الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طواحين النّار

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2018 / 2 / 4
الادب والفن


تدورُ الرّحى على الرّحى، تتصادمُ حبّات القمح وهي تلفُ على بعضَها البعض استعداداً لفقدان خصوصيتها والتضحية بها. تنبعثُ منها رائحةُ الأرضِ ورائحةُ الإنسان الذي قلّب تلك التربة، فلولاه لم يكنِ القمحُ ولا الطاحون .
منذُ أن رحلتْ طواحينُ النّارونحن نبحث عن أنفسنا، فلا حمار يحملُ كيس القمح ولا فلاح يذهبُ مع الفجرِ ليجرّبَ الطّحنة الأولى من الموسم الجديد. أصبح خبزنا مستعاراً ونهارنا دماراً، ليلنا خالٍ من النوم، والقمر، والنجوم. ينادوننا، ولا نسمع، فنوافذنا مغلقة بكاتم للصوت. . حياتنا ليس فيها أسفار رغم كلّ تنقلاتنا، عديمة الجدوى . يقولون أن البشرية تتقدم، قد يكون ذلك صحيحاً، لكنّ التّقدم في مكانٍ بعيد عن أماكننا، أخذنا من التقدم ماهو مخصص لحاويات التّدوير.
أيدينا مغلولة إلى أعناقنا، وأيديهم مبسوطة إلى زوّاداتنا يخطفون لقمة عيشنا. نلوح لهم معجبين ببذلاتهم وربطات عنقهم أحياناً، نختارهم بإرادتنا قهاراً لنا، وأحياناً يمنحوننا مقابل ذلك ابتسامة صفراء بينما نحتاج ربطة خبز، ورقد يمنحوننا عصاً تلهبُ جلودنا. لا يكتفون بهذا بل يسرقون كلماتنا وعذاباتنا. أصبحوا يكتبون عذاباتنا بأقلامهم ونصفّقُ لهم لأنهم جعلونا نذرف الدموع بغزارة أكثر مما كنا نذرفُها في كل يوم. لم نكن نعلمُ أننّا مظلومون إلى أن كتبوا عنّا بأقلامهم وبكوا ألمنا زيفاً من على المنابر، فصفقنا لهم وقوفاً. عرفنا بعدها أنّ حدّ الظّلم الذي نتعرضُ له كبيرٌ.
نموتً من أجل الحرية والكرامة. ليس من أجل حريتنا نحن. هكذا يبدو الأمر لنا، بينما هي حرية وكرامة قاهرنا، وحرية كلّ من سوف يقهرنا. حريتنا مسافرة رحلة الزمهرير في الشتاء، ورحلة النّار الحارقة في. نرتجفُ على أنفسنا من هجمة شرسة للطقس تودي بنا ، ينصحوننا بإرضاء الرّب وأن تكون حياتنا حلالاً ، وعندما يمارسون الحرام الذي نهونا عنه نصفّقُ لهم. كل ما يفعلونه يثيرُ إعجابنا .يجيدون كلام الحبّ الأجوف و لا نجيد أي شيء. تبلّد ضميرنا .نحتاج إلى أن نشبعَ معدتنا، فلا ضميرَ على معدة فارغة . نتعلم سرقة الطعام ،يدخلوننا السجن وتقطع أيدينا، نحاول أن نمارس الحب فنرجم، تسرق نساؤنا بشكل مشروع وشرعي . لا يمكن أن تقضي امرأة جميلة عمرها في البحث بين القمامة عن الطعام. تستحقّ رجلاً يعطيها طعاماً حتى الثمالة، وتتحول من أنثى إلى مكبّ نفايات.
اختفتْ الطواحين التي كانت تؤنسُ الأحصنة . حلّ محلها طواحين تطحنُ رؤوسنا الحامية. لم تعد النساء تشقى . فلا حصادَ ، ولا عجن ولا خبز على التنور. الحياةُ مريحة إلى حدّ الفراغ وربما الانتحار. لا ندري إن كان من الأفضل لنا لو بقي الحال على ما كان عليه في الماضي عندما كنا نملكُ بقرة وقطعة أرض وأغنام .الأمر ليس بأيدينا. اشتروا أراضينا وقدّموها لنا ثانية كنوع من كرم الأخلاق. أصبحنا نحن والثور والكلب من محتويات المكان. وفي كلّ مكان عالمان. أحدهما لهم والآخر لنا. زارت صديقتي نيويورك ووافتني منها بطيّب الأخبار. قالت: إنّها الحريّة يا صديقتي . فقراء نيويورك يشبهون فقراء قندهار، أو عش الورور.قلت لها : صه ! لا تتحدثي عن بلاد الأحلام بما لا يليق بها. لوكنتِ تعلمين مايجري في بلادنا من أخبار، لسكتّ على الفور، فمتسول هناك أفضل من أمير هنا.
عادت صديقتي بأغنية الحلم العربي فماتت على مشارف الأمة العربية ، وقبل أن تموت أوصت أبناءها أن يهربوا إلى أي مكان في العالم فيه أقل عدد من تجار السياسة. لفظت أنفاسها وهي تقول: أين أنتم ياشعبي العظيم ؟ ما أتفهكم ! هل جميعكم سياسيون؟
لو بحثتم عن عملٍ ولو في التّسول أليس أفضل لكم ؟متى سوف تحين ساعة يقظتكم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني