الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنز وصبي في سيارة

حمدى عبد العزيز

2018 / 1 / 31
سيرة ذاتية


كنز وصبي في سيارة
ــــــــــــــــــــــ
تصادف لمدة يومين متتاليين وأثناء ذهابي وإيابي للعمل وكذلك قضاء بعض المشاوير الخاصة أن استمع عبر سيارتي الخاصة إلي الحلقات الإذاعية القديمة " حكايات أبله فضيله" الذي كانت تقدمه في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي الرائعة فضيله توفيق إحدي مذيعات العصر الذهبي للراديو والتي كنت قد قمت بتسجيل أكثر من خمسين حلقة منها من علي الموقع الشهير موالي علي إحدي فلاشاتي الخاصة ..

شئ مبهر أن استمع وأنا في هذه السن لما كنت استمع له في طفولتي وماكان يشكل جزءاً هاماً من عالمي الصباحي وقتها بل وكان ذلك ضمن ماكان من مكونات يمثل جزءاً أصيلاً ساهم في تكوين بنائي القيمي ومخيلتي العقلية ، وأعتقد أنه فعل كذلك لكثيرين من أبناء جيلي ..

الحق أقوله لكم ..
قفز الصبي الذي اعتقله داخلي وتحدي جميع قرارت إعتقاله والتحفظ عليه عبر مايزيد عن أربعة عقود علي الأقل واستبدل هو مكاني أمام مقود السيارة ووضعني في معتقله الذي بنيته أنا عبر كل هذه السنوات - مثلما يفعل كثيراً في مثل تلك المواقف - وأخذ يستمع بشغف كبير وانبهار بقدرة الأبلة فضيلة بصوتها الذي يشخص بدرجات غير مفتعلة سمات كل كائن من كائنات هذا العالم الثري ، وقدرتها البارعة علي إمتلاك دقائق تفاصيل فن الحكي والسرد والتشويق ..

احمد الله أن لا أحد كان يركب جانبي في السيارة ، وأنني كنت أغلق جميع ألواح زجاجها الأربعة ، لأنني سمعت هذا الصبي اللعين يهتف بصوت عال مع أولاد أبله فضيلة ..
آآبله .. آبله فضييييله ..

ويغني معهم ..
( جدو ياجدو ..
يأحسن جد ..
إلي آخره ، وإلي أن يزجرهم الجد بصوت حسين رياض الأجش الحنون ..
( لا لا لا .. عيب ياولاد ..مايصحش كده ..
ثم يغني
كام سنه بيني وبينكم
تلاعبوا بيا والاعبكم .. )
إلي أن يغني بصوت متهدج ..
(التعلب فات فات فات
… وف ديله سبع لفات ..)

وهكذا استمر هذا الصبي متنقلاً بين حكايات الأرنب الشقي والحمار الطيب والدب الشرس والنمل المكافح والحطابين والصيادين والرجال العواجيز الحكماء والملوك والسلاطين والأمراء والفقراء والشجعان والأميرات الجميلات والساحرات الشريرات القبيحات والبحار التي تخبئ تحتها عوالم أخري من الذهب والقصور ، والرجال الشجعان ، والمغامر الجسور والمغامر الطامع ، والبلبل عاشق الوردة الحمراء التي لايري بديلاً لشفائها من ذبولها سوي أن يغمس سن غصنها المدبب في قلبه ليضخ لها كل دمائه مضحياً بحياته لترتد الوردة إلي حيويتها وإحمرار لونها البهيج ..

وحكاية البلبل والوردة هذه عندما استمع إليها هذا الصبي الذي استبدلني بنفسه لأول مرة كانت تحكيها أبله فضيلة لصغارها عقب وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ،
وهذا الصبي ذاته هو الذي أجهش ببكاء أثناء استماعه لهذه الحدوتة وقتها لأنه كان متعلقاً بصورة الزعيم ككل صبية وبنات جيله الذين كانوا في المدارس وقتها لكنهم كانوا ينشدون مع الكبار (ـ الوداع .. الوداع .. ياحبيب الملايين ..)

تراكمت الأيام والسنين وتراكمت الخبرات معها ،وتغيرت المواقف والرؤي والأحداث والأنظمة وربما العالم أيضًا
لكن هذا الصبي ظل علي علاقته الوجدانية بحواديت أبله فضيله والتي أضافت إلي مخيلته علي ماأضافت له حكايات أمه الريفية المشوقة قبل النوم عن الجنيات ذوات الشعر الذهبي السائح اللواتي كان يجلسن علي وجه مياه الترعة المواجهة للبيوت الطينية لأهلها الريفيين ..

سأنحي هذا الصبي الذي قام بإقصائي طوال هذا الوقت لأنصح كل من يتمتع بموهبة الكتابة القصصية والروائية والشعرية وربما أيضًا من يتمتع بموهبة الرسم والتصوير والنحت والتشكيل بأن يحاول أن يقتني تلك الكنوز الإذاعية وأن يلجأ إلي الإستماع بعمق لحلقات أبله فضيله وكذلك الصور الغنائية الإذاعيةالقديمة علي أي جهاز MP3 ، وألا يخجل من ذلك أو يتعالي علي مثل هذه الأشياء التي تبدو بسيطة في حين أنها كنز عظيم قد لانعوضه ..
ــــــــــــ
حمدي عبد العزيز
22 يناير 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة