الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة تحليليه بين ثقافة المسلم وغير المسلم

تيسير خروب
كاتب وباحث

(Taiseer Khroob)

2006 / 3 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وقفة ثقافية تستدعي الوقوف عندها 00وقفها اسلافنا العرب المسلمين الاوائل كان لها اكبر الاثر على تماسك وحدتهم وترابطهم وصفاء ونقاء سريرتهم في مواجهة التحديات والصعوبات التي واجهت هذه الدوله الفتيه التي اصبحت من الدول العظمى في زمانها0كان ينبغي ان تستلفت انظار الباحثين والمفكرين اليوم بقوتها وثباتها ومنهاجها التصحيحي الذي اتبعته في اوج قوتها ومجدها لنتخذ منه اليوم نموذجا نحتذ به في مسألة استعصى علينا فهمها وبالتالي تطبيقها في حياتنا اليومية سواء كانت على مستوى الحكم والسلطان وعلاقاته الداخلية والخارجية او على مستوى الافراد وعلاقاتهم فيما بينهم وتقبلهم او رفضهم لكل ما هو جديد ودخيل على حياتهم0
ونقصد بكلامنا السابق كله هو نظرتنا للثقافة الغربية ووقوفنا حائرين امامها او ندعي الحيرة في مواجهتها واتخاذ موقف ثابت ازاءها .حتى اذا ما وجدنا انفسنا في ميادين الحياة العملية وكنا مضطرين الى التعامل والتفاعل مع هذه الثقافة الغريبة او رفضها وجدنا انفسنا نـأخذ من هذه الثقافة حاجتنا وغير حاجتنا بدون تفكير او تراجع ولا تردد فنعيش حالة من النظر والتطبيق .فمن الناحيه النظريه نتوهم ان الاخذ عن ثقافة الغرب وامريكا خاصة 00علومه وفنونه وفكره في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها هو بمثابة غزو دخيل يفتك بعقولنا ويفسد ارواحنا ويميت قلوبنا.اما من الناحية العملية والواقعية فترانا كلما اردنا لانفسنا حياة حضارية متقدمة وقوية لم نجد امامنا طريقا الا التسلح بسلاح الاقوياء وتقليدهم في حياتهم علما وفكرا وفنا وبكل ما له تماس في حياتنا بحيث ننسى ماضينا وتراثنا وثقافتنا وحضارتنا ولم يبقى لنا الا التغني بأمجاد وانتصارات وانجازات من صاروا في ذمة التاريخ وطويت معظم صفحاتهم فلم يتبقى منها الا شذرات قليله يسألها لنا اطفالنا فنغض الطرف عن كثير ونجيب بخجل عن القليل بأن نقول بحسرة والم دون قدرة او تفكير على التغيير: لقد كان اجدادنا000وكانوا 00وكانو00
فما الذي احدث فينا هذا الموقف المتردد والمتردي بنفس الوقت بين الرفض والقبول ازاء الثقافة الغربية التي هي الان ثقافة العصر بدون منازع سواء اعترفنا بها نحن العرب والمسلمين ام قلنا عنها انها مأخوذة عن ثقافة وعلم وحضارة المسلمين في العصور الوسطى00فكل ذلك لن يفيدنا ولن يجعلنا متقدمين مثلهم 0
نحن نعترف ونقر ان واقع الاحداث الذي مرت به منطقتنا العربية-الاسلامية قد شائت ان يكون صاحب الحضارة السائدة والقوة النافذة هو نفسه من فرض علينا سلطانه واستعمر بلادنا حينا من الدهر واخضعها لسياسته وارتبط مصيرنا بقرارته من خلال امسيات الكوكتيل وسهرات العشاء التي كانت تقام في قنصليات وسفارات هذه الدول في بلادنا وعلى ارض اجدادنا وكؤوس الخمر ترفع فوق صدور الحسان والغانيات000
فلما استطاعت شعوبنا التخلص من هذا الواقع المرير ولو جزئيا لتظفر بأستقلالها نلاحظ انها لم تستطع في الوقت نفسه ان تفصل بين المعتدي وثقافته 00فرفضته جسدا وروحا واتخذت في سبيل ذلك كل الاحتياطات زمنا طويلا واغلاق كل الابواب والمنافذ بوجه هذا الغزو وما يحمله من سلبيات او ايجابيات0وكنا نفعل ذلك من موقف ضعف غير واثقين مما نقوم به ولا واضعي له خطة مدروسة على المدى البعيد فكان من نتيجة غفلتنا هذه سواء كانت عن قصد او عن غير قصد منا فقد اوجدت هوة سحيقة بين الشرق والغرب وتركت مسافات طويلة بيننا وبينهم اصبح من المتعذر علينا اللحاق بهم ضمن المعطيات والمعايير المتبعة في التجديد والاختراع واستخدام التكنولوجيا فهم ابرع منا واسبق في هذا المجال00لذا علينا التفكير في بدائل اخرى حتى نستطيع التفوق عليهم وهي كثيرة ومتعددة اولها الرجوع الى ما التزم به السلف الصالح واستطاعوا بواسطته غزوا العالم وقهره رغم الفوارق الكثيرة والمتعددة بينهم وبين عدوهم والتي كانت هذه الفوارق تحسب لصالح عدوهم من كثرة وعدة وعتاد ومنعة في حصونهم 000ونعني بكلامنا هذا الرجوع الى الله والتسليم له والولاء له ولرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن منهاجا والصحابة قدوة لنا في العبادة والاخلاق والعمل0
فكيف عالج اسلافنا المسلمين الاوئال هذه المعضلة وناقشوها واخذوا بها ونبذوا واجتنبوا ما يعارض عقيدتهم الاسلامية
خلال القرن الاول والثاني والثالث للهجره من التاريخ الاسلامي برز موقفان يدعوان الى التأمل والدراسة والبحث:اولهما موقف الاسلام من عصر الجاهلية السابق على الاسلام .وثانيهما موقف المسلمين من الثقافات غير الاسلامية:اليونانية والفارسية والهندية وغيرها من الثقافات الاخرى0 وهم في كلتا الحالتين استطاعوا الموائمة والتوفيق بين الثقافتين او الحضارتين وفي رفض ما هو مضر ومسيء الى الدين الاسلامي والثقافه الاسلاميه اكثر واقدر مما حاولنا نحن في عصرنا الحاضر والعصور الواقعة بين انتهاء عصر وحضارة الاوائل وهذا العصر.من حيث تحليلهم للمصدر الخارجي وقدرتهم في الاختيار بين ما يؤخذ وما ينبذ.ولم يتزمتوا او يتعصبوا عن خوف وعدم ثقة فينظرون الى الثقافة الخارجية مرتبطة بأصحابها ويخشون ان يمسوا فيها جانبا ويسمحوا به فتتسلل اليهم سائر الجوانب0
اما عن موقفهم من العصر الجاهلي او العصر والوسط الذين كانوا يعيشون فيه لوقت قريب او بعيد فقد جاء الاسلام ليمحو كثيرا من مقوماته الاساسية كالعصبيات القبلية الوثنية ومحاربة بعضهم بعضا على اتفه الاسباب على نحو يتعذر معه اتحادهم في امة واحدة وهي امة الاسلام الواسعه التي احتوت كل الجماعات البشريه وصهرتها في قالب جديد .ومع ذلك كان في العصر الجاهلي جوانب ايجابيه شعر ولغة وصفات حميده اتصف بها العربي من كرم وشجاعة00 حتى ان بعض طقوس الحج والطواف والنحر بقيت في الاسلام كما كانت قبله0 فماذا صنع المسلمون الاوائل حيال هذا الخليط من خبيث وطيب؟انهم لم يخافوا ولم يترددوا.فلقد كانوا اقوياء اصحاء الجسم والعقل 00صفاء في الروح وثبات في القلب وايمان يملك عليهم كل جوارحهم .فعندما رفضوا من الحياة الجاهلية جوانب والتي جاء بها الاسلام ليمحوها لم يترددوا في ان يجعلوا من الشعر الجاهلي مرجعهم في اللغة والشجاعة والحماسة ومكارم الاخلاق والخصال الحميده التي على الرجل ان يتمتع بها من احترام الكبير والعطف على الصغير والرفق في المرأة وتماسك ذوي القربى والاتحاد والتكاتف بوجه الاعداء والذود عن الاعراض والمال والولد00ومن هنا رأينا الكثير من الدارسين والباحثين المهتمين في مجال من مجالات الحياة العربية سواء كانت قبل الاسلام او اثناء انتشاره او بعد تثبيت اركانه يرجعون للشعر الجاهلي والادب الجاهلي بأعتباره مرجعية مهمة وصورة صادقة لكل مناحي حياة العربي في تلك الحقب من التاريخ القديم0
ومثل هذه الوقفة التحليلية الواعية وقفوها كذلك بالنسبة الى الثقافة الخارجيه التي غزوها وغزتهم من خلال الفتوحات الاسلامية الواسعة في بلاد فارس والروم ودخول عناصر غير عربية في الاسلام كانت لها حضارتها وثقافتها والتي كانت في بعض الاحيان تفوق حضارة وثقافة العرب المسلمين خاصة في مجال الفلسفة والفكر والفلك والطب والرياضيات وغيرها من العلوم الاخرى التي تعرف عليها المسلمين واخذوا منها حظهم وطوروها وبرعوا فيها مما احدثوه من زيادة وتجديد
فبدأت عملية الترجمة ونقلت الى العربية فلسفة اليونان وعلومهم فأنتهى الى المسلمين التراث الفكري من الامم الماضيه. ووقف الفكران الاسلامي واليوناني متواجهين فكان لا بد من ان يختلطا ويتفاعلا وكان لا بد من ان يتأثر المسلمون بالافكار والعقائد التي غزتهم والتي كان الكثير منها مخالفا لتعاليم دينهم وكان من الطبيعي ان يخلق هذا لهم مشاكل جدية تقتضي الدراسة والتحليل والاجتهاد فقام رجال اخذوا على عاتقهم مهمة التوفيق والتقريب بين الثقافتين او الفكرين ليخرجوا بعد ذلك بفكر جديد وحياة عقلية جديدة ترتفع بالبشرية درجة في سلم الرقي والتحضر حتى تتابع الحضارة سيرها وتؤدي رسالتها الى الاجيال القادمه وحتى يكون العرب المسلمين قد قاموا بواجبهم نحو المدنيه وفي حمل رسالة سماويه متوافقه مع العلم والتطور والتجديد ليكون لهم نصيب وحظ وافر في سجل خدمة البشرية والكون مثلهم مثل بقية الامم السابقة عليهم.فكونوا بذلك حلقة من سلسلة المدنية اساسية متصلة بحلقات الماضي متماسكة ومترابطة مع الحلقات القادمة 00وان صادفت هذه المسيرة بعض الانحرافات فكان لا بد من حدوثها لاختلاف العقل البشري ومدى تقبله او رفضه او بين التوفيق والتطرف فظهرت الكثير من المدارس الفكريه تطرح قضية او ترد على مسالة او تبدي اجتهادا حول حادثة عارضة استجدت ووجدت في وقت ماء00الشيء الاكيد هو انه معظمهم كانوا يحرصون على نقاء الدين الاسلامي ووحدة المسلمين بوجه الاطماع الخارجية سواء كانت مدنية او ثقافية وفكرية0
نقول :عندما وقف المسلمون بوجه الثقافة اليونانية وبداءت عملية الترجمة والعمل لم يقبلوا كل ما جائت به الثقافة اليونانية وبنفس الوقت لم يرفضوها ويغلقوا ابوابهم بوجهها فقد ميزوا بين ما هو حسن ومفيد لهم أخذوه ورفضوا ما اعتبروه معول هدم لعقيدتهم وثقافتهم 0وكانوا حقا مصيبين في اعتقادهم وحذرهم وحفظهم لعقيدتهم وهويتهم العربية الاسلامية وبنفس الوقت لم يرفضوا ثقافة الغير والاخذ منها بما هو حسن ومفيد كما سيحملون هم شعلة الحضاره الى غيرهم فلا يتحرج غيرهم من الاخذ عنهم 0
ونحن الان في عصر شبيه الى حد بعيد بهذا العصر الذي تحدثنا عنه والاسلام اليوم يقف وجها لوجه امام المدنية الاوروبيه والحضارة الاوربية والثقافة الاوربية 000ومثلما وجد الزمن السابق لزمنا هذا رجال وجماعات ممن اخذت على عاتقها تقوية نفسها وتحصين عقيدتها و ايمانها بثوابتها الاسلامية والعربية والتدرج في استيعاب ثقافة الغير وجب علينا نحن في هذا العصر ان نمتلك القدرة والقوة في التمييز بين ما هو صالح ومفيد لتقدمنا واستمرار زيادة حلقات تطورنا في سلسلة الحضارة ونبذ واجتناب كل ما هو دخيل ومفسد لعقيدتنا وديننا وثوابتنا مهما كانت المغريات والمكاسب0
تلك هي وقفة اسلافنا من ثقافات الآخرين.فلا هم كانوا عبيدا لها مقلدين مبهورين بها وعلى الاخذ بها ولا هم استكبروا عليها ونبذوها جملة وتفصيلا00بل وقفوا منها موقف العاقل المتبصر العارف ماذا يأخذ منها وما يجب تركه.
افليس في هذا درس نتعلمه من الاسلاف؟

تيسير خروب
عضوا اتحاد الكتاب العرب على الانتر نت
الاردن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص