الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روشتا علاجية لاستشفاء مجتمعاتنا المريضة

جواد كاظم غلوم

2018 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


روشتا علاجية لاستشفاء مجتمعاتنا المريضة


لست نطاسيا سياسيا أو مصلحا اجتماعيا او معالجا سحريا يقدّم وصفات مبتكرة ناجعة لانتشال بلداننا من اوضاعها المزرية ، غير اني أضع نقاطا عامةً دون ان انغمس في التفاصيل تبدو لي علاجية مطببة من خلال مشاهداتي طوال اكثر من خمسة عقود عشت فيها متأرجحا بين أنظمة حكم متهتكة وفاسدة ودكتاتورية الى حدّ الإيغال مثلما عشت أنظمة مدنية راقية انتهجت أسلوب الديمقراطية والمواطنة الحقة ورأيت وتلمّست الفرق بين مجتمعنا المتخلف الموغل في استهتاره بالإنسان وبين انظمة راقية هدفها رفع شأن أبناء وطنها وايصال مواطنيها الى حدود سليمة من السعادة وتحقيق المساواة والاستئناس بالشعب ومايريد باعتباره مصدر السلطات الثلاث التي تجهد في تقديم اقصى الخدمات له
ولا أدّعي أني استللت عشبة جلجامش من فم الأفعى عنوةً وعن طريق التحايل كما يوصف السرّاق المحنّكون بانهم قادرون على أخذ العلكة من أفواه المغفلين او قمت بخلق حيوان " تيولا " الذي يزعم علماء البايالوجي انه الكائن الحيّ الوحيد بين كل مخلوقات الدنيا لايموت ولا يفنى ابدا وحالما تنتهي فترات شبابه يعود مجددا الى طفولته ولايمر ابدا في مرحلة الشيخوخة وهكذا دواليك سنة اثر اخرى ؛ ولست خطيبا واعظا ناصحا كما قال الامام علي في احدى خطبه أمام جمعٍ من اهل الكوفة في احدى خطبهِ وهو يزفر أسىً لأنه يعرف بانّ نصائحه ستضرب عرض الحائط : " احفظوا عني خمسا ولو شددتم اليها المطايا حتى تنضوها لم تظفروا بمثلها .... "
فكل ما أقوله هي معايشات أدركتها ولمستها في معظم بلداننا العربية الرازحة تحت احكام تعسفية ذات حكم واحد او دكتاتوريات ضاربة في القِدم والمراس في قهر شعوبها كما عشت في ربوع بلدان تقدّس مواطنيها وتعطيه حقوقه على طبق من ذهب وهو بدوره يعرف واجبه تجاه نظامه الذي يختاره بنفسه وينتقي ممثليه بصناديق الاقتراع
ولكي اكون دقيقا وأضع النقاط على الحروف توضيحا أدرج هنا أهم الاجراءات التي علينا القيام بها فقرة فقرة عسى ان نرتقي اولى سلالم التغيير والنماء العقلي اعتمادا على الاضاءة التنويرية التي استرشد بها العالم المتحضر قبلنا وجعل مجتمعه في مصاف يحسد عليه خاصةً من نخبة مثقفينا ومخلصينا الطامحين ان يكون مجتمعهم قريبا من المجتمعات الناهضة او على الاقل يلامس شيئا من الازدهار في العالم المتمدن
وان هي النقاط المدرجة تاليا الاّ خطوط عامة ولبنة أساسية للتغيير للارتقاء بمدارج مجتمعنا ولو بتوئدة وخطى بطيئة وهي افضل بكثير من ان نبقى في القاع وحتما ستتبعها تفصيلات واجراءت لابد من اعادة النظر فيها وتجديدها بين حين واخر وفق متغيرات الزمن ومدى الحاجة لها وتقديم الاولويات على التاليات والاقل اهمية
1— أولى بوادر النأي عن التخلف هو النظر بعين فاحصة الى حاضر ومستقبل وضعنا وغضّ الطرف عن الماضي وإشكالاته وبالأخص المختلف لا المؤتلف من اجل ترميم حاضرنا الحالي وإعادة ترتيبه بالشكل الذي نضع تصورا واضحا لما سيؤول الينا المقبل الحسن ويكون هذا الامر بالاعتماد على قيادات مخلصة ولا شائبة عليها ومحمّلة بفكر حضاري على الصعد السياسية والاقتصادية وترسيخ بناء فوقي يؤمن بالإنسان وحده دون اية مراعاة لمعتقده وعرقه وانحداره ومنبته ، اذ ان كل انسان له قدراته الخلاقة العقلية الابتكارية بعيدا عن نزوعه الديني والقومي واللون وما الى ذلك من المعوقات التي تشل الابتكار والإبداع وصنع الانسان الحقيقي لو انشغلت بها عقولنا
2-- اعلان الحرب على الصنمية البشرية وتقديس الشخوص الانسانية وصنع الدكتاتوريات وعبادة الشخصيات سواء كانت من الزعامات السياسية ام الدينية او القبلية فالتقديس أحرى به ان يكون للعقل ونتاجه الايجابي البنّاء والاعتبار للأذكياء وحاملي لواء العلم ذي الهدف التنويري الحضاري من خلال رفع شأن المواطنين المبدعين نساءً ام رجالا على السواء وإعطاء كامل الاهتمام للمثقفين والثقافة وإيلاء الدور لها ولرعاتها فهم خير منقذ لو أدركوا تأثيرها ومنافعها والاّ فما قيمة الثروة ان لم تكن تجري في قنوات التغيير نحو الأحسن وتغذية الإبداع والمبدعين وتنوير العقل وانتشاله من براثن الجهل والخرافة والغيبيات والشعوذة
3— استئصال ثديَـي القومية والدينية باعتبارهما يغذيان التخلّف وأساس بروز النزاعات العقائدية والمذهبية والعرقية سواء كانت في الداخل ( وسط مجتمعاتنا ) او في الخارج بين الدول المتجاورة ، فاذا وجد هذان المرتعان بين ظهرانينا تتوالد الكراهية والنظرة الفوقية وتزداد العداواة وتتعثر المساواة والعدالة التي هي اساس المواطنة الحقة في المجتمعات المدنية ، صانعة للانسان المتسامح وبدلا من تحويل الأديان من عقائد ملأى بالعصبية والنرجسية وايدولوجيات مشحونة عنفا وتدميرا ففي الإمكان جعلها تيارات روحية واسعة الصدر وفق نظرة المحاباة بدلا من المعاداة
4--- لتكن الثروات النفطية والمدخولات في جزئها الاساسي في خدمة العقل ونمائه لاجل رفع مستواه ليكون في مصاف العقول المتحضرة من اجل انضاج فكر تنويري عقلاني وتشييد بناء فوقي رصين وايلاء الثقافة والمثقفين اهتماما استثنائيا فمن العيب والهوان ان نردد في أوساطنا المتخلفة " ان أنكر الاصوات لصوت المثقف " ولنصغِ الى مايقول ويشير ونكون طوع أمره في اول خطوة يخطوها بدءا من تغيير مناهجنا الدراسية إلغاءً او إضافةً واستزادة من المناهج الحديثة المعاصرة وتعديل المعوجّ منها ثم القضاء تماما على الاميّة ورفع فؤوسنا للإطاحة بأهرامات الجهل المعرشة على العقول وصولا الى بلورة ثقافة عليا أعلى الهرم للبناء الفوقي ؛ وليس غريبا ان تكون الثقافة ثروة تكاد تفوق الثروات النفطية وتكون مصدرا مدرّاً للمدخولات على المديات البعيدة والأبعد وامامنا عدة دول حذت حذوها نحو النماء والرقي والتحضر والثراء حينما اتجهت للمدنية الحديثة والوسائل العلمانية من اجل النهوض بمستواها كونها قريبة الشبه بمجتمعاتنا مثل ماليزيا وسنغافورة وتركيا اللائي حققن ازدهارا واستقرارا سياسيا واقتصاديا بشكل ملحوظ
5--- توسعة وإنماء البناء التحتي وخلق قواعد صناعية وزراعية لتحريك المجتمع نحو تفجير طاقاته الانتاجية وخلقها بيده وتشكيلها بعقله وامتصاص البطالة الهائلة التي زادت نسبتها الى حدّ غير معقول ( الرجال 40% والنساء تفوق 70% ) وفق احصائيات سنة / 2015 وسط مجتمعاتنا كي يشعر الانسان بقيمته بدلا من ان يكون هائما على وجهه مهملا ويكون صيدا سهلا للنكوص واليأس فيتلقفه الارهاب ودعاته فيضيع عقله بين تهويماتهم الخادعة وأضاليلهم في فتاوى الجهاد ومحاربة الكافرين ونيل الجنان والحسان ، ولا ادري عن ايّ جهاد يتحدثون في بلداننا المحترقة بالحروب العائشة في لجّة جهنم بينما الجنائن والفراديس الدنيوية منتشرة وتتسع يوما بعد يوم في العالم المتحضّر الراقي ؟؟!!
اعرف ان هذه الروشتا التي اهجسها ناجعة سليمة الهدف ونقية الطويّة ستصل الي أيديكم وأوقن ان الكثير لن يمعن في فكّ حروفها وتكون صعبة القراءة مثل اية روشتا من طبيب معالج يكتبها بعجالة على شكل شخابيط كلام لا تعرف خطوطها الاّ دكاكين الصيدلي الحاذق كعادة الاطباء المتعجلين في عياداتهم ومنكم من يكوّر ورقتها بكفّهِ ليرميها لاحقا في سلّة النفايات وهذا هو مبعث الأسى والإحباط الذي يساورنا حينما تتجه الأنظار والأسماع لدعاة التخريف عندما يسمّرون عيونهم امام شاشات وقنوات الدجل التلفزيونية العديدة في بيوتنا والروحانيات ونفثات الفتاوى الضالة والمضلّة ويتراكضون سراعا الى خطب الجمعة ليستمعوا الى الشيخ وهو يهذي ويفرّق ويبث العداوة والبغضاء ويصب جام غضبه على الكافرين وأهل الكتاب والملل والنِحَل وكل من يخطر ببالهِ ويرمي الكلمات البذيئة على عواهنها وهزال براهينها ؛ ففي مجتمعات جاهلة مشلولة المسعى قلما يصغي إلينا احد ولو أصغوا صدفة أو عرَضا ترى الكلمات تدخل الى الأذن اليمنى لتخرج مسرعة من الأذن اليسرى
هذه هي معضلتنا مع الجهل وأتباعه ممن يقدسون الماضي فصفة التقديس أضحت لازمة لايمكن محوها في الأمد القريب على الاقل ؛ واذا كان لابدّ من القداسة وبقائها فليتها تتجه الى تقديس المستقبل وبهذا نكون بدأنا الخطى الاولى للتحضّر والرقيّ ولكن متى يحين أوان تحرّكها ؟؟
هذا ماسنترقبه ولكن بعد لأيٍّ طويل وربما يطول حتى اليأس حتى تلتحم أكفّنا على وجوهنا انتظاراً

جواد غلوم
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى