الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي معوقات بروز وعي اجتماعي / طبقي شعبي جماهيري بالمغرب ؟ ( 3 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ما هي معوقات بروز وعي اجتماعي جماهيري شعبي بالمغرب ؟
( 3 )
من الأكيد ان النظام عندما باغته المرض العضال الذي أصاب الحسن الثاني في بداية تسعينات القرن الماضي ، بدأ يفكر في الخلف ، في ولي العهد ، وبدأ يطرح العديد من التساؤلات حول المصير الذي سيؤول إليه المغرب بعد وفاة الملك ، خاصة وان نهاية المرض الذي ألم بالملك كانت معروفة ( مرض لونفيزيم ، أي ثقب في غشاء الرئة ، يجعل الهواء يصيبها مباشرة الأمر الذي تكون له عواقب في الأكسجين الذي يستنشقه المريض بسبب انكماشها ) .
حينها انكب خبراء وجهابذة النظام ، في تحليل الوضع السياسي ، من حيث قوة النظام وحلفاءه من ( زعماء ) الأحزاب والنقابات الذين تواطئوا على حركة 20 فبراير وأفرغوها من محتواها وساهموا في إفشالها .
كما انكب الخبراء والجهابذة على تقييم حقيقة قوة التشكيلات السياسية الفاعلة في الساحة ، سواء في شقها الإسلاموي ، او البرجوازي الصغير ، او في شقها الماركسي اللّينيني ، او ردود فعل العامة الذين قد يتسببون في فوضى غير مؤطرة ، قد تستغلها بعض التنظيمات الجذرية في دفع الشارع الى العصيان ، ومنه تَحوُّل العصيان الى ثورة شعبية لن تنتهي إلاّ بتقويض ركائز النظام القائم .
لكن بعد ان تأكد للجهابذة الخبراء ، استحالة التوافق بين أحزاب الملكية البرلمانية بسب ضعفهم ، واستحالة التوافق بين التيارات السياسية الجذرية ، وتباعدها عن بعضها ، واستحالة توافق التنظيمات الإسلاموية بينها و وبين القوى ( اليسارية ) ، رغم حصول تنسيق إنتهازي بين جماعة العدل والإحسان والنهج الديمقراطي ، وثم إجهاضه مبكرا في أوج حركة 20فبراير ، بدأ تفكير الخبراء والجهابذة ينصب حول الهيئات الجديدة التي أضحت تطالب بالجمهورية والمتمركزة في أوربة .
ان جميع الخلاصات التي توصل إليها هؤلاء ، ان النظام العام ، محمي ، ومتماسك ، ولن تؤثر فيه وعليه القوى المتحركة في الساحة ، سواء العاملة داخل الوطن او خارجه . لكن مع ذلك بقيت إرتسامات بإمكانية حصول فتنة محدودة هنا وهناك ، وليس حصول ثورة شعبية عارمة . لكن ظل الخوف سائدا ، وان كان كامناٌ مبطناٌ ، حتى لا يتم تأويل اي تحرك للنظام ، بأنه ضعف من إمكانية ان يتحول من الفتنة الى ثورة ضد نظام الحكم .
لذا كان ما فكر فيه الجهابذة ، وخبراء النظام ، والمنظرون المخزنيون ، هو الشروع حالا في تعويم العامة ، بنشر ثقافة التمييع والتخدير والتهجين لخلق ، و قبل ان يباغت القدر الملك ، جيل ونصف جيل من الشباب التائه الفاقد للبوصلة ، بحيث وجوده من عدمه ، قد يستعمل فقط دفّةٌ ، او حجابا بين النظام الذي يجتهد في البحث عن مشروعية حكم تقليداني ، وبين القوى المطالبة بالتغيير .
لقد نجح النظام في برنامجه بخلق العيّاشة ، ومن سمّاهم الملك الراحل بالأوباش ، الذين استعملوا ضد حركة 20 فبراير الإصلاحية وليس الثورية ، كما استعملوا في عدة محطات اجتماعية بالعديد من المدن المغربية .
ان الخطورة في هؤلاء العيّاشة ، أنهم موصومون ومعروفون بالجهل والأمية ، والانسياق الغريزي البهيمي العدواني الذي تفعل فيه الأجهزة الإيديولوجية للدولة من جرائد صفراء ، ومواقع مخزنية ، وتلفزة وراديو وبرامج تمييعية تضبيعية لإلهاء العامة بغية التحكم في أدمغتها . ولا ننسى الدور الخطير لوزارة الداخلية من خلال تدخل رجال السلطة ، والأجهزة البوليسية المختلفة ، التي لها تلاحم وثيق بالعيّاشة تهدد بهم المحتجين ، والمنتفضين ، والمطالبين بالحقوق والمساواة ، وبالعدالة ، وربط ، اي مسؤولية بالمحاسبة ( تأطيرهم لمسيرة الدارالبيضاء الفاشلة ضد حزب العدالة والتنمية ، وتأطيرهم للمسيرة ضد بانكيمون بالرباط ) .
هكذا فان الخطة المرسومة للوصول الى هذا الهدف ، كانت من جهة السيطرة على كل وسائل الإعلام ، سواء بشرائها ، او شراء ذممها ، او باستعمال السلك القضائي في تصفية حسابات ( أصحاب الحال ) ، مع المعارضين حتى ولو كانوا سلميين ، بملفات مخدومة بتقارير بوليسية كاذبة لإدخال المغضوب عليهم الى مختلف السجون ظلما .
لقد كنت ضحية هذه الممارسات الغير قانونية والظالمة ، حيث أدخلوني الى السجن بمحضر مفبرك ، ومن داخل السجن حرضوا ضدي المجرمين للاعتداء عليّ ، بل ضغطوا على المحامين حتى لا يترافعوا لصالحي في المرحلة الابتدائية ، مع وضعهم الأستاذ طارق السباعي رحمه الله رهن الحراسة النظرية ، حتى لا يؤازرني في المرحلة الإستئنافية . كل هذا حصل ، رغم ان الصراع مع المدعو الشرقي ضريس الذي حرض عليّ فؤاد الهمة ، والمدعو عبداللطيف الحموشي ، والمدعو لفتيت ، هو صراع شخصي يوظفون فيه الأجهزة لصالحهم بطرق غاية في الجريمة . وحتى لا نذهب بعيدا ألا يعتبر فضيحة ، منع صحافي ( علي لمرابط ) بحكم قضائي من الكتابة لمدة عشر سنوات ؟ . وهل ننسى المدير العام السابق للأمن الوطني السيد بوشعيب الرميل الذي انتقموا منه لرفضه مخالفة القانون ، ورفضه الاعتداء على الناس ظلما ، حين طالب باستصدار حكم يمنع الصحافي حميد المهداوي من الكتابة لمدة عشر سنوات ؟
ان الأجهزة الإعلامية والمدرسية والثقافية والسياسية .... الخ ، هي من أهمّ وظائف هذه الأجهزة ، التي تساهم في إعادة إنتاج شروط الإنتاج ، وإعادة إنتاج البنية الاجتماعية / الطبقية السائدة ، والعلاقات الاجتماعية للإنتاج السائدة ، وفي نهاية المطاف ، ضمان استمرار سيطرة وسيادة الطبقات ، او الفئات الاجتماعية السائدة .
إذا كانت هذه الأجهزة تتمتع بوجود مادي ، ولها اتجاهات مادية ، فإنها تعمل وتمارس فعاليتها عبر / من خلال الايدولوجيا ، وتبقى ممارستها للقمع المادي المباشر ثانوية ، ما دام الجهاز القمعي للدولة ، يضطلع بتلك المهمة القمعية الزجرية بالدرجة الأولى .
ان هذه الدرجة الإيديولوجية السائدة للدولة ، تعتبر عائقا هاما في وجه بروز ، وتبلور الوعي الطبقي لدى الطبقات المَسودة ، لأنها ( الأجهزة ) تكرس جزئيا ، وبواسطة الخطاب / الممارسات الإيديولوجية الفكرية والسياسية ، لطمس وإخفاء التمايز / الفوارق الاجتماعية / الطبقية الصارخة والمدانة ، وتسعى الى ضمان الانسجام الاجتماعي ، والتخفيف من حدة الصراعات الاجتماعية ، ما دام من المستحيل القضاء على هذه الصراعات / التناقضات التي تستمد أساسها من الواقع الاجتماعي / الطبقي المتناقض . وسنترك جانبا ما يمكن تسميته ب " الأجهزة الإيديولوجية المضادة " ، باعتبار ان دورها ثانوي إنْ لم يكن هامشيا في جل الأحيان ، فضلا عن كونها غير ذات فعالية ، حيث أنها لا تؤثر بشكل حاسم في موازين القوى الاجتماعية / الطبقية على الصعيد الإيديولوجي ، نظرا لضعفها ، ولأشكال القمع المختلفة التي تسلط عليها باستمرار بالمغرب .
تلعب الأجهزة الإعلامية للدولة والمدرسة التي تم قتل التعليم العمومي فيها ، والأحزاب السياسية ، والمنظمات النقابية ، دورا في عدم بروز وبلورة وعي اجتماعي جماهيري شعبي ثوري ، ضد الطبقات السائدة الناهبة والمُستغِلة والمسيطرة ، فارضة دكتاتوريتها بكل وسائل القمع الإيديولوجية ، والسلطوية ، والبوليسية المتاحة . لذا تقتضي الضرورة والدراسة التحليلية الدقيقة للأوضاع ، الإحاطة بهذه الأجهزة الدولتية ، ولو بشيء من التبسيط والإيجاز .
ا – أجهزة إعلامية ، وهذه تتكون من جرائد ، مجلات ، إذاعة ، تلفزة ، مواقع الكترونية ....... الخ .
إذا عدنا لملامسة تصريفات هذه الأجهزة منذ الستينات ، ومنذ موت الحسن الثاني وتولي محمد السادس الملك ، سنجدها كلها تشترك في مواصفات طبية واحدة ، مثل تأكيدها الكاذب المنافق على : " المغاربة كلهم إخوة " ، " المغاربة جسم واحد " " لا فرق بين المغاربة " " الناس سواسية " ...... الخ . إنها تؤكد على الوحدة ، " وحدة مصالح " كل الشعب ، وتعمل على إبراز كل مظاهر العبودية ، والطاعة ، والخنوع ، والاستسلام ، والولاء ، وترسخ قيم الخضوع ( لأولي الأمر – الملك ) ، وتُشيد بالسلم الاجتماعي والتعامل / " التعاون " الاجتماعي / الطبقي ، وتُضخّم من تجليات كل هذه المظاهر ، وفي نفس الوقت تسعى الى إخفاء كل مظاهر التمايز الاجتماعي الواضحة ، والفوارق والحيف الطبقي المسلط . كما أنها تركز على شجب كل مظاهر التمرد ، والمعارضة ، والصراع ، وتشويهها باعتبارها " انحرافا " وخروجا عن طاعة الأمير ، حتى ولو كان مستبدا جائرا . كما تعتبرها خروجا عن جادة الصواب ، وخروجا عن " إجماع الأمة " ، وعن " أوامر الله " .
وفي الغالب تقدم مظاهر النضال ، على أنها خيانة وطنية ، وتنفيذاً لمخططات " يد أجنبية " معادية للوطن ... الخ ، وهذا السلوك الاستبدادي العثملي ، اليزيدي ، المرواني ، الوليدي ، الحجّاجي الثقفي ... الخ ، تخرج شرفاء وأحرار الشعب ، من معارضين ، وثوريين ، ورافضين حتى ولو كانوا سلميين ، من صفوف الأمة ، ونزع صفة الوطنية عنهم ، رغم أنهم ينحدرون من صفوف المقاومة وجيش التحرير ، او أنهم احد أبناءهم البررة ، الذين تنكر لهم مغرب الاستقلال الذي انتقل الى الخونة الذين خدموا الكلونيال ، او نزلوا في آخر لحظة بالمظلات من أمثال آل الفاسي ، و فؤاد الهمة ، ومن سار على شاكلتهم وهم معروفون .
ان مرامي هذا الخبث السياسي ، هي استعداء الشعب ضدهم ، وتشويه نضالهم لعزلهم ، وبذلك التهييء / التبرير لقمعهم او اغتيالهم . ان الحملة المكثفة والمسعورة للأجهزة البوليسية والسلطوية ، التي تركز كل ما جد جديد في صالح الجماهير ، على نهج التفسير البوليسي للتاريخ ، قصد التشويه والتضخيم ، وساهمت فيها كل وسائل الإعلام خلال العديد من المحطات النضالية للشعب المغربي ، وللجماهير المغربية ، مثل إضراب رجال التعليم في سنة 1979 و هبّة الدارالبيضاء في سنة 1981 ، والشمال في يناير 1984 ، وحركة 20 فبراير .....الخ ، نموذج ودليل ساطع على هذه الممارسات البوليسية القذرة ، والكل يتذكر المذيع وهو يذيع بيان وزارة الداخلية عند حظر المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 24 يناير 1974 ، كما يتذكر عندما لجأ الحسن الثاني الى الحقل الإسلامي عندما اعتبر خروج الاتحاد الاشتراكي من البرلمان ، بأنه خروج عن " الأمة " .
ولئن اضطرت هذه الأجهزة الى الاعتراف بالفوارق الاجتماعية / الطبقية وسط المجتمع المغربي ، تحت ضغط الأحداث ، فإنها لا تفعل ذلك إلاّ للتأكيد على ضرورة " التضامن " و " التعاون " الوطنييْن ، ولتقطير إيديولوجية " إغناء الفقير دون إفقار الغني " .
وخلال المرحلة التي تهمنا كانت الأجهزة الإيديولوجية الإعلامية تؤكد على " الوحدة الوطنية " ، و " الإجماع الوطني " ، و " بناء الوطن " ، وتعتبر كل أشكال المعارضة خيانة ، وحنينا للماضي الاستعماري البغيض . هذا خلال المرحلة الأولى للاستقلال .
أمّا بعد انفراد الطبقة السائدة بكل مقاليد / أجهزة السلطة ، أصبحت هذه الأجهزة تصب خام غضبها على " دعاة التفرقة " ، و " المتآمرين " ، وكرست جهودها لمحاربة المعارضة المتمثلة آنذاك في " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " . وعمليا كانت هذه الأجهزة تقوم بدور التغطية الإيديولوجية ، والتبرير الإعلامي ، لحملات البطش والتنكيل ، التي كانت تستهدف هذا الحزب . وكان خطاب هذه الأجهزة يتمحور حول أطروحات بسيطة ومبسطة من نوع أنّ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية او الفقيه محمد البصري = معادة المقدسات الوطنية + معادة الدين + ضد مصالح الوطن + العمالة لدولة أجنبية + إثارة الفتنة + الإطاحة بالسلطة الشرعية = الفوضى + الشغب .
إّذن يستحق القمع لضمان " أمن المواطنين " ، والحيلولة دون تحقيق أهدافه " التخريبية والمعادية للوطن " ... ذلك كان وعلى نحو تقريبي نوع الخطاب الإيديولوجي السياسي المبرر لقمع المعارضة ، والذي كانت الأجهزة القمعية الإعلامية تبلوره ، خلال حملات القمع الذي سلطته الطبقة السائدة على الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في يوليو 1963 .
وإذا كانت هذه الأجهزة تضرب على كل الأوتار الوطنية والدينية ... الخ ، فهدفها الأسمى ، يبقى هو فرض -- ( ما دام الحوار الديمقراطي ممنوعا والإقناع مرفوضا لان الشعب قاصر دائما بالنسبة للطبقة السائدة ، و هو لا يفهم إلاّ لغة الفرض .. ) -- تصور إيديولوجي ونظرة للعالم على الجماهير الكادحة ، تقبل هذه الأخيرة بموجبها او وضعها " طبيعي " او من تدبير الأقدار .
ب – المدرسة كجهاز ، ويتعلق الأمر هنا بمختلف المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة ، من الكُتّاب الى الجامعة ما دام جوهر أساليب ومضمون تعليم كل هذه المؤسسات لا يختلف في جوهره أولاٌ . وتستهدف هذه المؤسسات ، تحقيق نفس الغاية ، التضبيع والتمييع ، وتكريس سيطرة الطبقة السائدة ، بإعادة إنتاج البنية الاجتماعية السائدة ، سواء كان التعليم عربيا ، او فرنسيا ، عصْرويا او تقليدوياً ثانيا .
يأخذ هذا الجهاز الطفل ، مهما كان انتماءه الاجتماعي / الطبقي في سن مبكرة ( " روض الأطفال " بالنسبة لأبناء الطبقات " العليا " و " الوسطى " ، و " الكتاتيب " بالنسبة لأطفال الطبقات الاجتماعية " الدنيا " الفقيرة ) .
في هذه المرحلة يكون الطفل فيها دون دفاع ( انه ورقة بيضاء ) لم تتطور شخصيته بعد ، ويكون أكثر تقبلا للتأثير الخارجي . ويعمل هذا الجهاز على غرس / فرض -- بواسطة القمع وميكانيزم الجزاء / العقاب – مجموعة من القيم والمفاهيم تحدد السّويُّ / المنحرف ، الخير / الشر ، الصواب / الخطأ ...الخ وتُقوْلب شخصية الطفل ( مواطن الغد ) وتكوينها ، حسبما يوافق مصالح الطبقة السائدة ، وضمن الأطر الإيديولوجية / المعرفية للثقافة / الإيديولوجية السائدة .
فعلى صعيد علاقة المعلم / المتعلم ، تكرس هذه الأجهزة علاقات الاضطهاد / القمع والخوف من المعلم / الأستاذ / السلطة / النظام من جهة ، وتغرس وتشيد بقيم الطاعة / الخضوع والإذلال الأعمى للمعلم / الأستاذ / السلطة / النظام في آخر المطاف من جهة ثالثة .
في هذه العلاقة ، يمثل المعلم / المتعلم / الملقن للصواب / الحقيقة التي لا تقبل النقاش ، وعلى كل فالنقاش ممنوع ما دام الطفل / المواطن قاصرا يحتاج الى توجيه وصيانة المعلم / السلطة / النظام ...الخ .
ان هذه السلطة " ليست رمزية " فقط ، بل إنها مادية كذلك ، وتملك من وسائل القمع / الجزر ما لا يحصى ، ومن بينها الضرب وتقاليد " الفلاقة " ذات الأصل المخزني التي لا زالت مرسخة في التقاليد / الأساليب " التربوية " في مجتمعنا .
ان الجهاز المدرسي في مختلف مستوياته ، يُثمّن عاليا السلوك الذي استوعب / استبطن هذه القيم الحميدة ، قيم الطاعة ، والامتثال ، والخنوع ، والركوع ، والخوف . كما تجازي المعلم بقدر ما يتقدم في عملية الاستيعاب هذه ، وتشيد بالطفل / المتعلم " النجيب " ، والذكي ، اي الذي يحسن الحفظ ( الغير النقدي طبعا ) لِما يلقن له ، ويعيد " البضاعة " إلى أصحابها يوم الامتحان ، باعتبار تلك البضاعة ، هي " العلم الحق " ، وعين الحقيقة .
و فضلا عن ذلك ، فان مضمون البرنامج ، والتركيز على مختلف أنواع " التربية " و " الأخلاق " ، لا يستهدف إلاّ الحشو ، وتعمير فكر الطفل بمجموعة من " القيم " ، لا تختلف ولا تزيغ في مجموعها في الكثير من جوانبها ، عن الخُطب الرسمية ، وخطب الوعظ والإرشاد ، من حيث مضمونها ، بل وحتى أسلوبها في الكثير من الأحيان .
وإذا كان الجهاز المدرسي يشجع ويجازي المجهود الفردي ، وينمي الفردانية والذاتية ، ومختلف أنواع الانتهازية والوصولية ، فانه بذات الوقت يُذْكي روح التنافس بين الأفراد ، وقيمة التفوق الفردي و " الذكاء " ... الخ ، ويتجاهل ، بل ويحارب العمل والمجهود الجماعي والتعاون .. وحيث ان الخطاب المدرسي يركز على الذات / الفرد ، ويدعي ان المتعلمين كلهم متساوون في عين المعلم / القانون / السلطة / النظام ، فهو يخفي الفوارق بين الأفراد ، ويطمس قصدا أساسها الاجتماعي .
ولمّا يؤكد هذا الخطاب التمييزي التفريقي ، على " تساوي الفرص " التي تتيحها المدرسة / المجتمع – يشطب على التساوي الحقيقي -- ،على التمايزات المختلفة والاجتماعية منها بشكل خاص . هذا على الصعيد النظري ، في حين ان الواقع العيني ، والممارسة الفعلية لهذا الجهاز – ولكل المنخرطين فيه – تتميز باللاّمساواة بين المتعلمين / المواطنين ، كما هو الشأن في مجالات الحياة الاجتماعية الأخرى .
ويمكن ترسيخ " القيم " العليا التي يعمل الجهاز المدرسي على ترسيخها وغرسها في عقول المتعلمين ، كجزء أساسي من مهمة التنشئة التي يقوم بها على النحو التالي :
عصارة " القيم " المدرسة = الطاعة + الخضوع / الامتثال والاستسلام + احترام / ركوع / الخوف من السلطة / الخوف من النظام + المعلم / السلطة = العدل / الحقيقة + المعارضة / النقاش = الفوضى / الشعب + الحفظ / الاستبطان = النجاح المدرسي / النجاح / الوصول اجتماعيا .
وبما ان هذا الخطاب الرجعي الذي يعكس بشكل " علمي " " القيم " والإيديولوجية السائدة ، ويستمد قوته من هيمنة هذه الأخيرة ، وفي آخر التحليل من سلطة الطبقة السائدة ، لا يبقى حبيس جدران المؤسسات التعليمية ، بل يمتد بعدة أشكال الى المجتمع الكلي ، ويمارس تأثيره في عدة مجالات تعيد إنتاجه ، وتضخم من صداه .
إنّ هذا الخطاب الإيديولوجي / " المعرفي " المدرسي ، و ( بديهي ان الجانب " المعرفي " ، هو الذي يتم التأكيد عليه ، مع إخفاء الطبيعة الإيديولوجية / السياسية لهذا الخطاب ، وذلك شرط أساسي من شروط فعاليته . فمن يطعن في الخطاب المدرسي الرجعي التضبيعي ، بل في " العلم " بعينيه ، هم المنحرفون ليس إلاّ ، يجيب المجتمع بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية بكل تأكيد .. ) بإخفائه للفوارق / التناقضات الاجتماعية الطبقية ، يساهم بقسط وافر في طمس الوعي الاجتماعي / الطبقي لدا الشعب والجماهير المستغلة ، وينمي لديها عقلية القطيع وروح و عقلية الوصولية والانتهازية .
تلك هي بعض جوانب وظيفة الجهاز المدرسي ، والنتائج التي تتمخض عنها على صعيد مسألة بروز / تبلور الوعي الاجتماعي / الطبقي لدا الطبقات الكادحة . ان هذا الجهاز ُيروّد الأفراد على القبول ب " دورهم " ( بالمعنى السوسيولوجي للكلمة ) والجماعات ، على التسليم بوضعها في بنية المجتمع .
ولئن كانت الأجهزة الإيديولوجية السائدة ، الثقافية ، والسياسية ، تختلف عن الأجهزة الإعلامية والمدرسية ، من حيث تكوينها ، وطبيعتها ، وميكانيزمات سيْرها ، فإنها لا تختلف عنها جوهريا ، على صعيد وظيفتها الاجتماعية / الطبقية . ذلك ان هدفها هو إعادة الإيديولوجية / الفكر السائد ، ومن ثم إعادة إنتاج البنية الاجتماعية / الطبقية السائدة بكل ما يستلزم ذلك من استمرار وعي الطبقات / الفئات المسودة ، والحيلولة دون وعيها بمصالحها المتناقضة ، في جوهرها مع استمرار البنية / العلاقات الاجتماعية للإنتاج السائدة . ولذلك لن نتطرق في هذه العجالة لهذه الأجهزة هنا بالرغم من الأهمية البالغة التي تكتسيها على مستوى إعاقة ، بروز وتبلور وعي الطبقات الاجتماعية / الفئات المسودة بمصالحها الحقيقية .
ج -- الأحزاب السياسية : بغض النظر عن ظهور الأحزاب السياسية في مرحلة النضال ضد النظام الكلونيالي في الثلاثينات من القرن الماضي – ( يمكن الرجوع هنا لرسالتنا تحت عنوان " الحركة الماركسية اللينينية المغربية -- 1965 – 1983 ) لنيل دبلوم السلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة – السنة 1987 ) ، فان ظهور الأحزاب بشكلٍ نوعاً ما عصري ، يعود الى النصف الثاني من ستينات القرن الماضي ، حين تم إنشاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، دون ان ننسى الحزب الشيوعي المغربي الذي تحول من التحرر الى التقدم والاشتراكية .
عندما صدر أول دستور ممنوح في بداية الستينات ، كان أول شيء نص عليه بخصوص الأحزاب ، هو منع الحزب الواحد ، والأخذ بالتعددية الحزبية المختلفة الألوان السياسية .
النظام حين ركز على التعددية الحزبية ومنع نظام الحزب الوحيد ، فانه كان يربط هذا التصور ، باحتمال وقوع مواجهات في المستقبل ، خاصة وان المغرب حديث العهد بالاستقلال ، وخاصة وانه كان يمتعض من الأنظمة السياسية ذات الحزب الوحيد الحاكمة في الشرق .
لذا فان سياسة فرّق ، كانت هي الغاية ، وليس النظام الحزبي . فعوض ان تحصل المجابهة بين النظام وبين الحزب الوحيد ، وهذا يشكل خطرا عليه ، من المفيد ان تجري بين النظام مدعوما بأحزاب موالية ، واحد الأحزاب التي ترغب في الحكم . كما ان نظام التعدد الذي يضعف الأحزاب ، سيجعلها تدخل التنافس الحاد للإرتباط بالنظام عوض معارضته ، فكان لهذه الوضع ان يسبب في الصراعات الحزبية بين الأحزاب ، لا بينها وبين النظام ، وهذا ما نلمسه اليوم حين تتنافس كل الأحزاب في منْ يكون له الشرف السبق ليحظى بتنفيذ برنامج القصر ، لا برنامج الأحزاب الغير الموجودة أصلا .
فعندما تشارك الأحزاب في الحملات الاستحقاقية ( الانتخابية ) التي ينظمها النظام وضمن مؤسساته ، فالغاية هي الدخول الى البرلمان لمعارضة حكومة جلالة الملك ، لا معارضة النظام . كما ان الغاية من المشاركة في الاستحقاقات ، وعند النجاح في الظفر بمقاعد مهمة في البرلمان ، هو المشاركة في الحكومة لتطبيق برنامج الدولة بكل فخر وسرور ، وإلاّ ما المعنى من المشاركة في حملة للتصرف ضدها . وهنا تستوي كل الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، فغايتها هو المقاعد البرلمانية ، ومنها الكراسي الحكومية .
لقد نجحت سياسة النظام عند تركيزه على التعددية الحزبية ، في جعل الأحزاب السياسية كلها ملكية بامتياز ، ولم نعد نسمع مثل الستينات والسبعينات ، بمن يطالب بالحكم ، او المطالبة باقتسامه كما كان الأمر في الثمانينات ، بل أصبحنا نرى فقط أحزابا تطالب بالمشاركة في حكومة جلالة الملك ، لتطبيق برنامج الملك . ويستوي هنا كل الأحزاب التي وضعت ملف حصولها على الترخيص للعمل السياسي بوزارة الداخلية ، اي حزب الاشتراكي الموحد ، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، وحزب النهج الديمقراطي .
ان التركيز على نظام تعدد الأحزاب الذي كان من وحي وفكر الحسن الثاني ، جعل النظام في عهد الملك الراحل ، هو من يتولى أمر البث في وضع الأحزاب ومستقبلها . وهنا لابد من التذكير من ان الحسن الثاني هو من عيّن بوستة أمينا عاما لحزب الاستقلال بعد موت علال الفاسي بين رجلي الخنزير نيكولاي تشاوسيسكو برومانيا . كما ان الحسن الثاني هو من اقترح على عبدالرحيم بوعبيد ، تسمية مجموعة الرباط المنفصلة عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في سنة 1974 ، كما انه هو من فرض على عبدالرحيم بوعبيد تعيين كل من عبدالواحد الراضي ، وفتح الله ولعلو أعضاء بالمكتب السياسي في المؤتمر الخامس ، في حين ان ادريس البصري عين العديد من المتعاونين رؤساءً للكتابات الإقليمية للحزب بالمدن الكبرى .
هنا ونظرا لحساسية الأحزاب السياسية ، لأن من المفروض أنّ منْ أولويات البرنامج السياسي لكل حزب هو الحكم ، فان الدولة كانت تتدخل في خلق أحزاب جديدة قبل او بعد الانتخابات ، كما كانت تعمل على تقسيم الأحزاب التي يشم منها رائحة التمرد على وزارة الداخلية .
ومثل ما ان القصر هو من خلق حزب الحركة الشعبية ، لمواجهة خطة الحزب الوحيد التي كان يخطط لها حزب الاستقلال ، فان القصر هو من انشأ جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ، لمواجهة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، كما خلق حزب التجمع الوطني للأحرار الذي ترأسه صهر الملك احمد عصمان لبلقنة المشهد السياسي ، ومواجهة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب زمان وليس حزب الآن .
كما يعود الى وزارة الداخلية إنشاء حزب الاتحاد الدستوري ، وحزب الأصالة والمعاصرة . كما كانت الوزارة لا تتردد في خلق لوبياتها داخل الأحزاب التي كانت تتجاوزها ، و تفضل التعامل مع القصر مباشرة . وفي هذا الإطار ، ولإضعاف حزب الملك التجمع الوطني للأحرار ، حرضت طابورها ليعلن الانشقاق عن الحزب ، ويؤسس الحزب الوطني الديمقراطي ، وفعلت نفس الشيء مع حزب التقدم والاشتراكية حين شقت عنه جبهة القوى الديمقراطية ، ونفس الشيء مارسته مع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي حين شقت عنه مجموعة اوطيل حسان التي ستسمي نفسها الحزب الاشتراكي ، هذا دون نسيان دور ادريس البصري في شق الحركة الشعبية بإخراج مجموعة الثمانية بقيادة العنصر ..
في العهد الحالي لم يعد للأحزاب نفس الدور ، ونفس الأهمية التي كانت لها أيام الحسن الثاني ، بل يمكن الجزم ان عنوان الأحزاب في عهد محمد السادس ، هو الموت الطبيعي لها ، بحيث تحولت الى مهرولين يقتاتون من فتاة القصر ، ويتسارعون ( السرعة ) لخدمة أجندات الملك لا غيره .
فبعد ان كان النظام في عهد الحسن الثاني هو من يبحث عن مساندة الأحزاب باستمالة الأحزاب المعارضة ، أضحت الأحزاب في عهد محمد السادس هي من تبحث لها عن علاقة مع القصر ، في حين أنّ هذا وبعد أنْ تمكّن وتجبر ، أضحى يستعملها مثل دُمى لتصريف بعض السياسيات التي تتناقض مع ( خطاباتها ) .
إذا كانت مهمة الأحزاب هي تربية المواطن ، فان المقصود بهذه التربية ، ليس إظهار الحقوق ، وإبراز التناقضات ، وإعداد المواطن للدفاع عن حقوقه ومتطلبات عيشه ، بل أضحت وظيفة الأحزاب بعد ان تم إفراغها من برامج الستينات والسبعينات ، وبعد موت الإيديولوجية ( وبالمناسبة لا إيديولوجية كانت عند الأحزاب السياسية ) و تحولت الى جزء من النظام ، هو غرس سياسة الخنوع والاستسلام والخضوع للنظام . بل نكاد نجزم ان كل الأحزاب هي بمثابة مديريات من مديرية الدولة ، تلجأ إليها عندما تريد تمرير خطة ، او موقف ، او تريد مواجهة ظرف طارئ أزعج راحة النظام . بل ان بعضها مِمّنْ يروج انتسابه الى ( اليسار ) أضحى مشتلا يزود النظام ب ( الكوادر -- الكيادر ) التي تكون قد قمت خدمات جليلة للنظام برفاقها وأعضاء أحزابها .
ان مثل هذه الأحزاب التي أضحت عبارة عن صدف فارغة ، وأمام غياب الثقافة الحزبية المتناقضة ، وموت الإيديولوجية ، وارتماءها بدون حرج في أحضان النظام الذي يزودها ببعض الفتاة .... الخ ، أضحت عالة ليس فقط على المواطن الذي طلّقها ، بل أضحت عالة على النظام نفسه ، لأنه لولاه ، ولولا دعمه لها ، لانقرضت بالكامل من المجتمع ، فالنظام هو الذي يحميها ، وليست هي من يحمي النظام .
وبما أنّ هذه الأحزاب هي بمثابة معاول يحركها النظام كيف شاء ، فان دورها في إفراغ الساحة من الثقافة الحزبية المتصادمة ، والمرتبطة بالهم الشعبي الجماهيري ، تبقى إحدى أهم انجازاتها ، وإحدى أهم وظائفها الرئيسية .
ان الدور التخريبي للأحزاب في عدم بلورة وعي اجتماعي / طبقي جماهيري شعبي ، يحرك الساحة نحو بناء الدولة الديمقراطية ، هو نفسه الدور الذي تقوم به النقابات ، حيث ومنذ تولي محمد السادس المُلك ، تحولت الى نقابات السلم الاجتماعي ، لا إلى نقابات العمال ، والفلاحين ، والمستخدمين ، والموظفين ، وكل القطاعات التي تنتمي إليها .
ومثل ما أنّ الأحزاب أضحت صدف فارغة ، وعلامات تجارية لتتسول مقاعد برلمانية وكراسي وزارية ، فكذلك النقابات أضحت اكثر من صدف فارغة ، حيث هجرها النقابيون الحقيقيون ، وتحولت الى نقابات ( زعماء ) كارتونيون ( الكارطون ) مرتبطة بأشخاص ، لا ببرامج ، ولا بعمال ، ولا بمستخدمين ، والفضيحة ان من ( الزعماء ) من ولج ما فوق الخمسة والسبعين من العمر .
لهذا نجد ان النضال النقابي تحول خارج النقابات ، ليصبح نضالا قطاعيا ، لا علاقة له بالأجهزة البورصية المختلفة التي تؤثث المشهد البئيس اليوم في المغرب . ( يتببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببع )









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية