الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ارشيف العناية المركزة ( ٢ )..حالة الطفله لقاء ....

زهور العتابي

2018 / 1 / 27
الادب والفن


كل شيء كان هادئا في العناية المركزة الحالات هي ذاتها كل مريض على سريره بصحبة مرافقه اذ لم تأتي إلى العناية حالة جديده الهدوء يخيم على الردهة تماما الى ان حلّت الساعة العاشرة مساءا بدأ أستنفار الكوادر الطبية ايذانا بدخول مريض جديد... والمريض هذه المرة طفله ذات السنتين والنصف ..دخلت الطفلة وهي في حالة اختناق تصاحبها امها وأبوها و اخرين وكان واضحا على الجميع الذعر والقلق ..وضعت لقاء على اجهزة الانعاش وفي السرير المقابل للغالي فرات ...عج المكان بأهل الطفلة و كان جميعهم بابهى حلّة يبدو انهم كانوا في مناسبة فرح او ما شابه ذلك حتى ان احداهن كانت ترتدي بدله كثيرة اللمعان مكشوفة الصدر اضطرت ان تخفيها بسترة...علت الأصوات بالضجيج لاسيما ام لقاء حيث كانت تبكي بحرقة شديدة مما جعل الطبيب ينهرهم ويطلب من الجميع الالتزام بالهدوء مراعاتا المرضى.... صرخت به الام ( اني بيا حال وحضرتك تكول اسكتوا... بنتي دتموت دكتور .انقذها اول مرة وبعدين كلي اسكتي !!) ام لقاء في نهاية العشرينيات من العمر تقريبا عكرت ملامحها الجميلة تلك الجروح التي بدت على جانبي وجهها..واضح انها ( مخرمشةخدودها) نتيجة ماحصل...
دعوني اقص عليكم قصة الطفلة لقاء و(اتحفظ عن ذكر الاسماء الحقيقية احتراما لخصوصية أصحابها) المهم ان حادثة لقاء تتلخص بالاتي ...كانت لدى العائلة مناسبة( السبعة لخالة الطفلة ) تلك التي كانت معهم وترتدي البدلة....بيت العروس في الكرادة كبير جدا وفيه مسبح ...انشغل الجميع بالحفل فخرج الأطفال للعب في الحديقة و حول المسبح..تبعتهم الطفلة لقاء فزلَّت قدمها قرب المسبح فسقطت فيه...تقول الام وتقسم انها طفلتها لم تغب عن عينيها أبدا هي دقائق فقط تركتني وتبعت اخويها وحدث لها ما حدث هكذا قالت .. بمعنى ادق ان الطفله لم تبقى في الماء سوى دقيقتين لا اكثر..تم إخراجها بسرعة حاولوا اسعافها لكنهم فشلوا في ذلك فجاؤا بها إلى العناية المركزة....شخَّص الاطباء حالتها وقالوا ان المدة التي قضتها لقاء في الماء وان كانت قليلة إلا أنها كافية لعدم وصول الأوكسجين إلى الدماغ مما أدى إلى تلف بعض خلاياه...وما يتلف من خلايا الدماغ لايمكن له ان يعود ابدا..وهنا تكمن الخطورة.....
عاشت معنا لقاء شهور وشهور وهي في غيبوبة..الغريب انها تنظر إلى الآخرين لكنها لا تتحرك إلا قليلا ولا تتكلم ولا تقوى على البلع لذا لابد من تغذيتها عن طريق الانجي...كانت الام في أسوأ حالاتها فحينما تصحو من النوم وترى ابنتها على حالها يشتد بها الحزن وتبكي وانعكس ذلك على مزاجها أصبحت شديدة العصبية لاتطيق أحدا ...حتى ان (الستاف) كله كان يعاني ويشتكي منها... تتهم الكادر دوما باهمال ابنتها مع العلم وللأمانة أقولها ان جميعم كانوا يعملون بجد و لايتوانون أبدا في متابعة المرضى والوقوف على احتاجاتهم ولكنهم في عين الوقت يأملون من المرافق ان يكون بمستوى المسؤولية للعناية بالمريض... المرافق في( rcu ) كان يؤدي أغلب المهام كمراقبة الأجهزة والعناية بالمريض ..تقليبه وتغذيته... حتى عملية السَكَر التي كانت مسؤولية الكادر الطبي كان أغلب المرافقين وانا منهم من نقوم به...وهو عمل ليس بالسهل أبدا... أن تسحب الإفرازات من الصدر عن طريق جهاز كهربائي يحتوي (صوندة) في نهايتها أنبوبة دقيقة جدا يجب أن تخضع للتعقيم على الدوام قبل وبعد اي عملية سحب كونها تدخل لتشفط إلافرازات من صدر المريض..هو جزء مهم من العلاج ليتمكن المريض فيما بعد من التنفس بصورة طبيعية (ويفطم )من أجهزة الإنعاش.....أم لقاء كانت صريحة لحد النخاع كانت تنتقد الكادر لانه يترك للمرافق هذه العمل الدقيق...وفعلا كانت تجبرهم على القيام بسحب الإفرازات من ابنتها...لهذه الاسباب ضاق الكادر ذرعا بها...كان لا يمضي يوم إلا وحصلت مشادّة كلامية بينها وبين أحدهم ....نصحتها ذات مرة قلت لها نحن هنا ومرضانا تحت رحمة الله عز وجل ورحمة هؤلاء وليس صحيحا ان ندخل في مشادّات معهم..يجب أن نتعامل مع واقعنا هذا بكل هدوء وصبر ...قلت هذا لكنها لم تأخذ بنصحي بالبدء ولم تكتفي بهذا بل كانت تختلف حتى مع زوجها الذي كان يعودها كل يوم وياتي بما تحتاجه من اغراض....وامها وأختها ايضا لم يسلموا من حدتها وعصبيتها.. ولا الومها أبداً فالمسكينة لم تتقبل الوضع حيث ابنتها الرقيقة الحلوة ممددة وتخضع لتلك الاجهزة المعقدة و لم يسرها حالها هنا اذ ليس من السهل التعايش في المستشفى أبدا فما اكثر الامور التي تحدث تجعلك بمنتهى الخيبة والحزن والاكتئاب ..ليس كل انسان له ذات القدرة على التحمل ...فكيف بها وهي امرأة شابة لها حياتها الخاصة ترى نفسها فجأة بالمستشفى بين هذا الكم من المرضى وتتحمل كل ما يحدث من سلبيات ...فمثلا ...في احد الايام كان طبيب الخفر (د م) وهذا الطبيب جميع المرافقين لايطيقونه.. الكل يمقته ...كل الاطباء كانوا بمنتهى التفاني والخلق الا هذا الطبيب حيث لا يمتلك شيء من الرحمة والإنسانية لايدرك ان ما يعانيه المرافق من متاعب وهموم تجعله غير قادر أن يسمع كلام جارح أو سخرية من هنا وهناك (الي بي مكفيّه) كما يقولون ..لكنه لايرعوي ابدا فما ان يدخل يعلو صوته منتقدا حتى وان كانت الأمور كما يرام ..يختلق اي شي لينهر المرافق و يسخر منه ...احد المرات وقف منتصف الردهة وهو يضحك بملأ الفم ويقول (بعدهم مرضانا صامدين !؟ جنت اتصور من أجي اشوف واحد منهم مودع بله نشوف اليوم عزرائيل بلكي يجي ياخذ واحد منهم ..ياترى فلان لو فلان ؟)...وهذا ما جعل احد المرافقين يشتكيه لمدير الإنعاش وقد أكد المدير انه طبيب غير مريح فعلا وطالما اشتكى منه الجميع وهو محسوب على كادره الطبي الان لكنه سيسعى مستقبلا لنقله إلى مكان اخر بعيدا عن ال ( rcu ) كنا جميعا لانطيقه ابدا لكن لاحول لنا ولا قوة ونحاول قدر الإمكان ان نتجنبه و لاندخل ابدا في جدال معه... دكتور..م..هذا دخل أحد الأيام وكعادته اخذ يعود المرضى الواحد تلو آخر الى ان وصل إلى لقاء ...سالته امها قائلة (دكتور الله يخليك شنو رايك اكو امل تصحى و....ولم يدعها تكمل قال باستهزاء وهو يضحك ( انتي امها ؟ هاي انتهت بعد دماغها تلف اعتبريها ميته) ودنا خطوة إلى المريض الآخر لكنها صاحت به بحرقة والم ( اوكف وين رايح انت طبيب انت ؟ من طاح حظ إلى انطاك الشهادة..اني ام محروك كلبي على بنتي سألتك تتمضحك وتستهزا بي !؟ ..شوف دكتور المسؤول عن الموت والحياة الله مو انت يجوز بنتي تكوم وتعيش وانت اول متطلع منّا ادوسك سيارة وتموت) الجميع بهت لما قالته ام لقاء و ابتهج كثيرا لما فعلته بالدكتور م....فعلا يستاهل... والغريب أن هذا الطبيب بكل جبروته ولسانه السليط لم ينطق ببنت شفة خرج مسرعا.ذليلا...مهزوما..كل هذه الاسباب وغيرها جعلت ام لقاء لم تحتمل الوضع وكانت تأمل في أن تصحو ابنتها يوما لتعود الى حياتها الطبيعية لاسيما وانها بنت عز وخير ودلال ...وكانت كل فترة تأتي بطبيب اختصاص من خارج المستشفى ليكشف عن لقاء...جاءت مرة بطبيب من خارج العراق دفعت له بالدولار ليأتي العناية المركزة ويرى لقاء ..لكن التشخيص هو ذاته ..تلف خلايا الدماغ ..وذاك ما جعل ام لقاء تستسلم شيئا فشيئا لواقعها المر...عاشت بيننا هادئة هذه المرة و تقربت مني أكثر وأكثر ...استطعت والحمد الله ان اجعلها تؤمن بإرادة الله وتستبدل الجزع بالصبر وتلاوة القرآن..لكنها كانت دائمة البكاء وحينما أدركت أن وضعها سيدوم ولم تعد تحتمل البقاء اكثر في الانعاش قررت شراء جهاز انعاش لابنتها واوكلت مهمة شراءه إلى أحد أقاربها المقيم في لندن وجيء بالجهاز فعلا إلى المستشفى وخضع لفحص أصحاب الشان ووضعت الطفلة عليه لمدة شهر تحت مراقبة الأطباء وحينما تاكدوا بالفعل انه مناسب لها و يفي بالغرض...خرجت لقاء من الانعاش مع جهازها بسيارة اسعاف الى البيت ..وودعتنا ام لقاء بالدموع وبكيت كما الجميع بكى...احتظنتني بقوة وقالت كم احبك ام فرات ولا اقوى على فراقك لكني حتما ساتصل بك لاطمأن عليك وعلى الغالي فرات ...بكيتها طويلا .يشهد الله وحده كم تالمت حينها ...صعب جدا أن تعتاد على شخص... تتكلم معه كل يوم وتحبه ..ثم بكل بساطة تفقده ..تودعه !! لكني كنت سعيدة لخروجها لان ذلك كان لصالحها وصالح بيتها وزوجها واطفالها الصغار ....
لم ينقطع الاتصال بيني وبين ام لقاء ابدا كانت دوما تتصل بي لتسأل عني واطمأن بدوري على لقاء ...
بقي أن اخبركم أن لقاء بقيت هكذا... عاشت بين اهلها وعلى الجهاز حتى اصبح عمرها (١١ سنه وأكثر قليلا ) بعدها فارقت الحياة ..كبرت وهي قليلة الحركة.. لاتتكلم و تغذيتها حتى اليوم الأخير من العمر كانت عن طريق الانجي....ذاك هو قدرها وقدر أهلها...وداعا لقاء ولك الصبر صديقتي ام لقاااااء ......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا