الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سهرة مع عائلة سوريّة

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2018 / 1 / 26
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية



بينما كان يضع كأسه الأوّل على الطاولة، ويجلس كالعظيم، بينما زوجته تروح وتجيء بين يديه لتثبت له وفاءها. كنت أراقب الوضع دون استغراب لأنه يتكرّر كثيراً. سوف استعمل اسم " ولي" بدل اسم المرأة فاسمها جميل، وهيئتها من العبيد. قال لها بجمل قصيرة حازمة:
ولي جيبي المازة
ولي ليش الخبز مومحمص
ولي أكلك موطيب. جيبيلي علبة لحمة وشيلي هالوسخ.
هي لم تكن ترغب بإدخالي بيتها. ترغب أن تأتي إليّ وتغدق عليّ بالمكدوس، والمربى ،كنا في الإمارات حيث عشت لفترة طويلة. كانت مكسورة عندما تتغربل أمام زوجها خائفة تشعرك أنّها تحوّلت إلى حيوان يخشى صاحبه.
رغبت أن أغادر على الفور، ولكن الزوج استوقفني، تحدث لي كم هو عظيم، وأشعرني كم كنت مغفلة كبيرة في حياتي، فللعب شروط لا يعرفها سوى الأذكياء.
عندما صب الكأس الثاني لم يعد يلتفت إلى زوجته، فقط كان ناصحاً لي أن أبتعد عن الإسلام، وقال بأنني أجلّ ذلك الرّجل الذي لم يضع خانة الدين على الهوية. سألني: هل عرفت من هو؟ هززت بكتفيّ أن لا. قام وقال: الرّائع حافظ أسد.
أتحاشى أن أخوض نقاشاً مع أحد عن عبد الناصر، أو صدام، أو الأسد، أو حتى عن نزار قباني، ومظفر النواب، ومحمود درويش، وياسر عرفات، وحماس، وقوات الحماية الكردية فأغلب النّاس ينتمون لهؤلاء، و قد يكون قسم منهم كان ضد الظلم.
لزمت الصّمت في الجلسة، وبينما كان يصبّ الكأس الثالث حاولت أن أهرب من الموقف، وأودّع العائلة، لكن هيهات!
استمرت السهرة حتى الواحدة بعد منتصف الليل، وانتهت قنينة الكحول، فأتى بقنينة بيرة وسكب لي كأساً، وله كأس. لم أتجرأ أن أقول له أنا لا أشرب، فقد يجلب ذلك لي حديثاً عن الحرية الحقيقية، والدّجل الذي أمارسه كونني لا أشارك رجلاً عظيماً لحظة حاسمة. تركت الكأس أمامي، وبينما ذهب خلف زوجتها يضربها في غرفة أخرى قلبت أكثر البيرة في المجلى ، فقد كان يلاحظ أدّق التّفاصيل حتى بعد أن ألمّ به السّكر.
عاد إليّ، وقال: أرأيت كم هي متخلّفة؟ هي تستحق الضّرب. النساء يشعرن بالاهتمام عندما يضربهن الرجل، ويتحدثن في جمعاتهن بحبّ عن ذلك، وتقول إحداهنّ" ابن عمي ضربني" أتدرين لماذا ضربتها؟ كي أفهمها أنّني الرّجل هنا، وكي أعطيها درساً في التّقدمية. أختها وزوجها أصبحا مع الإمبريالية ، مع الغرب، ومع حلف الأطلسي. ليس لهم عمل سوى رفع علم هؤلاء الإرهابيين الذين يسمون أنفسهم ثورة، قطعت لزوج أختها كرت، فقالت أنني أغار منه.
قد تظنون أنّني جاوبته كي يخرس دفاعاً عن حقوق المرأة. طبعاً لا. التزمت الصّمت. ثم صرخ بملء صوته: "ولي عمليلنا قهوة إلي وللأستاذة".
أتت بالقهوة وهي تمسح دموعها، وابتسمت لي، أمسكها من شعرها وأجلسها بالقوة: اجلسي كي لا تقولي لي غداً جلب عشيقاته. أنا لم أجلبها. هي أتت من تلقاء نفسها.
وبدأ يصرخ: يا حقيرة. سوف أقتلك، وقف، ثم سقط أرضاً ، فجرته ووضعته في سريره، وقالت لي امنحيني خمس دقائق، وأوصلك بسيارتي, آسفة لم أكن أرغب أن أجلبك، لكنّني قلتها كلمة كي لا تظنين أنني آتي إليك، ولا أرغب أن تزوريني.
الآباء هم المدرسة الأولى، وهذه الدّروس يتعلّمها الأطفال، ربما ينجو بعضهم.
تربى أطفال السيدة وكانوا مراهقين عندما زرتها في هذا الجو المشحون، وأرسلت ولديها إلى اسبانيا حيث تورط أحدهم في جريمة شروع بالقتل تحت تأثير الكحول في الإمارات، و أرسلت لي تقول بعد سفر أولادها: يمكنني الآن أن أترك زوجي هو وكأسه، لكنّ الريّاح لا تمشي كما تشتهي السفن، فقد سحبت شهادة السواقة من ابنها لوجود الكوكائين عندما عمل حادثاً بسيارته في اسبانيا ، وقد خسرت ابنها وحريتها. حيث سوف تبقى تحت رحمة زوجها كي يعطيها بعض النقود لتعيلهما.
هذه حالة من الحالات التي رأيتها بعيني، وحتى اليوم لا أعرف لو كنت مكان تلك المرأة ماذا طنت سوف أفعل، طبعاً هناك رجال يصومون ويصلون ويربون ذقونهم ويتزوجون النساء، ويعاملون زوجاتهم بشكل سيء.
هذه العائلة تمثل سورية التي لن تستطيع النساء حمايتها لأنهنّ لسن أحرار، ولن يكنّ أحرار على المستوى القريب، ولكن ألا يجدر بالمرأة أن تدافع عن حقّها بالحياة؟
قد لا أكون مؤمنة بالطّلاق كحلّ، فهو في الحقيقة ليس حلّ في مرحلة ما، لكن على النّساء أن يبتكرن حلاّ، والحلّ حالياً يكن في انتزاع الأطفال من بيئة العنف، والبحث عن عمل، وأنا أعرف أنه من أصعب الأمور أن تجد عملاً. لكن على المرأة أن تبتكر وسائل للحياة والسّلم، فذلك الرّجل المدمن لن يعرف بوجودك لو استثمرت قطعة أرض أنت وأولادك. صحيح أن القانون ليس في صالح النساء، لكن على المرأة أن تكون صادقة مع نفسها، وتبحث عن مورد لأنّ حياتها في قبضة الرّيح ، وإن لم تكن سبّاقة في تصحيح مسار الحياة فربما تسحب الشّهادات من الأبناء بسبب الكوكائين، أو الجهاد. على المرأة السّورية أن تثور مرّة واحدة كي تفسح الطريق لجيل مقبل من النساء والرجال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على