الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السؤال ...سر التحضُّر

محمد عبد القوي

2018 / 1 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أكثر الناس يسألون ليعتقدوا ويؤمنوا لا ليفهموا أو ليعرفوا

إن أغلب العرب يرون كل سائل أي سؤال بحثاً عن العقل والمنطق والحكمة والصواب والفهم - يرونه ملحداً زنديقاً غريباً مخيفاً يجب الخلاص منه بكل الأساليب المبيدة لأنه يهدد مقابرهم وأوثانهم التاريخية وتخلفهم وجهلهم ووهم معرفتهم - لأنه جاء خروجاً علي نماذجهم، ناقداً لها، كاشفاً لعوارها، مقدماً بديلاً عنها
إنهم يرون كل سائل أي سؤال بحثاً عن الحكمة والعقل والتقدم والتحضر - يرونه وحشاً مخيفاً رهيباً يجب الخلاص منه بكل الأساليب المبيدة لئلا يهدد أفكارهم وتحجرهم - لئلا يسائلها - لئلا يحاسبها - لئلا يقضي عليها بأسئلته - لكي يظلوا دائماً وأبداً متشابهين، لا يوجد غريبٌ بينهم وجديدٌ عليهم ...ليظلوا دائماً وأبداً متخلفين متأخرين

إن الذين لا يسألون الأسئلة الصعبة المحتاجة إلى الأجوبة الصعبة، لن يصنعوا الحياة الصعبة، أي الحياة القوية المبدعة المتطورة المتجددة
إن الحياة القوية المتفوقة المتجددة هي التعبير الدائم الفعَّال عن الأسئلة الدائمة الصعبة وعن أجوبتها
إن الإنسان ليس إلا سؤالاً ...إن بدايته سؤال ونهايته سؤال وكل إبداعاته وحضاراته ومعارفه وكينوناته المتجددة المتفوقة، ليست إلا أسئلة وأجوبة، ليست إلا أسئلة تحولت إلى أجوبة ...إلى أجوبة خلاّقة مبدعة
إن كل الكينونات الكبيرة ليست إلا أجوبة عن أسئله
الإنسان لو لم يتحول إلى أسئلة لما تحول إلى أجوبة هي كل حضاراته وإبتكاراته وعلومه وأفكاره وثقافاته وآدابه وفنونه وکل کینوناته الجدیدة القویة العظیمة
ولأن الإنسان هو وحده السائل المجيب المطالب بالجواب بين كل الكائنات المعروفة لذا كان صاحب وخالق كل الحضارات والإبداعات والكينونات العظيمة المتجددة المتفوقة المتطورة

إنه - أي الإنسان - لو جاء غير سائل أو غير مجيب لما جاء خالقاً مبدعاً متخطياً أبداً لوجوده وکینوناته ولظل في صیغة وکینونة واحدة کما ظلت كذلك كل الشعوب والمجتمعات التي لا تسأل الأسئلة الصعبة ولا تجيب عنها بل لا تحتاج إلى الإجابة عنها أو تشعر حتي بالإحتياج إلى هذه الإجابة
ما أعجب وأغرب ما كان محتوماً أن يحدث في هذا الوجود وفي كل وجود لو كان العربي مصاباً بموهبة السؤال والتساؤل أو بتعبهما وعذابهما وبالإلتزام بالإجابة عنهما وعن كل سؤال وتساؤل يستحقان الإجابة وتتحتم الإجابة عنهما
أليس محتوماً معرفة الإجابة التي لابد أن يجيب بها العربي عن أي سؤال يسأل عنه ويسائله لنفسه لو كان مصابا بالتساؤل ؟! ...هل يمكن أن يوجد من يسألون ؟! ...من يسألون ويعلنون بكل شجاعة وقوة وبسالة وفخراً وتمجيداً وعزاً عن تساؤلاتهم ؟!
هل يوجد متسائلاً مستخدماً كل لغات التساؤل بالموهبة لا بالتعليم ولا بالظروف الموجبة للتساؤل ؟!
إن كل شيء وكل وجود وموجود وكل رؤية وسمع ومعرفة وتجربة ومعايشة ومواجهة وقراءة وكتابة ومساكنة وتخیل وتصور لكل شيء ولكل وجود وموجود ... إن كل ذلك ليس إلا أسئلةٌ صامتة ...صامتة ناطقة صارخة مناجية بكل اللغات والأصوات والتعبیرات وبكل الإنفجاع والذھول والفطنة والإستنكار والشجب والرفض لتقول کیف ، لماذا ؟! ...
كيف حدث ووجد هذا وكيف وجد ليحدث هذا الوجود ولماذا حدث ووجد کما حدث ووجد هو هكذا دون صيغ ونماذج وتفاسير أخري ؟!
إن كل الأشياء وكل وجود وموجود مهما كان قبحه أو جماله وقبحها أو جمالها لهي أسئلة وإن لم تنطق أو تسمع أو تدق بكل القسوة والصراخ والتحدي والإذلال والضياع آذان وعقول وضمائر وأخلاق وشرف وذكاء وكبرياء المتعلمين والمفكرين وكل الرائين والسامعين والمفسرين والناطقين بأية لغة من اللغات بكل الإستهزاء والتعجيز والإزدراء
إنها تدق ولكنها تدق أشياء غائبة غير موجودة في أماكنها ...
إن أصغر وأقبح حشرة، ذبابة كانت أو قملة أو صرصار أو جرثومة ليحتشد فيها، في وجودها وكل وجودها وصيغة وجودها وحياتها ووظائف وجودها وتفاسيره ومنطقه ...ليحتشد فيها من الأسئلة غير الناطقة التي تنتظر أجوبة عنها
إن وجود كل شيء ...أعظم شيء وأردأ شيء لهو كل الأسئلة التي تبحث عمن يسألها والتي لم تجد من يسألها

إنه لم يكن ممكناً أن يوجد أو أن يبقى أي شيء أو أي أحد إلا لأنه كان محمياً من أن يكون محاكماً أو محكوماً بالتساؤل وبالأجوبة المفسرة المنطقية التفاسير ... إن أعظم وأجمل شيء ليسقط لو حوکم وحکم بالأسئلة عن وجوده وعن معنی وتفاسیر ومنافع وجوده
هل يقول الخيال أو التمني أو العقل إنه قد يحدث في أي وقت أتٍ ألا يوجد أو يبقى أو يفعل أي شيء أو أي أحد إلا بعد أن يحاكم ويحكم بكل تفاسير وقوانين السؤال والمساءلات وأجوبتها ؟! هل يستطيع العقل أو الخيال أن يرى أو يعرف ما الذي لا بد أن يحدث حينئذٍ ؟!

إن كل البشر في كل مستوياتهم الحضارية قد أبتكروا اللغات أو تخلقت فيهم اللغات بكل فنونها البلاغية والشعرية والجمالية ولكنهم جميعاً عجزوا أو هابوا وعجزت جميع لغاتهم عن إبتكار الأسئلة وعن التكلم والتخاطب بها طوال تاريخهم وحتي تمردهم علي قيودهم منطلقين للتساؤل عما حولهم وعما جعلهم مقيدون متخلفون طوال تاريخهم فهل سيتمرد العرب علي قيودهم أيضاً ليتسائلوا عما حولهم وعن وجودهم وأنفسهم ؟!
إن البشر إذاً كلهم متكلمين ولغوييين ولكن ليس كلهم سائلين أو متسائلين
إن هذا هو الفرق بين التخلف والتقدم ...بين المتخلفين والمتقدمين ...المتخلفين كائنات متكلمة ولغوية غير متسائلة بينما المتقدمين يستخدمون اللغة في التساؤل والمسائلة عن كل شيء
إن السؤال هو سر التحضر والرقي للفرد والمجتمع
إن سؤالك من عدمه هو الذي يكشف عنك ...إنه - أي السؤال - هو الكاشف الفاضح الهاتك الممزق بكل تفاسير وصيغ وأساليب الكشف والإفتضاح لكل كينونة ونفس ونظرية وفكرة ولكل إنسان وجد ويوجد وسيوجد في هذا الوجود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر