الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية ثورة: ليس على سبيل التأريخ ولا التحليل... (1) لماذا الخامس والعشرون؟!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2018 / 1 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


باعتبار ثورة الخامس والعشرين من يناير أحد أبرز الأحداث في تاريخ مصر المعاصر، والأبرز في البلاد خلال الفترة التي انقضت من القرن الحادي والعشرين، سيكون من المفيد محاولة إلقاء الضوء على المراحل المفصلية لهذا الحدث الفارق ولكن ليس على سبيل التأريخ أو حتى على سبيل التحليل، وإنما المقصد كله هو محاولة التعرف على ما جرى من زاوية كاتب السطور فقط. هذه الزاوية من المؤكد أنها قاصرة أو ضيقة؛ وهو ما يعني أنها غير كاملة بأي شكل من الأشكال، ومن ثم فإنها في حاجة إلى إكمال واكتمال. والإكمال الذي يؤدي إلى الاكتمال لن يكون إلا بأن يسرد أصحاب المعرفة ما يعرفونه؛ فيتضح الإطار العام والرؤى المختلفة، ويستطيع الراغب في معرفة الحقيقة أن يبحث ويستنبط كيف يشاء.
ولكن السكوت وعدم الحديث بداعي نقص المعرفة أو عدم اكتمالها أو بداعي عدم نضوج الحدث باعتباره لا يزال قيد الوقوع لن يؤدي إلا إلى بقاء الصورة منقوصة. كذلك فإن الحديث بأسلوب الامتلاك الكامل للحقائق ومعرفة كل شيء لن يؤدي إلى أية نتيجة ملموسة سوى أن يصبح السرد مجرد وجهة نظر من ضمن وجهات نظر قائمة، ولكنها وجهة نظر غير قابلة للتطور، وجهة نظر معزولة غير راغبة في التفاعل ومن ثم تصبح محكومًا عليها بالموت بمجرد كتابتها
ما الغرض إذن؟! الغرض هو مساعدة المؤرخ على تقصي الحقائق بأن يقول من شهدوا الحدث كل ما يعرفونه عنه؛ فيستطيع المؤرخ أن يحكم أو يستخلص ما يمكن أن يسميه حكمًا ما على الحدث التاريخي. هو سرد لما جرى بالتركيز على اللحظات المفصلية من دون تجاهل التفاصيل التي صنعت تلك اللحظات؛ فمن التفاصيل ما يغير مجرى التاريخ.

لماذا الخامس والعشرين؟!
عندما انطلقت دعوات التظاهر في الخامس والعشرين من يناير عام 2011، قال الداعون إليها إن الغرض منها هو إجبار النظام على إطلاق الحريات وإتاحة الممارسة الديمقراطية بشكل جدي، وذلك في أعقاب مهزلة انتخابات مجلس الشعب في نهاية عام 2010، والتي أسفرت عن هيمنة كاملة للحزب الوطني الديمقراطي المنحل، وتزعم حزب التجمع اليساري للمعارضة بستة مقاعد.
كانت مهزلة حقيقية في واقع الأمر، وكان رد فعل القوى السياسية فيما يبدو هو الدعوة إلى التظاهر استلهامًا للنموذج التونسي الذي شهد انطلاق مظاهرات احتجاجية على الوضع المعيشي والقمع الأمني في أواخر ديسمبر من عام 2010 بعد إحراق المواطن محمد البوعزيزي نفسه احتجاجًا على تعسف تعامل الشرطة معه. أدت تلك المظاهرات الحاشدة إلى فرار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011 لتبدأ شرارة ثورات ما اصطلح على تسميته "ثورات الربيع العربي".
حددت دعوات التظاهر في مصر يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2011 للتظاهر احتجاجًا على الحكم الديكتاتوري، وقد اختير هذا التاريخ؛ لأنه يوافق عيد الشرطة في مصر، والذي شهد مواجهات بين رجال الشرطة المصرية في الإسماعيلية وقوات الاحتلال البريطاني عام 1952. الغرض إذن من اختيار هذا التاريخ هو الاحتجاج على الممارسات القمعية للنظام المصري باختيار تاريخ يخص عصاه الأمنية الغليظة.
يمكن للمرء أن يقبل هذا الأمر بكل سهولة؛ فالاحتجاجات ضد النظام تأتي بسبب ديكتاتوريته، وهي الديكتاتورية التي يحميها الأمن بكافة أفرعه، وفي مقدمتها جهاز أمن الدولة وفي ختامها الأمن المركزي مرورا بغير ذلك من الأفرع. ولكن هناك بعض المؤشرات التي يمكن أن تقول بغير ذلك.
من الطبيعي أن تكون مسألة التظاهر ضد القمع الأمني مسألة متداولة وشائعة بين أوساط المعارضة المصرية. ولكن الاقتراح بالتظاهر يوم الخامس والعشرين من يناير بالتحديد كان متداولًا داخل أروقة جماعة الإخوان المسلمين بخاصة الوسط الشبابي قبل حوالي فترة طويلة من اندلاع ثورة يناير، وكان من المسميات المقترحة للتظاهر في ذلك اليوم مسمى "يوم العسكري الأسود"، وهي التسمية ذات الدلالة التي لا تخفى على أحد من إشارة إلى الممارسات القمعية للقوات الأمنية الشرطية.

نقاط للتفكير
إذن، كان التظاهر يوم الخامس والعشرين من يناير مسألة مطروحة في أوساط جماعة الإخوان المسلمين. فهل وجدت تلك الفكرة متنفسًا لها بفعل ما جرى في تونس والانتخابات التشريعية الهزلية في مصر من تقارب التواريخ؟! ربما يكون الأمر كذلك، ولكن هناك عدة نقاط يمكن التوقف عندها في ذلك المقام، وهذه النقاط هي:
1- يمكن القول إن مسألة التظاهر ضد عنصر متجمعي معين تكون في يوم يحمل لهذا العنصر ذكرى؛ كأن يجري التظاهر ضد أحد الرؤساء في ذكرى يوم ميلاده أو ذكرى يوم تنصيبه رئيسًا. فلا مشكلة — ولا مؤامرة — إذن في أن يجري التظاهر ضد النظام المصري في تاريخ عيد الشرطة باعتبارها أداة النظام لقمع الحريات وكبت الممارسة الديمقراطية، وهي المطالبات الأساسية في التي خرج بسببها المتظاهرون في ثورة يناير.
2- لم تكن جماعة الإخوان المسلمين من الذين دعوا إلى التظاهر يوم الخامس والعشرين من يناير؛ حيث نفت قيادات الجماعة ذلك. ولكن هذا النفي قد لا يؤخذ بجدية؛ لأن الجماعة عادت وأكدت أن أنصارها تواجدوا في الشوارع منذ اليوم الأول. لذلك يمكن النظر إلى هذا النفي على أنه نفي تكتيكي كما هي العادة في ممارسات الجماعة.
3- في المقابل، لنفترض أن المظاهرات في تونس والانتخابات في مصر قد جرت في منتصف العام مثلًا، فهل كان من الممكن وقتها أن تأتي الدعوة إلى الاحتجاجات في يوم آخر مميز للنظام؟! يوم مميز للشرطة المصرية؟! ولكن كذلك، هل يجب أن يكون التظاهر في تاريخ مميز؟! يبدو أن قاعدة التظاهر تقول كذلك؛ فحتى يوم 11 نوفمبر الذي لا علاقة له بأية مناسبة تاريخية مصرية ذات صلة ظاهرة بالحياة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية قيل إن سر تميزه يكمن في أن حاصل جمع الأرقام هو أربعة في إشارة إلى اعتصام رابعة العدوية لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي من الإخوان المسلمين ومؤيديهم.

إذن، يمكن القول إن التظاهر في يوم الخامس والعشرين من يناير جاء مناسبًا لمضمون الدعوة إلى التظاهر وهي الاحتجاج على الممارسات القمعية للنظام المصري. ولكن هناك من المؤشرات الضعيفة ما يقول إن التظاهر يمكن ألا يكون قد جاء عفويًّا في ذلك اليوم، وإنما كان مخططًّا لها من قبل وفجرها نجاح الثورة التونسية.
ربما يقرأ البعض هذا الكلام، ويعتبره محاولة للتشكيك في الثورة. هي ليست محاولة للتشكيك، ولكنها محاولة لطرح كل الاحتمالات والتفسيرات. هل كان نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ديمقراطيًّا؟! كلا بالطبع، وكان يستحق العزل والخلع والإطاحة وكل مفردات التخلص منه. هل طرح كافة الاحتمالات مهما بلغت ضعيفة في ظاهرها أمر خطأ؟! كلا بالطبع، فهناك المزيد من المؤشرات على عدم عفوية ما جرى في الخامس والعشرين من يناير، ولكنها مؤشرات تتضح الواحد بعض الآخر في سياق مجريات الثورة. لذلك ما قد يبدو ضعيفًا في البداية قد يقوى بمرور الوقت مع تتابع الأحداث؛ ومن ثم يصير من الضروري أن يشار إليه.
دس السم في العسل؟! كلا ليس هذا المقصد، ولكن القصد هو الطرح الكامل لرؤية من الرؤى لما جرى في مصر في الخامس والعشرين من يناير. وإن فهم البعض ما هو مكتوب على أنه دسم للسم في العسل فهذه مشكلته في صاحب التأويل لا مشكلة المستهدَف بالتأويل.
هذا مبلغ ما لديَّ من الكلام عن اختيار التاريخ للخروج في المظاهرات التي تحولت إلى ثورة في نهاية الأمر لتصبح كما قلت سابقًا واحدا من الأحداث البارز في تاريخ مصر المعاصر، والحدث الأبرز في البلاد خلال الفترة التي انقضت من القرن الحادي والعشرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا