الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة طومانباي وما حدث له مع السلطان سليم وحسن بن مرعي وأخيه شكر وخاير بك

أحمد مصطفى السحار

2018 / 1 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


رجّت أنباءُ الكارثةِ أركانَ العاصمة، ودار المنادي في طرقات القاهرة ـ في أحد أيامها الحارة ـ ينعى السلطان ومن مات معه من الأمراء والمماليك وأولاد الناس؛ فارتفع الصراخ والنحيب في كل حارة وزقاق وشارع حزنًا على كل من ذهب ولم يرجع.
مات السلطان الملك الأشرف أبو النصر قنصوه الغوري كمدًا وهو يرى جيشه ينكسر أمام جنود السلطان سليم الأول العثماني بعد أن خرج لملاقاته على أطراف مملكته في مرج دابق ـ القريبة من حلب ـ ومعه خيرة فرسان المماليك؛ ليصد زحفه عن القاهرة.
لم يرجع جسد السلطان إلى القاهرة ولم يُعرف له قبر.
مات السلطان في يوم الخميس 25 رجب 922 هجرية الموافق 23 أغسطس 1516 ميلادية.
إلا أن الأنباء الحزينة لم ترد إلى القاهرة إلا في 16 شعبان، أى بعد نحو ثلاثة أسابيع من الهزيمة.
بعد موت السلطان الغوري ظلت مصر بلا سلطان يحكمها لمدةٍ تقرُبُ من ثلاثين يومًا، انقطع خلالها الدعاء للسلطان على منابر الجمعة إلى أن اجتمع رأى المماليك على أن يتولى نائب الغيبة أمور السلطنة، طوعًا أو كرهًا.
وهكذا أُجبر طومانباي الداودار على تولي مُلك مصر خلفا لعمه السلطان الغوري بعد طول إلحاح من أمراء المماليك الذين بايعوه على الطاعة وأقسموا له على المصحف والسيف ألا يتآمروا عليه وألا يخونوه وألا يثيروا ضده الفتن.
وعاد الدعاء على منابر القاهرة مرة أخرى في يوم الجمعة 14 رمضان سنة 922 هجرية للسلطان الملك الأشرف أبو النصر طومانباي.

بدأ طومانباي في إعادة تنظيم صفوف المماليك ولكنه واجه تخاذلهم واستهانتهم بخطورة الموقف.
في هذه الأثناء أرسل إليه السلطان سليم رسالةً عرض عليه فيها أن يستسلم له مقابل أن يبقيه حاكمًا لمصر، إلا أن طومانباي رفض وجهّز جيشًا وخرج إلى الريدانية وتحصن بها وحفر خندقا على طول الخطوط الأمامية.
علم العثمانيون بخطة طومانباي فغيروا خط سيرهم واتجهوا مباشرة صوب القاهرة فتبعهم طومانباي والتحموا معه في معركة هائلة قام فيها طومانباي بقتل سنان باشا ـ الصدر الأعظم ـ ظناً منه أنه سليم الأول.
لم يتمكن المماليك من وقف زحف العثمانيين لكثرتهم وقوتهم فانكسر جنود طومانباي وهربوا فخاف أن يقبض عليه العثمانيون فهرب هو الآخر واختفي.
وفي يوم الإثنين 3 محرم 923 هجرية، الموافق 28 يناير 1517 ميلادية، وبعد ثلاثة أيام من المعركة، دخل سليم الأول إلى القاهرة في موكب حافل، يتقدمه الخليفة العباسى والقضاة وقد أحاط به جنده يحملون الرايات العثمانية الحمراء.
ثم باغت طومانباي العثمانيين في ليلة 5 محرم وجرت بينه وبينهم معركة طاحنة في أزقة بولاق اشترك فيها الأهالي المصريين رجالا ونساء.
استمرت المعركة نحو أربعة أيام، ونادى طومانباي بأن كل من يقبض على عثماني يأخذ ماله ويقطع رأسه ويحضرها بين يديه وآمن الناس أن النصر على العثمانيين آتٍ لامحالة، بل أن الدعاء في المساجد في خطبة الجمعة أصبح للسلطان طومانباي بعد أن كان للسلطان سليم في الجمعة التي سبقتها.
لم يجد العثمانيون بدا من استخدام البنادق فأمطروا الأهالي والمماليك بالرصاص من فوق المآذن فأجبروهم على الفرار، وهرب طومانباي إلى البهنسا بالصعيد بعد أن رأى أنه لن يتمكن من الاستمرار في المقاومة.
أما الأمراء فقد استسلموا للقوات العثمانية،
في 7 محرم استسلمت القاهرة تمامًا للعثمانيين بعد أن طلب الأهالي الأمان فأعلن سليم العفو العام عن كل من استسلم كما أمر بمعاقبة كل من رفض الاستسلام.
رغم ذلك لم ييأس طومانباي، بل نظم الصفوف وتواصلت هجماته حتى كاد أن يقتل السلطان سليم نفسه في إحدى غاراته على بولاق، وقاد المعارك من حي إلى آخر حتى كانت المعركة الأخيرة بمنطقة وردان حيث انكسرت شجاعة المقاومة أمام قوة العثمانيين الهائلة وعتادهم الضخم.
هرب طومانباي ولجأ إلى شيخ العرب حسن بن مرعي وأخيه شكر وجعلهما يُقسمان على المصحف ألا يخوناه.
وكان طومانباي قد أخرج حسن بن مرعي من السجن أيام السلطان الغوري.
لكن حسن بن مرعي خان الجميل والقَسم وسلم طومانباي لسليم واستولى على حصانه.
بعد إلقاء القبض عليه، مَثُل طومانباي بين يدي السلطان سليم ودار بينهما نقاش طويل تبادلا فيه الحجج ومبررات ما فعله كل منهما.
لم يخف السلطان سليم إعجابه بمنطق طومانباي وثباته وقال لرجاله: إن مثل هذا لا يُقتل.
أوعز كل من خاير بك نائب حلب وچان بردي الغزالي نائب الشام للسلطان سليم بقتل طومانباي خوفًا على حياتيهما من انتقامه إن ظلّ على قيد الحياة وقرّبه سليم منه.
يقول ابن زنبل الرمال في كتابه "وقعة المماليك":
ومازال السلطان (يقصد طومانباي) على سهرته إلى الصباح، فلما تباينت الوجوه إذا بالجاويشية قد جاءوا إليه والقابوجية (القابوجي هو الحاجب) وهم مسرعون وقالوا له: قُم، فإن السلطان يطلبك.
فقام معهم وساروا به إلى أن قَرُب من خيمة السلطان سليم وأوقفوه، وإذا بقابوجي قد خرج من عند السلطان وقال: قد برز أمر السلطان بأن تسيروا به إلى باب زويلة وتصلبوه هناك.
وجاءوا له بالبغلة وأركبوه عليها، وقيدوه من تحت البغلة، ودارت حوله اليكنجرية العساكر (الجنود الانكشارية) من سائر الطوائف وخرجوا به من أوطاق السلطان إلى إمبابة وأنزلوه في مركب وعدوا به إلى بولاق ودخلوا به من مرجوش إلى بين القصرين وقد انقلبت الدنيا بالضجيج والبكاء والصياح.
وكان ذلك اليوم على أهل المملكة أشأم الأيام وبكت عليه الأرامل والأيتام.
وكان الواحد من عسكر الروم (يقصد الأتراك) يجئ إلى الرجل من أهل مصر ويقول له: هذا الرجل الذي على البغلة، هل هو السلطان طومانباي أم غيره ؟
فيقول المصري: بل هو، هو.
فلما وصلوا به إلى باب زويلة وجدوا الحبل مرخيًا، فأسرعوا به وأنزلوه عن البغلة وصلبوه من غير مهلة، وكانت عملية الشنق تتم بربط حبل حول العنق ثم جذبه لأعلى.
ظل جسد طومانباي معلقا على باب زويلة لمدة ثلاثة أيام.
كان إعدام السلطان الملك الأشرف طومانباي في يوم الإثنين 21 ربيع الأول عام 923 هجرية، الموافق 15 إبريل 1517 ميلادية بعد 17 يوما قضاها في الأسر بعد أن سلمه شيخ العرب حسن بن مرعي للسلطان سليم الأول.

ذكر المؤرخ المصري ابن إياس الحنفي في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" خبرًا واحدًا عن وفاة ابنة طومانباي ـ التى لا نعرف اسمها ـ بعد نحو ثمانية أشهر من شنق أبيها على باب زويلة. قال ابن إياس:
"وفي يوم الخميس تاسع عاشره (يقصد الخميس 19 ذو الحجة سنة 923 هجرية وهو الموافق 2 يناير 1518 ميلادية) توفيت ابنة السلطان طومانباي وكان لها من العمر نحو عشر سنين، فحصل لها طربة (صدمة) على أبيها لما قتل“
هل رأت الحبل وهو يلتف حول عنق أبيها؟
هل أصمتها أصواتهم وهم يقرؤون له الفاتحة كما طلب منهم قبل أن يُشنق؟
هل مدت يدها القصيرة نحو قدميه حتى سكنتا؟
هل امتعضت من رائحته بعد أن ظل جسده مُعلقا لثلاثة أيام على باب زويلة؟
يقول ابن زنبل الرمّال: وبعد ثلاثة أيام من شنقه، أنزلـوه وسـاروا بــه في نعشٍ إلى قُبة السلطان الغوري فغسّله القاضي أصيل الطويل وكفّنه في ثياب أرسلها له السلطان سليم من خاص الموصلي الرفيع ثم صلى عليه القاضي كما أوصاه ودفنوه في فسقية القبة المذكورة.
كما قام السلطان سليم الأول بتوزيع ثلاثة أكياس من الفضة صدقة وترحُمًا على روح طومانباي.

بعد أن قام حسن بن مرعي بتسليم طومانباي لسليم، صال وجال في أموال الناس وظن أن السلطان سليم سيغض النظر عن أفعاله مكافأة له وعرفانا بجميله؛ إلا أن عدد المظالم التي وصلت للسلطان سليم جعلته يأمر بالقبض على حسن بن مرعي وبحبسه في قلعة الجبل بعد ثمانية أشهر من إعدام طومانباي.
استطاع حسن بن مرعي أن يهرب واختفي عن الأنظار فلم يعثر له على أثر طيلة عامين إلى أن تمكن الأمير إينال السيفي من القبض عليه وعلى أخيه شُكر بالقرب من سنهور بالفيوم فهجم عليهما المماليك وذبحوهما وجزوا رأسيهما.
وفي يوم الأربعاء 21 ربيع الأول عام 925 هجرية الموافق 25 مارس 1519 ميلادية، جيء برأسيهما إلى القاهرة على ظهر حصان طومانباي الذي كان حسن بن مرعي قد استولى عليه فأمر خاير بك بتعليق رأسيهما على باب النصر، فهلل الرجال وأطلقت النساء الزغاريد تشفيًا في حسن بن مرعي الذي خان سلطانهم.

كان خاير بك نائبا للسلطان الغوري على حلب وتم القبض عليه قبل معركة مرج دابق بتهمة التخابر مع العثمانيين إلا أن السلطان قنصوه الغوري لم يقتله مَخافة وقوع فتنة في صفوف الجيش، بل أوكل إليه قيادة ميسرة الجيش في المعركة، فما كان من خاير بك إلا أن سحب قواته بشكل مفاجئ أثناء المعركة، فكان سببًا رئيسًا للهزيمة وموت السلطان الغوري كمدًا.
يذكر ابن إياس إن السلطان سليم الأول هو من أطلق عليه اسم (خاين بك) بدلا من (خاير بك) وجعله أول حاكم على مصر في العهد العثماني.
مات خاير بك في يوم الأحد 14 ذو القعدة سنة 928 هجرية، 7 أكتوبر 1522 ميلادية، بعد أن وقع فريسة ثلاثة أمراض جاءته مجتمعة حار الأطباء في علاجها.
يقول ابن إياس: وكانت الناس تسمع صراخه في القبر وهو يصيح، حتى ضَجت الناس من ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا