الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطالب اليسار المغربي بالملكية البرلمانية و سؤال الإمكانية

جلال مجاهدي

2018 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الملكية البرلمانية هي شكل من أشكال الحكم جوهرها أن الحكومات المنبثقة عن صناديق الاقتراع هي التي تتولى شؤون الحكم تحت مراقبة البرلمان في حين أن العاهل الذي يتربع على قمة الهرم السياسي فهو يسود و لا يحكم و يحظى بسلطات اسمية و رمزية فقط كسلطة تكليف رئيس الحكومة مثلا , هذا من حيث التعريف , أما بخصوص الموضوع , فقبل التطرق إلى جوهره لا بد من تأصيله و التأصيل يستلزم سبقا طرح ما ليس من الموضوع , و هو ما يحتم علينا استبعاد جميع المقاربات اللامنطقية و اللاعلمية المنتشرة بشكل كبير في الصفحات الاعلامية و التي لا تسعى سوى لضرب مطلب الملكية البرلمانية لغاية وحيدة و هي ترويج خطابات تكريس السلطوية و من هذه المقاربات اللاعلمية الادعاء بأن الشروط السياسية للمطالبة بالملكية البرلمانية لم تنضج بعد أو بأنه بالإضافة إلى الشروط السياسية يتعين أن يكون هناك تراكم و تقدم للشروط الثقافية و الاجتماعية و ما إلى ذلك من مبررات و ترهات واهية تصور الاستبداد بالسلطة كضرورة سياسية و اجتماعية, ضاربة عرض الحائط بحق الشعب في العيش في ظل الديمقراطية و هو الحق المبدئي الذي لا نقاش فيه و مسقطة من قدره حين تعتبره غير أهل لها و لا يستحقها مع أنها حق من حقوقه و ليست منة أو عطاء من جهة ما .

الحديث عن الملكية البرلمانية يأخذنا للحديث عن السياقات التاريخية التي أدت إلى عدم اعتماد هذا الشكل من أشكال الحكم في الدساتير المغربية ,طالما أن الاحزاب و الحركة الوطنية كانا في وفاق مع الملكية في مرحلة ما قبل تقرير فرنسا إنهاء فترة الحماية على المغرب و في هذا الاطار و كتأريخ مقتضب , نشير بأنه إثر التوقيع على معاهدة اكس ليبان و دخول المغرب في مرحلة بداية ما بعد الحماية الفرنسية سنة 1956 و رغم توافق الأحزاب و الحركات الوطنية مع الملكية قبل ذلك على إنشاء دولة حديثة حسب المعايير الدولية كما هو وارد بوثيقة المطالبة بالاستقلال و كما يستشف من خلال علاقة القصر بالأحزاب و الحركة الوطنية و هو ما كان يعد حينها عقدا اجتماعيا بين الملكية و الشعب, فإنه لم يتم إصدار أي دستور يترجم هذا التعاقد الاجتماعي لبناء دولة بالمفهوم العصري الحديث و ظل النظام السلطاني المخزني القديم هو المنظم لشؤون الدولة و الذي كان يوطد معالمه حينها ولي العهد الحسن الثاني الذي استمال مجموعة من رموز الحركة الوطنية و من البورجوازية المنضوية تحت لواء حزب الاستقلال و لم تكن الحكومات المعينة حينها سوى أدوات في يده و هو ما يفسر إقالة حكومة الرجل القوي عبد الله إبراهيم سنة 1960 و هكذا و شيئا فشيئا أخذت المؤسسة الحاكمة تتقوى على حساب هذه المكونات مستغلة التطاحنات فيما بينها و مضعفة للبعض الآخر عن طريق التصفيات المباشرة و غير المباشرة , ليتم الاعلان في سنة 1962 عن صدور أول دستور في تاريخ المغرب و الذي كرس الاستئثار بالسلطة بحيث جعل و بوثيقة مكتوبة نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية مطلقة .

كرد فعل على استفراد المؤسسة الملكية بالسلطة و على غياب التعاقد السياسي و المجتمعي, برزت عدة تيارات و فصائل و أحزاب يسارية تدين هذا الاستفراد بالسلطة مطالبة بإرساء دعائم دولة ديمقراطية حديثة و أمام قوتها و ضغطها سياسيا و ميدانيا في هذا الاتجاه و كذلك أمام تغلغل الفكر اليساري في مختلف طبقات المجتمع من فلاحين و عمال و موظفين و أساتذة و حتى التلاميذ الذين قاموا بانتفاضة سنة 1965 التجأت المؤسسة الملكية في هذه السنة إلى إعلان حالة الاستثناء و توقيف البرلمان حتى يتسنى لها إعادة صياغة وضع سياسي و اجتماعي جديد لإحكام السيطرة و إعادة توزيع السلطة بشكل امتدادي بحيث تستجمع المؤسسة الملكية جميع خيوط اللعبة السياسية و جميع السلطات بين يديها و هو ما تم بالفعل وهكذا و بعد انتهاء حالة الاستثناء سنة 1970 تميزت الحالة السياسية للأحزاب بالضعف أمام المؤسسة الملكية التي تقوت سلطتها و ازداد نفوذها مع مرور الزمن وهكذا لم يكن لمقاطعة الأحزاب اليسارية للانتخابات التشريعية في تلك اللحظة تأثير كبير على مجريات الأمور .

و إثر المراجعات التي قام بها اليسار خاصة فيما يتعلق بتبني الخيار الديموقراطي و الوحدة الترابية والتي توجت بإنشاء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بدلا من الحزب الوطني و كذلك بالدخول من جديد في غمار اللعبة السياسية بما لها و ما عليها و مع نهاية السبعينات و بالضبط في سنة 1978 عرفت الساحة السياسية مطلب الملكية البرلمانية حيث تبنى مناضلو حزب الاتحاد الاشتراكي هذا المطلب في بيان مؤتمرهم لهذه السنة و سارت البيانات على هذا المنوال , لكن هذا المطلب لم يعرف ازدهاره إلا مع التكتل اليساري المسمى فيديرالية اليسار و هكذا أصبح هذا المطلب على رأس المطالب الإصلاحية المنادى بها من طرفه.

و نشير هنا إلى أن هذا المطلب لم يقدم بشكل رسمي إلى المؤسسة الملكية, ذلك أن المذكرات التي تم رفعها رسميا لها من طرف بعض الأحزاب بمناسبة الاصلاحات الدستورية و منها الاتحاد الاشتراكي ,قد اتسمت بالضبابية , فهي كانت تتحدث عن توسيع صلاحيات الحكومة و رئيس الجهاز التنفيذي و لم تتحدث أبدا عن أن الملك يسود و لا يحكم كما يقتضي ذلك مفهوم الملكية البرلمانية كما أن حزب الاشتراكي الموحد رغم الوثيقة التي قام بصياغتها بهذا الخصوص سنة 2011 فهو لم يتقدم بها بالنظر لمعارضته لللجنة التي عهد إليها بالقيام بصياغة الدستور لذلك ظل هذا المطلب مقتصرا على البيانات الحزبية .

بعد انتكاسة حزبي الاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية إثر تبنيهما الطرح اليميني و تمسك حزب النهج الديموقراطي بالخيار الجذري و بسياسية الكرسي الفارغ , أصبح اليسار الإصلاحي ممثلا فقط و فعليا بتجمع فيديرالية اليسار و أصبح على رأس جملة مطالب هذه الفيديرالية اليسارية الإصلاحية مطلب الملكية البرلمانية الذي تتخذ منه سقفا لمطالبها بخصوص موقفها من النظام الملكي القائم بالمغرب , لكن , هل فعلا هذا المطلب هو مطلب إصلاحي و يمكن الدفع في اتجاهه بواسطة وسائل الضغط السياسية المختلفة و هل إمكانية تحقيق هذا المكسب الصلب جدا ممكنة ؟

لتوضيح حجم السؤال و حجم المطلب و إعطاء صورة واضحة عنهما , لابد من الإشارة بأن مطلب الملكية البرلمانية لا يعني شيئا آخر سوى إلغاء الملكية كمؤسسة حكم سلطوية و الاحتفاظ بها و بشخص الملك كرمز سيادة و بسلطات فخرية و إسمية , على غرار دول كالمملكة المتحدة و إسبانيا , فهل هذا الأمر ممكن تحقيقه بخصوص النظام الملكي المغربي و بواسطة وسائل الضغط السياسية ؟

إذا كانت المنهجية السياسية هي منهجية تاريخية بامتياز , لكون الحدث السياسي حاليا هو الواقعة التاريخية مستقبلا , فإن مساءلة التاريخ عن ظروف إقرار و ظهور الملكية البرلمانية يبقى أمرا منهجيا لا يمكن تجاوزه , و منه فلا بد لنا من استحضار بعض التجارب التاريخية و هكذا برجوعنا إلى تاريخ بداية ظهور هذا الشكل من أشكال الحكم , نجد أن أول دولة عرفته هي المملكة المتحدة و بالرجوع إلى ظروف إقراره نجد أن بدايته الرسمية كانت بعد الثورة على الملك جيمس الثاني حيث دعى رؤساء الأحزاب الانجليزية الملك الهولندي وليم اورنج وزوجته الانجليزية ماري لمحاربة الملك و هكذا و في سنة 1689 دخل الملك وليم المذكور بجيوشه مسنودا بالشعب الانجليزي ليسفر الأمر عن هزيمة الملك جيمس العسكرية ليلجأ بعد ذلك إلى فرنسا و هكذا توج الأمر بإصدار قانون الحقوق سنة 1689 إثر مؤتمر وستمنستر وكان الامر بداية انتقال السلطة من الملك إلى البرلمان و مع تراكم التجارب السياسية و بالتدريج و شيئا فشيئا تطور نظام الحكم ليصبح بالشكل الذي هو عليه حاليا حيث الملك يسود و لا يحكم إطلاقا و بخصوص إسبانيا البلد القريب من المغرب فإن تحول هذا البلد إلى نظام الملكية البرلمانية تم بشكل سلمي فبعد وفاة الجنرال فرانكو و تولي الملك خوان كارلوس مقاليد الحكم قام هذا الأخير بمعية الأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني بإقرار مجموعة من الإصلاحات منذ سنة 1976 توجت بصدور دستور 1978 و إقرار الملكية البرلمانية .

لذلك فإن ما نستنتجه من خلال التجربة الإسبانية هو أن قيام الملكية البرلمانية بتبني الخيار الإصلاحي هو أمر ممكن و ما نستنتجه من خلال التجربة البريطانية هو أن تبلور و تطور نظام الملكية البرلمانية بالتدريج و بانتهاج الطرح الإصلاحي هو شيء ممكن لذلك فإن المقاربات التي تصف سياسيا هذا المطلب بالجذري أو التي تصوره بصورة الثوري تبقى مجرد مقاربات لا تستند على واقع التجربة التاريخية , لكن إذا كان مطلب الملكية البرلمانية في حد ذاته هو مطلب إصلاحي ممكن التحقيق بالدفع السياسي و المجتمعي في هذا الاتجاه , فهل نظام الحكم الملكي بالمغرب قابل للتغيير و لإمكانية التحول إلى الملكية البرلمانية ؟

هذا السؤال هو سؤال مرتبط ماهويا بمدى إمكانية النظام في المغرب للانتقال الديموقراطي و لمعرفة مدى تحقق هذه الإمكانية , لابد من توضيح أمرين معا , فالأمر الأول هو أن نظام الحكم بالمغرب هو نظام مزدوج بحيث إلى جانب الدولة الحديثة ممثلة في المؤسسات الديموقراطية المنتخبة من حكومة و برلمان و مجالس محلية منتخبة تتواجد الدولة القديمة المعروفة باسم المخزن و المتمثلة في المؤسسة الملكية و مستشاري الملك و المؤسسات و الأشخاص المعينين على الصعيد المركزي من موظفين سامين و كتاب عامين ووزراء منتدبين و موظفي إداراتهم و المحلي من ولاة و عمال و باشوات و قياد و موظفيهم و الأمر الثاني و هو أن هذه الدولة المخزنية القديمة غير المؤقتة بما لها من نفوذ و قوة و سلطات و تجربة طويلة تتحكم بسهولة في الدولة الحديثة المؤقتة و تمارس الوصاية على قراراتها مما يفرغ هذه الأخيرة من معانيها الديموقراطية و التي توصف عادة بحكومة الواجهة ,لذلك فسؤال الانتقال الديموقراطي بالمغرب رهين بمدى إمكانية إلغاء الدولة المخزنية و الإبقاء على الدولة الحديثة مع منحها الصلاحيات كاملة لتشتغل بشكل ديموقراطي .

هذا الاستنتاج يقودنا لنصف إمكانية التحول الديموقراطي بالمغرب و إقامة الملكية البرلمانية بالعملية الإصلاحية الاستئصالية الصعبة لدولة المخزن , فالدولة المخزنية لا ينتظر منها أن تلغي نفسها و ليس في نيتها ذلك بل إن المسار التاريخي للأحداث يشير بأنها لازالت تتقوى على حساب إضعاف باقي الأحزاب و التيارات و الحركات المنادية بالإصلاح السياسي أو بالتغيير الجذري و بما أن الإصلاح السياسي هو نتيجة و ليس أداة , و بما أن ميزان القوى راجح رجحانا كبيرا لصالح كفة دولة المخزن في غياب أحزاب ذات قوة جماهيرية حقيقية واعية و عمق شعبي فإن إمكانية الانعطاف الديموقراطي على المدى القريب طبقا للحالة الراهنة لا تلوح في الأفق , لكن تبقى الإمكانية على المدى المتوسط و البعيد واردة بشكل كبير فاختفاء أنظمة الحكم السلطوية هي مسألة وقت فقط, لذلك فمن حق أحزاب فيديرالية اليسار تبني مطلب الملكية البرلمانية كمطلب مشروع , له إمكانات تحققه هذا إن لم يعجل ضغط الشارع و توالي الاحتجاجات و الحراكات بتعجيل المسار و الدخول مع المؤسسة الملكية في توافقات مبنية على التعاقد الاجتماعي تؤدي إلى إلغاء دولة المخزن و إقرار الملكية البرلمانية كنظام حكم ديموقراطي يقي المؤسسة الملكية و البلاد من خطورة الصراعات و المواجهات المفتوحة التي لا يمكن التنبؤ بمصيرها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى