيف خرج منه؟...وقد اكتسبنا لغة جديدة وهي العلم... العلم هو رمز الحقيقة وبديل الدين لمواجهة العبثية واللا معنى... ولنا في العلماء اسوة ومنهجا فهم لا يقعون في العبث أبدا ،،

آراء وثوابت سمراء تبدو متماسكة فبالإقرار بأن الهدف هو بكل بساطة الحياة وأنه من حقنا أن نحيا بمعنى أن نعيش سعداء علينا بالتحلي بالجدية وتحمل المسؤولية تجاه كل ما يعرقل سعادة الفرد والمجموعة كمحاربة الفساد والظلم والتطرف والجهل والإستغلال والقهر ...الفرد يسهل عليه التنصل من مسؤوليته في مجابهة قوة جبارة مثل الدولة والشرطة والجيش ...لكن المواجهة تكون شاقة وصعبة حينما يكون الفرد مسؤولا مباشرة عن أثم اقترفه.

أفراد الشلة حتى سناء الواعظة التي خالت نفسها إنسانة جدية ومسؤولة تنصلت من مسؤوليتها تجاه الفلاح الذين صدموه بالسيارة ليتركوه ينزف ويفروا. الإضطلاع بالمسؤولية يتطلب شجاعة كبيرة لا تتحملها إلا النفس الطاهرة والنابذة للأنانية ،،كلنا أوغاد لا أخلاق لنا يطاردنا عفريت مخيف اسمه المسؤولية ،،

المحور الثالث هو عذاب الوعي : الوعي والتفكير المبهم والبحث عن كنه الأشياء والإجابة عن السؤال : لماذا كذلك الوعي بالمسؤولية. هذا الوعي يمثل عبئا ثقيلا على الإنسان ،يحاول مقاومته بالدين والحشيش والكحول وكل أنواع التخدير واللهو ، قلة فقط تواجه هذا العبء الثقيل بفكر صاح وشجاعة بتحملها للمسؤولية تجاه الآخر والمجتمع والمحيط ،، وقال محدثا نفسه(أنيس زكي):أصل المتاعب مهارة قرد !...تعلم كيف يسير على قدمين فحرر يديه. وهبط من جنة القرود فوق الأشجار (اللاوعي)إلى أرض الغابة ...وتقدم نحو طريق لا نهاية له ،،.

أنيس زكي بطل الرواية يخرج في نهاية الرواية من اللاوعي ويستفيق من سباته مثل الإنسان الأول حين غادر عالم القردة والحيوانات ويقرر تحمل المسؤولية تجاه نفسه وأعماله وتجاه المجموعة والمحيط تماما مثل بطل قصة الغريب لألبار كامو حين يعي بإثمه ،، استقبل الطريق مفيقا لأول مرة (أنيس زكي ). بباطن بعيد كل البعد عن السلطنة والخيال والضحك ،،.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا