الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر علاء الغول في -أشياء لا تكتمل- يُصلّي شعرا

عبد الكريم عليان
(Abdelkarim Elyan)

2018 / 1 / 31
الادب والفن



لعلنا نعيش في طقسٍ غير عادي، كما أننا أمام شاعرٍ غير عادي، وديوانُ شعرٍ غير الدياوين التي اعتدنا عليها، شاعرنا تميز عن شعراء جيله، وتفرد في أسلوبه ولغته وفكره، وكما هي أشياؤه التي لا تنتهي، فقراءتُنا له لا تنتهي ولن تنتهي... هو ليس شاعرا فحسب، بل هو نارٌ شعرية ملتهبة قلّ نظيره، فقد أغنى المكتبة العربية بما يزيد عن خمسة عشر ديوانا شعريا حتى الآن، تحرر فيها من هيمنة الما سلف والجاهز.. وهو مستمرٌ في مشروعه الشعري الملتهب والمكتنز بالمعرفة والثقافة الإنسانية من الأساطير المتعددة حتى الحياة العصرية.. من الإرث الإنساني الأزلي إلى ما يصبو إليه إنسان اليوم..
علاء الشاعر لا يكتب للتسلية، أو لمسرّته ومسرّة القرّاء، أو لقضاء الوقت والترويح عن النفس كما يفعل الكثيرون من الشعراء... يقول أدونيس: "إن القصيدة أو المسرحية أو القصة التي يحتاج اليها الجمهور العربي ليست تلك التي تسلّيه، أو تقدم له مادة إستهلاكية، ليست تلك التي تسايره في حياته الخارجية، وإنما هي التي تعارض هذه الحياة أي تصدمه، تُخرجه من سباته، تفرغه من موروثه وتقذفه خارج نفسه، إنها التي تجابه السياسة ومؤسساتها، الدين ومؤسساته, العائلة ومؤسساتها، التراث ومؤسساته، وبنية المجتمع القائم كلها، بجميع مظاهرها ومؤسساتها، من أجل تهديمها كلها، يلزمنا تحطيم الموروث والثابت". (أدونيس، فن الشعر، ص 76) . القراءة في شعر علاء ليست بالأمر السهل؛ فهو ليس كما اعتدنا عليه من شعر حديث كشعر التفعيلة، أو قديم كالعامودي المقفى، أو القصيد النثري... فقد يكون كل ذلك بشكلٍ وأسلوبٍ جديد؛ وربما يكون علاء اقتنص اللحظة أو الفرصة التي وصل إليها درويش في "سرير الغريبة"؛ حيث القصيدة هناك سردية تماما كما النثر، حيث لا نشعر إلا بمتعة الإيقاع وجمالية الموسيقى في سحر لا مثيل له... يقول درويش في حوار لمجلة "الشعراء" الصادرة عن بيت الشعر 1999: "إن النثر أكثر اقترابا من الحياة العصرية، لكن الاستسلام لإيقاعه الإخباري السريع قد يدمر الشعرية، نعم لماذا لا تكون هناك مصالحة بين الخيارين، بين خيار الوزن والخيار الآخر، فهناك منطقة وسطى عمل عليها، ت س إليوت." من هنا يكون الشاعر علاء قد آلف بين النثر والتفعيلة في قصيدة سردية جديدة خلت من أدوات الترقيم، التزم فيها بنية التدويرـ إن جاز لنا التعبيرـ مع الشعر التفعيلي، حيث لا ينتهي السطر الشعري بانتهاء التفعيلة أو مجموعة التفاعيل، وإنما ينتهي بانتهاء بياض الصفحة ليكمل مع السطر التالي، وهكذا فالديوان قصيدة واحدة مطولة، يُبنى فيه مبدأ التجريب المعتمد على العمل الواحد بوصفه سياقا متحدا وإن تعددت تقسيماته.. وبالتالي هو يحتاج إلى قارئ غير عادي كي يسبر غور المتن الذي امتلأ بمضامين تراثية، وإسقاطات تاريخية مؤسطرة، وألفاظا غريبة غير مستخدمة، ومصطلحات عالمية وعلمية تحتاج إلى ثقافة واسعة، لا يمكن للقارئ أن يفهمها إلا بالبحث عن معناها كي يصل إلى مدلولاتها..
ديوان "أشياء لا تكتمل" هو عنوان اختاره الشاعر عن وعي تام يلائم قصائده التي بلغت مائة وثلاثين قصيدة، والعنوان الذي هو دليل الديوان والعتبة التي تلج بنا إلى قصائده، حيث ينقلنا إلى أسئلة كثيرة وإجاباتها محيرة، فهو لم يقل أشياء لم تكتمل، أو أشياء لن تكتمل.. بل قال: أشياءٌ لا تكتمل؛ حيث تفيد النفي المستمر للمستقبل، وهذا يقودنا إلى السؤال الرئيس، وهو: ما هي أشياءُ علاء التي لا تكتمل ، ولن تكتمل؟؟ هل هي مجموعات لقصائد لم يكملها علاء لتكتمل كديوان مستقل، أو عدة دواوين؟؟ أم هي حاجات الإنسان ورغائبه التي لم تكتمل ولن تكتمل؟ أم هي حجم المعرفة الهائلة والتي ليس بمقدور الفرد مجاراتها أو الإلمام بها خصوصا في هذا العصر؟ أم هي طبيعة الكون السرمدية وما يحويه من أشياء كثيرة اكتشفها الإنسان ولم يصل ولن يصل إلى نهايتها، أم هي بحر أو محيط اللغة الذي لا حدود له لنقف عندها..؟ أم هي طبيعة الشعراء وطموحهم الذي لا ينضب في البحث عن الجمال والسمو...؟ أم هي كل ذلك..؟ الإجابة عن هذه الأسئلة متروكة للمتلقي بعدما يقرأ قصائد الديوان..
قد لا ينتبه القارئ أو يهمل ما ذيله الشاعر في نهاية كل قصيدة من قصائد الديوان، حيث أمهرها وألحقها بعنوان آخر، فتشكل الديوان إلى مجموعات من القصائد، تشترك في عنوان واحد يصلح ليكون ديوانا مستقلا، كذلك خلا الفهرس من هذا التصنيف، ولو كنت مكان الشاعر لوضعت هذه العناوين في صفحات مستقلة تليها القصائد، كي يسهّل على المتلقي قراءتها.. عنوان المجموعة الأولى هو: "الشوكُ ماءٌ لا يسيل" ويضم أربعة عشر قصيدة جاءت عناوينها بأسماء لأنواع الصبار المختلفة، واستخدم اللفظ العلمي واللاتيني لهذه الأسماء مثل: (اليوفيرا، كالاتشو، سناسيفيريا، ماميلاريا، سجوار، سيراسيولا،....إلخ كما جاءت في الديوان)، هذه الألفاظ ليس لها مقابلا في العربية، أم أن الشاعر تعمد استخدام اللفظ العلمي أو المتعارف عليها عالميا، ليزيدنا معرفة وعلما..؟ لا أعتقد أن الكثير منا يمكنه أن يذكر لنا أكثر من أربعة أنواع من الصبار، مع معرفته لأشكالها وألوانها... وقد يذهب بعضنا إلى مشاتل الزهور ليبتاع عددا منها دون أن يعرف أسماءها.. وبالتأكيد أن الشاعر لم يحصي كل أنواع الصبار الموجودة في العالم، وأي كان المسعى، فمن المؤكد أننا لا نصل إلى كل شيء. وكذلك قد يكتشف المختصون أنواعا جديدة لم نعرفها من قبل. المجموعة الثانية للقصائد كما جاءت في الديوان بعنوان "رواية في صفحات ناقصة" وحملت خمس قصائدٍ، كأنها رواية حب لم تكتمل. أما المجموعة الثالثة في "أشياء لا تكتمل" عنونها الشاعر بـ "البحرُ أنتِ ونصف غزة للعبث" وتضمنت ثمان قصائد غرقت بالأساطير الفينيقية والإغريقية كما هي طبيعة غزة وتاريخها. المجموعة الرابعة عنونها الشاعر بـ "أكاذيب الدمية" وحملت ثمان قصائد أيضا تعكس حالتنا وواقعنا وأحلامنا كأنه كذب، أو دمية نلهو بها بلا نهاية.. المجموعة الخامسة بعنوان "ريحانة" وتضمنت في صفحاتها تسعة عشر قصيدة.
"دوبيت" لا أعتقد أن كثيرا منا يعرف ما هو "الدوبيت"؟ ولو سألنا الشعراء في غزة إن كانوا يعرفون ما هو الدوبيت؛ فكم إجابة نتوقعها منهم؟ وأنا أيضا من قبل "أشياء لا تكتمل" لم أكن أعرف، وإن سبق أن مررت سريعا علي معناه، فقد نسيته لندرة تداوله..! شاعرنا علاء يقدم لنا في ديوانه اثني عشر "دوبيتا"، اثني عشر أيقونة جميلة وساحرة وعذبة توسطت الديوان في محاولة من الشاعر لإحياء هذا التراث النادر.. فالدوبيت ضربٌ من الشعر الثنائي اشتهر به سكان المناطق الرعوية في السودان، وهو شبيه بالزجل، أو ما يشابهه في الفلوكلور البدوي لدينا بما يسمى "البَدِعْ" أي من الإبداع على أساس ارتجالي من بيتين من الشعر فقط. ويتم بين اثنين يطارحان بعضهما شعرا على أساس كل منهما يطرح بيتين من الغناء.. وأصل التسمية فارسية من (دو) أي اثنين، وللتفريق بينه وبين الرباعية، حيث يتكون "الدوبيت" من قصيدة غنائية طويلة مكونة من مقاطع صغيرة تتألف من بيتين من الشعر.
المجموعة السادسة في الديوان جاءت بعنوان: "مسرحية لمشاهد واحد" ومن فصل واحد بعنوان: "نموذج عن حياة مفتعلة" احتوى على تسعة مشاهد هي قصائد المسرحية، والحياة المفتعلة هي الواقع الذي وصل إليه إنسان اليوم، والذي أصبح فيه مبرمجا ومُشيئا كالآلة.. التي يحركها برنامج (البرولوج) المعبأ في حواسيب الصناعة، إنها مسرحية هزلية من خيال الشاعر الذي يشاهدها هو وحده، دون جمهور آخر يشاركه في مشاهدتها..!! مسرحية عبثية بدون نهاية، ولا نعرف كيف ستأخذنا تكنولوجيا اليوم في عالمنا المجهول والذي لا نهاية له.. المجموعة السابعة عُنونت بـ "نزلت حجرا وكتبت كريمة"، وحملت هذه المجموعة ستة قصائد تبدأ بمخاطبة صانع الجواهر، أو صائغ الذهب الذي يرصعه بالأحجار الكريمة من الياقوت واللؤلؤ والزمرد والزبرجد والفيروز، كمعادل للجمال والإبداع الذي يأمل الشاعر في أن يراه في المحبوبة، كناية عن الأمل والحياة التي يحب أن يعيشها... المجموعة الثامنة حملت العنوان: "نوستاليجيا"، وتضمنت تسعة وعشرين قصيدة هي ذكريات كثيرة حفرت أخدودا عميقا في مخيلة شاعرنا، ولا شك في أنها ساهمت بشكل كبير في صقل شخصيته وثقافته وموهبته الشعرية الملتهبة. المجموعة التاسعة والأخيرة في الديوان بعنوان: "ماء الورد" وهي المجموعة الأكبر في الديوان إذ تضمنت ثمانية وثلاثين قصيدة عنونها شاعرنا بأسماء الأزهار والورود، من زهرة التفاح وزهرة الأوركيد وزهرة الرمان وزهرة البرتقال وزهرة البنفسج والنارينج..... إلى زهرة الكاميليا والنيلوفر وشقائق النعمان وختمها بزهرة القلب..
يقول المنفلوطي: "ولا يستفيقُ الشاعرُ من هموم الدنيا وأكدارها، ومصائبها وأحزانها، إلا إذا جلس إلى مكتبه وأمسك بيَراعِه، فطار به خيالُه بين الأزهار والأنوار، وتنقَّل به بين مسارح الأفلاك، ومسابح الأسماك، ووقف به تارةً على الطُّلول الدَّوارِسِ يَبكي أهلَها النازحين وقُطَّانَها المفارقين، وأخرى على القبور الدوائر يَندب جسومَها الباليات، وأعظُمَها النَّخِرات!" (المنفلوطي: الحياة الشعرية، كتاب: النظرات)
شاعرنا علاء اعتاد على كتابة الشعر يوميا، كراهبٍ أو كاهنٍ لا همّ له سوى تأدية الصلاة، وكلما زاد في العبادة، كلما اقترب من الوصال الذي يبتغيه، لكنه لا يكتمل، ولو اكتمل لما استمر في صلاته وعبادته.. وهذا هو علاء لن يغادر محراب الشعر، يصلي يوميا بقصيدة أو أكثر يعلقها لنا على كعبة الشعر، وسوق الثقافة، لننهل منها الحب والحكمة والأمل تهذيبا للنفوس وحفظا للهوية والطقوس؛ فحان لنا أن نحتفي به شاعرا سامقا عاشقا معشوقا صوفيا رائيا معلما حكيما... مبروك علاء وإلى لقاءٍ جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا