الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان، الوادي، الآبار، العيون في بني كرزاز (3 )

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 1 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لئن انتقلنا من شمال الدوار إلى جنوبه، نجد أهم الآبار وهو بئر 《النكش》كان هذا البئر في الماضي عينا، ويعد رافدا من روافد 《سهب خزيت》 الذي يعتبر بدوره رافدا أساسيا لوادي نهر النفيفيخ، يعني مفهوم《السهب 》 في اللغة المحلية الكرزازية : الجدول المائي، أما كلمة《خزيت》 فهي من الخزي والعار، فخلال فصل الشتاء الممطر كان يفيض الجدول المائي على حقل أحد الفلاحين، ويجرف محاصيله الزراعية، فيبعث في نفسيته نوعا من التذمر، ويبصق على الأرض ويلعن الطبيعة والعالم، لقد لاحظت ردود أفعال مشابهة لرد فعل هذا الفلاح خاصة حينما تمطر 《الشتا》 أكثر من اللزوم، وتغرق الأرض وتجرف المحاصيل الزراعية والمواشي وتسقط المنازل، سمعت إحدى القرويات تقول : 《سيري بعدي منا عيقتي》 《مشيا بلا رجعة》《 أ سيدي ربي شوف من حالنا》 إلا أنه حينما تتأخر الأمطار في نهاية فصل الخريف، نجد القرويين يتضرعون إلى الله وهم يسيرون خلف بقرة حاملين دمية تسمى بالأمازيغية 《توغنجا》 ويقولون : 《 أسيدي ربي بغينا الشتا》: يا إلهي نريد الأمطار. إن انتروبولوجية الإله تسمح لنا بالفهم أن الإله ليس سوى إنعكاس لما ينقص الأهالي وما يحتاجون إليه، فالإله تعبير عن العجز الإنساني. بالرجوع إلى الوصف الاثنوغرافي للمجال الكرزازي، يلاحظ أن الأمطار في الآونة الأخيرة تراجعت بشكل ملحوظ،وتحولت 《عين النكش》 إلى بئر، إذ انحدرت المياه الى القعر ويتم جلب المياه باستعمال 《القباب》 المصنوعة من البلاستيك أو السطول المصنوعة من الجلد، إلا أنه مع ذلك ظل البئر يشكل مرجة تتجمع فيها طيور النغاف و اللقالق التي تحوم حول الأبقار من أجل تناول القراد والذباب، لقد حبكت الكثير من القصص الميتافزيقية الخرافية حول بئر 《النكش》 تثير الذعر والخوف، وقبل أن نتحدث عن هذه القصص، لابد من الإشارة أن البئر هو ملتقى الطرق، فإلى جانب الطريق المارة على 《عين سوالة》 والمتاخمة 《لسهب خزيت》والتي تصل إلى البئر، فهناك أيضا طريق سالكة تربط بين دواري أولاد الطالب وأولاد البهلول بالطريق الجهوية رقم 305 كان يمر عبرها 《السواقة》 والمسافرون وأصحاب القوافل التجارية المتجهين إلى الرباط أو إلى السوق الأسبوعي 《لربعة》 أو 《 الزكاية》 وترك هؤلاء عدة حكايات تخلب الأذهان، منها أن 《سواقا》 كان عائدا من سوق الأربعاء (وهو سوق كان ينظم وسط مدينة بنسليمان، وتم تحويله بالقرب من سجن الحجيبة، حوالي 4 كيلومترات في الجنوب الشرقي للمدينة سنة 2009 ) على متن دراجة هوائية ولما اقترب من البئر حوالي التاسعة ليلا، اعترضت سبيله 《 جنية》 رفقة أولادها الصغار، عطلت له العجلتين وتحلق أولاد الجنية الصغار فوق كتفيه وأعلى المقود وكانت تقول له : 《بيدر لمك بيدر》 : اضغط على الدواستين، وقالت له أنها مطلقة وتريد الزواج به، ويصف : 《السواق》 شكل الجنية بالقول أنها بيضاء اللون وتشبه رجلاها أرجل الناقة ووجهها يثير الخوف كأوجه أبطال الرسوم المتحركة، و تحكي 《زكاية》 أنها ذهبت إلى البئر في غضون الغروب وتأخرت لأن السطل و 《 الدواز》 سقطا لها في البئر بفعل الرياح، فحل الظلام، فإذا بها تنتهي و تضع 《 البادن》على بردعة الحمار وتهم بالعودة إلى منزلها، حتى طفا أمامها رجل أسود اللون يخرج من البئر ويقول لها : 《 كنبغيك 》أي : أحبك وظل يردد هذا الصوت حتى تلاشى في عمق البئر، شعرت 《الزكاية》 برعب شديد، وسقطت مريضة لشهور طويلة، يعتقد هذان الشخصان أن ما وقع لهما كان حقيقة لا تمت بصلة إلى الخيال ويصدقهما الكثير من الناس، لأن الكثير من الأهالي إن لم أقل كلهم يؤمنون 《بالجنون》 أي أفراد الجن وأنهم مخلوقات تسكن العالم الأرضي مثل الآبار والمغارات والعيون والأماكن المهجورة، ويظنون أيضا أن الملح هي الوسيلة لاتقاء شر الجن، مثلا : في اليوم الأول من العزيب، وبعد تشييد 《 القيطون 》 أو الخيمة كان يتم نشر الملح وسط الخيمة، لأن المكان كان من قبل مأوى للجن، هكذا يعتقد الأهالي. وغير بعيد عن بئر 《النكش》وفي الشمال الشرقي لدوار بني كرزاز تتموقع 《عين مرصيط》 وكانت هذه العين بمثابة المزود الرئيسي 《لسهب الشتوكي》 الرافد الأيسر للجدول المائي 《سهب خزيت》 سميت 《بمرصيط》 ربما لوفرة المياه فيها، إذ يتوافد عليها سكان البيض الذين يسكنون في 《الكصعة》 وساكنة بني كرزاز، يحكي عدد من المسافرين أن 《الجنون》 الذين يسكنون العين يرشقونهم بالحجارة، إلا أن الملفت أن الرواية الشفهية المحلية حكت أيضا عن تعرض العديد من 《السواقة》 الكرزازيين لأعمال السرقة وخصوصا 《البياعة والشراية》 في سبعينات القرن الماضي، بيد أن العين على الرغم من الأهمية التي حظيت بها في الماضي، فإن سنوات الجفاف التي توالت على المنطقة، بالإضافة إلى تنامي السقايات بالدواوير جعلها تفقد إشعاعها، اللهم القلة القليلة من 《الكصيعية》 الذين يحملون سطولا معهم ويتزودون بمياهها، وبالقرب من العين تنتشر عدة مرتفعات يصل علوها إلى 100 متر، عبارة عن مراعي، تربتها من الصنصال، وتتشكل هذه المرتفعات من عدة أخاذيذ التي تعتبر مزودا هاما 《لسهب خزيت》 بالمياه خلال فصل الشتاء، يبلغ طوله حوالي 4 كيلومترات، وتنتشر على ضفافه النخيل والجبوج والطلح، بالإضافة إلى السكوم والرتم، ومن أبرز الآبار التي تتموقع على حاشيته، نجد بئر الطنجي، عبارة عن بئر مبني بالأحجار منذ عقود طويلة، ويتموقع قرب الطريق القديمة التي كان يمر عبرها المسافرون القادمون من الرباط والمتوجهون نحو الداخل، فمنذ سنوات قليلة عثر أحد الرعاة على نقود قديمة، ربما تركها أحد التجار حينما جلس يستريح قرب البئر، وتعتبر مياه هذا البئر 《مشلوقة》 أي تزاوج بين الملوحة والعذوبة، لهذا لا يشربها الأهالي، وإنما يتم استعمالها لأغراض منزلية أو لأغراض حيوانية، وعلى مقربة من البئر دأب الرعاة على نصب الفخاخ لطائر 《القبرة》 الذي يسمى محليا 《بالقوبع》يحكي الأهالي الكرزازيون أنه قبل حفر البئر، كانت هناك عين تسمى 《بسوالة》 وتحيل هذه العين على امرأة غريبة مسافرة مرت بالقرب من العين، وكانت تكثر الأسئلة، ولا يغيب عنا أن العين تتواجد بالقرب من الطريق التاريخية الرابطة بين الرباط والشاوية، ومن المفترض أن تكون امرأة مرت من الطريق وتاهت بها السبل وراحت تسأل، مع العلم أن الرواية الشفهية حافلة بحكايات لعابري السبيل وجوابي الآفاق الذين يمرون من أرض بني كرزاز، وفي هذا الصدد يحكي رجل كرزازي أن شيخا طاعنا في السن يرتدي 《قشابة》 مهترئة ويحمل على ظهره 《موزيطا》 طلب 《ضيف الله 》 فأكرمه الرجل الكرزازي، إذ قدم له شايا وخبزا وزبدة، فشكره الرجل الطاعن في السن ورحل إلى ضريح امحمد بن سليمان الذي يبتعد عن بني كرزاز بحوالي 6 كيلومترات في اتجاه الشمال الشرقي .وبالتالي يتضح أن الأرض الكرزازية كانت موضع عبور للمسافرين، نظرا لكثرة المسالك الطرقية، فالطريق المارة عبر 《عين سوالة》 كانت تفضي إلى الرباط، بينما هناك طريق رئيسية أخرى تسمى 《بالجنابية》تفضي إلى المحمدية على الساحل الأطلنتي الذي لايبتعد عن بني كرزاز سوى بثلاثين كلم، وعلى يمينها يتموقع 《بير الرباعي》 شيد بالقرب من شجرة قديمة فارعة، بني بالحجر من طرف رجل يدعى 《بالرباعي》 ربما لديه أربعة أصابع في يده ويتحدر الرجل من دكالة، واشترى أرضا ببني كرزاز، وبمجرد ما مات رحل أولاده و أحفاده إلى بنسليمان، وبينما نمضي عبر الطريق أكثر نجد عدة 《كراكير》 مرمية على قارعتها، يقول الأهالي أن البرتغاليين هم من تركوا هذه 《الكراكير》 الحجرية منذ القرن 16 م، بالإضافة إلى الخنادق التي تتموقع أعلى بئر يسمى 《بير الجبوجة》هذه الخنادق تركها الفرنسيون إبان مواجهتهم للمقاومة المغربية، يتموقع هذا البئر قرب 《جبوجة》 ليس عميقا، كان في الماضي غزير المياه، يشرب منه الأهالي، لكن ذات يوم سقطت فيه ناقة وعافه السكان، يسمي الأهالي المنطقة التي يتموقع فيها البئر 《بقبر العودة》 وهي جزء من منطقة الساحل، و 《العودة》 هي أنثى الحصان، لقد ماتت ذات يوم 《 عودة 》 عزيزة على راع مجهول، ودفنها بحرقة، فسميت المنطقة كلها بهذا القبر الذي وريت فيه 《العودة》 الثرى، عموما يلاحظ في منطقة الساحل آثارا للغمر البحري الذي حصل منذ عصور جيولوجية سابقة، وترك عدة تموجات وانحدارات أرضية، فتشكلت الضايات، يقدر عدد هذه المستنقعات المائية بستة ضايات، ومن أبرزها ضاية 《البرواكة》 التي كان ينتشر فيها نبات البرواق الذي يصنع منه 《الخصاص》 أي حواجز للخيام، بالإضافة إلى ضاية 《دعيكر》 التي ينتشر فيها نبات يدعى بالديس يوضع كسقف 《للكشينات》 أي المطابخ أو على الأفران أو الأعشاش، ومن بين الطيور التي تنتشر في الضايات، نجد الإوز والبط والنغاف واللقلاق، وفي الفصول المطيرة، كانت الضايات تفيض وتزود مجرى سهب خزيت بالمياه، أو تزود مجرى 《حيط》 الحجر الذي يصب مباشرة في وادي نهر النفيفيخ، كما تزوده أيضا 《عيون الحاج》 التي تتموقع غرب 《قبر العودة》كذلك نعثر على عيون أخرى تصب مباشرة في الوادي كعيون 《بروان》 وعيون 《الدهس》 .

عبد الله عنتار / 27 يناير 2018/ بنسليمان - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي