الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة أكتوبر والتحرر الوطني في القرن الواحد والعشرين

وليد شرارة

2018 / 1 / 26
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا




ثورة أكتوبر منعت سقوط روسيا ومعها القسم الأكبر من الدول والشعوب الخاضعة للإمبراطورية القيصرية في براثن القوى الإمبريالية الغربية التي كانت في أوج توسعها في أرجاء المعمورة خلال تلك الحقبة من التاريخ. ما كان لمصير هذا البلد أن يكون أفضل من مصير السلطنة العثمانية التي اجتاحتها جيوش الغرب وقسمتها أو من مصير غالبية دول الجنوب التي توزعت ما بين مستعمرات وأشباه مستعمرات تابعة لهذه الدولة الغربية أو تلك لو لم تتنتصر هذه الثورة.

وقد عزز من مناعتها نجاح الحزب البلشفي في حسم الحرب الأهلية التي تلتها لمصلحته، على الرغم من تدخل القوى الغربية المباشر للقتال إلى جانب أعدائه الروس البيض، ومن ثم في بناء دولة مركزية قوية وجيش جرّار وتحديث وتطوير البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية.
طبيعة الاتحاد السوفياتي ما زالت حتى اليوم محط جدال بين من يعتبر أنه كان نظاماً اشتراكياً بالفعل وبين من يرى أنه كان دولة عمالية مشوهة أو حتى برأي آخرين مجرد رأسمالية دولة. لكن المؤكد أن البلاشفة، بغض النظر عن قناعاتهم العقائدية ونواياهم، أنجزوا وظيفة وطنية بامتياز إذ حافظوا على وحدة واستقلال روسيا، وهي كانت قبل الثورة دولة متداعية مرشحة للتفكك والانهيار، وعلى البلدان الخاضعة لنفوذها في ذروة الاستباحة الاستعمارية للعالم غير الغربي. وعلى أنقاض الإمبراطورية القيصرية، نشأ الاتحاد السوفياتي الذي تحول إلى قطب دولي بارز بفترة وجيزة نسبياً.
الوظيفة الوطنية لثورة أكتوبر من منظور تاريخي هي السبب الأول لعداء القوى الإمبريالية الغربية لها، وهو عداء مستحكم ومستديم لم يبرد رغم مرور أكثر من ربع قرن على انهيار الاتحاد السوفياتي. يظهر التعاطي الإعلامي لأجهزة الدعاية الغربية الخاضعة أكثر من السابق لمصالح المجموعات الاقتصادية والمالية التي تمتلكها ولسياسات حكوماتها، مع ذكراها المئوية هذا الواقع بجلاء. ويظهره أيضاً مناصبة هذه الأجهزة العداء للنظام الروسي الحالي، بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، رغم الاختلافات الكبرى في الطبيعة والأسس الأيديولوجية والسياسات بين القيادتين والنظامين. وجه الشبه الوحيد بينهما هو في الدور الذي اضطلعت به القيادتان في مرحلتين حرجتين من تاريخ بلدهما. عند وصول بوتين إلى السلطة كانت روسيا في طور التحول مجدداً إلى دولة متداعية مهددة بالانهيار بعد فترة حكم الرئيس بوريس يلتسين التي سيطرت خلالها مافيات الفساد السياسي والمالي، المرتبطة بشركات أميركية وغربية، على مؤسسات الدولة ومواردها. تم بيع جزء معتبر من القطاع العام بأبخس الأثمان وبدأت الحكومة المركزية تفقد السيطرة على مناطق واسعة من البلاد ووقعت تحت سطوة تحالف المسؤولين المحليين والمافيات المشار إليها سابقاً. دفع هذا الواقع زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر وأبرز الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين، إلى أن يتنبأ ببراءة شديدة، في كتابه الشهير «رقعة الشطرنج»، بحتمية أن تنقسم روسيا إلى ثلاث دول. لكن بوتين وفريقه استطاعوا أن يغيّروا مجرى الأحداث ويطهروا مؤسسات الدولة نسبياً من مراكز القوى ذات الارتباطات الخارجية ويعيدوا سيطرتها الفعلية على كامل مناطقها وأطرافها. وعادت روسيا لتحتل موقعاً هاماً على المستوى الدولي.
التطورات التي تلت ثورة أكتوبر لم تكن مطابقة لتوقعات لينين والبلاشفة. فبدلاً من انتقال العدوى الثورية من الحلقة الضعيفة للمنظومة الرأسمالية، أي روسيا التي وصفت كذلك بسبب تخلف بناها الاقتصادية والاجتماعية، إلى حلقاتها القوية أي دول المركز الرأسمالي الغربي، انتقلت هذه العدوى إلى الجزء المستعمر من العالم. جميع الثورات التي حملت راية الاشتراكية وانتصر بعضها خلال القرن العشرين في الصين وفييتنام وكوبا وأنغولا وموزمبيق وزيمبابوي كانت في الواقع حروب تحرير وطنية ضد الاستعمار. وكما كان الحال مع ثورة أكتوبر، أنجزت هذه الثورات مهامها الوطنية بجدارة فانتزعت استقلال بلدانها وطورت، بدرجات متفاوتة جداً أحياناً بين بلد وآخر، بناها الاقتصادية والاجتماعية وأدخلت تحسينات نوعية على مستويات حياة شعوبها. وقد سمح ميزان القوى الجديد على المستوى الدولي الناجم عن انتصار هذه الثورات لعدة دول أخرى في الجنوب، كدول جنوب شرق آسيا، أن تستفيد من التناقضات بين القطبين الدوليين لتحقق هي الأخرى إنجازات كبرى في المجالات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية ما كانت القوى الغربية لتقبل بها لولا ضرورات الصراع مع الاتحاد السوفياتي والصين والدول الاشتراكية.
مئة عام بعد أكتوبر، ما زال التحرر الوطني هو القضية المركزية للشعوب العربية ولشعوب أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية. فحروب التدخل العسكري الإمبريالية ومنظومة السيطرة والنهب المعولمة ووكلائها المحليين حولوا دولها إلى دول منكوبة أو متداعية وقطاعات واسعة من شعوبها إلى كتل هائمة مشردة داخل أو خارج بلدانها نتيجة الحروب وسياسات التصحيح الهيكلي أي تدمير الريف والقطاع العام والصناعات الوطنية والمزيد من إفقار وتجويع الفقراء. إعادة صياغة مشروع للتحرر الوطني مسألة مصيرية، مسألة بقاء بالنسبة للشعوب المنكوبة حتى تستعيد الأمل في الحد الأدنى من الحياة الكريمة ولو في مستقبل بعيد. ودون ذلك المزيد من الخراب والدمار والموت اقتتالاً أو غرقاً في قعر البحار...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس