الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد المجيد بطران، أهذا أوان الرحيل!؟

جابر حسين

2018 / 1 / 29
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


عبد المجيد بطران، أهذا أوان الرحيل؟!
----------------------------------------------

آه،
ثم آآه !
في ذلك الليل البهيم المدلهم،
يتمزق الصمت الحدادي اللئيم
علي مسارنا
والليل يمر منتحبا بأطراف المدينة
يجتاحنا هم ثقيل أنها اقتربت ...
فماذا ستخبرنا الأيام وهي تحوزنا
والليل أثقل وأفصح ما يكون!
لكأن طير الموت لا يزال يهشنا بجانحيه الأسودين،
يخضها خضا هدوءنا
و رغبتنا في الصراخ وفي الصمود
تشخص حولنا الأشياء،
ثم تميل ساقطة وتمعن في الأفول!
أشد صاحبتي ونرحل في زحام الناس نبتغي رؤية
الوجه الذي في ضمير الحزب مدخرا لما يأتي...
لكننا،
لا ندري غدا ماذا يكون
يا بطران،
وكيف تشرق شمسه فينا
ولست علي المدينة؟!
تري،
هل نفتش عنك في أحيائها؟!
لا، ثم لا ...
أنت الآن نجما وناقوسا في علاها يا حبيب!

مرض الحشا الفلسطيني، ومرض القمع السوداني للشيوعيين:

د. فتحي عرفات، الشقيق الأصغر للراحل ياسر عرفات، كان قد درس، عاين وأختبر وتأمل، في الموت ( المفاجئ ) الذي ينال من الأمهات الفلسطينيات، فأكتشف، بعد التجارب العديدة لعينات حية وميتة، أن من الأسباب الأساسية لذلك الموت المفاجئ المتواتر، هو بسبب من تلك الألام الممضة والحسرات الكثار والتأثير العميق في دواخلهن، وتسرب ذلك الهول كله، تدريجيا وبتراكمات ممتدة، إلي أجسادهن والوظائف العضوية الحيوية لتلك الأجساد، حد أن أسماه فتحي ( مرض الحشا الفلسطيني )، ونشرت تلك الدراسة الهامة في العديد من الدوريات والمجلات الطبية العالمية. تذكرت كل ذلك، وأنا أتأمل، منذ سنوات، في دواعي وأسباب الموت المفاجي للشيوعيين/ت في بلادنا، الذي لكثرة ما يحدث، يحيرنا حد يصيبنا بالذهول، ويجعلنا في التأمل المجرح! لهذا، وبوعي حقيقي، كنت قد كتبت، فيما كتبت، أن محجوب شريف مات مقتولا، ذلك العنوان الذي لم تستسيغه، لربما لغرابته، صحيفتي الميدان والصحافة فغيرتا، كليهما، العنوان بأخر عاكس معني المقال بالكلية، وحدها ( الراكوبة ) التي نشرته كما هو، الشئ الذي جعلني أكتب عن ذلك ( المسلك ) وأنشره لديها شاكرا لها ( مهنيتها ) أيضا. فأنا علي يقين، أن الممارسات القمعية والحصار والمطاردات والإعتقالات المتكررة والسجون بزنازينها وتحقيقاتها المذلة وتعذيبها في ( بيوت الأشباح ) وأقبية الأمن، والحرمان من العلاج والدواء للمرضي، هي، من بين أسباب أخري كثيرة من تلك الممارسات المجافية لحقوق الإنسان وللطبيعة الإنسانية، هي المسؤولة، لحد كبير، عن هذه المقاتل العديدة وسط الشيوعيين/ت وأصدقاءهم من نساء ورجال بلادنا! وها هو بطران، واحدا في العديد ينضم إلي موكب الراحلين الشيوعيين، بذات العلة القاتلة، القمع والسجن والغبن!

بطران في كتاب مطابع الحزب:


عبد المجيد بطران أحد الذين تقاسموا، سنوات كثار، مع الحزب الشيوعي الخبز الحافي والمسغبة وجنون المراحل، كم تذوق، بقلب مطمئن وقناعة عميقة، مرارات الليالي وخشونة النهارات أبان الديكتاتوريات الغاشمة التي مرت علي بلادنا ولا تزال، عايش الحصار والمطاردات والإعتقالات، زار عديدا من الحراسات والسجون ناهيك عن ليالي ( الأرق الخلاق ) التي يعايشها ( المتفرغون / المختفون ) وهم ينادونها إليهم برهات الجمال والفرح وحب الحياة، لكأنهم يرونها، بمحض وعيهم، بشارت الغد وزهورها التي ستكون، لا محالة، سعادة وحريات وديمقراطية تنعم بها شعوبهم. وهو، منذ إلتحاقه طالبا في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، انضم إلي الحزب الشيوعي، ناشطا في صفوفه بإخلاص ومحبة كثيرة فتألق ولمع نجمه وعلا، حتي ابتعثة الحزب، بعد تخرجه، إلي ألمانيا الديمقراطية في السبعينيات ليدرس هندسة المطابع. فقد كانت تلك من أوليات الحزب في العمل الإعلامي الذي يكون بين أيدي الرأي العام،محليا وخارجيا، مساهما في جبهة التنوير والوعي بقضايا المرحلة والنضال. لقد أدرك الحزب، منذ بواكيره الأولي في نضاله الممتد بلا توقف البته، ضرورة وأهمية ( المطبعة ) في حياة الحزب، العلنية أو السرية، فكان اهتمامه مبكرا أيضا بهذه الجبهة في عمله. يحكي التجاني الطيب بابكر عن الطباعة الحزبية ومطبعة الحزب فيقول*: ( ... وعندما تمكن الحزب من شراء مطبعة قديمة استغنت عنها صحيفة (الأيام)، انتقلت الميدان بمطبعتها ومكاتبها لتستقل بمبني أوسع منفصل بعمارة عثمان صالح بالسوق العربي. وكانت تطبع قبل ذلك في مطبعة الأستاذ زين العابدين حسين شريف، في ميدان المحطة الوسطي بالخرطوم. وأتاحت المطبعة المستقلة مزيدا من الحرية في توقيت تقديم المواد للمطبعة وتبديلها وفي الإخراج. وقد أدارها عدد من العمال الممتازين المتفانين). ثم، يمضي تجاني في أفادته عن المطبعة والطباعة فيقول*:( وفقدت الميدان مطبعتها أثناء سنوات عهد عبود فتعاقدت مع مطبعة مصر علي طباعتها طيلة الفترة حتي مصادرتها مع مصادرة شرعية الحزب الشيوعي في 16 ديسمبر1965م. لكن أمر مطبعتها الخاصة ظل يشغلها، حتي تمكنت من شراء مطبعة جديدة، وصلت مع مؤامرة حظر الحزب، وقد صودرت المطبعة أيضا، ولكن الحزب رفع قضية كسبها وأستعاد المطبعة مع تعويض مالي، وكان ذلك علي مشارف الإنقلاب المايوي. ومرة أخري صودرت المطبعة عسفا وبقيت في مخازن الإذاعة حتي أستعادها الحزب بحكم قضائي بعد الإنتفاضة! وهذه المرة عملنا علي ألا تكون ضحية لأي مصادرة أخري!). ولما كان هذا هو الحال، ولما كانت هي الضرورة ( القصوي ) للعمل في هذه الجبهة، كان ما سوف يكون، فكان ( بطران ) أحد فرسان هذا الحقل الحيوي في حياة الحزب، المطبعة والطباعة، هو وزميله، في شئون الطباعة والحزب، بابكر سعيد الذي تأهل، مثلما بطران، بألمانيا الديمقراطية.

وجه بطران فينا ورحيله:

كنت، كلما تهاتفنا، وحتي أخر محادثة بيننا في العاشر من يناير الجاري استحثه وألح عليه أن نجري، معا، توثيقا لعمله الهام الذي بذله طوال سنوات في جبهة الطباعة في الحزب، وكان يبدو فرحا أن يقوم بهذا الواجب، الذي يعده من الضروريات في كتاب الحزب. وشغلتنا مشاغل الحياة عن إنجاز ما خططنا له حتي كان هول رحيله! رفيقنا المشترك تاج الأصفياء عثمان سعد كان بالخرطوم قبل أيام من رحيل بطران حين هاتفني ليبلغني أن بطران قد بتروا له أحد أصابع قدمه، وكنت أعلم ما ناله في السنين الأخيرة من أمراض السكر وضغط الدم وآلام الساقين والظهر، لكنه كان ( كويس جدا ) علي حد قوله. هاتفته مباشرة فلم يتم الرد علي إتصالي، وكنا، التاج وأنا، قد أتفقنا أن نزوره ولكنني أنا الذي لم أتمكن من مرافقة التاج للخرطوم بسبب يخصني، فضاعت عنا، كلينا، فرصة أن نلتقيه! قبل منتصف ليلة الخميس 25 يناير بقليل، قرأت، بالصدفة، علي صفحة رفيقنا أحمد علي دليل بالفيس النبأ المهول برحيله:( أنعي لكم الزميل عبد المجيد بطران رحمه الله. الدفن بمقابر فاروق في العاشرة مساء، العزاء بالحلة الجديدة شمال غرب ميدان المولد محطة ود المبارك، فقد جلل!). لم أنم تلك الليلة، وفي الصباح، الذي أشرق علينا بدونه، سارعت بمهاتفة التاج أنقل إليه النبأ، ثم لنبكيه معا، فقد كان صديقا ورفيقا ووجها جميلا في حياتنا!
العزاء لأسرته وأبناءه وأهله، للحزب الشيوعي ولرفاقه، فقد رحل بطران ولما يكمل بعد حكاية ( الطباعة والمطابع ) في تاريخ الحزب، لكن، علي التأكيد، ستظل مدونة ومضيئة تلك الصفحات من كتاب الطباعة في تاريخ الحزب والثورة حتي الأبد، وفي ضميرنا سيظل بطران قصة تروي وعلامة!

-----------------------------------------------------------------
* كتاب ( الميدان )، الميدان، صوت شعب، قصة حزب، صفحتي( 7/8 ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري