الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توترات داخل هيئة تحرير جريدة -بروليتاري- - البلشفية طريق الثورة

آلان وودز
(Alan Woods)

2018 / 1 / 29
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


البلشفية طريق الثورة

الفصل الثالث: مرحلة الردة الرجعية





Bookmark and Share

آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

كانت الضرورة الأولى والأكثر إلحاحا هي حل الصراع المتصاعد مع الأوتزوفيين اليسراويين المتطرفين. في يونيو 1909، اجتمعت هيئة التحرير الموسعة لجريدة "بروليتاري" في باريس. وأعرب لينين عن أمله في الاستفادة من هذا الاجتماع من أجل تقوية صفوف قيادة الفصيل البلشفي. كان ذلك، في الواقع، اجتماعا لقيادة الفصيل البلشفي. وفي ذلك الاجتماع حدث صراع حول مسألة هامة تكشف بشكل واضح تماما الفرق بين اللينينية وبين النزعة اليسرواية المتطرفة. دعا بوغدانوف إلى عقد "مؤتمر بلشفي خالص"، أي أنه كان يريد أن يفصل البلاشفة عن حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي ويدفع بهم لأن يشكلوا حزبا منفصلا. لقي مطلب عقد "مؤتمر بلشفي خالص" الدعم من قبل بلاشفة يسراويين متطرفين آخرين وهم: شانتسر وليادوف وسوكولوف (فولسكي). إن هذه الدعوة العصبوية إلى تشكيل أحزاب ثورية "مستقلة"، سواء كان حزبا من عضوين اثنين أو مليونين من الأعضاء، هي نغمة مألوفة عند اليسراويين المتطرفين على مر التاريخ. ليس لهذه الفكرة أية علاقة مع تكتيكات لينين الماهرة والمرنة، التي كانت موجهة دائما بضرورة التواصل مع الجماهير. كانت المهمة الأولى هي كسب الفئات المتقدمة من الطبقة العاملة، التي كانت في روسيا منظمة في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي. لم يكن صعود الجناح التصفوي اليميني في الحزب الاشتراكي الديمقراطي حجة لانشقاق الجناح الثوري، بل على العكس من ذلك، كان ذلك دافعا لمضاعفة النضال من أجل هزيمة الجناح اليميني داخل الحزب وتخليص العمال من نفوذه. وعلى نتائج هذا النضال اعتمد مستقبل الثورة في روسيا.






ألكسندر ألكسندروفيتش بوجدانوف (22 أغسطس 1873 - 7 أبريل 1928) /صورة: Wikimedia Commons

كانت حجة بوغدانوف حول الانشقاق عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي من أجل تأسيس حزب ثوري "مستقل" خاطئة حتى النخاع. في الواقع كان البلاشفة دائما مستقلين، بمعنى أنهم لم يقدموا أي تنازل فيما يخص الدفاع عن برنامجهم وسياستهم ونظريتهم الثورية. لكن هذا غير كاف، إذ من الضروري إيجاد طريقة لإيصال تلك الأفكار الثورية إلى الطبقة العاملة، بدءا من الفئات الأكثر تقدما وتنظيما. وبقدر ما كان جزء كبير من العمال المنظمين في روسيا ما يزالون تحت تأثير المناشفة، فإنه كان من الضروري مواصلة النضال داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي من أجل كسب الأغلبية. كانت تلك هي سياسة لينين. لكن من أجل القيام بذلك، كان من الضروري تنظيم الجناح الثوري بشكل منفصل، باعتباره فصيلا داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي. كانت للبلاشفة قيادتهم الخاصة ومنشوراتهم الخاصة التي تدافع عن مواقفهم الثورية وتشن نضالا مستمرا ضد الجناح اليميني للحزب. أي "استقلال" أكثر من هذا كان مطلوبا؟ الإعلان الرسمي عن حزب منفصل؟ كان ذلك سيكون مجرد خطوة بدون معنى، أو أسوأ من ذلك: مغامرة. كان قبول تلك السياسة المتطرفة سيحكم على البلاشفة بالعجز العصبوي ويسلم الحزب إلى الإصلاحيين على طبق من ذهب. كان موقف بوغدانوف بشأن هذه المسألة مظهرا آخر من مظاهر المزاجية اليسراوية المتطرفة التي نشأت عن نفاذ الصبر والإحباط.

ما زاد من اشمئزاز البوغدانوفيين هو أن اللقاء لم يكتف برفض طلب عقد "المؤتمر البلشفي الخالص" فحسب، بل أكد أيضا على ضرورة التقارب مع المناشفة الموالين للحزب. يزعم المؤرخون السوفيات أن هذا اللقاء عمل على "طرد" بوغدانوف، لكن هذا غير صحيح، فعلى الرغم من السلوك الاستفزازي للغاية الذي نهجه بوغدانوف وأتباعه، فإنه لم يتم طردهم من صفوف البلاشفة في اجتماع باريس، الذي اكتفى بإعلان أن الفصيل البلشفي "لا يتحمل أي مسؤولية" في أنشطتهم. كان هذا الانفصال العلني للبلاشفة عن النزعة اليسراوية المتطرفة هو الشرط المسبق للتقارب مع المناشفة المواليين للحزب، لكن على أية حال كان من الواضح أن القطيعة أمر لا مفر منه. كما صوت الاجتماع أيضا على قرار أصدر تعليمات لممثل بروليتاري في اللجنة المركزية "باتخاذ موقف الدفاع الواضح عن مادية ماركس وإنجلز الجدلية في المسائل الفلسفية، إذا ما طرح ذلك داخل اللجنة المركزية". لم يلاق هذا الموقف الإجماع، حيث صوت تومسكي ضده، بينما امتنع كامينيف عن التصويت، كما كان متوقعا.

بعد اجتماع هيئة التحرير الموسعة لجريدة "بروليتاري" في باريس، لم يتحسن الموقف، بل تدهور بسرعة إلى صراع مفتوح. لم يكن في نية مجموعة بوغدانوف القبول بقرار الأغلبية، بل انتقلت إلى الهجوم، وأصدرت منشورا تكتليا للدفاع عن موقف الأقلية في تحد لقرارات الاجتماع. ونتيجة لموقفه ذاك تعرض بوغدانوف للطرد من الفصيل البلشفي. تقول كروبسكايا: «كانت المجموعة البلشفية آخذة في التفكك»[1]، واشتكى لوناتشارسكي من "نفاد صبر" لينين، في حين نشر بوغدانوف وصفا مغرضا للمناقشات. رد الفبريوديون بخوض صراع مفتوح وعلني ضد الأغلبية البلشفية، ورفعوا توصية في لجنة بيترسبورغ ضد المشاركة في حملة انتخابات الدوما، فرد أنصار لينين بالدعوة إلى اجتماع للمقاطعات كان الحضور فيها كبيرا، حيث تمكنوا من الحصول على الدعم للموقف المعاكس. سفيردلوف، الذي خرج من السجن في خريف 1909، لعب دورا هاما في منظمة موسكو، وكان ذا نفع كبير. لكن موقف لينين لم يكن آمنا بشكل عام.

بعد المؤتمر، أعاد الأوتزوفيون تجميع صفوفهم وأنشأوا مركزا قياديا تكتليا خاصا بهم. جماعة بوغدانوف التي كانت تدرك أنها لن تتمكن بسهولة من هزيمة لينين في نقاش مفتوح، استغلت الثروة والعلاقات التي يمتلكها غوركي، الذي كان متعاطفا مع وجهات نظرهم الفلسفية، لتنظيم ما كان عمليا جامعة تكتلية في منطقة قرب جزيرة كابري الإيطالية. كما أصدر بوغدانوف ولوناتشارسكي جريدتهما الخاصة: فبريود (إلى الأمام). حاول لينين أن ينقل النضال إلى معسكر البوغدانوفيين بحيث أرسل أشخاصا إلى جامعة كابري، لكن النتيجة الوحيدة كانت هي تعميق الانقسام. كان العمال في روسيا غاضبين من سلوك الفبريوديين، لكنهم بشكل عام كانوا غاضبين من جميع المهاجرين ونزاعاتهم الفلسفية، التي كانت تبدو بعيدة عن المشاكل الواقعية على الأرض في روسيا. إلا أنه وعلى الرغم من كل شيء، فقد حاول لينين قصارى جهده إنقاذ على الأقل بعض المقاطعين من أنفسهم. وعلى النقيض من الصورة الواسعة الانتشار التي تصف لينين بأنه تكتلي فظيع، تذكر كروبسكايا:


«إيليتش يرد بقوة عندما يتعرض للهجوم، ويدافع عن وجهة نظره، لكن عندما تطرح مشاكل جديدة يتعين معالجتها ويجد أنه من الممكن التعاون مع خصمه، يكون إيليتش قادرا على الاقتراب ممن كان خصمه بالأمس كرفيق. لم يكن عليه أن يبذل أي جهد خاص للقيام بذلك. وهنا تكمن ميزة إيليتش الهائلة. كان دائما صلبا جدا عندما يتعلق الأمر بالمبادئ، وكان متفائلا كبيرا عندما يتعلق الأمر بالأشخاص. وعلى الرغم من الأخطاء العرضية في الحكم، فإن تفاؤله هذا كان، عموما، مفيدا جدا للقضية. لكن عندما لم تكن هناك إمكانية لاتفاق بشأن المسائل المبدئية، فإنه لم يكن هناك مجال للمصالحة»[2]

في يونيو 1909، كتب في جريدة بروليتاري اقتناعه بأن:


«الرفيق ليادوف، الذي عمل لسنوات عديدة في صفوف الاشتراكية الديمقراطية الثورية، لن يبق لفترة طويلة في فصيل بناة الله "الأوتزوفيين" الجديد، بل سيعود إلى الحزب».



يظهر هذا التفصيل مرة أخرى جانبا من طبيعة لينين الذي يعمل محترفو تشويه البلشفية كل جهدهم لإخفائه، أي التسامح والوفاء والصبر مع الناس، وهي الصفات الضرورية جدا لأي زعيم حقيقي. يتذكر غوركي عندما قال له لينين:


«سوف يعود لوناتشارسكي إلى الحزب. إنه أقل فردانية من الاثنين الآخرين [بوغدانوف وبازاروف]. إن لديه موهبة طبيعية استثنائية. ولدي ضعف خاص تجاهه. أنا أحبه كرفيق رائع!»[3].[4]

لم يدخر لينين جهدا لمساعدة الأشخاص كلما أظهروا ميلا واضحا للتطور في اتجاه ثوري، كان يمد لهم يده ويدعوهم للعودة، وكان يضع جانبا الاختلافات السابقة وجدالات الماضي، مهما كانت مرة. لكنه لم يسمح أبدا بأن يؤدي البحث عن الوحدة إلى إخفاء المسألة المركزية التي هي ضرورة الدفاع عن نقاء الرسالة الثورية. فإذا كان ذلك يعني الانشقاق فليكن الانشقاق. وكما قال إنجلز في إحدى المرات: "إن الحزب يصبح قويا من خلال تطهير نفسه". وبمجرد ما كان لينين يرى حتمية القطيعة فإنه يصير صارما كذلك.

هوامش:

1: Krupskaya, Reminiscences of Lenin, 198.

2: Ibid., 251

3: Istoriya KPSS, vol. 2, 296.

4: في الواقع ليس فقط لوناتشارسكي وليادوف وحدهما، بل معظم الفبريوديين عادوا في وقت لاحق إلى الحزب البلشفي. حتى بوغدانوف بدوره عاد في النهاية. ظهر في عام 1918 باعتباره مناضلا حزبيا ومنظرا. وقد استخدم أحد كتبه (عن الاقتصاد الماركسي) خلال العشرينات ككتاب للحزب. صار في وقت لاحق واحدا من قادة ما يسمى بتيار Proletkult (الثقافة البروليتارية)، مما كان علامة مؤكدة على أنه لم يفقد أيا من ميولاته التشكيكية ونزعته الصورية. إلا أنه انسحب من الحياة السياسية في سنوات الثورة المضادة البيروقراطية. لكن ليس كل الفبريوديين عادوا إلى الحزب، فبازاروف تخلى عن السياسة تماما وتبنى موقفا معاديا من ثورة أكتوبر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي