الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمن القومي وحقوق الإنسان..بين كامرون وأردوغان!! (الج/ 2والأخير) خطوة أردوغان بالحسابات الإستراتيجية؟

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


كان يمكن لخطوه أردوغان في الأراضي السورية أن تكون مبررة من ناحية حماية الأمن القومي التركي، لو أن أردوغان قد سلك الطريق الصحيح لحماية أمن بلاده، وبدون الإضرار بالأمن القومي والمصالح القومية لجيرانه الأبديين، ولسوريه خصوصاً!.
فالأمن القومي لأي بلد ـ كما هو معروف ـ يقع دائما خارج الحدود السياسية لهذا البلد، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي لجيرانه وللجيران الأقربين منهم بالأخص، وللإقليم الأكبر الذي يشاركهم خارطته الواسعة بصوره عامه!.
وكان الأجدر بأردوغان إذا كان يريد أن يحمي الأمن القومي التركي فعلاً، فعليه أولاً أن يعرف مدى الأضرار التي قد تلحقها عمليته هذه بالأمن القومي لجيرانه ولسوريه بالتحديد، لأن الأمن القومي لتركيا ولسورية وللعراق وإيران ولإقليم الشرق الأوسط بأكمله، مرتبط اليوم ارتباطاً مباشراً بما يجري في سورية نفسها، وبالنتائج النهائية التي ستتمخض عنها ساحاتها المشتعلة بالنيران الكثيرة، والتي ساهمت تركيا في إشعالها، فكبرت هذه النيران وظلت تتوسع وأخذت تحرق الأخضر واليابس بشررها المتطاير في كل الاتجاهات، حتى وصلت إلى تركيا نفسها!.
كما وأن هناك تجارب كثيرة قد أثبتت بأن من يلعب مع قوى الإرهاب والتطرف، متصوراً أنه يجيره ويستخدمه لمصالحه ولصالح أمنه القومي فهو واهم، وسيدفع في النهاية ثمناً باهضاً لأوهامه هذه!.
فقبل تركيا لعبت باكستان ـ تلك الدولة النووية الكبيرة ـ لعبة أردوغان نفسها مع القاعدة وطالبان، فكانت النتيجة أن احترقت هي بنيران تلك القوى الإرهابية، وأخذت تدفع الثمن اليوم من دماء شعبها وثرواتها واستقرارها ووزنها الدولي..وبالتأكيد أن حصاد تركيا من الإرهاب، سوف لن يكون أفضل مما حصدته باكستان منه قبلها!!

إن طبيعة قام به أردوغان في سورية [عفرين ، ثم تليها منبج ، وصولاً للحدود العراقية] ـ كما تعلن تركيا نفسها ـ يبين بوضوح أن خلفية دوافع ما أقدم عليه أردوغان في سورية وبالطريقة التي تمت بها، ليست دوافع للمحافظة على الأمن القومي التركي فقط، إنما هي بداية عمليه لتحقيق حلم أردوغان وأطماع تركيا المعلنة في حلب السورية ـ الولاية العثمانية السابقة ـ والممتدة إدارياً بامتداد هذا الشريط الحدودي، الذي تريد أن تحتله تركيا وتقيم عليه جيبها العميل، كما وأن لتركيا أطماع مماثله في العراق، وفي ولاية الموصل العثمانية السابقة أيضاً!.

ومعروف أن أردوغان وحزبه ومناصريه ذوي نزعة عثمانية، ويرون أن أفضل وقت مناسب لتحقيق هذا الحلم العثماني الإمبراطوري القديم، هو هذا الوقت بالذات، وهذه هي الفرصة الذهبية لتحقيقه في سورية المثخنة بالجراح الغائرة الآن في أنحاء جسدها الشفاف، وإذا ما فلتت منهم هذه الفرصة الآن، فلن تعود إليهم مره أخرى أبداً!.
فالعرب اليوم مشغولون بحروبهم الأهلية وبمشاكلهم الداخلية وبخلافاتهم مع بعضهم، ولا يلتفتن أحد منهم لشقيقه إذا ما احتلت أرضه أو سلبت منه، بل أن بعضهم قد يعاون تركيا على تحقيق أحلامها الإمبراطورية هذه، كما عاونوا الصهاينة من قبل ـ ولا زالوا يعاونونهم ـ على ضرب سوريه ولبنان معاً!.
فعلى تركيا ـ حسب وجهه نظر أردوغان وحزبه ـ أن تحقق حلمها الإمبراطوري قبل أن يصحو العرب من نومهم الطويل، ويصبح تحقيق هذا الحلم مستحيلاً!!
*****
إن أبسط قراءه إستراتيجيه موضوعيه للأحداث في عموم الشرق الأوسط وللأوضاع التي ترتبت عليها، ستبين بوضوح تام أن : ليس الأمن القومي التركي وحده المهدد في هذه المنطقة، إنما هو الأمن القوم لكل من إيران والعراق وسوريه بالإضافة إلى تركيا، وكذلك الأمن القومي لعموم بلدان المشرق العربي في الإقليم الشرق أوسطي، مهدد بنفس الدرجة التي يهدد بها تركيا وربما بأكثر منها!.
وربما يعرف الأتراك ـ وربما هم يتغافلون ـ أن هذا التهديد للأمن القومي التركي وغير التركي لا يأتي من الأكراد وحدهم، حتى إذا ما احتلت تركيا شمالي سوريه وأحبطت مشروع الدويلة الكردية، سينتهي تهديد الأمن القومي التركي، وستعيش تركيا بعدها بسلام وأمان دون مخاطر على شعبها ووحده أراضيها وأمنها القومي؟!

إن المخاطر التي تهدد الأمن القومي لتركيا وإيران ولعموم مجتمعات وبلدان المشرق العربي الشرق أوسطيه، لا يأتي من الأكراد وحدهم ـ فهم مساكين تستغلهم القوى الخارجية ويدفعون بعدها الثمن باهضاً دائماً ـ إنما يأتي من مشاريع دوليه أعدت للمنطقة، واستخدمت الأكراد ـ في هذه المرحلة ـ كرأس رمح لهذه المشاريع الدولية!.
وقد وضعتهم هذه المشاريع في مواجه مع مجتمعات وشعوب ودول المنطقة التي يتواجدون فيها جميعهم، باعتبار أن قضيتهم ـ وقضايا الأقليات عموماً ـ تعتبر واحده من أنجح الوسائل التي يمكن استغلالها، في تفكيك مجتمعات الشرق الأوسط العربية وغير العربية، وتغير خرائطها الجيوسياسية وإعادة هيكلتها من جديد، وهي ـ أي الأقليات ـ أيضاً واحده من أهم الأدوات التي اعتمدتها هذه المشاريع الدولية لهذه الأهداف، والأكراد منهم وفي طليعتهم على وجه الخصوص :
لأن الأكراد يتداخلون في صميم مكونات بعض مجتمعات الشرق الأوسط، ويشكلون أقليات كبيرة ونسب سكانية عاليه ومؤثره في هياكل دولها جميعها، وفي هيكل دوله تركيا خصوصاً، ثم تأتي بعدها إيران العراق وسوريه على التوالي!.

ووفق هذا المنظار الإستراتيجي، يصبح الأكراد في هذه الدول العربية والإسلامية الشرق أوسطيه الأربعة، أشبه بــ [حصان طروادة] الذي تتم تعبئتهم بهم، ثم قيادته وتوجيهه وتحويله إلى أداه تنفيذيه فاعله في هذه الدول ـ لنسبتهم السكانية العالية فيها ـ لتدميرها، وفق منظار تلك المشاريع الدولية!.
لأن لهذه النسبة العالية من الأكراد في البلدان المعنية قدره تدميريه مقاربه لقدره (التسو نامي) القادر على تدمير هذه البلدان الأربعة، وتفكيك كياناتها القومية ومجتمعاتها الوطنية ونظمها السياسية، وتحويلها جميعها إلى أقزام لا حول لها ولا قوه في منطقه الشرق الأوسط، وفي العالم أجمع!!
*****
وهذه المشاريع الدولية لا تحتاج إلى تفتيش لاكتشافها، فهي معروفه ومعلنه من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ولا نأتي بجديد إذا ما قلنا أن هذه المشاريع الدولية تتلخص بمشروعين مشهورين خطيرين ومترابطين ببعضهما أشد الترابط .. المشروعان ـ وعلى عجالة ـ هما :

المشروع الأول : هو ما يعرف بــ "مشروع الشرق الأوسط الجديد" : وهو المشروع الذي يختص بالمنطقة العربية، وبكيفية إضعافها وتفكيكها والسيطرة عليها وعلى موقعها الاستراتيجي المهم ـ فوق العادة ـ وكذلك على ثرواتها الطائلة!!
وهو المشروع الأول الذي طرحه رئيس الكيان الصهيوني (شمعون بيرس) لأول مره، بعد إبرامهم لــ "اتفاقيات أوسلو" مع بعض الفلسطينيين عام 1993 . وقد تبنت (إدارة بوش الابن) هذا المشروع الصهيوني فيما بعد، وبعد إجرائها لتعديلات جوهريه على بنوده، وكان احتلال العراق واحداً من أولويات بنوده وشرطاً مفصلياً من شروط نجاح هذا المشروع ككل .

والمشروع الثاني : هو "مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الموسع" : وقد استلهمه الأمريكان من المشروع الأول، وهو نفس المشروع الأول لكنه (وســــــــــع) ـ ومن هنا جاءت تسميته بالموسع ـ ليشمل دولاً إسلاميه كثيرة تأتي في طليعتها كل من تركيا وإيران تحديداً..وهما الأمتان المسلمتان الكبيرتان، واللتان ما زالتا قويتن وكبيرتين ومتماسكتين لحد الآن،!!

فالأمة التركية والأمة الإيرانية وقبلهما الأمة العربية : هي الأمم الإسلامية الكبرى الثلاث، اللواتي قامت على أكتافهن صروح الحضارة العربية الإسلامية وتاريخ الإسلام والمسلمين برمته!.
ومن الزاوية الإستراتيجية إذا ما دمرت أو أضعفت هذه الأمم الإسلامية الكبرى الثلاث، فإن العدو الإيديولوجي الجديد الذي صنّعه الغرب تصنيعاً ـ وقد لا يصدق أحد هذا القول ـ للغرب، أي الإسلام سيزول دوره وتأثيره العالمي، ويصبح ساحة مفتوحة للصراع الدولي الجديد، والذي أخذ ينتقل بصور متسارعه إلى جنوب شرقي آسيا، ومع الصين وحلفائها الآسيويين تحديداً!.

ومعروف للجميع جيداً، أن المشروعين (الجديد و الموسع) قد انطلقا سويه بقوه قاهره بعد احتلال العراق تحديداً، وبكل بنودهما وتفرعاتهما، وكان بند " الفوضى الأمريكية الخلاقة " هي السفينة التي أبحرت بباقي بنود "المشروعين الشرق أوسطيين" في جميع الاتجاهات من أرض العرب الواسعة، مستغلة سخط الجماهير العربية على أنظمتها الفاشلة وثوراتها الكبرى عليها، واستطاعت تحويلها من ثورات نهضوية باتجاه المستقبل، ونجحت في جعلها رده جاهليه سوداء باتجاه أكثر العصور دمويه وظلاماً!.
ولقد كانت تلك ["الثورات" عربيه حقاً .. لكن "الربيع" كان أمريكياً صرفاً] أصابت الولايات المتحدة به العرب جميعهم شعوباً وأنظمه سياسيه وطاقات اقتصاديه من المحيط إلى الخليج، وحولته إلى حروب أهليه من اليمن ومروراً بالعراق وسورية إلى ليبيا ثم مصر، وبالخصوص دول الطوق العربية المحيطة بالكًيان الصهيوني، وبالأخص منها تلك الأنظمة التي لم تدخل في (مزاد تسوية القضية الفلسطينية بعد)!!
فمن العرب من استسلم لأمريكا تماماً، ومنهم من طاوعها على مضض، ومنهم من قاوم ومانع، فأكلته نيران ذلك الربيع الأمريكي المشؤوم، ولا زالت نيرانه مشتعلة في أرجائها!.
*****
بالمنظار الإستراتيجي الواضح الآن كل الوضوح، أن كل ما حدث للعرب في السنوات الأخيرة بدءاً بــ "الثورات العربية" وانتهاءَ بــ "الربيع الأمريكي" وصولاً إلى التطبيع الخليجي مع الصهاينة واعتراف الأمريكان بالقدس عاصمة لــ "إسرائيل" لتصفية القضية الفلسطينية، وتأجيج النيران الطائفية والحروب الأهلية في كل من العراق وسوريه واليمن وليبيا وأغلب باق المناطق العربية أخرى، ودخول تركيا وإيران على جميع الخطوط والأبواب العربية الداخلية، وكل ما يحدث الآن في عموم الشرق الأوسط بفرعيه : الجديد والموسع هو :
عبارة عن خلط أوراق و(عمليه انتقال أمريكية مستعجلة) للملمه الشرق الأوسط وطي صفحته، والانتقال إلى بؤره الصراع الأكبر والأهم والأخطر في جنوب شرقي آسيا ومع الصين تحديداً، بعد أن أمن الأمريكان مؤخرتهم بفرضهم لهيمنهم المطلقة على النفط والطاقة والثروات والحكومات والأرض العربية وملئها بمئات القواعد العسكرية، وبعد محاولاتهم الدؤوبة للتخلص سريعاً من وجع الرأس الإيراني، الذي يجعل من هذه الهيمنة الأمريكية على المنطقة ناقصة أو متعثرة قليلاً!.

فالصين التي أخذت تتعملق يوماً بعد يوم وثانيه بعد ثانيه وتحفر للولايات المتحدة قبراً، يسعها ويسع دورها الفريد والمتفرد الحالي بشؤون العالم.. وليس شرطاً أن يكون هذا القبر الصيني عسكرياً، إنما هو قبر سياسي واقتصادي بالدرجة الأولى، والاقتصاد كما هو معروف يشكل أس الأساس لأي تفوق ونجاح في أي صراع وفي هذا الصراع العالمي بالذات!.
ولهذا السبب الجوهري بالذات، وضعت الولايات المتحدة يدها على النفط العربي والثروات العربية والحكومات العربية والأرض العربية!!

البعض من المحللين يقول : بأن الشرق الأوسط والشرق الأوسط العربي بالذات سيفقد أهميته، لانتقال ثقل الاقتصاد العالمي والصراع العالمي إلى جنوب شرقي آسيا.. وهذا القول مخطوء لسببين :
o الأول هو : إن النفط والطاقة بصوره عامه، سيبقيان هما المحرك والمشغل الأول لجميع منتجات الحضارة ألحديثه على مدى القرن الحالي أو ثلثيه على الأٌقل.. ولهذا سيكون هو السلعة الأولى التي تتنافس عليها قوى هذا الصراع العالمي الجديد!!
o الثاني هو : أن الشرق الأوسط إذا ما فقد أهميته السياسية، فهو محتفظ وسيبقى محتفظاً ب أهميته الاقتصادية وبأهميته الإستراتجية، بسبب موقعه الفريد بين أقصى الغرب وأقصى الشرق!.
ولهذا سيكون الشرق الأوسط في هذا الصراع الدولي الجديد أشبه بــ "الأرض الحرام" التي تفصل بين الجيوش المتحاربة، وسيتحمل مرغماً جميع الضربات الطائشة والمقصودة بين المتحاربين جميعهم!!
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا