الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميكروباص الغرام - الفصل الاول

ديانا أحمد

2018 / 1 / 27
الادب والفن


ميكروباص الغرام

هذه قصة خيالية ايروتيكية.

كان محمود سائق ميكروباص ماهر. له عشر سنوات فى هذا العمل منذ تخرجه من كلية الاداب جامعة القاهرة. وهو قد قرر الاتجاه الى العمل الحر مع انتشار البطالة وتوقف الدولة عن تعيين المعلمين وكافة خريجى كليات الجامعات المصرية. فقرر بمساعدة والدته ووالده شراء ميكروباص بالقسط. توفى والده منذ سبع سنوات. ولم يعد له احد سوى والدته. واقارب بمدينة اخرى عمة وخالة. بعد وفاة الباقين. بما فيهم جده وجدته.

جيزة جامعة. جيزة جامعة. كان هذا نداؤه اليومى وهو ينطلق حاملا معه فى ميكروباصه طلبة الجامعة الطامحين شبابا وشابات. من السيدة زينب موطن منزله ومنزل والدته. وانطلق ككل صباح فى المبتديان متجها الى الروضة والمنيل وكلية الطب ومتحف قصر المنيل وكوبرى الجامعة وصولا الى الاورمان وجامعة القاهرة ثم الانعطاف يسارا الى كلية الهندسة وكلية الزراعة وكلية الطب البيطرى والنهاية ميدان الجيزة. كان هذا خط سيره اليومى الذى يجعله يسير فى منطقة محراب العلم والفن والفكر والادب. ومعبد الحرية والتنوير والعلمانية. والثقافة والقيم الغربية والتسامح مع كل الاديان.

وبدا يتقاضى الاجرة من راكب تلو اخر. ويتامل البيوت والشوارع والطريق كأنه يراه للمرة الاولى. دوما يشعر كل يوم وكل مرة بهذا الشعور رغم التكرار. ويستمع الى احاديث الطلبة معه وطموحاتهم وخططهم للمستقبل. ورايهم فى الدكتور الفلانى والدكتورة العلانية وذهابهم الى بين السرايات لتصوير المحاضرات او شراء الملخصات. ويشعر معهم انه عاد طالبا جامعيا من جديد. يتلذذ بالعلم والتعليم مرة اخرى. ويعشق الفتيات فى سره مرة اخرى.

كان يوقف ميكروباصه قرب ميدان الجيزة جوار بقية الميكروباصات الاخرى لزملائه السائقين فى وقت العصر. لينزل الى شارع الجامعة ويتمشى قليلا وسط المكتبات وعند حديقة الحيوان ومدرسة السعيدية. وعند الجامعة ذاتها وكلية الفنون الجميلة. وسط الاشجار والحدائق الغناء. وربما يشترى كتابا او كتابين من باعة الارصفة قرب ميدان الجيزة.

يتامل الفتيات المراهقات الجامعيات ويتمنى ان يكون جوار هذه او تلك بصفته حبيبا او بويفريند. كان نهما للنساء ولا يتمنى اقل من 12 فتاة او امراة فى حياته.

عاد خجلا مع شجن وكآبة خفيفة توجع اطراف انامله وعظامه. متشوقا لدونجوانية ينالها فى حياته بدل بؤسه. وفى المساء عاد الى منزله. حيا والدته وردت عليه التحية بحرارة. كان الغد الجمعة يوم اجازة عنده وعند الطلبة. ولم يكن يعمل به. جلس الى مقعده على المائدة لتاتيه امه بطبقه المفضل الشهى الكشرى بالعدس الاصفر والطماطم المخللة بالخل والثوم. وجواره قطعتان من البسطافلورا او فطيرة العجوة. وصعدت قطته السيامية الجميلة على ساقه تموء وتتمسح به مرحبة به. ثم تعود الى والدته وتجلس على حجرها كعادتها وتنام قليلا متكورة.

قالت له امه. صفاء فى انتظارك سالت عنك عدة مرات. قال لها محمود. ساكلمها غدا ونلتقى.

دخل محمود الى فراشه فى غرفة نومه وراح فى نوم عميق. استيقظ مبكرا فى الصباح فى تمام السادسة. واتصل بحبيبته صفاء. كانت صفاء فتاة يتيمة الابوين ولا يعرف لها اهل التقاها بالصدفة ذات يوم وهو يشترى بعض البذور واشجار الفيكس نتدا والسيسبان من اجل الخرابة الواسعة خلف منزله ومنزل والدته. كانت صفاء عاملة فى مشتل ومحل بيع زهور وبذور فى الصباح وتعمل مساء فى سرجة للطحينة والزيت الحار والحلاوة الطحينية والعسل الاسود. ووقع فى غرامها كما وقعت فى غرامه. كانت فتاة هادئة ولطيفة كثيرا تؤمن بالحرية والقيم الغربية مثله وتكره دكتاتورية السيسى والشيوخ والتعصب الاسلامى وتركيا اردوغان وال سعود والخلايجة. وتعشق التنوير والعلمانية والحريات الكاملة. وكانت صفاء قد عاشت منذ ولادتها حتى تخرجها من الجامعة فى دار ايتام راهبات ذات نشاة ايطالية او فرنسية. وتركتها وهى تحيا فى منزل بمفردها تجاورها جارتها الفلاحة التى تفرش فى الطريق وتبيع الجبنة القريش والفطير المشلتت ودقيق الذرة والكوارع والعجوة والجرجير والفجل والكرات والليمون.

كان يحب البكور. وقد استغربت صفاء فى بادئ الامر من كثير من طباع محمود. لكنها ولحبها له سرعان ما تاقلمت واطاعته وتشكلت كما اراد طواعية منها. والان وبعدما لبت ولبى نداء الطبيعة. اسرعت للنزول يوم الجمعة السادسة والنصف صباحا. ليتمشيا قليلا معا فى شارع الشيخ ريحان. وسط هدوء الشوارع ونوم الشعب. كان محمود يهوى كثيرا النزول فى اوقات نوم الكسالى فى صباح كل جمعة الباكر. ويذهب فى ايام ونهارات رمضان مع صفاء الى كورنيش النيل ويمارسان نشاطهما الاقصى فى نهار رمضان. وسط كسل الكسالى. ويجلسان فى الخيمة الامريكية الغربية التى يقيمها محمود امام منزله ومنزل والدته فى الخرابة الواسعة. وياكللن ويشربان الحليب ويستمعان الى الاغانى والموسيقى ويشاهدان البورنو فى نهار رمضان.

فى ذلك الصباح سار محمود مع صفاء فى شارع جانبى يراه لاول مرة متفرعا من الشيخ ريحان. كان ضيقا ومتربا. والجو مغيم شاحب كما يحبه محمود. ووجد على جانب احد البيوت بابا غريب الشكل. عبارة عن تمثال امراة مغطاة بملاءة ضيقة عليها كالشرنقة تكشف تضاريس وجهها وجسدها كالسلوفان. وقد غطى التراب التمثال بكثافة.

اخرج محمود منديله القماشى وقرر مسح الغبار عن التمثال وتحسسه. كانت صفاء تقف جواره تتعجب من افعاله وتقول له. هيا بنا. انا خائفة من هذا المكان ولماذا تنظف هذا التمثال. قال. انه جميل وتحفة فنية واستخسرت ان يعلوه الغبار. واستمر فى مسح التمثال وفجاة لمع التمثال بضوء ابيض وهَّاج فابتعد محمود وصفاء الى الخلف فى ذعر. ونطق الباب ذو التمثال: ياااااااااه بعد كل هذه السنوات من الذى بعثنى من بعد مرقدى الطويل. أهلا بك ومرحبا يا محمود أنت وحبيبتك صفاء.

اندهش محمود وشعر بالذهول وفقد النطق لفترة ثم نطق اخيرا. من .. كيف .. كيف عرفت اسمى واسم حبيبتى ؟ قال الباب ذو التمثال: إننى أعرفك منذ سنوات وسنوات. كنت وقتها تحمل اسما آخر أنت وحبيبتك أنت.. وأعتقد أنك قرأت عن التناسخ .. قال محمود: نعم قرأت عنه .. ولكننى لم أعتقد أنه حقيقة.. رغم أنى تمنيته كذلك. قال الباب ذو التمثال: أنا من حضارة مصر القديمة وروما المتقدمتين جدا. وظيفتى أن أوصلك. أنا بوابة للعصور والأزمان والأماكن. إن أردت الذهاب لمكان أوصلتك إليه على الفور وكذلك إن أردت الذهاب إلى زمان. قال محمود: غير معقول. إننى أتوهم أو أحلم. قال الباب: كلا أنت لا تتوهم ولا تحلم على الاطلاق. وإن أردت الآن الذهاب فجرب واطلب منى.

قال محمود: وهل ستذهب معى حبيبتى صفاء. قال الباب: لو أردت اصطحابها لابد أن تمسك يدها جيدا حين تطلب منى ايصالك للمكان او الزمان الذى تختاره. قال محمود: وماذا عن الميكروباص ؟ لو أننى أريد أخذه معى. قال الباب: ربما تذهب لزمان ليس فيه ميكروباصات فما جدواه بالنسبة لك عندها ؟ قال محمود: اعلم ولعله لا يوجد بنزين له فى هذه الازمنة. ولكنى اعتز به. خيل لصفاء ان الباب ذا التمثال قد ابتسم او ضحك. وقال: حسنا لك ما تشاء. اطلب ان اوصلك وصفاء الى تحت منزلك ومنزل والدتك حيث تجد ميكروباصك. وان اعيدك معه ومع صفاء الى هنا. قال محمود. ايها الباب العجيب اوصلنى وصفاء الى تحت منزلى ومنزل والدتى حيث ميكروباصى. واعدنا معك انا وصفاء والميكروباص الى هنا. فوجئ محمود بنفسه واقفا جوار الميكروباص. وشهقت صفاء وقالت. اللعنة. انه اوصلنا بالفعل بلمح البصر. ما هذا. ان هذا لامر عجيب لا يصدق. وما ان دلف محمود الى مقعد السائق وجلست جواره صفاء. حتى وجدا نفسيهما مرة اخرى امام الباب العجيب. قال محمود. انك لباب عجيب. خيل لصفاء ان الباب يرتج من القهقهة. وكانت صفاء تصفف شعرها الكستنائى مموجا وسائبا. وترتدى فستانا اخضر اللون وله حزام اسود جلدى عريض. وكعب عالى ابيض اللون مقفل كلاسيكى. وساله محمود. ولكن ماذا عن ملابسنا. قال الباب. ساوصلكم الى مكان منعزل خال من الناس فى اى زمن تختارون. وساغير ملابسكما لما يناسب الزمن. هذا امر ضمن وظائفى وصلاحياتى وقدراتى. كذلك ساجهز ميكروباصك خلال الرحلة ليصبح مزودا باداة اتصال بى ويعتبر الة زمن. كما يمكنه الاختفاء والتوارى عن الانظار فى لحظات الخطر وحسب طلبك. كما سازوده بخلايا شمسية كبديل عن البنزين.

كان محمود بدينا الى حد ما. طوله 176 سم ووزنه 100 كجم. ابيض البشرة. وسيم. هادئ. وثعلبه كبير وضخم. كانت صفاء تدللـه كثيرا وتسميه دُبِى. يا دبى او دبدوبى. وكانت صفاء نحيلة وطويلة اى عكسه. وكان يخشى دوما ان تضيق بجسده. لكنها على العكس كانت تحبه كثيرا كما هو ولا تجرح مشاعره. بل لو نحل جسده لرفضته لانها تحبه على راحته كما هو.

خرج محمود وصفاء من الميكروباص. وانار الباب الميكروباص بضوء وهاج لامع. ما لبث ان خبا بعد فترة. دلف محمود وصفاء حسب تعليمات الباب الى الميكروباص مرة اخرى. قال الباب: الان يمكنك ان تامر الميكروباص او تامرنى لا فرق بوجهتك الزمنية والمكانية. قال محمود وقد شعر بالوحدة والشوق لامه فجاة: ارجوك ايها الباب العجيب قبل ان نفعل ذلك اريد اصطحاب امى معنا. هل لديك مانع ؟. قال الباب: لقد احترت معك ومع ترددك لماذا لم تطلب ذلك منذ اول مرة حين ذهبت لاخذ الميكروباص. قال محمود: انبهرت بك وبما تقول فنسيت كل شئ سوى الميكروباص وسواى انا وصفاء. قال الباب: حسنا لك ذلك. اؤمرنى فاعيدك. فاعاده الباب دون الميكروباص ودون صفاء. وقال لامه: اريدك فى نزهة ومشوار يا امى. فى البداية رفضت وقالت له: دعنى يا بنى اننى متعبة. الى اين تاخذنى اصلا ؟ قال: مكان سيعجبك. هيا بنا ولا تتعبينى معك. استسلمت الام وقالت: حسنا دعنى ارتدى ملابس الخروج. قال: لا وقت. سنغير ملابسنا هناك. قالت: لا لا كيف انزل هكذا بقميص النوم المنزلى المصرى رغم انه طويل ومعتم ولكن كيف. قال لها: لا تخافى يا امى. هيا بنا وساشرح لك فى الطريق. وبمجرد ان امسك يدها. نقلهما الباب سريعا ليستقر محمود على مقعد السائق جوار صفاء. وتستقر ام محمود وردة فى الخلف.

كانت وردة والدة محمود فى الخامسة والاربعين من عمرها. جميلة المحيا تقاطيعها تشبه كثيرا حتشبسوت التى على اعمدة معبد حتشبسوت بالدير البحرى. ملفوفة البدن مثل المصريات عموما. وجهها قمحى اللون مائل للصفرة المحببة بين السمرة والبياض الشاهق. ثم قال محمود للباب وللميكروباص: اذهب بنا إلى مصر التسعينات. القاهرة أيضا. فى مثل هذا اليوم. إلى أسرة أنا أعرفها لها اولاد بنون اربعة ثلاثة منهم فى اختياراتهم لزوجاتهم فاشلون. رابعهم كان معلمى بالثانوية العامة وتعلمت من ثقافته الكثير. وقد حكى لى مأساتهم. وما تعلمه من دروس فى اختيار الزوجة المناسبة من فشلهم الذريع. قال الباب: أعرفهم وأعرف أسماءهم ومكانهم. قال محمود: اذن اذهب بنا إلى القاهرة وقتذاك لعلنا نلحقهم قبل أن يخطئوا الخطأ الجسيم. وبالفعل تكونت دائرة زرقاء من النور الازرق السماوى المتعرج والمتموج العريض البراق حول الميكروباص. وقالت وردة فى قلق: ماذا يحدث يا محمود ؟ أنا خائفة. قال محمود: لا تخافى يا ماما. قالت: وما هذا الباب العجيب الذى تكلمه ويكلمك. أين نحن وإلى أين نحن ذاهبون ؟ قال محمود: اصبرى يا ماما وسنرى. اختفى الشارع والباب ورأى محمود وصفاء ووردة دوامات ملونة تملأ المشهد أمام نافذة الميكروباص الأمامية. صرخوا جميعا وهم يرون أنفسهم وميكروباصهم معلقين فى الفراغ المتعدد الألوان ذى الدوامات الغريبة... بعد حوالى ربع الساعة من ذلك الرعب. شعروا بالميكروباص يستقر على ارض ما. وبدأت الدوامات الملونة تنقشع وتتلاشى تدريجيا ويحل محلها مشهد شارع مصرى منعزل بالقاهرة هادئ. قال الباب الذى ظهر فى حائط البيت المجاور للميكروباص: الميكروباص الآن متوار عن الانظار. وعموما الشارع هادئ ولا احد يسير به الان. اخرجوا من الميكروباص ان شئتم. ولقد البستكم ما يناسب العصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد